حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  كتب >> قراءات في الكتب
قراءة في كتاب العقل الإسلامي بين سياط التكفير وسبات التفكير للشيخ حسين أحمد الخشن



 

 

 

 
الخميس, 27 شباط/فبراير 2014

 

 

قراءة في كتاب العقل الإسلامي بين سياط التكفير وسبات التفكير للشيخ حسين أحمد الحسن

 

لطيفة الواسني

 

 

جاءت قراءة في كتاب هذه المرة تحمل بين طياتها كتاب للشيخ حسين أحمد الخشن بعنوان العقل الإسلامي بين سياط التكفير وسبات التفكير، حيث يحتوي الكتاب مجموعة من المحاور تتشكل في خمسة فصول، الفصل الأول بعنوان أصول وضوابط، مع ضابط الإسلام والكفر، إذ رصد المؤلف أن خروج الأمة الإسلامية من نفق التكفير والتكفير المضاد لن يتم إلا بعد الاتفاق على ضوابط الإسلام والكفر ورسم الحدود الفاصلة بينهما، فقد وضع تعريفا للإسلام في أنه يعد معه المرء مسلما وتجري عليه أحكام المسلمين وإن لم يلتزم بالتعاليم الإسلامية ويمتثل التكاليف الشرعية حيث  أكد أن الشهادتين والتي تعني الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة تعتبر من البديهيات حيث يتأكد ذلك من خلال مجموعة من الأدلة في القرآن والسنة.


كما تطرق في المحور الثاني المتندرج ضمن هذا الفصل الذي يحمل عنوان النهي عن المسارعة في التكفير، من خلال تحذير المؤلف الوقوع في شراك المسارعة التكفير لمجرد أن يرى كاتبا أو باحثا قد أنكر أو شكك في ضروري من الضروريات، أو لأدنى شبهة أو لمجرد إبداء رأي مخالف للسائد في بعض المسائل العقائدية أوحتى الفقهية أو التاريخية، هذا مع أنه لا يخفى على المطلع والعارف بالكتاب والسنة أن هناك تحذيرا ونهيا عن المسارعة في تكفير المسلم ورميه بالخروج عن الدين، عن طريق أن يؤخذ الناس بالظواهر.


كما ذهب إلى مراتب الإسلام والكفر في المحور الموالي وذلك أن الإسلام مراتب متعددة ومدارج متفارتة يتوزعها الناس بحسب استعداداتهم وجهودهم، كما للكفر مراتب متعددة بعضها يلتقي مع الإسلام  وبعضها الآخر يلتقي معه ولاينافيه، ويعتبر الخلط بين هذه المراتب وسوء فهمها استفحال ظاهرة التكفير من خلال ما قاله الكاتب في كتابه، فوضع الفارق الجوهري بين الإيمان والإسلام  ، باعتبار أن الإيمان أخص من الإسلام نحو قوله تعالى، "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم"،  وعلى هذا الأساس تبين أن الفارق الجوهري بين الإسلام والإيمانإذ أن الأخير له علاقة بالقلب والعمل، أما الإسلام فجل علاقته باللسان والظاهر، وعليه فليس كل مسلم مؤمنا وإن كان كل مؤمن مسلما.


ثم رصد مراتب الكفر والشرك والتي تضم ثلة من المراتب والمدارج، فالكفر ينشطر إلى كفر عقدي وآخر علمي، والأخير ينقسم إلى كفر نعمة وكفر معصية، فالكفر العقدي هو الكفر بالله أو برسله أوباليوم الآخر، فهذا النوع لايلتقي مع الإسلام لقوله تعالى: " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا"،  أما الكفر العملي، فهو عبارة عن التمرد السلوكي على التشريع نتيجة السقوط تحت تأثير الغرئز والشهوات، كما قال الله عز وجل: "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد"، أما الشرك فله أنحاء عديدة فهناك شرك الألوهية وشرك في الربوبية، وشرك في الخالقية، وشرك طاعة، وشرك النية، باعتبار أن شرك الأولوهية والربوبية والخالقية والعبودية لايلتقي مع الإسلام فإنه يفترض مع الله إلها أو ربا أو خالقا أو معبودا آخر، وشرك الطاعة يراد به طاعة غير الله فيما لم يأذن به من هوى أو شيطان أو سلطان، أما شرط النية فيتمثل في الرياء فعن أمير المؤمنين عمر قال: "اعلموا أن يسير الرياء شرك".


كما تناول في محورآخرالعلاقة المنطقية بين الإسلام والكفر، فتطرق من خلال ذلك إلى علاقة الكفر بالجحود، زيادة إلى محاور أخرى فوضع محورا آخر بعنوان الشك كطريق الإيمان، حيث أنه وضح أن الشك الواقع في طريق البحث والتفتيش لايتنافى مع الإيمان، بل إنه يقود إليه الأعم الأغلب، كما بين أن الشك يفرض نفسه على المرء حتى بعد الإيمان لكنه شك عابر ولاينجو منه أكثر المؤمنين، لأنه حديث للنفس وربما كان وسوسة تطرح على المؤمن بعض الأسئلة التشكيلشة، ومن هذه الأسئلة السؤال عن مكان الله ولماذا لانراه؟ وإذا كان هو خالقنا فمن خلقه هو؟ وغيرها من الأسئلة.


ثم هناك محور أجاب عنه في محور هل كل كافر يعذب بالنار؟، حيث وضح أننا عندما نحكم بكفر منكر التوحيد أو النبوة فهذا لايعني بوجه الحكم عليه بأنه من أصحاب الجحيم، لأن مفاتيح الجنة والنار بيد الله، وليس من حق أحد أن يحكم بأن مطلق الكافر هو من أهل النار، فضلا عن غير الكافر، حيث أظهر ذلك من خلال  قاله أن الكافر قد يكون معذورا في كفره، كما لو كان جاهلا قاصرا لا مقصورا، فإن الله سبحانه وتعالى أعدل من أن يعاقب الإنسان إلا بعد إقامة الحجة عليه نحو قوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" ، والرسول كناية عن الحجة والبيان.


وفي هذا المنوال أشار أن الكفار غالبا معذورون من خلال ذلك أن أكثر الكفار أو الذين لا يوالون ولايتبعون الحق إما عالمون جاحدون أو جاهلون مقصرون يمكنهم الوصول إلى الحقيقة بسهولة، حيث أن أكثر الناس ممن لا يؤمنون بالحقائق الدينية جاهلون قاصرون لا مقصورون إلا في معرفة الله سبحانه 
فإن الجاهل بوجوده تعالى ووحدانيته مقصر لا قاصر-غالبا- لأن معرفته وتوحيده من الأمور الفطرية كما أن التأمل في السماوات والأرض وما فيهما من أسرار ونظم تهدي إلى الإيمان به تعالى والإقرار بوحدانته، أما فيما عدى ذلك من العقائد كالنبوة والإمامة والمعاد فإن وجود الجاهل القاصر بشأنها كثير.


وبالإضافة إلى محاور أخرى نجد النقطة التي تهتم بعصمة الدماء والنفوس والأعراض، باعتبار هذه الأخيرة من المبادئ الإسلامية الهامة على المستوى الإنساني، زيادة على ذلك هناك محقونية الدماء التي تشكل القاعدة الأساسية في الإسلام لأن القتل وسفك الدماء قبيح في شريعة العقل والعقلاء التي تعتبرمصداقا واضحا للظلم وهو ما استقل العقل بقبحه، وأما في شريعة السماء فإن حفظ النفوس من أهم المقاصد التي هدفت الشريعة إلى حفظها، ولذا اعتبر الله سبحانه أن قتل نفس واحدة تعادل قتل البشر جميعا وأن إحياءها يعادل إحياءهم جميعا، إلا أن الغريب في بعض المجموعات التكفيرية تستهين بالأرواح وتسترخص سفك الدماء فهي لا تفرق بين مسلم وغيره وتنتهك حرمات الجميع معتبرة أن عامة المسلمين ممن لا يوافقونها الرأي والفكر بحكم الكفار الحربيين، كما أن المؤلف عمل على رصد أخلاقيات الحرب في الإسلام في مجموعة من النقط تشكات في: رعاية الأسير، استثناء الأطفال والنساء والشيوخ، حرمة الغدر والفتك، حماية اللاجئ، الوفاء بالعهود، حرمة التمثيل.


وتطرق في محور داخل الفصل نفسه إلى ضوابط حماية المجتمع الإسلامي هذه الضوابط التي تتمثل فيما هو ديني والقواعد الإسلامية الذي يكفل ترميم التصدع المذكور ويعيد تجسير العلاقة المفتقدة، ورصد من خلال هذه النقطة القاعدة الأساسية التي ينبني عليها الإسلام وهي العلاقة الداخلية بين أبنائه على ضوئها، بما يكفل وحدتهم وتكاتفهم ويضمن تحقيق الأمن الاجتماعي وعزالة كل عوامل التوتر، وهي قاعدة الأخوة الإيمانية، واستدل بقوله تعالى: "إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".


زيادة إلى ذلك أشار إلى الحمل على الأحسن وهي القاعدة التس تسهم في توطيد الأمن الاجتماعي وغزالة التوتر الداخلي، كما ترمي إلى خلق الثقة بين أبناء المجتمع والحفاظ على تماسكهم فإنها تهدف إلى صون حرمة الآخر والابتعاد عن الحديث السلبي عنه ورميه بالفسق والعصيان لمجردتهم وظنون لايملك مطلقا دليلا على إثباتها، إضافة إلى أهداف أخرى، ثم ضوابط حسن الظاهر دليل العدالة ، وصحة أعمال الآخرين وعبادتهم.
هذا وبالإضافة إلى أشياء أخرى انتقل إلى الفصل الثاني بعنوان مناشئ التكفير، فمن خلال ذلك تناول عقم التفكير وفوضى التكفير، فهو اعتبر أن ظاهرة التكفير لم تأت من فراغ، ولم تنشأ اعتباطا، بل أن لها أسبابها وبواعثها، ومن هذه الأسباب فهناك ما هو ديني ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو اجتماعي، واقتصادي وسياسي.


والنظرة السطحية، حيث أنه من الطبيعي أن تكون قلة المعرفة بتعاليم الدين وقيمه والنظرة السطحية إليه، من أسباب نشوء وانتشار ظاهرة التكفير، هذا ما يجعل من صفة الجهالة أو السطحية من السمات الملازمة للحركات التكفيرية، إذ أن الجهل بأبعاد الدين ومقاصده مدعاة إلى الانغلاق، والانغلاق مدعاة إلى الصدام والتكفير.


ثم التعلق بالقشور، حيث جعل ذلك من خلال ما تطرق إليه في أن مشكلة السفه الذي أصيب به الكثيرون من أتباع الأديان السماوية، مشكلة قديمة ومستعصية وبالغة الخطورة، لأنها ساهمت في تكوين فئة قشرية تعيش على السطح، وتتقن قراءة السطور ولكنها لاتتقن قراءة مابين السطور فضلا عما وراءها، إضافة إلى التطرف الديني، حيث أشار إلى أن التعمق في الدين مذموم ومكروه إذ يقصد التعمق المبالغ فيه، كما أن السطحية تقود غلى التكفير أو على الأقل تساهم في خلق مناخاته، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "...فإن الله تعالى جعله سهلا، فخذوا منه ما تطيقون، فإن الله يحب ما دام من عمل صالح وإن كان يسيرا"، باعتبار أن التعمق والتشدد في الأخذ بأحكام الإسلام يقود إلى الإفراط أو التفريط، ويوقع في التطرف الديني الذي يعتبر من أخطر أنحاء التطرف.


وانتقالا إلى الفصل الثالث عمل المؤلف على رصد الصفات التكفيريين، التي شكلها في الغرور الديني، والاستعلاء الديني، إذ أن الجاهل كلما ازداد نسكا ازداد غرورا وإعجابا بنفسه وبدينه، ويعتبر الغرور الديني من أخطر أنواع الغرور، لأن المنغتر بالدنيا قد توقظه المواعظ أما المغتر بدينه فلا تنفعه المواعظ لأنه لا يتقبلها، إضافة إلى صفات إخرى حددها المؤلف التي يمكن انتسابها إلى التكفيرين.


ووصولا إلى الفصل الرابع فقد عنونه بأنحاء التكفير وأشكاله، وفصل في شأنها من خلال الابداع والابتداع باعتبارها واحدة من أخطر أسلحة التراشق الداخلي التي يستخدمها المسلمون في وجه بعضهم البعض، عن طريق رمي الآخر بالابتداع في الدين، الذي يستتبع إخراجه من الدائرة الإيمانية والحكم عليه بأنه من أهل النار ومعاقبته بما يضع حدا لبدعته، فوضع على هذا الأساس تعريف البدعة، وقضية الخلط بين الإبداع والابتداع، كما وضع أيضا في المحور الثاني من هذا الفصل محور فقه الشقاق وذهنية التفسيق، ثم تناول الشذوذ وموازنيه، كما وضح في أنحائه واشكاله موجات التضليل والتناحر الديني، جعلها في الصفحة 162.


لينتهي من عمله هذا في الفصل الخامس في الخطاب التكفيري، إذ يتسم الخطاب التكفيري بلغة ومصطلحات  خاصة ويتناول القضايا الدينية بأسلوب ينسجم مع فهمه لوظيفة الدين في الحياة ورؤيته تجاه الآخر، كما بين كذلك قضية احتكار الخطاب الديني، حيث أظهر من خلال ذلك أن الفكر الديني حكر طبقة معينة أو على جهاز كهنوتي خاص المخول أن ينطق باسم الدين أو يحتكر فهم النص وتفسيره، كما يخال البعض ويتوهم، وربما نظر لذلك سعيا لرفض كل محاولة لتفسير النص الديني تأتي من خارج المؤسسة الرسمية الدينية، وخصص في الفصل نفسه قضية الخطاب الإسلامي بين قيود الماضي وتحديات الحاضر والمستقبل، بالإضافة إلى معالجته للخطاب الإسلامي ومراعاة الزمان والمكان، ثم وضع أيضا الخطاب الإسلامي بين جمود الفكر وجنوح العاطفة، وفي هذا المنوال رصد أن الخطاب الثقافي الإسلامي كي يتجنب الوقوع في مزالق العاطفة وانفعالاتها، ويتخلص من جمود العقل وقسوته، أن يتوازن ليكون خطابا أساسه العقل والبرهان، ورداؤه العاطفة والوجدان، كما تطرق إلى الخطاب الديني بين التبشير والتنفير، من تم أكد على ضرورة إعادة النظر في أساليب خطابنا الإرشادي ودراسة مدى انسجامها مع غاية خلق الإنسان وهي هدايته وسوقه إلى رحمة الله ولا إلى عذابه، ومن الضروري أيضا، للخروج من عشوائية الخطاب الديني.


خلاصة لكل ماسبق فقد وضع خاتمة عنونها بكيف نواجه التطرف؟، فوضع إثر ذلك ثلة من القضايا، أن التكفير لا يواجه بالتكفير، رفع أسباب التكفير، تعزيز ثقافة التسامح ومنطق الاختلاف، ثم النظر إلى الإيجابيات.
هذا وقد حاولت التطرق لأهم ما جاء وحاولت أخذ رؤوس الأقلام فقط، ذلك لأن الكاتب حاول التفصيل في هذه القضايا الأساسية التي تستدعي جلب القارئ لمعرفة خبايا قصد المؤلف وما يضمه من مدارك.

 

 

http://www.science-press.net/religion-vie/660

 

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon