حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
الطفل وحقّ الإشباع العاطفي
الشيخ حسين الخشن



 إنّ ثنائية تكوين الإنسان من جسدٍ وروح تحتّم عليه توزيع الاهتمام بنفسه على هذا الأساس، فكما أنّ علينا الاهتمام بصحّتنا الجسدية والنفسية فإنّ علينا الاهتمام بأرواحنا وقلوبنا، وهذا ما تقتضيه النظرة الإسلامية التي تدعو إلى توفير متطلّبات كلّ من الجسد والروح في توازن

كامل، كشرط لنجاح العملية التربوية.

 

حبّ الأطفال

 

وفق المبدأ المتقدّم يكون لزاماً علينا أن نعمل على تأمين الظروف الملائمة والوسائل المناسبة لإشباع الطفل عاطفياً، كما نهتم به صحيّاً ونوفّر الظروف الملائمة لنموّه الجسدي، وإنّ حاجة الطفل إلى الغذاء الروحي والإشباع العاطفي لا تقلّ عن حاجته للغذاء المادي، بل إنّ

حاجته لذلك أشدّ من حاجة البالغ أيضاً، ولا شكّ أنّ لهذا الأمر تأثيرًا مباشرًا على مستقبل الطفل واستقراره النفسي والاجتماعي، والأكيد أيضاً أنّ الأطفال الذين يُحرَمون من الشحنات العاطفية اللازمة سيعانون عاجلاً أم آجلاً من الأمراض النفسية والاجتماعية، بما يُعقِّد حياتهم

ويصيبهم بالجفاف الروحي وينعكس على سلوكهم في ممارسات عنيفة وخاطئة، من هنا لم يكن مستغرباً أن تعتبر بعض الروايات حبّ الأطفال من أفضل الأعمال العبادية، لما للحبّ من تأثير تربوي في رعاية الطفل وحمايته فضلاً عن كونه ــ أعني الحبّ ــ تعبيراً صادقاً عن

إنسانية الإنسان، ففي الحديث أنّ موسى (ع) قال: "يا ربّ أيّ الأعمال أفضل عندك؟ قال: حبّ الأطفال فإنّي فطرتهم على توحيدي فإن أمَتُّهم أدخلهم جنّتي برحمتي"(1)، وفي خبر آخر: "إنّ الله ليرحم العبد لشدّة حبّه لولده"(2).

 

 

شروط تأمين الإشباع العاطفي

 

وممّا لا شكّ فيه أنّ استقرار الحياة الزوجية والأُسريّة يساعد على ترعرع الطفل في حضن أبويه مستشعراً دفء الأسرة وحنوّ الأب وحمايته وحنان الأم وحضانتها، كما أنّه السبيل الأمثل لإشباع الطفل عاطفياً ومعنوياً، أمّا إذا حصل التفكُّك والتصدُّع داخل الأسرة بالطلاق أو

الشقاق فإنّ الطفل سيكون الضحية الأولى لذلك، بسبب ما سيتعرّض له من اختلال أو نقص عاطفي لا تجبره عاطفة الأم البديلة أو الأسرة الثانية أو الحاضنة والمربيّة.

 

وقد فرض تطوّر الحياة ظروفاً جديدة حملت معها الكثير من التأثيرات السلبية على نمو الطفل في الحضن الطبيعي المؤهّل لرفده وإمداده بما يحتاجه من مشاعر عاطفية، ومن هذه التطورات خروج المرأة إلى ميدان العمل بشكل واسع وابتعادها يومياً ولساعات طويلة عن طفلها

ووضعه بين يديّ الخادمات، الأمر الذي قلَّص من المنسوب العاطفي اللازم له، حتى صرنا نقرأ أو نسمع عن تعلّق الأطفال بالخادمات أكثر من الأُمهات، ما يفرض على الأم العاملة أن توازن بين عملها وبين تربية أبنائها وحاجتهم لحنانها ولرعايتها، كما أنّ ابتعاد الأم ــ وبدافع

الحرص على أناقتها وصحّتها الجمالية ــ عن الإرضاع الطبيعي أَفْقَدَ الطفل غذاءً عاطفياً كما أفقده غذاءً مادياً ضرورياً له، والحرص المذكور وإنْ كان مشروعاً ولكنّه قد يكون مبالَغاً فيه في بعض الحالات.

 

وما يتعرّض له الطفل من نقص عاطفي من جهة الأم يتعرّض لمثله من جهة الأب أيضاً، لاعتبارات أخرى منها: شعور بعض الآباء بأن رجوليّته لا تسمح له بإظهار محبّته للطفل أو ملاعبته له، على اعتبار أن ذلك يسقط مهابته.

 

ومنها: ابتعاد الكثير من الآباء عن الأسرة وشؤونها إمّا بداعي السفر أو بسبب الاستغراق المضني في العمل أو غير ذلك من الأسباب، وقد حدّثتنا المصادر التاريخية عن بعض النماذج الرجالية القاسية قلوبهم إلى مستوى أنّه لم يكن لديهم استعداد حتى لتقبيل أطفالهم، ففي الحديث

عن رسول الله (ص) أنّه قبَّل الحسن والحسين عليهما السلام فقال الأقرع بن حابس: إنّ لي عشرة من الأولاد ما قبَّلت واحداً منهم! فقال (ص): "ما عليَّ إن نزع الله الرحمة منك"(3).

 

 

إرشادات في التربية العاطفية

 

تنصّ التعاليم الإسلامية على مجموعة من الإرشادات التي تُوفِّر ــ في حال اتّباعها ــ للطفل ما يحتاجه من الرصيد العاطفي:

 

1 ــ تقبيل الطفل واحتضانه: تحثّ الروايات وتوصي بتقبيل الأطفال ومعانقتهم، وذلك ــ بطبيعة الحال ــ يمدّ الطفل بالحنوّ ويمنحه العاطفة ويشعره بالأمان، ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص): "مَن قبَّل ولده كتب الله له حسنة ومَن فرَّحه فرَّحه الله

يوم القيامة.."(4)، وقد حدّثنا أمير المؤمنين (ع) عن سيرة رسول الله وأسلوبه التربوي الذي اتّبعه معه عندما كان صغيراً قال (ع): "وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره ويكنفني

إلى فراشه ويمسّني جسده ويشمّني عرفه (رائحته الذكيّة) وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه"(5).

 

إنّ ابتعاد الرجل أو المرأة عن تقبيل الطفل أو الحنوّ عليه يكشف عن قساوة في القلب غير مبرّرة، والله يبغض القاسية قلوبهم، ففي الحديث جاء رجل إلى النبيّ (ص) فقال: ما قبَّلت صبيّاً لي قط، فلّما ولّى قال رسول الله (ص): "هذا رجل عندي أنّه من أهل النار"(6).

 

ولذا يجدر بالأهل والمربّين أن يعتنقوا الطفل بين الفينة والأخرى ويحتضنوه ويقبِّلوه، فإنّ ذلك يساهم بشكل ملحوظ في نجاح العملية التربوية، وهذا ما فعله رسول الله (ص) في تربيته لأبنائه وبناته، وكذا في تربيته لعليّ (ع) عندما ضمّه إليه تخفيفاً على عمّه أبي طالب رضي

الله عنه.

 

2 ــ ملاعبته: إنّ ملاعبة الطفل ومداعبته تمدّه بمخزون عاطفي وهو أحوج ما يكون إليه، ولهذا فعندما يقول النبيّ (ص) ــ فيما روي عنه ــ "مَن كان له صبي فليتصابَ معه"(7)، فذلك لا يرجع إلى حاجة الطفل للمرح واللهو فحسب، بل إنّ التصابي معه يمنحه شحنات من

العاطفة التي يحتاج إليها، وقد كان النبيّ (ص) نفسه يُلاعب الحسنين عليهما السلام وهما طفلان، ففي الحديث عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال: دخلت على النبيّ (ص) والحسن والحسين على ظهره وهو يجثو لهما ويقول: "نِعم الجمل جملكما ونِعم العدلان أنتما"

(8).

 

3 ــ إرضاؤه: إنّ السعي لإرضاء الصغير وجبر خاطره هو الآخر أمر محبوب عند الله، ففي الخبر: "أنّ رسول الله (ص) خرج على عثمان بن مظعون ومعه صبي له صغير يلثمه فقال: ابنك هذا؟ قال: نعم، قال: أتحبّه يا عثمان؟ قال: إي والله يا رسول الله إنّي أحبّه، قال: أفلا

أزيدك حبّاً له؟ قال: بلى فداك أبي وأُمّي، قال: إنّه مَن يرضي صبيّاً له صغيراً مِن نسله حتى يرضى تَرَضَّاه الله يوم القيامة حتى يرضى"(9).

 

 

حضانة الأُم

 

وتبقى حاجة الطفل إلى عطف أُمّه وحنانها هي الحاجة الملحّة التي لا يستغني عنها، حتى أنّه لو شبَّ وأصبح رجلاً فإنّه يظلّ يشعر بالحنين إلى حضنها الدافئ، وقد قال بعضهم "حبّ الأُم لا يشيخ أبداً"، وإدراكاً منه لهذه الحقيقة نصّ التشريع الإسلامي على ما يلي:

 

أولاً: الأُم أحق بإرضاع وليدها من غيرها، فلو أراد الأب استرضاع امرأة أخرى كانت الأُم أولى منها ما لم تطلب عوضاً مالياً زائداً على ما تطلبه المرضعة الأخرى، قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233]، وحقّ الأُم

وأولويّتها بإرضاع وليدها ثابت وباقٍ حتى لو طُلِّقت وانفصلت عن زوجها، ففي الخبر الصحيح عن الإمام الصادق (ع): "الحبلى المطلّقة ينفق عليها حتى تضع حملها وهي أحقّ بولدها حتى ترضعه بما تقبله امرأة أخرى إنّ الله تعالى يقول: {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}(10).

 

وثانياً: هي أحقّ بحضانة ولدها ــ ولو لم ترضعه ــ من الأب، وحقّها في الحضانة والرعاية هذا ثابت في فترة الرضاع، وأمّا بعدها فيختلف الفقهاء بين مَن يرى أنّها تبقى أحقّ به ــ ذكراً كان أو أُنثى ــ إلى أن يبلغ السابعة، ومنهم مَن يرى أنّ ذلك هو الأفضل والأولى، ومنهم من

فصّل بين الذكر والأُنثى، فرأى أنّها أحقّ بالأُنثى إلى السابعة، وبالذكر مدّة الرضاعة، والقول الأول هو الذي اختاره بعض فقهائنا المعاصرين ودلّت عليه الروايات، كما في الخبر الصحيح لأيوب بن نوح قال: كتبت إليه مع بشر بن بشّار: جعلت فداك رجل تزوّج امرأة فولدت

منه ثمّ فارقها متى يجب أن يأخذ ولده؟ فكتب (ع): "إذا صار له سبع سنين، فإنْ أخذه فله، وإنْ تركه فله"(11)، والتحقيق الفقهي في هذه المسألة موكول إلى محلّه.

 

 

من كتاب "حقوق الطفل في الإسلام"

تم نشره على الموقع في 13-6-2015

 



(1) المحاسن: 1/293.

(2) الكافي: 6/50.

(3) روضة الواعظين: 369.

(4) الكافي: 6/49.

(5) نهج البلاغة: 2/157.

(6) الكافي: 6/5.

(7) مَن لا يحضره الفقيه: 3/484.

(8) مناقب آل أبي طالب: 3/158.

(9) كنز العمال: 16/585.

(10) الكافي: 6/103.

(11) الوسائل: 21/473، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 7.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon