حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
ما روي عن الإمام علي في ذم المرأة (1)
الشيخ حسين الخشن



ما روي عن علي(ع) في ذمّ المرأة

وفي هذا المحور، ندخل في منعطفٍ أساس من دراستنا هذه، ويمكنك القول: إنّنا ندخل في صلب الموضوع الذي أُعدّ هذا الكتاب من أجل تناوله بالبحث والدراسة، عنيت بذلك استعراض النصوص الواردة في المرأة والمنسوبة إلى الإمام علي(ع) وسوف نلاحظها نصّاً نصاً، وندرسها سنداً ودلالة ومضموناً، لنرى إذا كانت مستجمعة لشرائط الحجيّة، وما إذا كان يتسنى لنا قبول نسبتها إليه(ع)، آخذين بعين الاعتبار الضوابط والمعايير المتقدمة في المحور الأول وما تلاه من محاور.

حديث: "المرأة شرٌّ كلها"

الحديث الأول الذي نضعه على طاولة البحث والنقد، هو ما روي عنه(ع) أنّه قال: «المرأةُ شَرٌّ كلُّها وشَرُّ ما فيها أنّه لا بدّ مِنْها»[1].

مصدر الحديث وسنده

وهذا الحديث - بحسب تتبعنا - لم يروه من المحدِّثين والمؤرخين سوى الشريف الرضي في نهج البلاغة مُرْسِلاً إياه إلى أمير المؤمنين(ع)، وقد تردد صداه بعد ذلك في بعض المصادر الحديثيّة وغيرها[2].

ومن الواضح أنّه لا سند للحديث يمكن الوثوق به والاعتماد عليه، فهو مرسل ولا يمتلك طريقاً واضحاً يتصل بأمير المؤمنين(ع)، لينظر فيه ويقيّم حال رواته، ولهذا لا يمكننا الاستناد إليه في تقديم تصوّر إسلامي بشأن المرأة.

وقد عثرنا على رواية قريبة من هذا المضمون مرويّة عن المأمون العباسي، فقد نُقل عنه أنّه قال: «إنهنّ - أي النساء - شرّ كلّهن، وشرٌّ ما فيهن ألّا غنى عنهن»[3]، وربما نسبت الكلمة على ألسنة البعض إلى «بعض الحكماء»[4].

وفي ضوء هذا التخبط في نسبة الكلمة تارة إلى علي(ع) وتارة أخرى إلى المأمون العباسي، وثالثة إلى بعض الحكماء، فإنّ ثمّة سؤالاً يطرح نفسه، وهو أنّه لو كانت الكلمة واضحة الانتساب لأمير المؤمنين(ع) فكيف تنسب في الوقت نفسه إلى المأمون؟ ألا يؤشر ذلك إلى حصول اشتباه معين، في نسبتها إلى علي(ع)؟ وذلك بأن نفترض أنّ بعضهم رواها عن «أمير المؤمنين» في إشارة منه إلى المأمون جرياً على ما هو المألوف والمرسوم في كثير من الأوساط من إطلاق لفظ «أمير المؤمنين» على الخلفاء كافة، ولا سيما إذا فرض أنّ المأمون كان مذكوراً بالاسم واللقب قبل ذلك، ثم وعلى طريقة المحدثين في الاختصار أعاد المؤلف أو الراوي ذكر اللقب فقط قائلاً: وقال أمير المؤمنين في إشارة إليه؛ ثمّ حصل الاشتباه بعد ذلك ممن سمع الرواية أو قرأها، ولم يلتفت إلى السياق، فنسبها إلى أمير المؤمنين علي(ع)، باعتباره العنوان الأبرز والفرد الأكمل ممّن يعبّر عنه بأمير المؤمنين(ع)[5]؟!

 

مضمون الحديث

بصرف النظر عما تقدّم، والتسليم بصحّة سند الحديث، والتسليم - أيضاً - بعدم حصول اشتباه في نسبته إلى علي(ع)، فإنّ مضمونه - لو حُمل على ظاهره - مما يصعب التصديق بصدوره عنه(ع)[6]، وتوضيح ذلك في الوقفات التالية:

المصادمة مع المفاهيم القرآنية

الوقفة الأولى: إنّ الحكم على المرأة بأنّها شرّ كلّها لا يتنافى مع واقع الحال فحسب، بل ويتنافى مع التصور القرآني إزاءها، وذلك أنّ المرأة - كما قدّمها القرآن الكريم - لا تختلف عن الرجل في أصل خلقتها، فهما معاً مخلوقان من جنس واحد ونفس واحدة، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [7]، وقد وهبها الله تعالى فطرة نقية طيبة كما وهب الرجل، قال تعالى:  {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [8]، وهي لا تختلف عنه أيضاً في قابلياتها وطاقاتها، فقد أعطاها الله عقلاً وعاطفة وغريزة، كما أعطى الرجل، ومَنَحَها حريةَ الاختيار كما منحه، ما يعني أنّ الخير والشر قد يصدر من كليهما، وليس من المرأة فحسب، قال تعالى في الإشارة إلى الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[9]، ولذلك فقد أراد الله سبحانه للمرأة أن تقوم إلى جنب الرجل بدور خلافته على الأرض، وذلك  بعمارتها وإحيائها، وهكذا فإنّه تعالى شرّفها - كما الرجل - بالتكليف والخطاب وإرسال الرسل، وهداها السبيل كما هداه، قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [10]، وفتح أمامهما معاً مجال السمو الروحي والتكامل المعرفي.

 وفي ضوء ما تقدّم، فإننا نتساءل: كيف تكون المرأة شرّاً كلها؟! وإذا كانت شرّاً فلماذا تكون هي كذلك دون الرجل مع اشتراكهما في الخصائص والقابليّات؟

ثمّ هل يمكننا الإذعان والتصديق بفكرةٍ مفادها أنّ الله تعالى قد خلق إنساناً أو كائناً هو شرٌّ كُلُّه؟!

 إنّ هذا لا يمكننا فهمه ولا قبوله، للاعتبارات التالية:

أولاً: لأنّه لا ينسجم مع معطيات الواقع، فالمرأة أمامنا أماً أو أختاً أو بنتاً أو عمّة أو خالة أو غيرهن، ونحن نراها معلمة ومهندسة وطبيبة وعاملة ومربية إلى غير ذلك مما تقوم به المرأة من أدوار ومهام، ولا نرى أنّها تُجَسِّدُ الشر لا في كيانها ولا في ملكاتها ولا فيما تقوم به من وظائف وأعمال. أجل، قد يصدر عنها عمل الشر، كما يصدر عن الرجل، وربما بنسبة أقل منه، ولكنّ هذا لا يصحح وصفها بانّها الشّرُّ عينه.

ثانياً: ولا ينسجم - أيضاً - مع الرؤية الإسلامية القرآنية المشار إليها حول دور الإنسان -رجلاً كان أو امرأة - في نظام الخلافة، فإنّ خلافة الله تعالى على الأرض لا ينهض بحملها من كان شرّاً محضاً ولا يتأتى منه الخير، وإنّما ينهض بحملها من كان يمثِّل الخير وإن كان قد يسقط في متاهات الشرّ وينحرف عن صراط الفطرة. إنّ العنصر المهم في الخليفة أن يمتلك إرادة فعل الخير ويكون له حرية الاختيار حتى لو سقط في امتحان الإرادة، ولا يصلحُ لخلافة الله على الأرض مَنْ هو مقهور تكوينياً على فعل الخير ولا يستطيع التمرد ولا يتأتى منه العصيان، وإن توهّمت الملائكة ذلك، أعني ضرورة أن يكون الخليفة مما لا يتأتى منه إلا فعل الخير، عندما قالوا اعتراضاً على اختيار الإنسان لمهمة الخلافة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [11]، ولكنّ الله تعالى قد فنّد وهمهم، وردّ عليهم قائلاً: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [12]، ومن المعلوم أنّه لا مجال لادعاء أنّ الرجل هو خليفة الله على الأرض حصراً، بل المرأة هي شريكة الرجل في هذه المهمة العظيمة. 

ثالثاً: وأضف إليه أنّ الحكم على المرأة بأنّها شرٌّ كلُّها - إذا حمل على ما يدل عليه ظاهره من أنّها كائن لا يتأتى منها إلا الشر - فهو لا ينسجم مع الرؤية العقائدية القاضية بأنّ الله تعالى أَحْكَمُ وأجلّ وأعدلُ من أن يخلق كائناً هو شرّ كله ولا يتأتى منه إلا الشر، فالله وهو الخير المطلق، كيف يصدر عنه الشر؟! على أنّ مخلوقاً هو تجسيد للشرّ كيف يَحْسُنُ تكليفُه ومن ثمّ محاسبته يوم الجزاء؟! ألا يكون عقابه والحال هذه عقاباً على أمر خارج عن اختياره أو على أمر يعسر عليه مخالفته؟! ثمّ وقبل ذلك أليس من الغريب - في ضوء هذه النظرة تجاه المرأة - أن تتساوى - أي المرأة - مع الرجل في التكاليف وفي المحاسبة والمؤاخذة، مع أنّ الرجل لم يكن مثالاً للشر كما كانت هي بحسب الفرض!

إنّ علياً(ع) هو ربيبُ مدرسةِ القرآن والوحي ومن كان كذلك فهو أجلّ من أن يتكلّم بما يخالف المفاهيم القرآنية، فيقدم وصفاً مهيناً للمرأة التي كرّمها الله تعالى من ضمن تكريمه للإنسان، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [13].

رابعاً: ثم إنّه وبصرف النظر عمّا تقدّم، فإنّ هذا الخبر المنسوب إلى علي(ع) مُعَارَضٌ بما ورد في بعض الأخبار من أنّ معظم الخير في النساء، ففي الحديث الموثق عن أبي عبدالله(ع): «أكثر الخير في النساء»[14]، ومعلوم أنّ الأرجحيّة في هذا التعارض هي لهذا الخبر، لا لصحته سنداً فحسب، بل ولانسجامه مع مفاهيم القرآن وواقع الحال.

كيف تكون المرأة شرّاً؟

الوقفة الثانية: كيف نفهم كون المرأة شراً؟

 قال ابن ميثم البحراني في شرح النهج: «وأراد(ع) أنّ أحوالها كلَّها شرّ على الرجل: أمّا من جهة مؤونتها فظاهر، وأمّا من جهة لذّتها واستمتاعه بها فلاستلزام ذلك البعد عن اللَّه تعالى والاشتغال عن طاعته. وأسباب الشرّ شرور وإن كانت عَرَضيّة»[15].

وما ذكره من تفسيرٍ وتبريرٍ لكون المرأة شراً غير وجيه ولا مقنع:

     أمّا قوله بأنّها شرّ من جهة مؤونتها وإنفاق الرجل عليها فهو غريب! فالأولاد -أيضاً- يَلْزَمُ على الأب الإنفاق عليهم، وكذا الوالدان يجب على الابن الإنفاق عليهما في حال عجزهما وفقرهما، فهل يصحّ وصفهم بأنّهم شرٌّ؟! على أنّ المرأة قد لا تحتاج إلى نفقة الرجل عليها، كما لو كانت غنيّة أو منتجةً، فهل ينتفي وصف الشر عنها في هذه الحالة؟! ولقد بتنا في زماننا نشهد أنّ المرأة في كثير من الحالات هي التي تنفق على الرجل، فهل يكون الرجل بسبب ذلك شرّاً؟!

وأمّا تبرير كونها شرّاً باعتبار أنّ استمتاع الرجل بها وإن كان يُحَقِّقُ له لذةً حسيّة لكنه يوجب ابتعاده عن الله تعالى فهو تبرير أغرب من سابقه، لأنّ الاشتغال بالملذات ما دام في حدود ما أحلّ الله تعالى فإنّه لا يوجب البُعْدَ عنه تعالى، بل إنّ ذلك بلحاظ بعض الاعتبارات قد يدخل في نطاق العبادة والطاعة لله[16]، والابتعاد والعزوف عن الأخذ بهذه الاستمتاعات هو أمرٌ مكروه، لمنافاته للسُّنَّة، وقد لا يخلو أحياناً من إشكال شرعي، كما لو انطلق من حالة تعبد لله بذلك، فإنّ التعبد لله تعالى يجب أن يكون بما شرّعه الله وأذن به، وإلا وقعنا في محذور الابتداع في دين الله.

ماذا يعني قوله: "وشر ما فيها.."؟

الوقفة الثالثة: كيف نفهم عبارة «وشرّ ما فيها أنّه لا بدّ منها»؟ وهل تكونُ الحاجةُ إلى المرأة هي شرُّ ما فيها؟

يقول ابن ميثم البحراني مفسراً وشارحاً هذه الفقرة: «ولمّا كان وجوب الحاجة إليها في طبيعة الوجود الدنيويّ هو السبب في تحمّل الرجل للمرأة ووقوعه في شرورها، وَجَبَ أن يكونَ ذلك الاعتبار أقوى الشرور المتعلقة بها، لأنّ السبب أقوى من المسبّب»[17].

ولكنّ هذا التوجيه غير سديد أيضاً لأمرين:

    ابتناؤه على أساس غير متين، فقد عرفت أنّ ما ذكره من أسباب لتفسير كون المرأة شراً غير تام، وعليه، فما عدّه منطلقاً وأساساً لتلك الأسباب لن يكون تاماً بطبيعة الحال.

 إنّ الحاجة إليها في طبيعة الوجود وعدم اكتمال الحياة بدونها كان يفترض أن يدفع للحكم بكون وجودها خيراً أو على الأقل يتقدّم على أسباب الشرّ المذكورة، ويخفف من تأثيرها ويحول دون اعتبارها شراً مطلقاً وكلياً، أمّا أن يكون ذلك هو شرّ ما فيها فذاك غير مفهوم.

محاولة ضعيفة لتوجيه الرواية

الوقفة الرابعة: وهي وقفة نتناول فيها بالبحث والنظر النقدي محاولة البعض توجيه الرواية، بأنّ المقصود بها امرأةً بعينها، فتكون (أل) التعريف في «المرأة» للعهد لا للجنس. وفي ضوء هذا التوجيه، فلا ترد الإشكالات المتقدمة على الرواية، لأنّها مبنيّة على أنّ اللام للجنس، أمّا إذا كان المقصود أنّ امرأة معينة هي رمز للشَّر فلا محذور في هذا المضمون لا من ناحية عقديّة ولا غيرها، إذ يمكن أن ينغمس بعض الأفراد - رجالاً أو نساءً - في الشرّ باختيارهم وملء إرادتهم إلى الحدّ الذي يصبح أحدهم عنصر شرّ في الحياة، ومع ذلك يكون ثمّة حاجة إليه ولا يُستغنى عنه من بعض الوجوه، فيصح وصفه بأنّه شر كله وإن كان لا يُستغنى عنه.

 ولكنّ هذا التوجيه يمكن أن يلاحظ عليه بأنّه مخالف للظاهر جداً، فإنّ المستفاد من الرواية والمنساق منها أنّها واردة على نحو الإطلاق[18]، فاللام للجنس لا للعهد. ولا يمكن -كما أشرنا في المحور الأول - حمل الأخبار وقراءتها في ضوء الاحتمالات المخالفة للظاهر إلا مع وجود قرينة تفرض ذلك.

 لكنّ ثمة مَنْ ذكر أنّ ما تقدم من رفضٍ أو استبعادٍ لصدور الإهانة لجنس المرأة من شخصيّة كالإمام علي(ع)، هو بنفسه يشكّل قرينة «تدل على أنّه كان يقصد بها امرأة معيّنة خرجت على إمام زمانها، وحاربته.. فهذه المرأة شرّ كلها، وهي أيضاً لا بدّ منها، لأنّها أم المؤمنين، ويجب على كل الناس مراعاة جانب الاحترام لرسول الله(ص) فيها. ولا يمكن لأحد التخلّص من هذا الواجب»[19].

ولكن هذا التفسير ليس تاماً:

     إنّ صاحب هذا التفسير أو التوجيه وكأنه سلّم صدور الكلمة عن أمير المؤمنين(ع) وصار محكوماً بضرورة إيجاد توجيه لها، وحيث يصعب إيجاد تفسير ينسجم مع كون اللام للجنس، فإنّه لا مفرّ من حملها على العهد، وإن كان ذلك خلاف الظاهر في بادئ النظر. ولكنّ ملاحظتنا عليه هي أنّ أصل صدور الرواية عنه(ع) هو أوّل الكلام، فالرواية مرسلة وليست معتبرة سنداً كما عرفت، ولذا فلا نحتاج إلى تجشّم عناء التأويل فيها، بل إنّ اشتمال الرواية الصحيحة السند على ما لا يمكن الأخذ به يجعلنا نتوقف عن الأخذ بها أو القول بحجيتها، لعدم الوثوق برواية تشتمل على مضمون مناف بظاهره للمفاهيم القرآنية، وبالتالي فلا بدّ من ردّ علم الرواية إلى أهلها، ولا ملزم لنا بالتأويل، إلا على نحو الاحتياط التأدبي - إذا صحّ التعبير -  كي لا تردّ الرواية.

 ومما يُبْعِدُ كون الحديث ناظراً إلى امرأة بعينها، هو أنّه بناءً على ذلك يصعب إيجاد تفسير مقنع للفقرة الثانية في الرواية، أعني بذلك فقرة: «وشرّ ما فيها أنه لا بدّ منها»، فإنّ كون امرأة زوجة لرسول الله(ص)، مما يفرض احترامها لا يجعل ذلك شرَّ ما فيها، فكيف تكون زوجيتها لرسول الله(ص) هي شَرُّ ما فيها؟! أعوذ بالله تعالى من قبح الزلل في القول والعمل. 

إنّ هذا التوجيه القاضي بحمل (أل) التعريف على العهد، وأنّ محطّ النظر هو امرأة بعينها، لو كان مقبولاً في الصيغة المتقدمة للرواية، أعني صيغة: «المرأة شَرٌّ كُلُّها»، فإنّه لا ينسجم مع الصيغة الأخرى لهذه الرواية، وهي ما رواه الزمخشري عنه(ع): «النساء شَرٌّ كُلُّهن وشَرُّ ما فيهن قِلّةُ الاستغناء عنهن»[20]. فإنّه لا مجال هنا إلا لإرادة جنس المرأة، كما لا يخفى.

وثمّة وجه آخر لترجيح حمل اللام على العهد، وهو يبتني على فكرة اقتطاع الحديث من سياقه، وذلك بأن يكون «المقصود بهذا امرأة بعينها معروفة وضعيفة، كما لو كان الإمام(ع) جالساً على دكّة القضاء واشتكى إليه رجلٌ زوجتَه، فقال له الإمام(ع): «المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنّه لا بدّ منها». فكأنّه(ع) يخبره بأنّ اللابدّية من حيث إنّه لا يستطيع تركها لأنّ أطفاله سيضيعون. فهذه حادثة خاصة فلا تنسحب على الجميع، فالسامع تصور أنّ كل امرأة شر، فيكون قد أخذ نصف الواقعة وترك النصف الآخر»[21].

وهذا التوجيه أقل إشكالاً من سابقه كما لا يخفى، والفكرة التي ينطلق منها وهي اقتطاع الحديث من سياقه بما يؤدي إلى فهمه بطريقة خاطئة هي فكرة صحيحة، ولها مصاديق متعددة في الحديث النبوي الشريف وفي حديث الأئمة من أهل البيت(ع)، ومن مصاديقها ما سيأتي في المحور الخامس تعقيباً وتعليقاً على حديث «الشؤم في المرأة».

حديث: "لا تطيعوا النساء على حال.."

والحديث الثاني الذي علينا درسه بعناية ودقّة هو ما رواه الصدوق بإسناده إلى أمير المؤمنين(ع) قال: شكى رجل من أصحاب أمير المؤمنين(ع) نساءه، فقام علي(ع) خطيباً، فقال: «معاشر الناس لا تطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهن على مال، ولا تذروهن يدبرن أمر العيال، فإنّهن إن تُرِكنَ وما أردنَ أوردنَ المهالك وعَدَوْنَ أَمْرَ المالك، فإنّا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عند شهوتهن، البذخ لهنَّ لازم وإن كبرن، والعجب بهنَّ لاحق وإن عجزن، لا يَشْكُرْنَ الكثير إذا مُنِعْنَ القليل، ينسين الخير ويحفظن الشرّ، فيتهافتن بالبهتان ويتمادين بالطغيان ويتصديّن للشيطان، فَدَارُوهنَّ على كل حال، وأَحْسِنُوا لهنّ المقال، لعلّهن يُحْسِنَّ الفِعَال»[22].

 تقييم إجمالي لمضمون الرواية

والرواية غير نقية السند[23]. لكن وبصرف النظر عن سندها، فهل يمكن لنا التصديق بصدور مضمونها عن الإمام علي(ع)؟

 وفي البداية تعالوا معاً لنقدِّمَ استعراضاً سريعاً لأهمّ مضامين الرواية وعناوينها العامة:

عدم إطاعة النساء على كل حال.

عدم ائتمانهن على مال.

 منعهن من تدبير أمر العيال

 أنهنّ لا ورع لهن عند حاجتهن.

 لا صبر لهنّ عند شهوتهن.

 البذخ لهن لازم وإن كبرن.

 العُجُب بهن لاحق وإن عجزن.

 لا يشكرن الكثير إذا منعن القليل.

 ينسين الخير ويحفظن الشر.

يتهافتن بالبهتان.

يتمادين بالطغيان.

 يتصدين للشيطان.

هذه هي أهم مضامين الرواية، وفي تقييم إجمالي لها يمكننا القول: إنّ التصديق بصدور هذه المضامين عن الإمام علي(ع) هو بمكان من الصعوبة، بل يكاد يكون الأمر أشبه بالمستحيل؛ لأنّها مضامين تمثّل امتهاناً بيّناً لكرامة المرأة وانتقاصاً جليّاً من إنسانيتها، وهو الأمر الذي يتنافى مع ما نصّ عليه القرآن الكريم من تكريم الإنسان، ذكراً كان أو أنثى، ولا يعقل صدور ما ينافي القرآن وتعاليمه عن علي(ع) وهو العارف بمحكم الكتاب ومجمله، مفصله ومبينه، ناسخه ومنسوخه.

 بكلمة مختصرة: إنّ هذا الحديث هو حديث تخويني اتهامي تحقيري إقصائي للمرأة، وظاهره التعميم لجنس النساء، ولا يتأتى بوجه من الوجوه حمله على امرأة معينة، كما احتمل بعضهم في الحديث السابق.

جولة تفصيلية

وتعالوا معي - بعد هذه الإطلالة الإجمالية على أهمّ مضامين الرواية - إلى جولة تفصيلية نتوقف فيها عند كل مفردة من مفرداتها:

أولاً: فيما يرتبط بالفقرة الأولى: « لا تطيعوا النساء على حال»، فإنّ ثمّة سؤالاً يطرح نفسه إزاءها، وهو أنّه ما الوجه أو السرّ في هذه الدعوة العامة والمطلقة إلى عدم إطاعة النساء على كل حال؟

إنّ ذلك غير مفهوم، لأنّ المرأة قد تأمر بالمعروف وتدعو إلى طاعة الله تعالى وتحثّ على فعل الخير وترغّب بترك الشَّر، فكيف يُؤْمَرُ الرجلُ أو الناسُ عموماً بعدم إطاعتها على كل حال؟!

وإذا قيل: إنّ دعوته إلى عدم إطاعة المرأة على كل حال مقيّدةٌ بما إذا لم تأمر بطاعة الله تعالى، وإلا كانت إطاعتها إطاعةً لله تعالى، فيكون مقصوده النهي عن إطاعتهن فيما إذا أمرن بمعصية الله تعالى.

 والجواب على ذلك: أنّه لو كان مقصوده(ع) هذا المعنى فلا يبقى للمرأة خصوصية، فالرجل أيضاً كذلك، أي لا تجب إطاعته إذا أمر بمعصية الله، لأنّه - وكما جاء في الحديث عن علي(ع) نفسه - «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»[24]، مع أنّ ظاهر الحديث ذكر بعض الإرشادات الخاصة بالنساء، وسيأتي مزيد بحثٍ حول هذه النقطة تعليقاً على بعض الروايات اللاحقة. 

ثانياً: وأمّا الفقرة الثانية: «ولا تأمنوهنَّ على مال»، فهي أكثر غرابة، لأنّها تتضمن تخويناً للمرأة، ودعوةً إلى عدم ائتمانها على المال، وهو أمر غير مفهوم ولا وجه له، سواءً في النطاق الزوجي أو في النطاق العام، لأنّ حال المرأة في أمر المال كحال الرجل تماماً، فكما يمكن ائتمان الرجل الصالح الموثوق على المال، كذلك يمكن ائتمان المرأة الصالحة الموثوقة عليه، وكما لا يؤتمن الرجل الخائن، كذلك لا تؤتمن المرأة الخائنة وغير الموثوقة. أما تخصيص المرأة بعدم الائتمان بقول مطلق، فليس له مبرر؛ إلا أن يُدَّعى أنّ الأصل في المرأة هو الخيانة! وهذا ما لا يمكننا التفوّه به أو نسبته إلى الإمام علي(ع)، لأنّه مما يُكَذِّبُه العيان، حيث نرى المرأة لا تقلّ أمانة عن الرجل سواء في الماضي[25] أو في الحاضر، وقد لاحظنا أنّ القرآن الكريم لم يفرّق بينها وبين الرجل عندما امتدح أداء الأمانة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[26]. فإنّ هذا الخطاب شامل للذكر والأنثى، كغيره من الخطابات القرآنية.

ثالثاً: أمّا الفقرة الثالثة «ولا تذروهن يُدَبِّرْنَ أمر العيال» فهي لا تقلُّ غرابة عن سابقتيها، لأنّ منع النساء من تدبير أمر العيال هو إقصاء لهنَّ عن أَبْرَزِ دور أنيط بهن وأَشْرَفِ مهمة اضطلعن بها على مرّ التاريخ، وهي مهمة تدبير أمر العيال، ولذا فعزل المرأة عن تدبير أمر العيال هو أمر غير مفهوم، فإذا لم تشارك المرأة في هذا الأمر فمن ذا الذي يشارك فيه؟! أليس المجال الطبيعي - وإن لم يكن الوحيد - للمرأة هو تدبير أمر العيال؟! ولا نجد في الإسلام ما يمنع المرأة من تدبير أمر العيال وتربية الأطفال، بل إنّه قد حثّها على ذلك وعدّه من أهمّ مسؤولياتها، ففي الحديث عن رسول الله(ص): «ألا كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم»[27].

قد يقال: إنّ نظره(ع) هو إلى منعهن من الانفراد والاستقلال بتدبير أمر العيال بعيداً عن رأي الأب والولي، وهذا ما يستفاد من تتمة كلامه الوارد مورد التعليل، حيث قال: « فإنّهن إن تُرِكْنَ وما أَرَدْنَ أَوْرَدْن المهالك وَعَدَوْنَ أَمْرَ المالك».

إلّا أنّ هذا الدفاع وأن كان قد يُخَفِّفُ وطأة الإشكال، بيد أنّ جوَّ الاتهام لا يزال قائماً، وكأنّ المرأة لا تؤتمن لوحدها على تدبير أمر العيال، مع أننا نجد الكثيرات من النساء يُدَبّرْنَ أَمْرَ العيال على أحسن حال في غياب أزواجهن حتى لو طالت الغيبة لأشهر أو سنوات، وهكذا في حال موت الأزواج.

رابعاً: وأمّا الفقرتان الرابعة والخامسة واللتان تنصّان على أنّه «لا ورع لهنّ عند حاجتهن، ولا صبر لهنّ عند شهواتهن» فإنّ مضمونهما مجافٍ للواقع والحقيقة، فليس كل النساء كذلك، بل حالهنَّ في هذا الأمر حال الرجال، منهن العفيفة التقيّة، ومنهن التي تنساق مع شهوتها وتبتعد عن خط طاعة الله تعالى، فلغة التعميم في هذه الفقرة - كغيرها من فقرات هذا الحديث - ليست مفهومة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنا نلاحظ أنّ القرآن الكريم، لم يُفَصِّلْ أو يفرّقْ في موضوع الالتزام الأخلاقي بين الرجل والمرأة، قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [28].

خامساً: وأمّا المضمون الذي اشتملت عليه الفقرتان السادسة والسابعة وهو: «أنّ البذخ لهنّ لازم وإن كبرن، والعُجُبَ بِهِنَّ لاحق وإن عجزن»، والبذخ هو الفخر والتطاول والكِبْر[29]، فهو غير مطّرِد فيهن، ولا هو غالبي، ولا هو من خصائصهن التكوينيّة، بل إنّ الأمر تابع للتربية والتنشئة، فالمرأة عندما تنشأ في مناخ يغرس فيها حالة الزهو والبذخ وتنمو في أجواء التفاخر بالزينة والتنافس بالمظاهر، فمن الطبيعي أن يصبح ذلك هو أكبر همّها ويغدو بحكم الطبيعة الثانية لها، كما قال تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}[30]. والنتيجة الطبيعيّة هي شعورها بالزهو والعجب والفخر، وأمّا لو رُبِّيت على مكارم الأخلاق ومحامد الصفات ونُشِّئتْ على الاهتمام بالأدب والعلم وتهذيب النفس فسوف تتغير اهتماماتها وتتبدل رغباتها.

سادساً: والأمر عينه ينطبق على الفقرتين الثامنة والتاسعة وهما: «لا يَشْكُرْنَ الكثير إذا مُنِعْنَ القليل، يَنْسَيْنَ الخير، ويَحْفَظْنَ الشرّ»، فقد تضمنتا اتهاماً  لا يُصَدِّقُه الواقع إلا على نحو جزئي ونادر، على أنّ المرأة لا تفترق في ذلك عن الرجل، ثمّ إنّه لو صحّ ثبوت ذلك في المرأة دون سواها فهو ليس مما تقتضيه طبيعتها ولا هي مفطورة عليه في أصل خلقتها، وإنّما مردّه إلى سوء التربية، وهو ما تشترك أو تتساوى فيه مع الرجل.

سابعاً: وعلى هذا يمكنك قياس سائر فقرات الرواية، وهي قوله: «يتهافتن بالبهتان ويتمادين بالطغيان، ويتصدين للشيطان»، وتصدِّيهن للشيطان هو بمعنى إقبالهن وإشرافهن عليه، وتعليقنا على ذلك هو أنّ هذه الأمور ليست مطردة ولا غالبية في النساء، ولا ينحصر ذلك بهنَّ، ولا هو من طبيعتهنَّ، فالبهتان والطغيان والانقياد للشيطان أمور لا تختص بها النساء، بل تَعْرُضُ للإنسان ذكراً أو أنثى.

مقاربة الإشكال بطريقة أخرى

ويمكن مقاربة الإشكال بطريقة أخرى، وهي أنّنا نتساءل: هل هذه الخصال التي ذكرتها الرواية هي خصال مكتسبة للمرأة، أم أنّها جزء من طبيعتها التكوينية، وهي مفطورة على ذلك؟

لا يسعنا القول: إنّ المرأة - دون الرجل - مفطورة على هذه الصفات:

أولاً: لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يفرّق بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة والتكوين والخصائص الفطريّة، فكلاهما مفطوران على خصال الخير، وقد أوضح الله لهما السبيل، وأنار لهما الطريق، قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [31]، والشيطان قد أعدّ نفسه للوسوسة لكليهما وليس لخصوص المرأة، مع أنّه في الواقع لا سلطان له عليهما، وإنّما هو قادر على التزيين والوسوسة فقط، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} [32].

 ثانياً: لأنّه لو كانت المرأة مفطورة على هذه الصفات، فإن كان ذلك يفقدها اختيارها ويسلبها إرادتها فسوف يكون ذمّها وعقابها - والحال هذه - على عدم استقامتها، ذماً أو عقاباً على ما ليس بالاختيار وهو قبيح عقلاً ونقلاً، لأنّه من أجلى مصاديق الظلم، وإن كان ذلك لا يفقدها الاختيار لكنه يجعلها مهيّأة للفساد والانحراف أكثر من الرجل، فهذا أيضاً لا ينسجم مع عدل الله تعالى، لأنّه لو كان الأمر كذلك لكان من المفترض أن ينعكس ذلك على مستويين:

على التكاليف الموجَّهة إليها، فالتشريع لا بدّ أن يراعي ضعفها التكويني، فيخفف عنها رأفة بحالها، مع أنّه قد كلّفها بما كلّف به الرجل إلا في بعض الموارد الخاصة التي تقتضيها طبيعتها الأنثوية الخاصة والتي راكمت عليها تكاليف إضافية لم يُكَلَّفْ بها الرجل، كما هو الحال في أحكام الستر وأحكام الدماء الثلاثة (الحيض والاستحاضة والنفاس).

وعلى الحساب الأخروي، بأن يُرَاعَى حالها وضعفها أكثر ممّا يُراعى حال الرجل، وهذا ما لا دليل عليه، بل ثمّة اعتقاد شائع يذهب إلى أنّ معظم النساء يوم القيامة هُنَّ من أهل النار، أو بعبارة أخرى: إنّ معظم أهل النار هُنَّ من النساء، ولكننا فندنا هذا الاعتقاد في كتاب «هل الجنة للمسلمين وحدهم؟» فليراجع، وسيأتي الحديث عن ذلك في المحور اللاحق.

ولو قال قائل: إنّ الإمام(ع) يتحدّث على سبيل الموجبة الجزئيّة لا الكليّة، ولا شكّ أنّ بعض النساء هنّ كما وصفهن(ع) في هذا الحديث.

لقلنا رداً عليه: إنّ لسان الرواية هو لسان التعميم، فـ «النساء» جمع محلّى باللام، وهو يفيد العموم، كما قال علماء الأصول، على أنّ الجزئية المشار إليها لو كانت مرادة له(ع) فإنّ السؤال يتوجّه حينها عن السبب في تخصيص النساء بهذه الأوصاف مع أنّها عامة في الرجل والمرأة؟!.

أجل، ثمّة وجه قريب في تفسير هذه الرواية، وهو أن الإمام(ع) -بناءً على صحّة الرواية- ربّما كان ناظراً إلى حال المرأة في زمانه(ع)، وهو ما تؤشر إليه وتشهد به عبارته(ع): « فإنّا وجدناهن..»، فهو لم يقل - مثلاً - «فإنّهنّ»، بل قال: «فإنّا وجدناهن» وهو تعبير يستخدمه منْ يتحدّث ويتكَلَّم من موقع تجربته في الحياة وخبرته بواقع المرأة وحالها في زمانه، وقد وجدها - في الأعم الأغلب - متصفة بهذه الأوصاف، ما سمح له بهذا التعميم. وعليه، فهذه الأوصاف ليست بالضرورة أن تكون مخلوقة مع المرأة، وإنّما اكتسبتها من البيئة المحيطة بها والظروف التي عاشتها والتنشئة الخاصة التي تربّت عليها، والإطار الخاص الذي وضعها المجتمع الذكوري فيه، ولو أنّ الرجل عاش الظروف عينها التي عاشتها المرأة لاكتسب تلك الصفات نفسها.

 وقصارى القول: إنّنا على يقين أنّ هذا النقد اللاذع - على فرض صدوره من الإمام علي(ع) - لم يكن منطلقاً من موقف سلبي عنصري أو عقدة شخصيّة ضد المرأة وإنّما هو ناظر إلى واقع تاريخي له ظروفه وأسبابه، ولذا نراه في خطب أخرى قد انتقد الرجل -أيضاً- انتقاداً لاذعاً، بسبب ما كان عليه حاله من بعض الجهات.

 

 

هذا المقال من كتاب "المرأة في النص الديني"

 


[1] نهج البلاغة، ج4 ص35.

 

[2]  ومن أهم تلك المصادر: كتاب: عيون الحكم والمواعظ للواسطي من أعلام القرن السادس الهجري، ص 56. وتفسير مجمع البيان للطبرسي، ج2 ص252 وبحار الأنوار، ج100 ص252.

 

[3] شرح نهج البلاغة، ج18 ص200.

 

[4] انظر: فتح الباري، ج9 ص118.

 

[5]  بل ورد في بعض الأخبار أنّ هذا اللقب هو مما اختص به الإمام علي(ع) ولا يُطلق على غيره.

 

[6]  وقد ناقشه السيد فضل الله رحمه الله نقاشاً مفصلاً، انظر كتاب: الزهراء القدوة، 168 - 170.

 

[7] سورة النساء، الآية 1.

 

[8] سورة الروم، الآية 30.

 

[9] سورة الإنسان، الآية 3.

 

[10] سورة البلد، الآية 10.

 

[11] سورة البقرة، الآية 30.

 

[12] سورة البقرة، الآية 30.

 

[13] سورة الإسراء، الآية 70.

 

[14]  من لا يحضره الفقيه، ج3 ص385، وقد نص العلامة محمد تقي المجلسي على وثاقة الخبر، انظر: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج8 ص94.

 

[15]  شرح نهج البلاغة لابن ميثم، ج 1 ص 316.

 

[16]  لمزيد من التفصيل حول ذلك راجع ما ذكرناه في كتاب: مع الشباب في همومهم وتطلعاتهم، ص216.

 

[17]  شرح نهج البلاغة لابن ميثم، ج1 ص316.

 

[18]  كما ذكر ذلك السيد فضل الله رحمه الله، انظر: الزهراء القدوة، ص170.

 

[19]  خلفيات كتاب المأساة، ج2 ص540.

 

[20]  انظر: ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، ج5 ص247، والمستطرف في كل فن مستظرف، ج2 ص787.

 

[21]  المرأة في الإسلام، من محاضرات الشيخ الوائلي رحمه الله، ص580.

 

[22] علل الشرائع، ج2 ص513، الأمالي، ص275، من لا يحضره الفقيه، ج3 ص554، ورواه عنه في جامع أحاديث الشيعة، ج25 ص333 باب 45 من أبواب مباشرة النساء ومعاشرتهن.

 

[23]  في سند الرواية - بحسب ما في علل الشرائع والأمالي - أحمد بن أبي عبدالله البرقي، وقد قال =

=    النجاشي في ترجمته: «كان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد المراسيل»، وهو يروي عن أبيه محمد بن خالد البرقي، وذكر النجاشي في ترجمته: «وكان محمد ضعيفاً في الحديث»، ولكن الشيخ الطوسي وثقه، راجع: معجم رجال الحديث، ج17 ص71-74، أجل، قد شهد الشيخ آصف محسني بوثاقة الرواية، انظر: الأحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة، ص463، وأما في كتاب من لا يحضره الفقيه فهي مرسلة.

 

[24]  نهج البلاغة، ج 4 ص 42.

 

[25]  ففي خبر حَفْصِ بْنِ قُرْطٍ قَالَ: «قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه(ع): امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ كَانَ النَّاسُ يَضَعُونَ عِنْدَهَا الْجَوَارِيَ فَتُصْلِحُهُنَّ، وقُلْنَا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صُبَّ عَلَيْهَا مِنَ الرِّزْقِ! فَقَالَ: إِنَّهَا صَدَقَتِ الْحَدِيثَ وأَدَّتِ الأَمَانَةَ وذَلِكَ يَجْلِبُ الرِّزْقَ»، انظر: الكافي ج 5 ص 133.

 

[26] سورة المؤمنون، الآية 8.

 

[27]  صحيح البخاري، ج8 ص105.

 

[28] سورة الأحزاب، الآية 35.

 

[29]  انظر: لسان العرب، ج3 ص7، مجمع البحرين، ج2 ص429.

 

[30] سورة الزخرف، الآية 18.

 

[31] سورة البلد، الآية 10.

 

[32] سورة ابراهيم، الآية 22.

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon