حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  كتب >> قراءات في الكتب
قراءة في كتاب: في بناء المقامات الدينية



اسم الكتاب: في بناء المقامات الدينيّة
 
المؤلف: الشيخ حسين الخشن
 
إصدار: المركز الإسلامي الثقافي
 
سنة النشر: 1434ه/2013م
 
عرض: محمد طراف

 

كدأبه على الدوام وبجرأته العلمية المعهودة، يعود سماحة الشيخ حسين الخشن، ليضرب من جديد، وبيد العقل والدليل والروايات الموثّقة، وليضع مسألة حقيقة وجود بعض المقامات على مشرحة البحث العلمي بعيداً عن التعرّض أو المسّ بمشاعر أيّ فئة هنا أو هناك. كيف لا وهو يتبوّأ مركز مدير دائرة الحوزات الدينية في مكتب المرجع الراحل السيّد محمد حسين فضل الله (رض) وما يمثّله هذا الموقع. فيقول في مقدّمته: "وإنّي إذ أتناول بعض "المقامات الدينية" بالبحث والتنقيب وأضعُها تحت سؤال الشرعية فلا أبغي من وراء ذلك المسّ بمشاعر أحد ممّن يرتاد هذه المقامات بهدف الزيارة، وإنّما أطرح وجهة نظري بأسلوب علمي، وكلّي أمل أن أرى ردوداً علمية على ما أطرحه، ما يثري البحث ويصوّب الرأي ويخدم الحقّ والحقيقة، بعيداً عن أسلوب الإنشائيات العاطفية التي لا أعتقد أنّها تُثبت حقاً أو تزهق باطلاً، فالحقائق لا تُبنى على أساس العواطف والمشاعر حتى لو كانت نبيلة وصادقة"...
 
يقسّم الشيخ الخشن الكتاب إلى قسمين وخمسة ملاحق في نهايته... في الفصل الأول يعرض سماحته لظاهرة بناء المقامات الدينيّة والهدف من بنائها، والتي لا تختصّ بالشيعة دون سواهم، فبناؤها ينطلق من اعتبارات تنظيميّة ليكون صاحب المقام معروف المكان ويسهل للقاصد التعرّف على مكانه بسهولة... وكذلك كانت تعتبر المقامات مصدراً للتعبئة الروحيّة لأنها بيت من بيوت الله، وما تملكه من مكانة...
 
ويفرّق سماحته بين المقامات الثابتة الصحة والوجود، وبين المقامات التي ثبت عدم صحتها، ومن هنا ينطلق ليعدّد المحاذير الشرعية التي يجب معرفتها... ولا سيّما أن تزايد المقامات في إيران وحدها ارتفع من 1500 إلى 10691 مقاماً منذ انتصار الثورة إلى اليوم... و يعزو سبب ذلك إلى الجهل والاشتباه في الشخصيات، وإلى التنافس بين البلدان والمذاهب والاعتماد على العصبية في التفاضل أيضاً، وكذلك إلى أسباب عمرانية تذكارية لبعض الشخصيات في بلد آخر غير مدفنه.. ويشدد الشيخ الخشن على الدوافع المادية والمنفعة الكسبية لوجود هذه المقامات...
 
وانطلاقاً من انتشار هذه الظاهرة يدعو سماحته إلى الاعتماد على عدة عوامل للتثبّت من صدقيّة المراقد المبنية نفياً أو إثباتاً، كالاعتماد على السيرة الموثقة وشهادات العلماء والمؤرّخين الذين ثبُت الاعتماد على صحة أدلتهم وسِيرهم.. أما الاعتماد على بعض المنامات هنا وهناك، أو حصول بعض الظواهر غير الاعتيادية داخل المقام لا يثبت صحة نسبة المقام للشخصية المزعومة، أو الاعتماد على بعض العرّافين أو الصوفيين الذين لا يعوّل على كلامهم إلا كل ناقص عقل ودين، وكذلك لا يمكن الاعتماد على حسن الظن ببعض المسلمين الذين يزورون هذا البناء...
 
وينطلق بعدها سماحته، ليحذّر من التعويل على مجرد اعتبار المقام الديني مكاناً للتعبئة الروحية، بحيث يلجأ البعض لبناء مقامات لشخصيات وهمية، أو وضع أحاديث لا أساس لها للترويج لهذا المقام وصاحبه، وما لهذا الأمر من عواقب سلبية وخيمة على الدين، انطلاقاً من " أنّ بناء المقامات دون أساس صحيح يُخشى أن يجرّ إلى الابتداع في دين الله، لما تتضمّنه الطقوس التي تُؤدَّى في المقام من ممارسات عباديّة وصلوات ذات كيفيّة خاصّة، كما يُلاحظ في بعض المشاهد، ونحن نلاحظ أنَّ البعض يُنشيء زيارات خاصة يُزار بها صاحب المقام "وشيئاً فشيئاً تدخل هذه الكلمات في ضمن زيارات وأدعية العوام، وقد يوضع لها بعض العناوين لترويجها..."
 
هذا ناهيك عن هدر الأموال الشرعية في غير مكانها الصحيح، إضافةً إلى بطلان النذورات التي ينذرها أصحابها على نية أمرٍ ما، فللنذر شروطه وأحكامه...
 
ويفنّد بعدها الكثير من المبرّرات الواهية المدافعة عن بناء هذه المقامات المشكوك بصحتها أو التي ثبت عدم صحتها، من خلال القول بنبل الهدف ورمزية المكان، أو حتى القول بأنّ التشكيك سيؤدي إلى الإضرار بالدين...
 
وفي الفصل الثاني ينتقل إلى تحديد أربعة مقامات هي محلّ نقاشٍ وإشكال، وتفتقد لكل الضوابط التي سبق وأشار إليها في الفصل الأول، وهي:
 
1-  مقام السيّدة خولة في بعلبك: فيعود سماحته إلى كتب المؤرخين والحديث والأنساب ليؤكّد عدم وجود أيّ ذكر لشخصية باسم خولة، لا في ذريّة الإمام الحسين (ع) ولا في ذريّة أي إمام آخر... ويذهب بعيداً ليضع فرضية وجود هذه الشخصية إلا أنّ الرجوع إلى الروايات الموثوقة وكتب المحدثين، فإنّ ركب السبايا لم يثبت مروره في بعلبك، وأغلب الروايات تؤكّد مرور السبايا من منطقة بعيدة جداً عن بعلبك، فالطريق من الطف إلى الشام لا يمرّ في بعلبك مطلقاً... هذا ناهيك عن أنّه لو سلّمنا جدلاً بمرورهم في بعلبك، فهل توفي أحد أفراد الركب هناك؟ كلا.. فالمصادر المعتبرة والموثوقة لم تنقل هذا الحدث الذي لم يكن ليفوتها لو جرى...
 
وبالعودة إلى المقام، فبالبحث عن تاريخه وعمره، نجد أن عمره لا يتجاوز القرنين من الزمن، ولم يشر إليه أحد من المؤرخين ولا حتى علماء الشيعة أنفسهم قبل ذلك،" وهكذا نجد أنّ العلامة السيد محسن الأمين قد أهمل ذكر هذا المقام، هذا مع أنّ السيد الأمين- وهو العالم العاملي والخبير الموسوعي- قد كان هو الآخر مهتمّاً بالحديث عن بلدان الشيعة وما فيها من آثار ومشاهد ومعالم، مع أنّه قد تحدّث عن مشهد "رقيّة بنت الحسين (ع)" في محلّة العمارة بدمشق، ونراه أيضاً تحدّث في غير واحد من كتبه عن "بَعْلَبَكَّ" وقلعتها وآثارها وعن رموز التشيّع فيها وعن أمرائها الشيعة وسادتها ونقبائها الأشراف من آل مرتضى.. ولكنّه لم يتطرّق إلى هذا المقام إطلاقاً، بل تجاهل الإشارة إليه، ولم يعبأ به، مع أنّه كان- بالتأكيد- مبنيّاً في زمانه..."
 
 
 
2-   مقام أبو لؤلؤة في إيران: وهو الذي قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وانتحر، والملاحظات عليه هي: أنّه لم يكن شيعياً ولا مسلماً أساساً، إنما نصرانيّ، وسوء عاقبته بالانتحار بعد قتل عمر تنفي أي قيمة دينية له.. وأغلب الروايات وأوثقها تقول إنه دُفن في المدينة، ولا دليل على دفنه في إيران... ولذلك أمر الإمام الخامنئي بسدّ هذا المقام مقدمة لهدمه...
 
3-   مقام الخواجة ربيع بن خُثيم في إيران: حيث يشير سماحة الشيخ الخشن إلى أنّ العلماء اختلفوا في إيمانه في الأصل، ويدحض بعض الروايات الضعيفة عنه، "ومن العلماء الرجاليّين الذين أصرّوا على أنّ الربيع لم يكن إمامياً ولا صاحب مكانة دينيّة حقيقية العلامة المحقّق الشيخ التستري، وقد أورد الروايات والشواهد المختلفة التي تؤكّد صوابية رأيه، مفنداً ما نُقل عن "البهائي" و"الكشي" ممّا هو ظاهر في صحّة إيمانه"...
 
4-   قبر مالك الأشتر في بعلبك: حيث يذهب سماحته لمناقشة نص الشيخ جعفر المهاجر وهو باحث معاصر في أن مدفن مالك هو في بعلبك، ويفند الأدلة التي جاء بها، ويضع الملاحظات العلمية على الأخطاء التي وردت في النصوص التي اعتمد عليها في أنه قُتل هناك من قبل جند معاوية... ويذهب ليؤكد بالدليل وجود قبر مالك الأشتر في مصر...
 
وفي الملاحق يتّجه سماحته ليتحدث عن الانتشار الهائل لمقامات أبناء الأئمة في إيران بشكل لا يقبله عقل ولا منطق، بالقياس مع ما هو متسالم عليه من عدد أفراد أبناء كافة الأئمة، فهل يعقل أن يكون هناك10691 مرقداً؟!!
 
فيفنّد بالدليل العلمي وجود هذا الكم الهائل، حيث يعدد بالأسماء أبناء الأئمة ومكان دفنهم... ناهيك عن أن أبناء الأئمة لم يكونوا كلّهم صالحين!!!
 
ثم يعرض لنص الشيخ عباس القمي حول زيارة الإمام الحسين والدسّ الحاصل فيها، وما قاله الشيخ النوري، " فهي تحتوي على أباطيل وأكاذيب بيّنة الكذب، والغريب المدهش إنّها  تنبثّ بين النّاس وتذيع، حتّى تهتف بها في كلّ يوم وليلة عدّة آلاف مرّة ( آلاف المرات ) في مرقد الحُسين (عليه السلام) وبمحضر من الملائكة المقرّبين وفي مطاف الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) ولا منكر ينكرها أو رادع يردع عن الكذب والعصيان..."
 
وفي نهاية الكتاب يناقش الشيخ الخشن حقيقة وجود مقام السيّدة سكينة بنت الإمام علي (ع)، حيث يعرض للروايات الداعمة لوجود هذا المقام وللروايات التي تنفي، دون أن يتبنّى موقفاً من هذا الأمر" وهذا أمر لا أرغب بالتطرّق إله حالياً، عسى أن نوفّق للحديث عنه في مناسبة أخرى وظروف مختلفة..." والكلام للشيخ الخشن في نهاية الكتاب...
 
هو كتاب يعود بنا إلى السكة الصحيحة التي علينا سلوكها في الحكم على الأشياء التي تردنا وتدخل ضمن عقائدنا وأمورنا الدينيّة... فكم نحن بحاجة إلى أمثال الشيخ حسين الخشن للوقوف بوجه كلّ البدع والخرافات التي تحاول أن تشوّه صورة هذا الدين...





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon