حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> متنوعة
الغدير والوحدة
الشيخ حسين الخشن



 

إنّ عنوان "الغدير والوحدة" هو - بكل تأكيد- عنوان جدلي ومثير، فهل الغدير - بما يرمز إليه من تعيين الإمام علي(ع) لموقع الخلافة من قبل رسول الله(ص) في منطقة تعرف بغدير خم- يلتقي مع الوحدة الإسلامية؟
أليس الغدير- قد يتساءل البعض- عنوان الإنقسام في الأمة؟ كما أنّ الإصرار على استعادة الغدير هو إدانة صريحة لتلك الرموز التي لم تلتزم الغدير وانقلبت عليه؟

 

لا أظنّ أنّ الغدير والوحدة نقيضان أو ضدان لا يلتقيان، بل إنّ الغدير لا يشكّل عائقاً أمام وحدة الأمة إذا ما فهمنا دلالته جيداً، وحدّدنا مفهومنا للوحدة بشكل جيد، وذلك باعتبارها خياراً لا يلغي التنوّع ولا يعني انصهار المذاهب في مذهب واحد أو إنتاج إسلام بلا مذاهب. بل إنّ الغدير كنص على الإمامة ربما كان أقرب النصوص انسجاماً مع مبدأ الوحدة، وإليك البيان:

 

وتجدر الإشارة إلى أنّ الفكرة المطروحة في هذا البحث منقولة عن بعض علمائنا وعلى رأسهم الفقيه السيد البروجردي.

 

الإمامة في بعديها الفكري والزمني:

 

صحيح أنّ إمامة الأئمة من أهل البيت(ع) هي حقيقة إسلامية لا ريب فيها ولا مجال للاجتهاد - من وجهة نظر شيعية- فيها أو إعادة النظر بشأنها، لكن السؤال ما هي حقيقة الإمامة؟ وما هو جوهرها وكنهها؟

 

 
عرّف المتكلمون وغيرهم الإمامة بأنّها "رئاسة عامة في أمور الدنيا والدين" (أنظر: الشافعي في الإمامة للسيد المرتضى ج1 ص5) وما يشي به هذا التعريف أنّ للإمامة بعدين: بعد زمني دنيوي، وبعد معرفي ديني، وإذا كان البعد الزمني والدنيوي مفهوماً أي أنّ الإمام المتعين لاستلام زمام القيادة السياسية في الأمة وهو صاحب السلطة الشرعية، لكن ما المراد بالبعد الديني للرئاسة (مع صرف النظر عن النظر عن التحفظ على مصطلح الرئاسة الدينية)؟
 
إنّ الرئاسة الدينية أو قل المرجعية الدينية لا يراد بها ما يمثله مصطلح المرجع في زماننا باعتباره فقيهاً أميناً على استنباط أحكام الشريعة من مصادرها، وإذا أصاب في اجتهاده فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد. وإنّما مرجعية الإمام المعصوم الدينية هي مرجعية أعمق وأشمل من ذلك بكثير، بل قل إنّها مغايرة لذلك، لأنّ مرجعية المعصوم – وفقاً لمدرسة أهل البيت(ع)- ليست مسألة اجتهاد أو بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي، وإنّما تعني أنّه الأمين على بيان حكم الله الواقعي من غير اجتهاد، كما أنّه الحفظ لدين الله عقيدة وشريعة، وهو هنا ينهل من عين صافية لا مجال معها للاجتهاد والخطأ، "حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين(ع) وحديث أمير المؤمنين(ع) حديث رسول الله(ص) وحديث رسول الله(ص) قول الله عزّ وجلّ" (الكافي ج1 ص53).

 

ماهو الأصل؟
مع اتضاح أنّ للإمامة هذين البعدين يأتي السؤال عن موقع كل من هذين البعدين من الإمامة كأصل عقدي؟

 

نستطيع القول: إنّ البعد الديني والروحي والمعرفي هو الأساس في الإمامة وهو جوهرها وعمادها وهو الاصل فيها، أعني أنّه هو الذي أوجب إدراج الإمامة في أصول الدين عند الإمامية، وأوجب أيضاً أن يكون الإمام معصوماً، فالعصمة شرط في الإمام باعتباره الحافظ لدين الله والمبين لشرعه، والسبب المتصل بين السماء والأرض، أمّا البعد الزمني في الإمامة فليس من مقوماتها ويمكن أن ينفك عن الإمامة دون أن يسقط جوهرها أو يخدش في مفهومها، إنّ السلطة الزمنية هي مسألة فرعيّة فقهيّة وليست مسألة عقدية، نعم لا شك أنّ الإمامة السياسية الزمنية هي من مهام المعصوم في حال وجوده وظهوره، لأنّ الأكفأ من الناحية الدينية والروحية والسلوكية هو أكفأ في إدارة الدولة وسياسة العباد، إلاّ أنّ السلطة الزمنية لا تنحصر بمن له السلطة الدينية بمعناها المتقدّم، أعني المعصوم، ولذا لم تكن العصمة شرطاً في الحاكم والوليّ كما هو شرط في الإمام(ع)، إنّ التزامنا بشرعية السلطة السياسية لغير المعصوم وبصرف النظر عن نظرية الحكم المتبناة لنا، (ولاية الفقيه أو الشورى) هو اعتراف بعدم استشراط العصمة في القائد.

 

باختصار إنّ الإمامة ببعديها الزمني والديني هي حق للإمام المعصوم، لكن السلطة الزمنية حق قابل للإسقاط من قبل صاحبه ولا يضرّ تنازله عنه أو انتزاعه منه قهراً في إمامته، أما المرجعية الدينية فهي حقّ غير قابل للإسقاط حتى من قبل الإمام نفسه فضلاً عن أن ينتزعها منه أحد، وتوليه للسلطة السياسية أو عدم توليه لها لا يقدّم و يؤخر في إمامته الدينية، وفي ضوء ذلك نفهم قوله(ص): "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، فإنّ إمامتهما في حال قعودهما – بمعنى توليهما للسلطة- هي الإمامة الدينية والروحية.

 

وإنّ المتأمل في نصوص الإمامة مما ورد عن رسول الله(ص) بشأن الإمام علي(ع) والأئمة من ولده سيكتشف أنّ معظم هذه النصوص تتجه إلى تأكيد المرجعية الدينية للأئمة(ع)، لأنّ هذه المرجعية هي التي تحفظ الدين وتعصم الأمة، فحديث "الثقلين" وحديث "السفينة" وحديث "أنا مدينة العلم" وغيرها من الأحاديث النبوية إنّما تركز بشكل رئيس على المرجعية الفكرية لأهل البيت(ع).

 

 إنّ هذه النصوص تشهد لكون البعد الزمني هو الأصل في الإمامة.

ومما يشهد أيضاً لما ذكرناه من أن البعد الديني في  هو الأصل، بينما البعد الزمني هو الفرع الذي لا تدور الإمامة مداره:

 

أولاً: إنّ الأدلة العقلية والنقلية التي ساقها علماؤنا على ضرورة الإمامة وحاجة الأمة إليها، وهي أدلة تناظر الأدلة التي سيقت لإثبات ضرورة النبوة، إنّ هذه الأدلة هي شاهد بيّن لا لبس فيه على أنّ الإمامة إنّما عدت أصلاً اعتقادياً بلحاظ المهمة الدينية المنوطة بالإمام، كما أنّ دليل العصمة هو شاهد آخر على ذلك.

 

ثانياً: إنّ المرجعية السياسية لأهل البيت(ع) لو كانت هي الأصل في الإمامة للزم الحكم بتضليل من لم يعتقد بها حتى لو كان معذوراً في عدم اعتقاده لجهلٍ أو غفلة أو نحو ذلك، ولذا لو أنّ شخصاً آمن بالأئمة من أهل البيت(ع) كمرجعية دينية، يأخذ منهم معالم دينه، ويتّخذهم حجة بينه وبين الله ولكنه لم يوطن نفسه على الإيمان بمرجعيتهم السياسية لعدم التفاته إلى ذلك أو عدم وضوح ذلك لديه، فإنّ ذلك لا يخدش في إيمانه بالمعنى الأخص شيئاً، كما أنّ الشخص الذي لم يلتزم بالإمامة السياسية لأهل البيت(ع) وآمن بإمامة غيرهم لا يُعدّ كافراً أو خارجاً عن الدين، لأنّه لم يتنكر لأصلٍ من الأصول، نعم إنّ ذلك قد يشكّل عصياناً وفسقاً ولكنّه ليس كفراً، ومن هنا فلم يحكم علماء الشيعة بكفر منكر حق الإمام في السلطة أو منكر نص الغدير وحتى الذين أقصوا الإمام علي(ع) عن حقه لم يحكم أحد بكفرهم. صحيح أنّ هذا الإقصاء ترتب عليه الكثير من المفاسد، ومنع أو حال دون الإفادة الكاملة من فكر على المعصوم، بمعنى أنّ الإقصاء عن المرجعية السياسية أثّر سلباً على استفادة الأمة من المرجعية الدينية لأهل البيت(ع) لكن هذا ليس قدراً لازماً، بل إنّ وظيفتنا اليوم أن نعمل على فكّ الحصار عن فكر علي(ع) بهدف إيصاله إلى العالم، إنّها مسؤوليتنا نحن الذين ننتمي إلى علي(ع).

 

تصويب المسار

 

وفي ضوء هذا التفكيك المشروع بين البعدين المذكورين يجدر بنا أن نصوّب مسارنا في التعاطي مع قضية الإمامة، لأنّ مشكلتنا أننا نثير المعارك والصراعات الكلامية المذهبية على الفرع ونترك الأصل، فنبذل معظم الجهود البحثية ونصرف وقتاً كبيراً لتأكيد المرجعية السياسية لأهل البيت(ع) وأحقيتهم في تولي السلطة بعد وفاة رسول الله(ص)، مع أنّ هذه المرجعية – وهي حق- ليست هي الأساس في إمامتهم كما عرفنا، وإنماهي قضية تاريخية وأصبحت جزءاً من تاريخنا وليست قضية اعتقادية يدور الإيمان مدارها.

 

إنّ وظيفتنا اليوم أن نبذل الجهد الأكبرفي تأكيد المرجعية الدينية – لا السياسية- لأهل البيت(ع)، كما يرى السيد البروجردي(رحمه الله) والذي أولى أهميّة خاصة لحديث الثقلين وكتب عنه بإسهاب في مقدمة كتابه "جامع أحاديث الشيعة" وأمر بعض العلماء بتأليف رسالة مستقلة حول طرقه ومتنه، وكان يعتقد أنّه لو اكتفى الشيعة في هذا العصر الذي انتهت فيه مشكلة الخلافة في إثبات صحة مذهبهم بحديث الثقلين الدال على المرجعية العلمية لأهل البيت(ع)فسينجحون في إثبات شرعية مذهبهم وإقناع الآخرين بأنّ التمسك بأقوال وفتاوى العترة النبوية قادر على توحيد المسلمين والحيلولة دون اختلافهم". (نداء الوحدة والتقريب للشيخ واعظ زادة الخراساني ص 235-236).
 
في ضوء ما تقدّم نقول: إنّ الغدير إذا كان رمزاً للخلافة في وجهها الزمني فلا يتحمّل أن نجعله عنواناً للقطيعة والانقسام المستمرّ ولا عنواناً للتكفير والإخراج عن الدين، أمّا إذا كان رمزاً للمرجعية الدينية لأهل البيت(ع) فهو يستحق الاحتفاء به أكثر مما نحتفي به وبشكل مختلف عما نفعله، إنّه في هذه الحالة يستحق منا أن نحوّله إلى يوم ثقافي عالمي للتعريف بفكر أهل البيت ومخزونهم الروحي والديني.

 

إنّ هذا المسار في التعاطي مع قضية الغدير خصوصاً ومع إمامة أهل البيت(ع) عموماً سيؤسس لوحدة الأمّة على أسس متينة وبطريقة أقل كلفة وأعظم فائدة للأمة، أما أنّه أقل كلفة وأخف وطأة فلأنّه مسار لا يصر على ضرورة أو أولوية إدانة التاريخ أو رموزه، وإنْ كان لا ينفي مشروعية قراءته ومحاكمة تلك المرحلة، لكنّه لا يرى أنّ هذه الأولوية، فالأولوية اليوم هي لتصحيح حاضرنا لا للتصارع باسم التاريخ ورجالاته {  } أما أنّ أعظم بركة وفائدة فلأنّه يفتح الباب واسعاً ليس أمام وحدة الأمة وتلاقيها وحسب، بل أمام الإفادة للفكر المعصوم والمشرق لأئمة أهل البيت(ع) عندما يخرجهم من دائرة الإنقسام الحاد ويجعلم فوق العصبيات الضيقة.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon