حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  حوارات >> فكرية
في حوار فكري مع موقع لبنان الجديد
الشيخ حسين الخشن



 

 
 
أجرى موقع لبنان الجديد الإلكتروني حواراً  فكرياً  مع سماحة الشيخ حسين الخشن عن "الزواج المدني" وعن "الوحدة الإسلامية" وعن "دور رجال الدين في العصر الحاضر" وعن مواضيع فكرية أخرى. 
 
 
 
سماحة الشيخ حسين الخشن أستاذ ومحاضر في المعهد الشرعي الإسلامي أعدّ وألّف العديد من الكتب الإسلامية والفقهية ولديه العديد من المعالجات الدينية والفقهية لمختلف القضايا الاجتماعية والفكرية والدينية المعاصرة , كما أن سماحة الشيخ من أبرز تلامذة الفقيه المجدد سماحة آية الله المرجع السيد محمد حسين فضل الله (قدس سره) .
 
إلتقينا سماحة في حوار تناول عددا من المواضيع والقضايا وفيما يلي نص الحوار .
 
 
 
 
 
 ما هي رسالتكم كرجل دين وفكر وما هو دوركم ومساهمتكم في معالجة الازمات ذات المنبع الديني؟
 
 
 أعتقد أنّ وظيفة عالم الدين ومهمته هي أن يحرص على إبقاء الدين رسالة حياة ودعوة حب وانفتاح على الله وعلى عيال الله، وأن يسعى جهده في التخفيف من وتيرة الأحقاد والضغائن وأن يزرع البسمة في القلوب ويوزّع البشر على الوجوه، وليس مفهوما ولا مبررا أن ينظر الناس إلى عالم الدين نظرة رهبة أو خوف، فعندما يخاف الناس من رجل الدين فهذا يعني أنه قد ابتعد عن الدين وقيمه، لأنّ الدين هو بشائر رحمة، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
 
 وأما في مواجهة الأزمات المختلفة ذات الطابع الديني، فإنّ على المفكر الإسلامي أن يبقى في حالة استنفار دائم وأن يجنّد نفسه للمساعدة في إيجاد الحلول لها، وذلك من خلال حيوية العقل الاجتهادي الذي يشكل حارسا أمينا لحماية الدين ومفاهيمه الأصيلة من كل ما علق ويعلق به من شوائب، أو ما يقحم عليه من عادات وتقاليد تشوه نقاءه وإشراقه، فيتحوّل الدين معها إلى عنصر توتر وقلق، بدل أن يكون عنصر أمن وأمان، ولعل أسوأ أنواع التشوه التي يتعرض لها الدين هو العمل على تحويله إلى سيف مسلط على الرقاب بدل أن يكون الماء العذب الذي يحيي القلوب العطشى، وليس أقل سوءاً من ذلك تحويله - أي الدين - إلى غطاء لسياسات السلطان الظالم والمستبد، ومن الطبيعي أن المواجهة في هذا الميدان تحتاج إلى علماء فدائيين لا يخافون في الله لومة لائم، علماء يحملون روحاً جهادية قادرين على التضحية أمام كل حملات الإسقاط والتهميش، وحملات التضليل والحصار والإرهاب الفكري. 
 
 
وسط المنازعات القائمة في موضوع الزواج المدني ما رأي الإسلام الفقهي بهذا الزواج هل يؤيد سماحة الشيخ لجوء البعض إليه في لبنان ؟
 
 تعليقا على  الموضوع القديم الجديد وهو موضوع الزواج المدني فإني أحب تسجيل عدة ملاحظات:
 
الملاحظة الأولى: إنّ ثمة اجتهادأ فقهياً لا يرى مشكلة في الزواج المدني في حد ذاته، فهو كعقد ليس باطلا بحيث تكون علاقة الطرفين علاقة غير شرعية، لأنّ الزواج في الإسلام هو بطبيعته مدنياً وليس سراً إلهياً، ولا تتوقف شرعية الزواج على إجراء العقد على يد وسيط، سواء كان كاهنا أو شيخاً، إلاّ أنّ المسألة أو المشكلة هي في المفاعيل المترتبة على الزواج المدني والتي لا تلتقي مع أحكام الفقه الإسلامي سواء ما يتصل بالطلاق أو الميراث أو الحضانة أو زواج المسلمة بغير المسلم .. ومن الطبيعي أنّ المسلم مدعو إلى الإلتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، مع العلم بأنّ بعض هذه القضايا يمكن إيجاد مخارج شرعية لها، كما هو الحال في الطلاق الذي يمكن تخريجه شرعا على قاعدة توكيل المرأة أو طرف ثالث في الطلاق.
 
الملاحظة الثانية: إنّ الأصوات المتطرفة والتي تدعو إلى قمع الآخر واسكاته أو تمنعه حقه في التعبير عن رأيه هي أصوات مرفوضة من أي جهة صدرت، فكما أنه لا يحق لرجل الدين قمع الآخرين باسم الدين، فليس من حق الآخرين أن يمنعوا رجل الدين من إبداء رأيه في أية قضية، سياسية كانت أو تشريعية أو اجتماعية أو أخلاقية أو غيرها مما هو على صلة بتنظيم شؤون الناس، ولا سيما عندما نتحدث عن عالم الدين الذي يملك رؤية دينية تملي عليه إبداء رأيه، إذ لا يرى أنّ دينه يضع فاصلاً بين شؤون الدين وشؤون الدنيا، ففي هذه الحالة يحق له أن يقول: إنه ومن وجهة نظري الإسلامية والفقهية فإنّي أرفض الزواج المدني ولو بلحاظ بعض مفاعيله التشريعية.
 
 الملاحظة الثالثة: إنّه وبصرف النظر عن الموقف الرافض أو المتحفظ إزاء الزواج المدني ومفاعيله، فإنّ السؤال الملح الذي نضعه برسم كل علماء الدين هو: أنه ما هو السبيل الأمثل للتعبيرعن رفض هذا القانون؟ هل إن أسلوب التكفير وإخراج الناس عن الدين هو الأسلوب المجدي في هذا المقام؟! أوليس أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة هو الأسلوب الأمثل كما يعلمنا القرآن الكريم؟ أليس إبداء الرفض بهذه الطريقة التكفيرية قد يولّد ردة فعل سلبية تجاه الدين نفسه؟ أليس من الأهمية بمكان أن يعمل علماء الدين على إقناع الناس بأهمية الزواج "الشرعي"، وأن يزيلوا الأسباب والمبررات التي تدفع البعض إلى اختيار الزواج المدني؟ وهذه الأسباب كثيرة ولا تنحصر بالإجراءات البائسة والتعيسة والمذّلة أحيانا أو التصرقات الاستغلالية التي تحصل في الكثير من المحاكم، بل إنّ عليهم أن يسعوا من خلال الفقهاء إلى تطوير الكثير من نصوص القوانين المعتمدة في المحاكم وإعادة النظر فيها، لأنّها قوانين مبنية على اجتهادات معينة قد تكون خاضعة للنظر، إنّ المعاناة التي يتعرض لها الكثيرون من الناس ولا سيّما النساء على أعتاب المحاكم أو أثناء المحاكمات وما قد يحصل فيها من تعسف ظالم يرتكبه بعض الأزواج، دون أن يتم إيجاد مخارج شرعية لذلك، إنّ ذلك هو بالتأكيد أحد أسباب لجوء البعض إلى الزواج المدني.
 
 
 
في أجواء ولادة الرسول الأكرم (ص) وأسبوع الوحدة الاسلامية هناك رؤيتان حول الوحدة بين المسلمين حيث يعتبرها البعض عنوانا ثانويا ويعتبرها البعض الآخر أصلا أولياً ما هو رأي سماحة الشيخ حسين ؟
 
 إن الوحدة الإسلامية لو كانت - في الأصل - من المندوبات والمستحبات، فإنّها  تغدو اليوم في عداد الواجبات والفرائض، وذلك لأنّنا في زمن أصبح شبح الفتنة المذهبية يطل علينا برأسه منذراً بحرب لا تبقِ ولا تذر، فكيف لو كانت الوحدة من الأساس فريضة دينية يفرضها علينا انتماؤنا إلى دين واحد، واعتقادنا بنبي واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة .. 
 
 والوحدة الإسلامية التي نطمح إليها لا تحققها الشعارات ولا الكلمات الاستهلاكية ولا اللقاءات الاستعراضية ولا النوايا الطيبة، وإنّما هي عمل مضنٍ لا بد أن يتحرك على عدة جبهات:
 
أ‌-- ---_فهناك العمل الفكري الذي لا بد أن يعمل على رفع المعوّقات العقدية من أمام مشروع الوحدة، لأنّ العقيدة السائدة التي يلتزمها كافة المسلمين والمبنية على منطق الفرقة الناجية هي حجرعثرة أمام وحدة الأمة، إذ كيف لنا أن ندعو إلى الوحدة الإسلامية في ظل اعتقاد كل فرقة بأنها الفرقة الناجية وأنّ الآخرين هم في النار ؟!
 
ب‌-_ وهناك العمل الفقهي الذي عليه أن يعمل على تأصيل فقه الوفاق، بدلاً من فقه الشقاق، وهو الفقه السائد في كافة المعاهد والحوزات العلمية عند الشيعة والسنة.
 
ت‌-_وهناك الجهد السياسي الذي لا بد أن يعمل على تجميع المسلمين من خلال دولهم وكياناتهم المختلفة في اتحادات حقيقية يجلس فيها قادة المسلمين ليخططوا لكل ما فيه عزة الأمة ومنعتها وتقدمها على جميع المستويات، وفي الحد الأدنى فإنه ومن خلال هذه المجاميع السياسية يتسنى لهم دراسة قضاياهم وهمومهم ومصالحهم المشتركة، ولا سيما أمام تحديات الاحتلال الذي يعمل جاهدا على نهب ثروات الأمة وقهر إرادة شعوبها . 
 
ث‌-_وهناك العمل الإعلامي الذي يبشر بثقافة الوحدة والتقريب ويساهم في رفع الحواجز النفسية التي تمّ وضعها بين المسلمين، ويحل محل الإعلام المذهبي الذي يبشر بثقافة الحقد ويثير الفتن والحساسيات المذهبية، كما نلاحظ في هذه الفضائيات الفتنوية المشبوهة والتي تحرك الغرائز المذهبية والنعرات الطائفية بشكل لا نظير له بما يطيح بجهود عشرات بل الآف الوحدويين، ولا نبالغ بالقول: إنّ هذه الفضائحيات ( وليس الفضائيات)تمثل أكبر خطر في وجه مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية.  
 
والقضية كل القضية أن يكون لنا إرادة الوحدة وأن نكون صادقين في دعوى التقريب  وأن نعيش الوحدة كهمّ من همومنا .
 
 
 
ماذا علينا أن نستلهم من ذكرى ولادة الرسول الأعظم محمد (ص) ؟
 
 أعتقد أنّ علينا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا حيث يراد تشويه صورة النبي الأكرم (ص) وتقديمه باعتباره داعية العنف ورمز القتل، ومع الأسف فإنّ من يقدّم رسول الله كذلك هم صنفان من الناس، أحدهما: أعداء الإسلام المغرضون، ثانيهما: صنف من جهلة المسلمين الذين يسيؤن بسلوكهم إلى الرسول(ص)، ويقدمونه كداعية للقتل وسفك الدم، إننا في هذه المرحلة معنيون بتصحيح هذه الصورة ولا أبالغ إذا قلت إنّ ذلك هو أولوية الأولويات، والتصحيح يكون بأن نستحضر رسول الله (ص) باعتباره رسول المحبة والرحمة، {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، فرسول الله (ص) لم يبعث ليكون جزاراً، وإنما ليكون رحمة للعالمين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
 
والرحمة ليس عنوانا فضفاضاً وطوباويا، بل إنها منهج حياة، ولا بدّ أن تتحول إلى سلوك عملي، لتحكم العلاقات الإنسانية كافة، فعلاقة الزوج بزوجته يحكمها قانون الرحمة :{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}، وعلاقة الإبن بوالديه يحكمها قانون الرحمة: {واخفض لهما جناح الذل والرحمة}، وعلاقة الجار بجاره والإنسان بأخيه الإنسان، يحكمها القانون نفسه. ولكننا نتساءل باستغراب:  أين قيمة الرحمة في واقعنا الإسلامي؟ سواءً في علاقة المسلم مع أخيه المسلم، أو في علاقة الزوج مع زوجته.. إنّ المجتمع الذي أرسى النبي قواعده على قاعدة {أشداء على الكفار رحماء بينهم} قد انقلبت لديه  الآية،  فأصبحنا  أشداء بيننا رحماء على غيرنا !.
 
وتجدر الإشارة إلى أنّ الرحمة في الإسلام لا تعني الذل والمهانة ولا تلغي حق الإنسان في الدفاع عن نفسه، أو أن يكون كفرد أو كأمة قوياُ عزيزاً مقتدراً. 
 
 
ثمة نزاعات ما بين المفاهيم الاسلامية القديمة ومتطلبات العصر الحديث,كيف يمكن تحديث الفكر الديني لمواكبة الحداثة ومتطلبات العصر  ؟
 
 أعتقد أنّ الاجتهاد هو المفتاح الأساسي لحل هذه المعضلة، فالاجتهاد – كما قال بعض المفكرين - هو القوة المحركة للإسلام، ففي ضوء العقل الاجتهادي هذا   نستطيع أن نميّز - بادئ ذي بدء - بين الدين من جهة وبين الفكر الديني من جهة أخرى، فالدين هو الذي يمتلك القداسة أمّا الفكر الديني فهو في معظمه نتاج اجتهاد بشري خاضع لإعادة النظر والدرس المجدد من قبل أهل الفكر والاختصاص.
 
وفي ضوء العقل الاجتهادي نستطيع أيضا أن نميّز بين الثابت والمتحرّك، فالثبات هو سمة المبادئ، والمرونة هي سمة الوسائل، فمثلاً نقرأ قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} نجد أن الآية ذكرت مبداً ووسيلة، فالمبدأ هو إعداد القوة، لأنّ المجتمع الإسلامي لا بد أن يكون قوياً عزيزاً، أمّا الوسيلة فهي رباط الخيل، فالخيل وسيلة متحركة ومتغيرة، وهذا الأمر يسري في الكثير من الأمور كما هو الحال في اللباس، وفي الكثير من أنماط العيش، والمؤسف أنّ الكثيريم منا لم يستطيعوا التمييز بين المبادىء والوسائل فصاروا يثيرون المعارك على الوسائل المتغيرة ويهملون المبادىء الثابتة ! 
 
 وعلى صعيد آخر فإنّ العقل الاجتهادي سيقود حتما إلى تفعيل الفقه المقاصدي الذي يخرج الإسلام عن الجمود والشكلانية، ويسمح بمواكبة كافة المستجدات وتقديم إجابات واضحة عليها.
 
 
سماحة الشيخ في ظل الظروف العربية الراهنة وتطور الأحداث في المنطقة ،كيف تنظرون اليوم إلى واقع الأمة الإسلامية والعربية ؟
 
 إننا ننظر بأمل كبير إلى الصحوة التي تعيشها الأمة، وإلى نسائم الحرية التي انتشرت في ربوعها، ونرحّب بهذه العودة إلى الإسلام .. إلا أنّ ثمة ما يدعونا إلى القلق، وأهم ما يدعو للقلق هو هذه العصبية المذهبية المقيتة التي تفتك في جسم الأمة، وهذا التمزق الذي تعيشه، إنّ الأمة الإسلامية  تملك من المقدرات البشرية والطاقات الطبيعية ما يجعلها أمة رائدة قائدة شاهدة على الأمم إلاّ أننا نراها لا تزال تعيش في مستنقع الجهل والتخلف، فأمة "إقرأ" هي أجهل الأمم! وأمة {كنتم خير أمة أخرجت للناس} تعيش عالة على هامش الأمم!  وأمة {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، هي من أضعف الأمم! وأمة المليار والنصف مليار إنسان لم تستطع إلى يومنا هذا  إستعادة أرضها السليبة في فلسطين من أيدي عدة ملايين من الصهاينة !
 
أمام شعوب هذه الأمة الكثير من التحديات، فهناك تحدٍ داخلي، وهو تحدي الوحدة والاجتماع والتآلف، وهناك تحدي خارجي وهو تحدي التنافس الحضاري، ولا بد لهذه الأمة أن تعمل لتنجح في التحديين معاً، هذا ما نأمله ونرجوه ونتطلع إليه.  
 
 
 
9-2-2013





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon