حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
الطفل وحقُه في التربية
الشيخ حسين الخشن



الطفل وحقّه في التربية

 

        ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن أدبه ويضعه موضعاً صالحاً"(1).

 

        إنّ ما يلفت النظر في هذا الحديث النبوي اعتباره أنّ تأديب الطفل ليس مجرّد مِنَّة أو حَسَنة يتفضّل بها الوالد على ابنه، وإنّما هو حقّ من حقوقه، وكونه حقاً يعني أنّه في حال لم يحسن أدبه فإنّه يتحمّل مسؤولية أخلاقية أمام الله وأمام الولد نفسه، لأنّه –

أقصد الوالد – لم يؤد إليه حقّه، وذلك يوحي بأنّ الطفل أمانة في أيدي الوالدين وعليهما أن يحسنا حفظ هذه الأمانة ورعايتها من العبث والانحراف، كما أنّ ذلك يستدعي منهما التفكير ملياً – قبل الإنجاب وبعده – في كيفية تربيته، لاسيما في زماننا هذا الذي

أضحت فيه تربية الطفل مسألة في غاية الصعوبة.

 

        ليس كلّ والد أباً

 

        إنّ حفظ الأمانة – أمانة الطفل – وأداء حقّها يفرض على مريدي الزواج من الشباب أو الفتيات استباق الزواج بدورات تدريبية حول كيفية التعامل مع الأطفال والاطلاع على مراحل الطفولة المختلفة ومقتضيات كلّ مرحلة منها، فإنّ الكثيرين من الرجال

والنساء يمتلكون القدرة على الزواج والإنجاب، ولكنّهم يفتقدون القدرة على التربية والرعاية، وإنّه لمن السهل أن يكون كل رجل والداً، لكن من الصعوبة بمكان أن يكون أباً ومربّياً، كما أنّ من السهل أن تكون كلّ أُنثى والدة لكن من الصعب أن تكون أُمّاً

ومربية، لأنّ الأُبوّة وكذا الأُمومة ليست أمراً بيولوجياً كما هو الحال في الوالدية، وإنّما هي فعل ثقافة ووعي كامل بالمسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين بما يؤهلهما لإعداد الطفل إعداداً روحياً وعقلياً وجسدياً، وبهذا – أعنى بالأبوة والأمومة – امتاز الإنسان

عن الحيوان، فإنّ الوالدية صفة عامة يشترك فيها الحيوان مع الإنسان، بينما الذي يميِّز الإنسان أنّه مؤهل ليكون أباً أو أُمًاً، الصفة التي لا يملك الحيوان قابلية الوصول إليها.

 

 

        بين جمال الروح وجمال الجسد

 

        إنّ الأبوة والأمومة الحقّة تفرض على الوالدين أن لا يحرصا فقط على العناية التامة بصحة أبنائهم الجسدية والنفسية وأن لا يكون جُلُّ اهتمامهم مُنْصَبَّاً على الجانب الجمالي لأولادهم، رغم أنّه اهتمام مشروع ومطلوب، لكن ينبغي، بل يلزم، أن يترافق

ذلك مع الاهتمام بالجانب الأخلاقي والمعنوي للأولاد، لأنّ قيمة الإنسان بأخلاقه أكثر ممّا هي بجسده، وجمال الجسد إنْ لم يقترن بجمال الروح والأخلاق قد يتحوَّل إلى عنصر فساد ومدخلٍ للانحراف، ومن هنا ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (ع): "ما

سألتُ ربّي أولاداً نضر الوجه ولا سألته وُلْداً حسن القامة، ولكن سألتُ ربّي أولاداً مطيعين لله، وجلين منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرَّت عيني"(1).

 

 

        الأنبياء وتربية الأولاد

 

        وإدراكاً منهم لدور التربية في صناعة الإنسان، وأنّ: "ولد السوء يهدم الشرف ويشين السلف" كما قال عليّ (ع) في ما روي عنه(1)، لأجل ذلك كان اهتمام الأنبياء (ص) منصبّاً على استقامة أبنائهم وحسن سلوكهم، وكانوا على الدوام يفكّرون

بمستقبل ذريّتهم وصلاحها، ولذا كان الولد حاضراً معهم حتى في أدعيتهم ومناجاتهم، فهذا نبيّ الله زكريا (ع) عندما أخبرته مريم أنّ رِزْقها يأتيها من عند الله توجّه إلى ربّه طالباً منه الذريّة الطيّبة والصالحة لا مطلق الذرية، قال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ

قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} [آل عمران:38].

 

 

        وهذا نبيٌّ آخر وهو إبراهيم (ع) عندما يطلب من الله أن يرزقه الولد فإنّه يطلب الولد الصالح لا مطلق الولد، يقول فيما حكى عنه القرآن {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100]، وكان باستمرار يفكّر باستقامة أبنائه وصلاحهم ويهتم كثيراً

لمستقبلهم، ولذا نراه لا يطلب خيراً من الله لنفسه إلاّ ويشرك معه أبناءه وذريته: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} [إبراهيم:40]، ولم يرجُ منه تعالى صرف السوء والشرّ عنه إلاّ ويدخل ذريته معه في الدعاء: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ

الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، وعندما منَّ الله عليه بالإمامة الكبرى لم ينسَ ذريته {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124].

 

        وهكذا هو شأن عباد الرحمن، فإنّ لسان حالهم ومقالهم على الدوام: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74].

 

 

        العقم خير ولد السوء

 

        وفي ضوء ذلك قد يكون البلسم والدواء لجرح وألم أولئك الأشخاص الذين حُرِموا الولد – مضافاً إلى الرضا بقضاء الله وقدره – أن يضعوا في الحسبان أنّ العقم هو خير من ولد السوء الذي يشينهم في الدنيا ويجعلهم أمام سؤال الله في الآخرة، فلربّما

كانت الحكمة في عدم إنجابهم هي أنّ هذا الولد سيكون في المستقبل وبالاً على أبويه أو على المجتمع، والأمثلة الواقعية تؤكّد أنّ فتنة الولد قد تؤدي إلى انحراف أبويه وضلالهما، وقد قال الإمام عليّ (ع): "ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله"

(1).

 

        نقول هذا مع إدراكنا إلى أنّ قضية العقم تدخل ضمن ما يعرف في علم الكلام بإشكالية الشرور التي طرح في الإجابة عليها عدّة أجوبة فلسفية وتربوية، وما ذكرناه ليس هو التفسير الوحيد لها.

 

 

        العناية بالطفل قبل ولادته

 

        ويلاحظ المتابع أنّ العناية بالطفل – في المنظور الإسلامي – لا تبدأ من حين ولادته أو حتى في فترة الحمل بل إنّها تسبق مرحلة الزواج، ليفكّر كل من الرجل والمرأة بالطفل غداة تفكيرهما بالزواج، فيهتم الرجل باختيار الزوجة المؤهّلة لتربية أولاده

في المستقبل والتي تكون أُمّاً لهم، ولا يغتر بالجمال الظاهري للمرأة على حساب الجمال الروحي، وقد جاء في الحديث الشريف: "إيّاكم وخضراء الدِّمن، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدِّمن قال: المرأة الحسناء في منبت السوء"(1) وتعتني المرأة أيضاً

كما ذووها باختيار الشريك الذي سيكون أباً ومربيّاً ومثلاً أعلى لأبنائها، فلا تحدّق كثيراً في مال الرجل وجاهه وجماله، بل في أخلاقه ودينه، لأنّ ذلك هو حصانة استقرار الحياة الزوجية، يقول رسول الله (ص) فيما روي عنه: "إذا جاءكم من ترضون خلقه

ودينه فزوِّجوه، إلّا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير"(2).

 

 

        وبعد الولادة

 

        وإذا ما أهلَّ الطفل وأطلّ على هذه الدنيا، فإنّ مسؤولية أبويه في رعايته وحمايته وتحصينه من الأخطار والأمراض سواء المادية أو الأخلاقية والمعنوية تتضاعف وتزداد، وتنصّ الروايات الواردة عن الأئمة من أهل البيت (ع) على استحباب تلاوة

الآذان في الأذن اليمنى للوليد والإقامة في اليسرى، لتكون أول كلمة يسمعها بعد استهلاله هي كلمة: "الله أكبر" والشهادة لله بالوحدانية، ولسنا ندري إنْ كان لهذه الكلمات تأثيراً معنوياً على الطفل، إلّا أنّ الشيء الأكيد أن هذا العمل – أعني الآذان والإقامة في

أُذنيه – يرمز إلى أهمية الجانب الروحي ويؤشّر إلى مسؤولية الوالدين عن التربية الدينية لأبنائهم وتوثيق علاقتهم بالله سبحانه.

 

        واللافت للنظر أنَّ آخر كلمةٍ يُستحب تلقينها للإنسان ساعة الاحتضار وخروج الروح هي كلمات الذكر والتهليل والتشهُّد أيضاً، كما تؤكّد الوصايا الإسلامية، لتكون البداية والنهاية على اسم الله، في إشارة واضحة إلى أنّ الحياة لا بدّ تتحرّك من بدايتها إلى

نهايتها وفق إرادة الله ومشيئته وعلى هدي تعاليمه وشريعته.

 

 

        الوصية وتواصل الاهتمام

 

        ولا تقف المسؤولية عند هذا الحدّ، بل إنها تزداد وتتضاعف مع نمو الطفل جسداً وعقلاً، ولا ينبغي للأهل أن يتراخوا في هذا الشأن مهما بلغ ابنهم من العمر، ومهما بلغوا هم من العمر أيضاً، وكما يجدر بهم أن يفكروا بأمر الولد واستقامته وصلاحه قبل

أن يولد ويأتي إلى هذه الدنيا – كما سلف – يجدر بهم أيضاً أن يولوه الاهتمام عينه حتى بعد رحيلهم هم عن هذه الدنيا، وذلك من خلال الوصية التي يوصون بها، فإنّ الأدب الإسلامي في الوصية للأبناء ينصّ على أن يبدأ الموصي وصيته بحثهم وأمرهم بتقوى

الله ولزوم أمره واجتناب معاصيه، ودعوتهم إلى أن يعمروا قلوبهم بذكره ويعتصموا بحبله، كما جاء في وصية عليّ (ع) لابنه الإمام الحسن (ع)(1).

 

        إنّ الوصية تعبر عن تواصل الاهتمام بالموصى به أو الموصى إليه إلى ما بعد الموت، وهذا ما يوحي به المعنى اللغوي لكلمة الوصية(1) ولا يخفى أن التواصل مع الولد بعد الموت من خلال الوصية له تأثير معنوي كبير ربما يفوق في أهميته

التواصل معه في حال الحياة، لأنّ الكثير من الأبناء قد لا يهتمون بإرشادات الآباء والأمهات في حال حياتهم ولا يصغون إلى كلماتهم، بل ربما تمرّدوا عليهم، لكن موت الأب أو الأم يهزّ – في العادة – كيان الأولاد وربما شعروا بالندامة لتقصيرهم في حق

آبائهم وأمهاتهم، الأمر الذي يمنح الوصية قدسية في نفوسهم ويسعون إلى تنفيذها تكفيراً عن تقصيرهم بحق أهاليهم، ومن هنا درج علماؤنا – اقتداءاً برسول الله (ص) وأهل بيته الطاهرين، وبالأخص الإمام عليّ (ع) الذي ترك تراثاً هاماً من الوصايا لأبنائه –

على كتابة الوصايا لأبنائهم وضمّنوها إرشادات وتعاليم أخلاقية ومواعظ دينية متفرقة بلغة محبّبة تستثير عطف الأبناء وتستنفر عواطفهم، ولعلّ من أروع ما كتب في هذا المجال هو وصية السيد ابن طاووس لابنه المعروفة بــ "كشف المحجّة لثمرة المهجة" إلى

غير ذلك من الوصايا التي تميّزت بأسلوب شيّق وبليغ، الأمر الذي قد يشكّل أدباً خاصاً يمكن تسميته بأدب الوصايا.

 

من كتاب "حقوق الطفل في الإسلام" - تم نشر المقال في: 10-1-2015

 



(1) مَنْ لا يحضره الفقيه: 4/372 ونحوه في الكافي: 6/48.

(1) بحار الأنوار: 104/98.

(1) مستدرك الوسائل: 15/215.

(1) الاستيعاب لابن عبد البر: 3/40.

(1) الكافي: 5/332.

(2) الكافي: 5/347.

(1) راجع تحف العقول 69.

(1) صحاح الجوهري: 6/2525، تاج العروس: 2/295.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon