حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
السكينة والحياة السعيدة
الشيخ حسين الخشن



 إنّ الإنسان بحاجة على الدوام إلى استراحة يعود بها إلى نفسه ليحاسبها ويراقبها، لينقدها وينصحها، فأنفسنا أحق من يحتاج إلى نصيحتنتا. وأنْصحُ الناس من نصح نفسه وأغشهم من غشّ نفسه، وهو بحاجة أيضاً إلى أن يتعرف على متطلبات هذه النفس واحتياجاتها، والسؤال: ما الذي يحتاجه إنساننا اليوم وسط البركان السياسي والمذهبي الذي يغلي في منطقتنا؟

 

أعتقد أنّ إنساننا اليوم وفي كل يوم بحاجة إلى السكينة والاستقرار والأمن والإطمئنان، فكل ما يجري في مجتمعاتنا من احتراب وتقاتل، ومن تفكك وتناحر وتدابر .. إنّ ذلك يؤشر إلى أننا نفتقد السكينة، وأنّنا نعيش الاضطراب والقلق، تكثر فينا الأمراض والعقد النفسية، ويكثر الطلاق وهدم الأسر وصولاً إلى الطامة الكبرى أعني سفك الدماء..

 

 وحاجة الإنسان إلى السكينة هي حاجة طبيعية فطرية ، فالإنسان لديه تطلع ونزوع فطري للحياة الآمنة المطمئنة، ولا سعادة بدون ذلك؛ فأي مشروع أو تصور فكري لا يمكن أن يكون ناجحاً إلا إذا وفّر للإنسان هذا عنصر الطمأنينة.

والسكينة التي نحتاجها هي على عدة مستويات أو مراتب:

 

 

1-   السكينة المادية:

 

المستوى الأولى هو السكينة ببعدها المادي المعيشي، بأن يتوفر للإنسان غذاء وملبس وبيت يأوي إليه، ولعلّها ليست مصادفة أن يسمي البيت مسكناً، لأنّه يوفر السكينة للإنسان، وهكذا فإنّ القرآن الكريم يسمي الليل سكناً {وجعل الليل سكناً}]الأنعام-96[، {هو الذي جعل الليل لتسكنوا فيه} [يونس-67]، لأنّ الليل يشكّل عامل استراحة للإنسان، ولكنّ الكثيرين اليوم قد حوّلوا ليلهم إلى نهار ونهارهم إلى ليل!

 

والله تعالى بلطفه وحسن تقديره قد وفّر من خلال نظامه التكويني وما أودعه في هذه الطبيعة ما يحقق للإنسان هذا المستوى من السكينة، لكنّ المهم أن يُحسن الإنسان استثمار طاقات الأرض ويحسن - وهذا هو الأهم - توزيعها، بأن يعدل في ذلك؛ فخيرات هذا الكوكب ليست شحيحة ولا تقصر عن الوفاء باحتياجتنا.

 

 

2-   السكينة الروحية.

 

 المستوى الثاني: هو السكينة الروحيّة، وذلك أنّ الإنسان حيث كان مزيجاً من المادة والروح، فكان بحاجة إلى ما يوفر له السكينة المادية، وبحاجة أيضاً إلى ما يوفّر له السكينة الروحية. وأعتقد أنّ التغافل عن البعد الروحي لدى الإنسان قد جرّ على الإنسانية الويلات والمصائب، وهذه السكينة الروحيّة لن

نجدها إلا في التجربة الروحيّة وفي العلاقة مع الله، لأنّ هذه الروح هي نفخة من الله فلن تستقر إلا بموطنها، فإنّ كل شيء يميل إلى جنسه وإلى أصله، فالجسد المادي يميل إلى أصله وهو الطينة والأرض { إني خالق بشراً من طين} [ص-71]. وأمّا الروح فأصلها هو الخالق {فإذا سويته ونفخت فيه

من روحي} [ص-72]، فلا تستقر إلا بالعودة إلى موطنها، وهي لا محالة عائدة إلى الله تعالى " إنا لله وإنا إليه راجعون".

 

 

 ومن ألطاف الله تعالى أنّ بابه مفتوح لداعيه ولا يغلقه أبداً، والله حاضر لاستقبالنا دائماً {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي}[البقرة-186]، وهو تعالى  ليس بحاجة لنا ولا لصلواتنا، نحن بحاجة إليه، نحن الفقراء، مهما تملكنا من الثروات ونحن الضعفاء مهما وصلنا إلى أعلى

المناصب، الإنسان في لحظة ما سيشعر بالضعف والخوف، إنّه بحاجة إلى الأمن ولن يجد ذلك إلا عند العزيز القوي، {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر-15]. إنّ عبادتنا لله تعالى هي التي تمنحنا السكينة، لاحظوا قول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم

بها وصل عليهم إنّ صلاتك سكن له}[التوبة-103]. إنّ صلاة النبي (ص) ودعاءه للمؤمنين سكنٌ لهم، وهكذا فإنّ صلاتنا إذا أديناها بشرطها وشروطها فستكون سكناً لنا.

 

وهنا أدعو الذين لا يصلّون والذين لم يجربوا معنى الدعاء ولم يقيموا تجربة روحيّة مع الله تعالى أدعوهم إلى أن يجربوا هذا الفرح الروحي الذي تمنحه الصلاة والعبادة والدعاء، إنّها تمنحهم سلاماً داخلياً ولذة روحية.

وأقول بكل محبّة لغير المؤمنين لقد جرّبتم الكثير من العلاقات والأفكار والمدارس؛ فتعالوا وجربوا علاقة من نوع جديد وهي العلاقة مع الله تعالى، ويقيني أكم سوف تشعرون بالأمن، إذا عرفتم معنى الإيمان، { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن} [الأنعام-82]،

 

 

وأقول للجميع لقد جربتم أو جرب الكثيرون منكم الحب والعشق، فتعالوا وجربوا عشقاً من نوع آخر وسعادة من نوع خاص، أرأيتم إلى الصوفي الذي يهيم بحب الله تعالى إنّه ليس جباناً ولا خائفاً، وليس شخصاً مجنوناً. إنّه يعيش عشقاً وشغفاً من نوع خاص لا يعرف طعمه إلا من تذوقه، إنّها لذة

المناجاة، دعكم من أنّ فلاناً يصلي ولا يعرف معنى الصلاة، وصلاته لا روح فيها، وانظروا إلى الجانب المشرق من الصورة، فكم من الأشخاص الذين تريحهم الصلاة والعبادة، بل أقول لكم: انظروا إلى أنفسكم، أليست هي مزيج من جسد وروح، إنّ لروحكم عليكم حقاً، كما أنّ لأجسادكم حقاً، وقد أمّنتم

لأجسادكم الكثير من متطلباتها ووفرتم لها احتياجاتها، فماذا وفرتم لهذه الروح؟ لماذا نهتم بمتطلبات الجسد ولا نهتم بمتطلبات الروح؟

 

وأنا لا أتحدث عن أمور تجريدية متعالية لا علاقة بها بالواقع، كلا إنّها من صميم حياتنا، أنا أتكلم عن الإنسان هذا المخلوق العجيب:

أتزعم أنك جرم كبير *** وفيك انطوى العالم الأكبر

 

أتحدث عن الإنسان الذي لو أنّه صلح لصلحت البشرية جمعاء، وهذا الإنسان لا يمكن أن يصلح إلا بصلاح نفسه وروحه، وروحه لا تصلح إلا بأن تظل على اتصال بموطنها وخالقها وهو الله تعالى.

 

 تعالوا لنجرب بناء علاقة خاصة مع الله، علاقة تقوم على أساس الحب وليس الخوف أو الطمع، وهذه العلاقة تعني : أننا نعبده لأنّنا نحبه لا لأننا نخافه، اسمعوا إلى أمير المؤمنين (ع) يقول في دعائه:" فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك" فهو لا يبكي ولا يتألم من عذاب النار بل يبكيه ويؤلمه فراق الحبيب، .

 

وتعني أيضاً أننا نعبده ليس طمعاً في جنته، بل لأنّه أهل الحب، والحب الخالص لا يمكن أن يخالطه الطمع.

رضاك رضاك لا جنات عدن        وهل عدن تطيب بلا رضاكا

وقال شاعر آخر :

فليتك تحلو والحياة مريرة     وليتك ترضى والأنام غضاب.

 

 

3-   السكينة الاجتماعية

 

 ولا يمكن أن تكتمل السكينة ببعديها المادي والروحي إلى إذا تحقق مستوى ثالث، وهو السكينة الاجتماعية، بحيث يكون هناك مستوى معقول من الاستقرار والتماسك الاجتماعي. واللبنة الأساس لهذا الاستقرار هي الأسرة، فالأسرة إذا استقرت استقر المجتمع، ولو عدنا إلى القرآن فنراه يتحدّث عن

السكينة كعنصر أساسي ومقوم للعلاقة بين الزوج والزوجة، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها}[الروم-21] .. فالزوجة ليست خادمة في البيت ولا هي مجرد آلة لصناعة الأولاد، ولا مجرد وسيلة لإطفاء الشهوة وقضائها، إنّها قبل ذلك سكن لزوجها، وكذلك الزوج هو

سكن لزوجته، بحيث إذا نظر إليها يرتاح نفسياً، ويشكو إليها همومه وتشكو إليه همومها، انظروا إلى أعظم زوجين في الدنيا علي وفاطمة، يقول علي عن فاطمة "فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم

والأحزان"، فالسكينة هي روح الأسرة وعنصر استقرارها وليس استقرار الأسرة في القصور ولا في الأموال ولا غيرها.

 

 

 وقد تسأل: ما الذي يحقق السكينة ؟ والجواب، إنّ السكينة هنا إنّما تحققها العاطفة والمحبة ولذلك أردفت الآية المتقدمة قائلة: {وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم-21[، فالذي يحقق السكينة والاستقرار في بيتك ليس هو مالك بل عاطفتك، بأن تحتضن أبناءك وتقبلهم.. "إنّ الرحم إذا تماست تعاطفت"،

وأن تحتضن زوجتك وتعبّر لها عن مشاعرك تجاهها وأن تظهر حبّك لها ولا تبقي هذا الحب حبيس النفس، بل أعلمها بذلك، في الحديث عن رسول الحبّ والرحمة (ص) "إن قول أحدكم لزوجته إني أحبك لا يخرج من قلبها ابداً". وهكذا عليك أن تعمل على أن تملأ الحياة بالحبّ، مع جيرانك مع أخوانك

وكل الناس. فهذه العواطف الإنسانية هي التي تبني الحياة، فلترسلْ مشاعرك الحانية الدافئة إلى الناس جميعاً، فتكون كالشمس التي ترسل نورها على البر والفاجر.

 

 إنّ حياتنا الاجتماعيّة تضطرب وتصاب بالجفاف العاطفي ويعكّر صفوها أشياء كثيرة..وتجتاحنا الفوضى العامة، ومن مظاهر هذه الفوضى ما نراه من أنّ "الغوغاء" يجتاحون قرانا ومدننا بإطلاق النار بمناسبة أو بدون مناسبة، وبأصوات الدراجات النارية والسيارات. إنّ مشكلة الغوغاء هؤلاء - كما قال علي – "لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤا إلى ركن وثيق"، والركن الوثيق هو الأسرة وهو المجتمع الذي يراقب وهو الدولة التي تحاسب، ولكن مع الأسف فلا أسرة تربي إلا ما رحم ربك ولا مجتمع يراقب وينقد ولا دولة تحاسب.

 

إننا نقترب من شريعة الغاب، وكل إنسان يأخذ حقه بيده، ونفعل ما يحلو لنا، وعاد منطق العشيرة والأخذ بالثأر ليسودنا، واسمحوا لي بالقول: إنّه حتى الأحزاب في بلادنا تحوّلت إلى عشائر، لقد عُدْنا إلى زمن العشائرية دون أن نحمل أخلاقيات العشائر. ويبدو أنّ السياسيين على اختلافهم يطيب لهم تحويل طوائفهم إلى عشائر فيتحول الزعيم إلى شيخ عشيرة.

 

إننا نطلق صرخة في هذه المرحلة وإزاء هذا الواقع أين منطق الدولة؟ أين ثقافة القانون؟ تعالوا نضع حداً لهذه الفوضى قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، إنّ هذه مسؤولية الجميع، مسؤولية الدولة والبلديات والأحزاب، اعملوا على تفريق الغوغاء، بأن تجدوا لهم سبيلاً للعمل وتنقذوهم من الفراغ، لقد سئل علي (ع) عن الغوغاء؟ قال: "هم الذين إذا اجتمعوا ضروا، وإذا تفرقوا نفعوا. فقيل: قد عرفنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم؟ فقال: يرجع أصحاب المهن إلى مهنتهم فينتفع الناس بهم، كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه".

 

كلمة أُلقيت في مناسبة اجتماعية في شهر رمضان 1417هـ

نُشرت على الموقع في 14-7-2016



[1] دعاء كميل

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon