حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> فكر ديني
وضع الاحايث-دوافع وغايات
الشيخ حسين الخشن



 

صحيح أن تراث المسلمين الديني هو الأنقى والأصفى قياساً على التراث الديني لسائر الأمم، بيد أن ذلك لا يعني خلوّه من الدس والتزوير وعبث العابثين، وهذا ما تنبه له علماء المسلمين منذ أمد بعيد، فعملوا على تنقية هذا التراث وابتكروا لهذه الغاية علمي الرجال والدراية اللذين تضمنا ضوابط وموازين دقيقة لتشخيص الخبر الموضوع عما عداه، وقد ألِّفت بعض الكتب بأسم"الموضوعات" رصد مؤلفوها المئات من الأحاديث الموضوعة.

 

الوضع في المجال العقدي:

 

ما أرغب في الحديث عنه في هذه المقالة هو وضع الأحاديث في الحقل الاعتقادي، لأنه لم يأخذ حقه من البحث النقدي، ولم يهتم به العلماء اهتمامهم بنقد الأحاديث الفقهية، لاعتبارات عديدة أهمها ما أشرنا إليه في مقالات سابقة، من انتشار النزعة التساهلية في التعامل مع الأحاديث العقدية، ويضاف إلى ذلك أن ابتناء علم الكلام بوضعيته التاريخية على منطق الفرقة الناجية وما استدعى ذلك من سجال مذهبي معقد لا تزال تداعياته مستمره إلى الآن، أفقد البحث العقدي الكثير من الموضوعية وحرّك الغرائز المذهبية التي عملت جاهدة على التمسك بالغث والسمين من الأحاديث في سبيل الإنتصار لأفكارها ومعتقداتها المسبقة.

 

بدايات الوضع:

 

تشير الشواهد التاريخية إلى أن بذور الوضع بدأت في عهد النبي(ص) حتى قام خطيباً مندداً بها ومحذراً منها قائلاً: "أيها الناس قد كثرت عليّ الكذابة فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" كما ورد في الخبر عن أمير المؤمنين(ع)(الكافي1/62)، لكن وتيرة الوضع والتزوير تسارعت بعد وفاته(ص) فشكلت ظاهرة خطيرة في عهد معاوية الذي أطلق العنان لبعض المرتزقة لوضع الأحاديث في ذم"الحزب العلوي" وكيل المديح "للحزب الأموي"، يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في هذا الشأن أن معاوية كتب إلى عماله: " أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا...".

 

وفي السياق نفسه، كتب معاوية إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجة أبي تراب(علي"ع") وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله، فقرأت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: "إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم"(شرح نهج البلاغة ج11/44).

 

دوافع وبواعث:

 

إن لوضع الأحاديث أغراضاً شتى وأهدافاً عدة، منها ما يتصل بالجانب العقدي، ومنها ما يتصل بجوانب أخرى سياسية وإجتماعية وشخصية ومادية، والوضع في المجال العقدي ـ وهو محور حديثنا ـ له عدة بواعث ودوافع إليك أهمها:

 

1 ـ الوضع حسبة: 

 

أي قربه إلى الله! وهو من أخطر أنحاء الوضع، قام به بعض "الصالحين" بهدف ترغيب الناس في فعل الخيرات وترهيبهم وزجرهم عن فعل المنكرات، يقول يحيى بن سعيد القطان: "لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث"(صحيح مسلم1/13)، ومن أبرز مصاديق ذلك وضع الأحاديث في فضائل السور القرآنية، بحجة ترغيب الناس في قراءة القرآن، فقد قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن أبن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن اسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة"(مقدمة ابن الصلاح ص:81)، ولما عوتب بعضهم وذُكّر بقول رسول الله(ص):" من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" قال: إنما كذبت له لا عليه! 

 

2 ـ الدافع المذهبي:

 

 فإنّ العصبية المذهبية دفعت الكثيرين إلى وضع الأحاديث انتصاراً لمذهبهم ورموزه، أو انتقاصاً من المذهب الآخر ورموزه، ويندرج في هذا الإطار الكثير من روايات فضائل الصحابة ومثالبهم، يقول في "تذكرة الموضوعات": "ومنهم من يضع نصرة لمذهبه" ويضيف: أن رجلاً من الوضاعين لما رجع وتاب أخذ يقول: " أنظروا عمن تأخذون هذا الحديث، فإنا كنّا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً"(تذكرة الموضوعات؛ص:7).

 

3 ـ الوضع تخريباً للدين: 

 

إن تشويه الدين في عقائده ومفاهيمه كان هدفاً لأكثر من جماعة، عملت على وضع الأحاديث ودسها في كتب المسلمين، ويمكن الاشارة إلى أربع فئات قامت بهذا العمل:

 

الفئة الأولى: الزنادقة أو ما يصطلح عليهم اليوم بالملاحدة، يقول في تذكرة الموضوعات: "ومنهم زنادقة، وضعوا قصداً إلى إفساد الشريعة وايقاع الشك والتلاعب بالدين، وقد كان بعض الزنادقة يتغفل الشيخ فيدس في كتابه ما ليس من حديثه"، ولما سيق عبد الكريم ابن أبي العوجاء إلى حبل المشنقة قال: " أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحل بها الحرام ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم"(بحار الأنوار 55/357، وراجع تذكرة الموضوعات؛ص:7).

 

الفئة الثانية: مسلمة اليهود وأهل الكتاب: أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه وتميم الداري وغيرهم، وهؤلاء أسلموا بعد وفاة النبي(ص) وتقربوا إلى الخلفاء الذين فسحوا لهم في المجال ليحدثوا ويرووا من الترات غير الإسلامي، بحجة أن النبي(ص) قال:"حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"(صحيح البخاري4/145)، وقد خُصِّص لكعب الأخبار ساعة في كل أسبوع يتحدث فيها قبل صلاة الجمعة في مسجد الرسول(ص) ثم أصبحت ساعتين في عهد عثمان، وهكذا امتلأت كتب المسلمين بما عرف بـ"الإسرائيليات" التي هي في معظمها أخبار مسيئة للأنبياء مشحونة بالخرافات التي لا يقبله البرهان ولا الوجدان ولا القرآن، وقد عرف عن تفسير الطبري اعتماده على الإسرائيليات بشكل كبير.

 

الفئة الثالثة: الغلاة، وقد أكثروا من وضع الأحاديث التي ترفع آل البيت عن منازلهم التي وضعهم الله فيها، ويأتي على رأس الغلاة المعروفين بالوضع: المغيرة بن سعيد، فإنه ـ وكما جاء في الرواية عن الإمام الصادق(ع) ـ كان يأمر أعوانه المتسترين بين أصحاب الإمام الباقر(ع) ليأخذوا كتبهم ويدفعوها إليه " فكان يدس فيها الكفر والزندقة" مسنداً ذلك إلى الإمام الباقر(ع)" ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة " ويضيف الإمام الصادق (ع) ـ على ما في الرواية ـ : "فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم"، ومنهم أيضاً محمد بن أبي زينب المعروف بأبي الخطاب فقد كان يؤول الآيات ويفسرها تفسيراً باطنياً ويزعم أن الزنا رجل والخمر رجل والصلاة رجل وكذلك الصيام، وقد لعنه الإمام الصادق وقال: "إنه خوفني قائماً وقاعداً وعلى فراشي، اللهم أذقه حر الحديد"(اختيار معرفة الرجال للطوسي2/576).

 

الفئة الرابعة: النواصب وهؤلاء وضعوا  أحاديث  تحط من مكانة أهل البيت(ع) وتشوّه صورتهم، وقد أشار الإمام الرضا(ع) إلى دورهم الخطير في وضع الأحاديث، فقد نقل الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا: يا ابن رسول الله إنّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين(ع) وفضلكم أهل البيت(ع) وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟ فقال: يا ابن أبي محمود: إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلو، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا"(عيون أخبار الرضا(ع) ج2/727).

 

إن ما تقدم يلح علينا بضرورة نقد تراثنا الخبري ولا سيما في المجال العقدي، لأنه ومع الأسف لم يحظ بالجهد التحقيقي الكافي والدراسة الموضوعية اللازمة، باستثناء ما قام به العلامة السيد هاشم معروف الحسني في كتاب الموضوعات، وكذلك ما فعله الشيخ المحقق محمد تقي التستري في كتابه القيّم " الأخبار الدخلية" لكن جهود هذين العلميـن بحاجة إلى متابعة ومواكبة، ولنا عودة إلى الموضوع في مقال لاحق.





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon