حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
الشباب .. خصائص ومسؤوليات
الشيخ حسين الخشن



 

الحديث عن الشباب يفرض علينا أن ندخل إلى همومهم وتطلعاتهم، حقوقهم وواجباتهم، آلامهم وآمالهم، ما الذي يشغل بال الشاب وبماذا يفكر؟ ما هي أحاسيسه وعواطفه ومشاعره؟ كيف عليه أن يتعامل مع غرائزه؟
 
مميزات مرحلة الشباب:
 
1- الطاقة والحيوية: تمتاز مرحلة الشباب بأنّها مرحلة الحيوية والنشاط، فالشباب طاقة، والطاقة لا بد أن تستثمر، لا أن تبدد، ومع الأسف، فنحن أمة نتقن فن تبديد الطاقات، وكما أنّ الشباب طاقة فهو أيضا نعمة، والنعمة تواجه بالشكر لا بالكفر، وشكرُها يعني أن نؤدي حقها، شكرُها لا يكون بالقول فقط، بل بالفعل أيضاً، بأن نستثمرها فيما خُلقت له، فنعمة المال يكون شكرها بأداء حقه إلى الفقراء والمساكين، ونعمة الصحة وكذا الشباب تشكران بأن تبذل كل منهما في خير الإنسانية. 
 
ولأنّ الشباب طاقة فسوف يُسأل المرء عنه يوم القيامة، ففي الحديث الشريف: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع .. وعن شبابه فيما أبلاه" 1. ولأنّه نعمة فسوف يُسأل عنه - أيضا - يوم القيامة كما يسأل عن كل النعم، قال تعالى: { ولتسألن يومئذ عن النعيم}.
 
 ومن خصائص نعمة الشباب أنّها إذا فقدت لا تُعوض، فالمال إذا تلف أو سرق فبالإمكان تعويضه، والجاه أيضا يمكن تعويضه، ولكن الشباب لا يمكن تعويضه، ولا يمكن أن يعود، كما قال الشاعر: 
 
  ألا ليت الشباب يعود يوماً     فأخبره بما فعل المشيب
 
وعن أمير المؤمنين(ع): "شيئان لا يعرف فضلهما إلاّ من فقدهما: الشباب والعافية".
 
2-الفطرة السليمة: عندما يولد الإنسان فإنّه يولد نقي الفطرة، بعيدا عن كل أشكال الإنحراف، وتستمر حالة الصفاء والنقاء هذه إلى حين بلوغه، ولذا نرى الشباب متحفزاً لكل خير، ومتطلعاً للتغيير، بدافع فطرته البعيدة عن الملوّثات، وهكذا نراه أقرب إلى الصلاح، وأكثر اندفاعاً إلى الإصلاح، فالشاب يُرجى إصلاحه أكثر من الكهل، لأنّ الكبير قد يقسو قلبه بفعل المؤثرات السلبيّة، ويصبح من الصعب تغييره، بينما الشاب حيث إنّه أقرب إلى الفطرة فإنّه أبعد عن العادات السيئة، يقول مولانا الإمام الصادق(ع) لأحد أصحابه المعروف بالأحول: "أتيت البصرة؟ قال: نعم، قال(ع): كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنّهم لقليل، ولقد فعلوا ، وإنّ ذلك لقليل، فقال(ع): "عليكم بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير" 3. فالشباب - إذاً- أسرع إلى كل خير، لأن فطرتهم سليمة لم تتلوث، وتنبض بالخير والحب.
 
3- مرحلة تحديد المسارات: ومن مزايا مرحلة الشباب، أنّها مرحلة تحديد المسارات، هذه الميزة تتفرّع على سابقتها، فالشباب مفترق طرق، وهو الأرضيّة الصالحة لتلقي الأفكار البناءة أو الهدامة، يقول الإمام علي(ع): "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك" 4.
 
ويمكننا القول: إنّ الشباب كالصفحة البيضاء تتلقى كل ما يكتب فيها، أو قل إنها من هذه الجهة كالأسفنجة الخالية التي تمتص كل ما ألقي فيها. 
 
4- قوة الإحساسات العاطفية: ويمتاز الشباب بقوة الإحساسات العاطفيّة، فالإحساس بالجمال والكمال حاضر لدى الشباب أكثر من غيره، والاندفاع نحو الخير والابداع كذلك يتوافر لديه أكثر من غيره.

 

مسؤوليات الشباب
 
 إن المميزات والخصائص المتقدمة التي تميز الشباب تستدعي مسؤوليات تتناسب وهذه المميزات، فما هي هذه المسؤوليات؟ 
 
يمكننا أن نلخص هذه المسؤوليات بكلمتين: العلم والعمل، وإليك تفصيل ذلك:
 
 العلم واجب إلهي 
 
 إنّ المسؤولية الأساس التي تقع على عاتق الشباب بما أنّهم أمل الأمة ومستقبلها، أن يتعلّموا ويأخذوا بأسباب العلم، فالمستقبل لا يبنى إلا بالعلم، وهل تتخلف الأمم إلا عندما يبتعد أبناؤها عن الأخذ بأسباب العلم؟ يقول الإمام الصادق(ع) فيما روي عنه: "لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالتين: إمّا عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق" 5.  
 
   ومن هنا فإنّ على الشاب أن يعيش هم العلم وقلق المعرفة، ليفكر على الدوام ليس فقط في نفسه وهمومه الشخصية، بل عليه أن يفكّر كيف يخرج الأمة من حالة الجهل؟ وكيف يساهم في تقدم أمته لترقى إلى مستواها اللائق بها كأمة شاهدة على الأمم؟ 
 
 وإنّ ذلك لن يحصل بالتأكيد إلا إذا اعتبرنا الجهل هو أعدى أعدائنا، كما هو بالفعل، وإنّ ضريبة الجهل هي التخلف ونتيجته هي العنف والإفراط، يقول الإمام علي(ع): "لا ترى الجاهل إلاّ مفرطاً أو مفرطاً "6 وكذلك فإن ثمرة الجهل هي انتشار العداوة والبغضاء بين الناس، لأن "الناس أعداء ما جهلوا"، وإذا اقترن الجهل بالتدين فتلك المصيبة الكبرى، لأنّه يزيده تشدداً وتزمتاً، ولذا قال علي(ع): "ما قصم ظهري إلاّ رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك" 7، وقد نظم بعضهم هذا المعنى، فقال:
 
      فساد كبير: عالم متهتك     وأكبر منه جاهل متنسك
     هما فتنة للعالمين عظيمة     لمن يهن في دينه بتمسك
 
  إذن الإسلام يرى أنّ المدخل إلى الإيمان يكون من باب العلم، لأنّ الإنسان كلما ازداد علماً إزداد إيماناً، وكلما ازداد جهلاً ازداد تزمتاً وبعداً عن الله سبحانه وتعالى، ومن هنا تعرف السر في اعتماد القرآن الكريم على الشواهد الآفاقية، كأهم دليل على وجود الله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت 53).
 
العقل آلة العلم
 
   وعندما نتحدث عن العلم فلا يمكننا أن نغفل آلة العلم ووسيلة المعرفة الأساسية وهي العقل، فالعقل هو وسيلة الإبداع، وهو دليل الإنسان ومرشده إلى ربه وخالقه، كما هو وسيلة اكتشاف الكون، والمفروض بالإنسان أن يُبقي عقله على الدوام يقظا وفي حالة حركة، لأنّ سكون العقل يعني سكون الحياة، عن الإمام الرضا(ع): "صديق كل امرء عقله وعدوه جهله" 8، وما يريده الإسلام للشاب أن يعمل دائماً على تنمية عقله وتغذيته بكل جديد نافع، ولا سيما أنّ عقل الشاب هو بطبيعته عقل متحفز للمعرفة، ومتطلع إلى الحقيقة، فعلى الشاب أن لا يكون ممن يؤجرون عقولهم وتتحكم بهم عواطفهم وانفعالاتهم، فيميلون مع كل ريح، ويُساقون مع كل موضة جديدة، إنّ عقولنا أمانة الله عندنا، ولا يجوز لنا أن نبدد هذه النعمة، ففي الحديث عن الإمام الكاظم(ع): "قل خيراً وأبلغ خيراً ولا تكن أمعة، قال: وما الأمعة؟ قال: تقول أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس، إن رسول الله (ص) قال: يا أيها الناس إنما هما نجداننجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " 9.
 
   وعلينا أن نعلم أنّ سبباً أساسياً لدخول جهنم هو في عدم إعمال العقول،{وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}، (الملك 10).
 
 إنّ قوة الشاب ليس فقط في عضلاته، بل في عقله أيضاً، وقد كان أمير المؤمنين(ع) يقول: "رأي الشيخ أحب إليّ من جلد الغلام" 10، أي إنّ المعركة لا تقاد بالعضلات فحسب، بل بالتخطيط والرأي
الصائب.
 
 وإنّ إيمان الإنسان على قدر عقله، ففي الحديث عن الإمام الصادق(ع) قلت له: "فلان في عبادته ودينه وفضله، فقال: كيف عقله؟ قلت: لا أدري، فقال: إن الثواب على قدر العقل، إنّ رجلاً من بني اسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر، خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء، وإن ملكاً من الملائكة مرّ به فقال: يا رب أرني ثواب عبدك هذا فأراه الله تعالى ذلك فاستقله الملك، فأوحى الله إليه أن اصحبه، فأتاه الملك في صورة إنسي فقال (أي العابد) له: من أنت؟ قال: أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك، فكان معه يومه ذلك، فلما أصبح قال له الملك: إنّ مكانك لنزه وما يصلح إلاّ للعبادة، فقال له العابد: إنّ لمكاننا هذا عيباً، فقال له وما هو؟ قال: ليس لربنا بهيمة، فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فإنّ هذا الحشيش يضيع، فقال له الملك: وما لربك حمار؟ فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش، فأوحى الله إلى الملك: إنّما أثيبه على قدر عقله" 11.
 
   وفي حديث آخر، قال عبد الله بن سنان: ذكرت لأبي عبد الله(ع) رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة، وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد الله(ع): "وأي عقل له وهو يطيع الشيطان! فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شيء هو؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان"12 .
 
العمل سرّ النجاح 
 
المهمة الثانية الملقاة على عاتق الشباب: هي مهمة العمل، لكنّ ما الذي نقصده بالعمل؟ إنّ ما نقصده هو العمل على خطين: العمل في سبيل المعاش، والعمل في سبيل المعاد، "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآ خرتك كأنك تموت غداً" 13.
 
   أما العمل في سبيل المعاش فهو أمر ضروري، والأمة التي لا تعمل هي أمة فاشلة ومحكومة بالتخلف وبالسقوط في مجال التنافس الحضاري وستبقى عالة على الآخرين، والحقيقة إنّ العمل ليس خياراً من خيارات الأمة، بل هو ضرورة لا مفر لها من الأخذ بها وواجب من واجباتها.
 
الإسلام ومحاربة الكسل
 
 وإدراكاً منه لأهمية العمل في تقدم الأمم، فقد حثّ الإسلام عليه وشنّ حملة على الكسل والتكاسل والبطالة والدعة، ففي الحديث: "كان رسول الله(ص) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: هل له حرفة؟ فإن قالوا لا، قال: سقط من عيني، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله(ص)؟ قال: لأن المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه" 14. أي أنه يحوّل دينه إلى دكان للاتجار به. 
 
   إنّ السعادة لا تنال بالأماني، بل بالكد والعمل، عن علي(ع): "هيهات من نيل السعادة السكون إلى الهوينا والبطالة" 15، وعنه(ع): "إن الأشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فتنتج بينهما الفقر" 16، وعن الباقر(ع): "الكسل يضر بالدين والدنيا" 17، ومن الطريف أن الإمام الصادق(ع) كان يشكو من الكسل المستشري في زمانه، يقول: "لا تكسلوا في طلب معايشكم فإنّ أباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها" 18، ولست أدري ماذا يقول مولانا الإمام الصادق(ع) في أهل زماننا هذا الذين زحف إليهم الكسل، وتراخوا واستراحوا للترف واللهو والدعة؟!
 
الخصومة المفتعلة بين الدين والدنيا
 
 والأمر الأخطر من مجرد استشراء الكسل هو في اختلال النظرة إلى مفهوم العمل وتشوه المفهوم الديني إزاءه لدى قطاعات من أبناء الأمة وتمثّل هذا التشوّه في إيجاد خصومة مفتعلة بين الزهد والعمل أو بين الدنيا والآخرة، حيث يتخيل البعض أنّ الانغماس في العمل ينافي الزهد، وهذه النظرة هي نظرة خاطئة بالتأكيد، فإنّ الإسلام نظر بنظرة متوازنة إلى الدنيا والآخرة، "اعمل لدنياك... واعمل لآخرتك"، بل إنّه اعتبر أنّ العمل في سبيل المعاش ورفع مستوى الأمة والتخلص من مشكلة الفقر هو من أوجب الواجبات، ومن أهم العبادات، ولذا ترى أن الإمام الصادق(ع) سأل عن رجل أصابته الحاجة قال: "فماذا يصنع؟ قالوا في البيت يعبد ربه، قال: فمن أين قوته؟ قالوا: من عند بعض إخوانه، قال: والله للذي يقوته أشد عبادة منه" 19
 
الشباب والتسوّل
 
   وثمة مفهوم آخر إسلامي طاله التشّوه وهو مفهوم التوكل، حيث غدا  مساوياً للتواكل، فإنك عندما تطالب البعض وتقول له: لم لا تعمل؟ يجيبك: "أنا متوكل على الله"، أو "الله بيرزق" وهو في الحقيقة يبرر كسله وتخاذله بهذه الكلمات التي هي كلمات حق يراد بها باطل، "الله بيرزق" هذا شعار ليس للكسالى، وإنما يرفعه الإنسان وهو داخل ساحة العمل يخوض غماره. والتوكل على الله أيضاً لا يعني الجلوس في البيوت وانتظار الرزق أو مدّ اليد للآخرين، ألا ترون اليوم أنّ ثمة حالة غريبة في مجتمعاتنا وهي أنّ بعض الشباب أصبح يمدّ يده للتسوّل، إننا نفهم أن يمدّ عجوزاً أو أرملة أو يتيماً أمّا أن ترى شاباً يمدّ يده فتلك مصيبة وحالة مرضية لا بدّ من معالجتها، إنّ الإسلام يرفض إعطاء الزكاة لمن يمتلك القوة البدنية، لا سيما أن إعطاءه مرة تلو الأخرى يجعله يمتهن التسول وبذل ماء الوجه للآخرين ويعرّض نفسه لمهانة والمذلة، ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع): "إياكم وسؤال الناس فإنه ذل في الدنيا وفقر تعجلونه وحساب طويل يوم القيامة" 20
 
يحكى أن الأصمعي مرّ على كناس في البصرة يكنس كنيفاً وهو يتغنى ببعض الأشعار ومن جملتها قوله:
 
   وأكرم نفسي إنني إن أهنتها      وحقك لم تكرم على أحد بعدي
 
 قال الأصمعي: فقلت له: والله ما يكون من الهوان شيء أكثر مما بذلتها له، فبأي شيء أكرمتها؟ فقال: بلى والله إنّ من الهوان لشراً مما أنا فيه، فقلت وما هو؟ فقال: الحاجة إليك وإلى أمثالك من الناس، فانصرفت عنه وأنا أخزى الناس".
 
بالعمل نواجه سياسة الإفقار
 
   إنّ ما نواجهه اليوم من سياسة تعمل على إفقار شعوبنا وهي سياسة لم يسبق لها مثيل، وتهدف إلى تفريغ أمتنا من الطاقات ليتمّ استدراج العقول في أمتنا إلى بلاد الغرب، بالرغم من وفرة الثروات والطاقات التي تملكها هذه الأمة بما يجعلها من أغنى الأمم، لكنّ السياسة الاستكبارية اعتمدت خطة تهدف إلى إفقار الشعوب الإسلامية وإشغالها بلقمة العيش حتى لا تترك لها مجالاً للتفكير في كيفية نهوض هذه الأمة.
 
   وأعتقد أنّ الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها في وجه هذه الساسة الإفقارية هي في أن ننصرف إلى العمل وأن نخلق فرص العمل، بذلك نواجه سياسة الإفقار التي تريد إشغالنا بلقمة العيش كما قلت، وتريد أن تنشر في أوساطنا الجريمة والفاحشة، لأنّ أقرب وسيلة لنشر الجرائم وتفكيك المجتمعات خلقياً واجتماعيا هي في إفقار هذه المجتمعات.
 
وبالعمل نواجه سياسة الاستغلال
 
   يعمل الكثيرون من المستبدين والمتسلطين على استغلال حاجة الشباب للمال والوظائف فيعملون على ابتزاز الشباب واستغلال حاجاتهم ليحولوهم إلى تابعين وأزلام عند هذا الزعيم أو ذاك يستجدون وظيفة أو مالاً، كما الحال في لبنان – مثلا - حيث شاهدنا هذا الأمر في الأحداث اللبنانية  حيث يُستأجر بعض الشباب ويساقون إلى معارك لا يفهمون أهدافها، والمشكلة هي في هذا النظام الطائفي البغيض والذي لا يسمح لأي شاب أن ينتمي إلى وطنه إلا بالعبور في طائفته وزعيم الطائفة.
 
 ولكن باستطاعة الشباب تغيير هذا الواقع، فهم الذين جاؤا بهؤلاء الزعماء، "كما تكونون يولى عليكم".
 
   إنّ على الشباب أن يعمل على الاستقلال عن هذا الزعيم أو ذاك، وأن لا يرهن نفسه لهذا أو ذاك، ولعل أسوأ أنواع الاستغلال هو استغلال الشباب وتحديداً الفتيات من الناحية الجنسية، حيث يعمل البعض على استغلال حاجة البنت أو الفتاة للعمل وللمال فيضغط عليها  لتتنازل عن أخلاقها وكرامتها وشرفها، وإننا نجد بعض البنات تقع فريسة هذا الواقع المؤلم من الناحية الاقتصادية .. وهنا تكون مسؤولية الأمة والمجتمع والدولة كبيرة جداً على أكثر من صعيد لتحصين المجتمع أخلاقياً وسد الثغرات وتوفير فرص العمل، (وهذا ما سنعود له في وقت لاحق) ولكن نقول اختصاراً لكل فتاة: أختي الكريمة، إبنتي العزيزة، إنّ شرفكِ هو عزكِ وكرامتكِ وهو سر إنسانيتكِ، فلا تبيعي نفسكِ ولا تحولي نفسك إلى سلعة رخيصة، كما يراد لك.

 

 

 
1-  بحار الأنوار ج27 ص311.
2-  عيون الحكم والمواعظ ص298.
3-  الكافي ج8 ص83.
4-  نهج البلاغة ج3 ص40.
5-  الأمالي للطوسي ص303.
6-  نهج البلاغة ج4 ص15.
7-  عيون الحكم والمواعظ ص479.
8-  الكافي ج1 ص11.
9-  تحف العقول ص413.
10-  نهج البلاغة ج4 ص19.
11-  الكافي ج1 ص12.
12-  الكافي ج1 ص12.
13-  من لا يحضره الفقيه ج3 ص153.
14-  مستدرك الوسائل ج 13 ص11.
15-  عيون الحكم والمواعظ ص512.
16-  الكافي ج5 ص86.
17-  تحف العقول ص300.
18-  من لا يحضره الفقيه ج3 ص157.
19-  الكافي ج5 ص87.
20-  الكافي ج4 ص10





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon