حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> فكر ديني
كيف ندافع عن رسول الله ؟
الشيخ حسين الخشن



كيف ندافع عن مقدساتنا؟ وكيف نرد الإساءة التي تعرض لها نبينا الكريم (ص)؟ هذا هو السؤال الذي يشغل العالم الإسلامي اليوم ويدوي في أرجائه بعد قصة الفيلم الأمريكي المسيء إلى رسول الله .

 

براءة مزعومة
 
 دعونا في البداية نؤكد على أنّ هذا العمل المشين ليس مجرد عمل ارتجالي بريء براءة الحرية التي يراد وضعه فيها، لأن سياق مسلسل الإهانات والأعمال المسيئة والمشينة من الرسوم الكاركاتورية المسيئة للإسلام  إلى إحراق القرآن الكريم إلى الفيلم الأمريكي الأخير، إلى غير ذلك من الأعمال الفنية أو غيرها، إن هذا السياق لا يسمح بهذا التفسير"البريء"، بل إنه يؤشر إلى أنه عمل مقصود وممنهج يهدف إلى تشويه صورة المسلمين والإساءة إلى رموزهم، وكيف يمكننا أن نصدق براءة هذا العمل مع أنّ منتج هذا الفيلم على علم بأن مثل هذه الأعمال تستفز مشاعر المسلمين، كما أنّ الأسلوب الفني الهابط والرخيص والبعيد عن الموضوعية الذي يطبع هذا الفيلم هو شاهد آخر على عدم براءة منتجيه ومن يدعمهم، باختصار : إنّ هذه الشواهد لا تسمح لأي منصف أن يضع هذا الفيلم في نطاق الأعمال الفنية ولا قبول فكرة أنّه ينتمي إلى نطاق الحرية، هكذا وببراءة تامة!!
 
الإساءة إلى الحرية نفسها
 
ثم دعونا نسجل إزاء هذه البراءة المزعومة التي يريدنا بعض الإعلام الغربي أن نصدقها عندما يضع هذا الفيلم في نطاق الحريات بعض الأسئلة:
 
أولا :  لماذا تتجمد هذه الحرية عندما يصل الأمر إلى تناول قضية تاريخية حصلت مع اليهود وهي قضية المحرقة، إنها لمفارقة عجيبة والله أن تجد أننا نحن أمة المليار ونصف المليار، الأمة التي تمتلك من المقدرات والطاقات ما يجعلها حاجة لكل العالم أنّ هذه الأمة لا يبالي العقل الغربي بها، بل يستخف بكراماتها ويستهين بأقدس مقدساتها، بينما نجد في المقابل أن بضعة ملايين من اليهود يحسب لهم هذا العالم ألف حساب، ولا يتجرأ أحد على انكار أو حتى التشكيك في محرقتهم المزعومة، وإلاّ سيلاقي من الأذى والحصار والظلم ما لاقاه الراحل روجيه غاردوي! وإذا سألتني ما سرهذه المفارقة؟ لأجبتك  بقول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام.
 
 ثانيا: دعونا نصدق أنّ القضية قضية حريات، وأن الحرية في الغرب سمحت بانتاج أفلام تسيء إلى السيد المسيح نفسه فضلا عن غيره من الأنبياء، لكن أعتقد أنّ لنا الحق أن نقارب المسألة من زاوية الحرية نفسها ونخاطب العقل الغربي بكل موضوعية، هل تسمح الحرية بانتهاك كرامات الناس؟ إنّ الحرية قيمة إنسانية عظيمة ينعم الإنسان ببركاتها، والإنسان بدون حرية يساوي الجمود، بينما الإنسان زائد الحرية يساوي الإبداع، ولكن أليست الكرامة الإنسانية قيمة أيضا ؟ وإيماننا بالقيم لا يمكن أن تتجزأ، لا يمكنك أن تكون مع قيمة دون أخرى، وهكذا فإن الحقوق لا تتجزأ، فالحرية حق، سواء حرية المعتقد أو حرية التعبير عن الرأي.. و الكرامة الإنسانية هي الأخرى  حق مقدس، وممارسة الحق لا يجوز أن تكون على حساب انتهاك حق آخر، إنّك عندما تسيء بطريقة سفيهة وهابطة إلى رمز مقدس لمئات الملايين من البشر فأتت تنتهك كراماتهم وتسيء إلى مشاعرهم، إنّ الحرية نفسها لا تسمح لك بذلك. 
 
ألم تناد كل دساتير العالم  بأنّ من يعتدي على إنسان معين اعتداءً مادياً أومعنوياً فإنه يستحق الإدانة ولا يسمح له أن يتذرع بالحرية، لأنّ حريته تتوقف عندما تبدأ حرية الآخرين أو عندما يمس كرامة الآخرين، ولكن أيعقل أن يكون الأمر كذلك عندما يُعتدى على شخص واحد، وأما عندما يُعتدى على أمة بأجمعها فيوضع ذلك في دائرة الحرية ؟! وهكذا عندما يتناول رمزا كبيرا بطريقة يعلم أنها تستفز مشاعر مئات الملايين وتنتهك كرامتهم!! إنّ هذا ليس من المنطق في شيء ولا من الحرية في شيء.
 
ما هو الدرس؟
 
لعل العبرة التي علينا أن نستفيدها من هذه الإساءة الجديدة هي أن ثمة "عقلاً" يخطط للنيل من أقدس المقدسات لدينا دون أن يفرق بين سني وشيعي، فهل سنستفيق من كبوتنا ونستيقظ من سباتنا ونضع حداً لهذا التناحر المذهبي الداخلي؟! لأنّ الإساءة إلى النبي(ص) تستهدفنا جميعاً ورسول الله يوحدنا، والقرآن يجمعنا والقدس الشريف (المنسية في هذه الأيام) هي أولى قبلتنا، ولست أدري إذا كان يجوز لي القول: حسناً يفعل هؤلاء، لأنهم بعدوا بينهم الصارخة وتطاولهم على رسول الله(ص)، وبغبائهم وحماقتهم ينبهون المسلمين إلى مكمن الخطر الحقيقي وأن ثمة من يريد إسقاط الهيكل على رؤوس المسلمين جميعاً، فهل من مدكر.
 
 ما هو الأسلوب الأجدى في الدفاع؟
 
   وهذا سؤال محوري، لأنّ أسلوبنا في الرد والدفاع هو جزء من الصورة التي سوف نقدمها عن أنفسنا وذاتنا وقيمنا وتعاليم رسولنا(ص)، فعلينا أن  نثبت أننا أمة تحترم ذاتها وتحسن تقديم نفسها للعالم وحينها سوف يقال هكذا أدّب محمد(ص) أتباعه، فبأسلوبنا نؤكد ما جاء في هذا الفيلم أو ندحض ذلك، ولنفترض أنّ هؤلاء يخططون لمعركة ثقافية حضارية فالسؤال :كيف ننجح في هذه المعركة؟
 
 لا أرى أن من المجدي أن نعالج الموقف بارتجال أو تسرع ولا بحرق الدواليب أو ما إلى ذلك، بل لا بد أن يكون الرد حكيماً ومدروساً ، لأنه إذا كان الآخر يخطط فالتخطيط لا بد أن يواجه بتخطيط مضاد، أما إذا واجهنا التخطيط بالارتجال، والعقل بالانفعال فلن نثبت حقاً أو ندحض باطلاً أو نمنع إساءة، ولن نخدم رسالتنا بشيء، دعونا نثبت للعالم أننا أمة تحترم نفسها وتهتم لكرامتها وتنتصر لمقدساتها ولكنه في الوقت عينه أمة تحسن التعبير عن نفسها وتجيد اختبار وسائل الدفاع عن كرامتها ومقدساتها.
 
   إذن ما هو الأسلوب الأجدى لمواجهة كل هذه الاهانات التي توجه إلى ما يزيد على مليار ونصف المليار من البشر؟
 
  1- الحراك الشعبي، لا ريب أن اندفاع الجماهير الإسلامية إلى الشارع للتنديد بهذا الفيلم والاعراب عن غضبها وانتصارها لرسول الإنسانية محمد(ص) هو اندفاع عفوي وبريء ويحمل الكثير من المشاعر الطيبة والمملؤة حباً لرسول الله(ص) وغيرة على دينها ومقدساتها.
 
   ولكن لا أعتقد أنّ هذه نهاية المطاف وأنّا بنزولنا إلى الشارع وإحراقنا للعلم الأمريكي – مثلا - نكون قد أدينا قسطنا للعلى وأعدنا كرامة نبينا المهدورة، أقول هذا مع تقديري لكل هذه المشاعر التي عبّرت عنها جماهير المسلمين على اختلافهم مذاهبهم بل ودعوتي إلى استمرار الاحتجاجات السلميّة، والضغط على أنظمتنا وحكوماتنا لتتخذ موقفاً صارماً يشعر الغرب بأننا أمة نحترم أنفسنا ونهتم لكرامتنا ومقدساتنا، ولتتحرك – هذه الأنظمة - في المحافل الدولية لاستصدار قرارات تمنع الإساءة إلى الأديان وتجرّم ذلك، وإن كنت شبه آيسٌ من هذه الأنظمة وعلى يقين من أنّها أعجز وأضعف وأوهن من أن تستطيع توجيه مجرد تأنيب أو إنذار حقيقي للغرب يتهدده في مصالحه الكثيرة في بلادنا، لإنّ هذا الغرب لا يفهم بلغة المشاعر بل بلغة المصالح فهو إنما يحس حسابا لكل ما يتهدده في مصالحه. 
 
  وبصرف النظر عن ذلك، فإنّ كل واحد من المسلمين يستطيع أن يقدم شيئاَ على هذا الصعيد، دفاعا عن نبيه الكريم ، وعلينا أن نبادر إلى ابتداع أساليب خاصة في الدفاع ولا ننتظرنّ أحداً من المرجعيات السياسية أو الدينية، فلننتصر لنبينا بأبسط الأشياء، بفكرة جميلة، بعمل فني ، بروايةٍ، بقصة ، بقصيدة شعرية، بحكمة بالغة، دافعوا عن رسول الله(ص) بأفعالكم قبل أقوالكم، إنّ أمانتنا وصدقنا وإخلاصنا مع البر والفاجر، مع المسلم والكافر، هي أفضل أسلوب للدفاع عن رسول الله(ص)، اننا نسأل بحسرةٍ أين رسول الله فينا كأمة نتغنى باسمه! ونتفاخر بالانتساب إليه، والانتساب إلى رسول الله(ص) ليس بالشعارات بل بالسلوك، رسول الله مدرسة من القيم والأخلاق والإنسانية والرحمة، فأين نحن من هذه القيم؟
 
2- العمل الفني، وعلينا أن لا نكتفي بالمشاعر والانفعالات، بل لا بدّ أن نعمل بهدوء وتخطيط وتنظيم لتقديم رسول الله (ص)إلى الإنسان الغربي بصورته الواقعية المشرقة، وهي صورة رسول الإنسانية ورسول العدالة والمحبة والرحمة.
 
إنهم يسيئون إلى رسول الله من خلال الإعلام والفن والتمثيل، فلندافع عن رسول الله من خلال الوسائل عينها، لأن الهدى لا ينتشر من حيث ينتشر الضلال، إنهم يسيئون إلى رسول الله من خلال الفن وبعضنا – مع الأسف - يريد أن يدافع عنه بحرق الدواليب ! قبل أن نسأل الغرب ونحاكمه فلنسأل أنفسنا كيف قدّمنا رسول الله(ص)؟ أين إنتاجنا الفني الذي يعكس الصورة الحقيقية لرسول الله(ص) ويقدمها للإنسان الغربي، وهو بالمناسبة ليس بالضرورة أن يكون عدائياً ضدنا.
 
3- والعمل الفكري، ويبقى الأهم من ذلك كله أن يبادر المفكرون والعلماء من اتباع رسول الله(ص) إلى العمل الجاد على تنقية تراثنا من كل ما يسيء إلى الرسول(ص) ويشوه صورته، ودعني أقولها بصراحة: عندما يسيء "الغباء" الغربي إلى رسول الله(ص) فهذا ليس بالأمر المستغرب، وهل نتوقع من هؤلاء غير ذلك؟ ولكن عندما يسيء المسلمون إلى نبيهم فتلك الطامة الكبرى والمصيبة العظمى، أليس تأليف كتاب يحمل عنوان فقه الذبح (والمقصود ذبح الإنسان وليس الحيوان!) على يدي بعض المنتسبين إلى رسول الله يمثل أكبر إهانة وإساءة لرسول الله(ص)؟ أليست كل الأفلام والكتابات الغريبة المسيئة للإسلام تستند فيما تطرحه وتقدمه على "مصادر" المسلمين وكتاباتهم؟  فتعالوا وقبل أن نرجم الآخرين بالحجارة ننقي تراثنا من كل هذا الركام ومن كل هذا العفن والتزوير وبعدها ننطلق لمحاكمة الآخرين.
 

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon