حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
الشباب .. خصائص ومسؤوليات
الشيخ حسين الخشن



 

الحديث عن الشباب يفرض علينا أن ندخل إلى همومهم وتطلعاتهم، حقوقهم وواجباتهم، آلامهم وآمالهم، ما الذي يشغل بال الشاب وبماذا يفكر؟ ما هي أحاسيسه وعواطفه ومشاعره؟ كيف عليه أن يتعامل مع غرائزه؟
 
مميزات مرحلة الشباب:
 
1- الطاقة والحيوية: تمتاز مرحلة الشباب بأنّها مرحلة الحيوية والنشاط، فالشباب طاقة، والطاقة لا بد أن تستثمر، لا أن تبدد، ومع الأسف، فنحن أمة نتقن فن تبديد الطاقات، وكما أنّ الشباب طاقة فهو أيضا نعمة، والنعمة تواجه بالشكر لا بالكفر، وشكرُها يعني أن نؤدي حقها، شكرُها لا يكون بالقول فقط، بل بالفعل أيضاً، بأن نستثمرها فيما خُلقت له، فنعمة المال يكون شكرها بأداء حقه إلى الفقراء والمساكين، ونعمة الصحة وكذا الشباب تشكران بأن تبذل كل منهما في خير الإنسانية. 
 
ولأنّ الشباب طاقة فسوف يُسأل المرء عنه يوم القيامة، ففي الحديث الشريف: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع .. وعن شبابه فيما أبلاه" 1. ولأنّه نعمة فسوف يُسأل عنه - أيضا - يوم القيامة كما يسأل عن كل النعم، قال تعالى: { ولتسألن يومئذ عن النعيم}.
 
 ومن خصائص نعمة الشباب أنّها إذا فقدت لا تُعوض، فالمال إذا تلف أو سرق فبالإمكان تعويضه، والجاه أيضا يمكن تعويضه، ولكن الشباب لا يمكن تعويضه، ولا يمكن أن يعود، كما قال الشاعر: 
 
  ألا ليت الشباب يعود يوماً     فأخبره بما فعل المشيب
 
وعن أمير المؤمنين(ع): "شيئان لا يعرف فضلهما إلاّ من فقدهما: الشباب والعافية".
 
2-الفطرة السليمة: عندما يولد الإنسان فإنّه يولد نقي الفطرة، بعيدا عن كل أشكال الإنحراف، وتستمر حالة الصفاء والنقاء هذه إلى حين بلوغه، ولذا نرى الشباب متحفزاً لكل خير، ومتطلعاً للتغيير، بدافع فطرته البعيدة عن الملوّثات، وهكذا نراه أقرب إلى الصلاح، وأكثر اندفاعاً إلى الإصلاح، فالشاب يُرجى إصلاحه أكثر من الكهل، لأنّ الكبير قد يقسو قلبه بفعل المؤثرات السلبيّة، ويصبح من الصعب تغييره، بينما الشاب حيث إنّه أقرب إلى الفطرة فإنّه أبعد عن العادات السيئة، يقول مولانا الإمام الصادق(ع) لأحد أصحابه المعروف بالأحول: "أتيت البصرة؟ قال: نعم، قال(ع): كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنّهم لقليل، ولقد فعلوا ، وإنّ ذلك لقليل، فقال(ع): "عليكم بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير" 3. فالشباب - إذاً- أسرع إلى كل خير، لأن فطرتهم سليمة لم تتلوث، وتنبض بالخير والحب.
 
3- مرحلة تحديد المسارات: ومن مزايا مرحلة الشباب، أنّها مرحلة تحديد المسارات، هذه الميزة تتفرّع على سابقتها، فالشباب مفترق طرق، وهو الأرضيّة الصالحة لتلقي الأفكار البناءة أو الهدامة، يقول الإمام علي(ع): "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك" 4.
 
ويمكننا القول: إنّ الشباب كالصفحة البيضاء تتلقى كل ما يكتب فيها، أو قل إنها من هذه الجهة كالأسفنجة الخالية التي تمتص كل ما ألقي فيها. 
 
4- قوة الإحساسات العاطفية: ويمتاز الشباب بقوة الإحساسات العاطفيّة، فالإحساس بالجمال والكمال حاضر لدى الشباب أكثر من غيره، والاندفاع نحو الخير والابداع كذلك يتوافر لديه أكثر من غيره.

 

مسؤوليات الشباب
 
 إن المميزات والخصائص المتقدمة التي تميز الشباب تستدعي مسؤوليات تتناسب وهذه المميزات، فما هي هذه المسؤوليات؟ 
 
يمكننا أن نلخص هذه المسؤوليات بكلمتين: العلم والعمل، وإليك تفصيل ذلك:
 
 العلم واجب إلهي 
 
 إنّ المسؤولية الأساس التي تقع على عاتق الشباب بما أنّهم أمل الأمة ومستقبلها، أن يتعلّموا ويأخذوا بأسباب العلم، فالمستقبل لا يبنى إلا بالعلم، وهل تتخلف الأمم إلا عندما يبتعد أبناؤها عن الأخذ بأسباب العلم؟ يقول الإمام الصادق(ع) فيما روي عنه: "لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالتين: إمّا عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق" 5.  
 
   ومن هنا فإنّ على الشاب أن يعيش هم العلم وقلق المعرفة، ليفكر على الدوام ليس فقط في نفسه وهمومه الشخصية، بل عليه أن يفكّر كيف يخرج الأمة من حالة الجهل؟ وكيف يساهم في تقدم أمته لترقى إلى مستواها اللائق بها كأمة شاهدة على الأمم؟ 
 
 وإنّ ذلك لن يحصل بالتأكيد إلا إذا اعتبرنا الجهل هو أعدى أعدائنا، كما هو بالفعل، وإنّ ضريبة الجهل هي التخلف ونتيجته هي العنف والإفراط، يقول الإمام علي(ع): "لا ترى الجاهل إلاّ مفرطاً أو مفرطاً "6 وكذلك فإن ثمرة الجهل هي انتشار العداوة والبغضاء بين الناس، لأن "الناس أعداء ما جهلوا"، وإذا اقترن الجهل بالتدين فتلك المصيبة الكبرى، لأنّه يزيده تشدداً وتزمتاً، ولذا قال علي(ع): "ما قصم ظهري إلاّ رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك" 7، وقد نظم بعضهم هذا المعنى، فقال:
 
      فساد كبير: عالم متهتك     وأكبر منه جاهل متنسك
     هما فتنة للعالمين عظيمة     لمن يهن في دينه بتمسك
 
  إذن الإسلام يرى أنّ المدخل إلى الإيمان يكون من باب العلم، لأنّ الإنسان كلما ازداد علماً إزداد إيماناً، وكلما ازداد جهلاً ازداد تزمتاً وبعداً عن الله سبحانه وتعالى، ومن هنا تعرف السر في اعتماد القرآن الكريم على الشواهد الآفاقية، كأهم دليل على وجود الله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت 53).
 
العقل آلة العلم
 
   وعندما نتحدث عن العلم فلا يمكننا أن نغفل آلة العلم ووسيلة المعرفة الأساسية وهي العقل، فالعقل هو وسيلة الإبداع، وهو دليل الإنسان ومرشده إلى ربه وخالقه، كما هو وسيلة اكتشاف الكون، والمفروض بالإنسان أن يُبقي عقله على الدوام يقظا وفي حالة حركة، لأنّ سكون العقل يعني سكون الحياة، عن الإمام الرضا(ع): "صديق كل امرء عقله وعدوه جهله" 8، وما يريده الإسلام للشاب أن يعمل دائماً على تنمية عقله وتغذيته بكل جديد نافع، ولا سيما أنّ عقل الشاب هو بطبيعته عقل متحفز للمعرفة، ومتطلع إلى الحقيقة، فعلى الشاب أن لا يكون ممن يؤجرون عقولهم وتتحكم بهم عواطفهم وانفعالاتهم، فيميلون مع كل ريح، ويُساقون مع كل موضة جديدة، إنّ عقولنا أمانة الله عندنا، ولا يجوز لنا أن نبدد هذه النعمة، ففي الحديث عن الإمام الكاظم(ع): "قل خيراً وأبلغ خيراً ولا تكن أمعة، قال: وما الأمعة؟ قال: تقول أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس، إن رسول الله (ص) قال: يا أيها الناس إنما هما نجداننجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " 9.
 
   وعلينا أن نعلم أنّ سبباً أساسياً لدخول جهنم هو في عدم إعمال العقول،{وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}، (الملك 10).
 
 إنّ قوة الشاب ليس فقط في عضلاته، بل في عقله أيضاً، وقد كان أمير المؤمنين(ع) يقول: "رأي الشيخ أحب إليّ من جلد الغلام" 10، أي إنّ المعركة لا تقاد بالعضلات فحسب، بل بالتخطيط والرأي
الصائب.
 
 وإنّ إيمان الإنسان على قدر عقله، ففي الحديث عن الإمام الصادق(ع) قلت له: "فلان في عبادته ودينه وفضله، فقال: كيف عقله؟ قلت: لا أدري، فقال: إن الثواب على قدر العقل، إنّ رجلاً من بني اسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر، خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء، وإن ملكاً من الملائكة مرّ به فقال: يا رب أرني ثواب عبدك هذا فأراه الله تعالى ذلك فاستقله الملك، فأوحى الله إليه أن اصحبه، فأتاه الملك في صورة إنسي فقال (أي العابد) له: من أنت؟ قال: أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك، فكان معه يومه ذلك، فلما أصبح قال له الملك: إنّ مكانك لنزه وما يصلح إلاّ للعبادة، فقال له العابد: إنّ لمكاننا هذا عيباً، فقال له وما هو؟ قال: ليس لربنا بهيمة، فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فإنّ هذا الحشيش يضيع، فقال له الملك: وما لربك حمار؟ فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش، فأوحى الله إلى الملك: إنّما أثيبه على قدر عقله" 11.
 
   وفي حديث آخر، قال عبد الله بن سنان: ذكرت لأبي عبد الله(ع) رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة، وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد الله(ع): "وأي عقل له وهو يطيع الشيطان! فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شيء هو؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان"12 .
 
العمل سرّ النجاح 
 
المهمة الثانية الملقاة على عاتق الشباب: هي مهمة العمل، لكنّ ما الذي نقصده بالعمل؟ إنّ ما نقصده هو العمل على خطين: العمل في سبيل المعاش، والعمل في سبيل المعاد، "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآ خرتك كأنك تموت غداً" 13.
 
   أما العمل في سبيل المعاش فهو أمر ضروري، والأمة التي لا تعمل هي أمة فاشلة ومحكومة بالتخلف وبالسقوط في مجال التنافس الحضاري وستبقى عالة على الآخرين، والحقيقة إنّ العمل ليس خياراً من خيارات الأمة، بل هو ضرورة لا مفر لها من الأخذ بها وواجب من واجباتها.
 
الإسلام ومحاربة الكسل
 
 وإدراكاً منه لأهمية العمل في تقدم الأمم، فقد حثّ الإسلام عليه وشنّ حملة على الكسل والتكاسل والبطالة والدعة، ففي الحديث: "كان رسول الله(ص) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: هل له حرفة؟ فإن قالوا لا، قال: سقط من عيني، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله(ص)؟ قال: لأن المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه" 14. أي أنه يحوّل دينه إلى دكان للاتجار به. 
 
   إنّ السعادة لا تنال بالأماني، بل بالكد والعمل، عن علي(ع): "هيهات من نيل السعادة السكون إلى الهوينا والبطالة" 15، وعنه(ع): "إن الأشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فتنتج بينهما الفقر" 16، وعن الباقر(ع): "الكسل يضر بالدين والدنيا" 17، ومن الطريف أن الإمام الصادق(ع) كان يشكو من الكسل المستشري في زمانه، يقول: "لا تكسلوا في طلب معايشكم فإنّ أباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها" 18، ولست أدري ماذا يقول مولانا الإمام الصادق(ع) في أهل زماننا هذا الذين زحف إليهم الكسل، وتراخوا واستراحوا للترف واللهو والدعة؟!
 
الخصومة المفتعلة بين الدين والدنيا
 
 والأمر الأخطر من مجرد استشراء الكسل هو في اختلال النظرة إلى مفهوم العمل وتشوه المفهوم الديني إزاءه لدى قطاعات من أبناء الأمة وتمثّل هذا التشوّه في إيجاد خصومة مفتعلة بين الزهد والعمل أو بين الدنيا والآخرة، حيث يتخيل البعض أنّ الانغماس في العمل ينافي الزهد، وهذه النظرة هي نظرة خاطئة بالتأكيد، فإنّ الإسلام نظر بنظرة متوازنة إلى الدنيا والآخرة، "اعمل لدنياك... واعمل لآخرتك"، بل إنّه اعتبر أنّ العمل في سبيل المعاش ورفع مستوى الأمة والتخلص من مشكلة الفقر هو من أوجب الواجبات، ومن أهم العبادات، ولذا ترى أن الإمام الصادق(ع) سأل عن رجل أصابته الحاجة قال: "فماذا يصنع؟ قالوا في البيت يعبد ربه، قال: فمن أين قوته؟ قالوا: من عند بعض إخوانه، قال: والله للذي يقوته أشد عبادة منه" 19
 
الشباب والتسوّل
 
   وثمة مفهوم آخر إسلامي طاله التشّوه وهو مفهوم التوكل، حيث غدا  مساوياً للتواكل، فإنك عندما تطالب البعض وتقول له: لم لا تعمل؟ يجيبك: "أنا متوكل على الله"، أو "الله بيرزق" وهو في الحقيقة يبرر كسله وتخاذله بهذه الكلمات التي هي كلمات حق يراد بها باطل، "الله بيرزق" هذا شعار ليس للكسالى، وإنما يرفعه الإنسان وهو داخل ساحة العمل يخوض غماره. والتوكل على الله أيضاً لا يعني الجلوس في البيوت وانتظار الرزق أو مدّ اليد للآخرين، ألا ترون اليوم أنّ ثمة حالة غريبة في مجتمعاتنا وهي أنّ بعض الشباب أصبح يمدّ يده للتسوّل، إننا نفهم أن يمدّ عجوزاً أو أرملة أو يتيماً أمّا أن ترى شاباً يمدّ يده فتلك مصيبة وحالة مرضية لا بدّ من معالجتها، إنّ الإسلام يرفض إعطاء الزكاة لمن يمتلك القوة البدنية، لا سيما أن إعطاءه مرة تلو الأخرى يجعله يمتهن التسول وبذل ماء الوجه للآخرين ويعرّض نفسه لمهانة والمذلة، ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع): "إياكم وسؤال الناس فإنه ذل في الدنيا وفقر تعجلونه وحساب طويل يوم القيامة" 20
 
يحكى أن الأصمعي مرّ على كناس في البصرة يكنس كنيفاً وهو يتغنى ببعض الأشعار ومن جملتها قوله:
 
   وأكرم نفسي إنني إن أهنتها      وحقك لم تكرم على أحد بعدي
 
 قال الأصمعي: فقلت له: والله ما يكون من الهوان شيء أكثر مما بذلتها له، فبأي شيء أكرمتها؟ فقال: بلى والله إنّ من الهوان لشراً مما أنا فيه، فقلت وما هو؟ فقال: الحاجة إليك وإلى أمثالك من الناس، فانصرفت عنه وأنا أخزى الناس".
 
بالعمل نواجه سياسة الإفقار
 
   إنّ ما نواجهه اليوم من سياسة تعمل على إفقار شعوبنا وهي سياسة لم يسبق لها مثيل، وتهدف إلى تفريغ أمتنا من الطاقات ليتمّ استدراج العقول في أمتنا إلى بلاد الغرب، بالرغم من وفرة الثروات والطاقات التي تملكها هذه الأمة بما يجعلها من أغنى الأمم، لكنّ السياسة الاستكبارية اعتمدت خطة تهدف إلى إفقار الشعوب الإسلامية وإشغالها بلقمة العيش حتى لا تترك لها مجالاً للتفكير في كيفية نهوض هذه الأمة.
 
   وأعتقد أنّ الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها في وجه هذه الساسة الإفقارية هي في أن ننصرف إلى العمل وأن نخلق فرص العمل، بذلك نواجه سياسة الإفقار التي تريد إشغالنا بلقمة العيش كما قلت، وتريد أن تنشر في أوساطنا الجريمة والفاحشة، لأنّ أقرب وسيلة لنشر الجرائم وتفكيك المجتمعات خلقياً واجتماعيا هي في إفقار هذه المجتمعات.
 
وبالعمل نواجه سياسة الاستغلال
 
   يعمل الكثيرون من المستبدين والمتسلطين على استغلال حاجة الشباب للمال والوظائف فيعملون على ابتزاز الشباب واستغلال حاجاتهم ليحولوهم إلى تابعين وأزلام عند هذا الزعيم أو ذاك يستجدون وظيفة أو مالاً، كما الحال في لبنان – مثلا - حيث شاهدنا هذا الأمر في الأحداث اللبنانية  حيث يُستأجر بعض الشباب ويساقون إلى معارك لا يفهمون أهدافها، والمشكلة هي في هذا النظام الطائفي البغيض والذي لا يسمح لأي شاب أن ينتمي إلى وطنه إلا بالعبور في طائفته وزعيم الطائفة.
 
 ولكن باستطاعة الشباب تغيير هذا الواقع، فهم الذين جاؤا بهؤلاء الزعماء، "كما تكونون يولى عليكم".
 
   إنّ على الشباب أن يعمل على الاستقلال عن هذا الزعيم أو ذاك، وأن لا يرهن نفسه لهذا أو ذاك، ولعل أسوأ أنواع الاستغلال هو استغلال الشباب وتحديداً الفتيات من الناحية الجنسية، حيث يعمل البعض على استغلال حاجة البنت أو الفتاة للعمل وللمال فيضغط عليها  لتتنازل عن أخلاقها وكرامتها وشرفها، وإننا نجد بعض البنات تقع فريسة هذا الواقع المؤلم من الناحية الاقتصادية .. وهنا تكون مسؤولية الأمة والمجتمع والدولة كبيرة جداً على أكثر من صعيد لتحصين المجتمع أخلاقياً وسد الثغرات وتوفير فرص العمل، (وهذا ما سنعود له في وقت لاحق) ولكن نقول اختصاراً لكل فتاة: أختي الكريمة، إبنتي العزيزة، إنّ شرفكِ هو عزكِ وكرامتكِ وهو سر إنسانيتكِ، فلا تبيعي نفسكِ ولا تحولي نفسك إلى سلعة رخيصة، كما يراد لك.

 

 

 
1-  بحار الأنوار ج27 ص311.
2-  عيون الحكم والمواعظ ص298.
3-  الكافي ج8 ص83.
4-  نهج البلاغة ج3 ص40.
5-  الأمالي للطوسي ص303.
6-  نهج البلاغة ج4 ص15.
7-  عيون الحكم والمواعظ ص479.
8-  الكافي ج1 ص11.
9-  تحف العقول ص413.
10-  نهج البلاغة ج4 ص19.
11-  الكافي ج1 ص12.
12-  الكافي ج1 ص12.
13-  من لا يحضره الفقيه ج3 ص153.
14-  مستدرك الوسائل ج 13 ص11.
15-  عيون الحكم والمواعظ ص512.
16-  الكافي ج5 ص86.
17-  تحف العقول ص300.
18-  من لا يحضره الفقيه ج3 ص157.
19-  الكافي ج5 ص87.
20-  الكافي ج4 ص10





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon