حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
إسلامية الثورة الحسينية
الشيخ حسين الخشن



 

إنّ من نافل القول: إنّ ثورة الإمام الحسين(ع) في أبعادها المختلفة ودلالاتها المتنوعة هي ثورة إسلامية بامتياز، فهي منسجمة تمام الإنسجام مع مبادىء الشرعيّة الإسلامية ، بل هي مصدر الشرعية وبها تقاس الشرعية، إلا أننا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة نشعر أنّ إسلامية هذه الثورة تغيب في خطاب بعض الناس، ولا نجدها حاضرة عند آخرين، الأمر الذي يحتم علينا - بحكم انتمائنا إلى الحسين(ع) روحاً وفكراً وعاطفة- أن نستحضر هذه الإسلامية ونبيّن عمقها وامتدادتها وتجلياتها.

وإسلامية الثورة - أية ثورة- لا تتمثل بمجرد انتماء أصحابها رسمياً إلى الإسلام،  ولا بادعاءات فارغة، أو شعارات رنانة، بل إنّ إسلامية الثورة تتمثل في: 

 

1) إسلاميّة القيادة.

2) إسلاميّة القضية والشعار والهدف. 

3) إسلامية الممارسة الثورية.

 

 والمتأمل في ثورة الإمام الحسين(ع) سيكتشف أنّ هذه العناصر الثلاثة متوفرة بشكل لا لبس فيه، وفيما يلي نوضح ذلك:

 

إسلامية القيادة 

 أمّا العنصر الأول وهو إسلامية الرمز والقائد، فغير خفي أننا أمام  قائد إسلامي غير عادي، فهو أحد أبناء  البيت الإسلامي الأول، وهو البيت الذي قام الإسلام على أكتافه، فالحسين(ع) تربية رسول الله(ص) وإعداده، درج في بيته، وتربى في حجره، وقد ألقمه (ص) الإيمان مع الحليب، كما إنّه ابن أول الناس إسلاماً وأشدهم عزيمة وشكيمة، عنيت به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، وهوأيضا ابن سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة، فاطمة الزهراء(ع)، وهذه التربيّة والإعداد النبوي لشخصية الإمام الحسين(ع) جعلته يعيش منذ طفولته هموم الدعوة الإسلامية ويواكب انتصاراتها وأفراحها وأتراحها وكل حركيتها.. 

وفوق ذلك كله، فإنّ رسول الله قد منحه بجدارة العديد من الأوسمة التي لم يمنحها لغيره من صحابته، فهو سيد شباب أهل الجنة، "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، وهو مع أخيه الحسن(ع) إمام قام أو قعد، "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" 

 . وأخال أن رسول الله(ص) وهو يطلق هذه الكلمة أو تلك وهو الذي لا يطلق الكلام جزافاً { إن هو إلا وحي يوحى } كان يستشرف المستقبل الآتي لينبّه الأمة في قادم الأيام وعند اشتباك الأمور وتشابه المواقف واحتدام الفتن أنّ عليها التمسك بالحسين(ع) فهذا ما تعنيه كلمة النبي(ص) أن الحسين(ع) إمام على كل حال، أو أنّه سيد شباب أهل الجنة، فهو المرجع الذي لا يبدّ للأمة أن تعود إليه وتتمسك بعراه، وبذلك تعتصم الأمة من الضلال والانحراف، لأن سيد شباب أهل الجنة لا يمكن أن يقودهم إلى ردى أو يوقعهم في الضلال، وإلاّ فكيف يكون سيد شباب أهل الجنة؟!

 وهذا المعنى يدل عليه بوضوح قول رسول الله(ص) الآخر فيما يروى عنه: "الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة" ، فأن يكون الحسين سفينة النجاة معناه أن الركوب في هذه السفينة فيه منجاة الأمة من هلاك الآخرة والعصمة من فتن الدنيا، وهذا المعنى هو ما يدل عليه أيضا حديث الثقلين بوضوح: "إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".

 

 إسلامية القضية والشعارات والأهداف

 

 ولو جئنا إلى العنصر الثاني وهو إسلامية الثورة من جهة القضية والأهداف والطروحات، فإننا نرى أنّ الشعارات التي رفعتها الثورة الحسينية ليست شعارات مذهبية ولا عشائرية، بل شعارات قرآنية إسلامية  بكل ما تعنيه كلمة الإسلامية من معنى، ونرى أيضاً أنّ المبادىء والقيم والتطلعات التي استهدفتها ليست مبادىء مادية أو تطلعات سلطوية، بل هي مبادىء إنسانية، وإليك بعض الأمثلة على سمو المعنى وأخلاقية الهدف الذي طرحته الثورة وتطلعت إليه:

 

 1) عنوان الإصلاح: في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية يقول أبو عبد الله الحسين(ع): ".. وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" ، فالإصلاح هو مهمة الأنبياء وطموح المرسلين، كما حدثنا الله تعالى عن أنبيائه: {ما أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب}.

 ولنا أن نتساءل: ما الذي استهدفت هذه الثورة إصلاحه؟ 

هذا سؤال هام ويحتاج إلى إجابة بمستواه من الأهمية، ولكني أعتقد أنها هدفت إلى إصلاح الكثير من الانحراف على مستويات عديدة، على المستوى الفكري والسلوكي والإجتماعي والسياسي..، وعلى كافة الأصعدة، على صعيد الأمة و الفرد.. أراد الحسين(ع) إصلاح النفوس .. وإصلاح تزوير النصوص.

 

2) مواجهة الظالمين والمستكبرين: ومن أهم أهداف الثورة الحسينية وعناوينها: عنوان مواجهة الظلم والظالمين، وهذا العنوان حاضر في الشعارات التي رفعتها هذه الثورة، وهذا ما أكدّ عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}.

 

 3) تغيير الواقع المنحرف: جاء في تاريخ الطبري: "أنّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنّ رسول الله(ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله(ص) يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألاّ وإنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيّر". 

وهنا نتذكر كلام والده أمير المؤمنين(ع): "اللهم إنك تعلم أنّه لم يكن الذي الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلمون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك".  إنّ قضية التغيير (تغيير الواقع الفاسد) هي هدف قرآني إسلامي إنساني.

 

 4) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والآلية التي تستخدم لتطبيق العناوين المتقدمة هي آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول أبو عبد الله الحسين(ع) في تتمة كلامه الآنف حول الإصلاح: ".. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي(ص) وأبي علي بن أبي طالب(ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين"، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وهو الطريقة العملية التي يتجسد من خلالها الإصلاح- هو الآخر عنوان قرآني بامتياز، {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم}، وقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..}، وقال تعالى في آية أخرى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. 

 

وتجسيداً لمبدأ رفض المنكر فقد أعلن الحسين(ع) رفضه بيعة يزيد، لأنها مثال واضح وجلي للمنكر: "أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله".

ولا يخفى التداخل الكبير الحاصل بين العناوين المتقدمة، وهو تداخل لا يعنينا حالياً بيان حدوده، لأننا حالياً بصدد بيان إسلامية العناوين والشعارات، بصرف النظر عن  تحليل أبعادها وحدودها.

 

 5) كرامة الإنسان وعزته: وهذا العنوان هو من أهم العناوين الإنسانية التي رفعتها ثورة الحسين(ع)، يقول أبو عبد الله الحسين(ع): "ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حميّة ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام". إنّ شعار "هيهات منا الذلة"، هو أيضاً شعار قرآني، يقول الله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، وقد فوّض الإسلام إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه، وإنّ كل من يعمل على إذلال الإنسان وإهانته فهو مدان في مدرسة الحسين(ع) ولو كان يلطم على الحسين(ع)ويبكيه.   

 

 معوقات أمام إمتدادات الثورة إسلامياً وإنسانياً  

            

أمام هذه العناوين القرآنية والمنطلقات الإسلامية والإنسانية لنهضة الحسين(ع) لا بدّ لنا أن نستغرب محاولات تفريعها من مضمونها أو مسخ معانيها أوتشويه صورتها وسجنها في إطار ضيق، وهذا ما قد يفعله بعض الناس جهلاً، وربما يفعله آخرون حقداً، إنّ ما نستنجه مما تقدم:

 

إنّ الحسين(ع) هو إمام المسلمين ومقتدى الأحرار وليس ملكاً لطائفة معينة، أو جماعة بعينها، وعليه، فلا يجوز احتكار الحسين(ع)، أو الإستئثار بثورته، وإنّ أكبر تشويه لثورته هو محاولة مذهبتها، أو وضعها في إطار غيبي لا يفهمه أحد، أو تقديم الإمام(ع) باعتباره صاحب مشروع انتحاري، أو ما إلى ذلك من تحليلات تحرف الثورة عن مسارها، ومن أسوأ هذه التحليلات ما يقوله البعض من أنّ مزاج الحسين(ع) كان حاداً وثوريا، بخلاف أخيه الحسن(ع) فإنه كان هادئاً وديعاً، ولذلك هادن الحسن(ع) وقاتل الحسين(ع)، فهذا يعبر عن جهل كبير، لأن الحسين(ع) في قضايا الأمة لم يكن لينطلق من منطلقات شخصية ولا من اعتبارات مزاجية انفعالية،  وهكذا كان الحسن(ع) أيضاً، وعندما  قرر الحسن(ع) أن يهادن أو قل أن يختار الصلح بشروط معينة، فلأنّ المصلحة الإسلامية كانت تقتضي إختيار هذا الموقف، ولو كان الحسين(ع) أنذاك في موقع القيادة لفعل ما فعله الحسن(ع)، بل إنّ الحسين(ع) وافق أخاه الحسن على صلحه وأمضى شروط أخيه ورفض أن يثور حتى توفي معاوية، لأنه رأى كما رأى الحسن من قبل أن لا مصلحة في الحراك والثورة في زمن معاوية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الحسن(ع) كان هو الآخر ثائراً ومقاوماً وقد حمل السلاح في أول الأمر إلى أن رأى أنّ الظروف لا تساعده على الاستمرار بالثورة فصالح. فالحسن والحسين(ع)- إذن - لم يختلفا، فهما معاً قد صالحا عندما رأيا أنّ الصلح خير، وهما معاً قد جاهدا وحملا السلاح عندما اقتضى الأمر حمله.

 

 ومن هنا فإنً نرى أن التحليل الخاطئ لمنطلقات الثورة وأهدافها هو من جملة المعوقات أمام امتدادها إلى آفاق جديدة، كما أن الخطاب المذهبي في إحيائها واستحضارها هو الآخر من جملة المعوقات وأخطرها.

 

إسلامية الممارسة الثورية:

 

والعنصر الثالث الذي تتجلى إسلامية الثورة فيه هو - كما ذكرنا في مستهل الحديث- إسلامية الممارسة الثورية، لأن الإسلامية لا تحققها الشعارات ولا المبادىْ المجردة، بل لا بد من التجسيد العملي لهذه المبادىء، وهنا مقياس الإسلامية الحقة، وهنا تختبر مصداقية الشعارات، وهنا يعرف الثائر الصادق من الكاذب، وهنا سقطت وتسقط الكثير من الحركات التي تزعم الإسلامية، حيث يتحول أتباعها إلى لصوص وقطاع طرق وسفاكي دماء، إنّ أخلاقية الثائر هي البرهان العملي على صدق إسلاميته ونبل قضيته، وهنا نجد النبل في ثورة الحسين(ع) ونرى الأخلاقية بأعلى مستوياتها، فهو الذي يخرج من مكة المكرمة محوّلاً حجته إلى عمرة مفردة، لأنه لا يريد انتهاك حرمة البيت العتيق، وهو الذي لا يمنعه حصار القوم له وغدرهم به أن يدعو لهم بالهداية، وأن ينصحهم ويشفق عليهم ويحذرهم من عاقبة قتله وسفك دمه، وهو الذي لا تسجل كتب التاريخ عليه زلة في قول أو فعل، أو تصرفاً عدوانياً في كل مسيرته وإلى حين استشهاده، وهو الذي يأمر فتيانه عندما يصل إليهم الحر بن يزيد الرياحي مع ألف فارس في حر الظهيرة قائلاً: "اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً"، بينما نجد في المعسكر المقابل - الذي يزعم أصحابها الإسلامية- الوحشية بأبشع صورها، والخسة بأجلى مظاهرها، والعدوانية بأقسى تعبيراتها، وما قتل الأطفال، والتنكيل بالأجساد، والتعرض بالأذى للنساء، ومنع الماء عن غير المقاتلين رغم العطش الشديد إلا بعض النماذج الصارخة على تلك الوحشية والممارسة اللأخلاقية التي لا تزال تشكل لعنة على أصحابها إلى يومنا هذا، يذكر المؤرخون أن عبيد الله بن زياد يرسل إلى الحر الرياحي رسالة يقول له فيها: "أما بعد فجفجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء"!

 

كيف نترجم إسلامية الثورة؟

 

   إنّ تأكيدنا على إسلامية الثورة الحسينية وقرآنية شعارتها وإنسانية أهدافها يعني:

 

أولاً: ضرورة إخراجها من الدائرة المذهبية ومن دائرة التحليلات الخاطئة التي تحبسها في نطاق ضيق أو تدخلها في إطار من الغيبية.

ثانياً: اتخاذها نموذجاً يحتذى، ومثالاً أعلى يستلهم ويقتدى، ومدرسة تتربى عليها الأجيال، وهذا ما يدفعنا إلى دعوة كل المسلمين والأحرار في العالم إلى الإفادة من معين هذه الثورة، لأن الحسين(ع) ملك الجميع، ومن يبتعد عن الحسين(ع) فهو الخاسر لأنّه يحرم نفسه من  النور الضياء، ومن استلهام دروس العزة والكرامة والإباء.

وثالثاً: ضرورة أن  نترجم إسلامية الثورة وقرآنية شعاراتها وإنسانية طروحاتها في أساليب استحضار الثورة، ووسائل إحيائها، لتكون أساليب الإحياء إسلامية وإنسانية، وليست أساليب ملتبسة أو متخلفة أو مبعث اشمئزاز ونفور. 

 
1-  مناقب آل أبي طالب ج3 ص163.
2-  مناقب آل أبي طالب ج1 ص267.
3-  مسند أحمد ج3 ص14، 26.
4-  كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (ت:134هـ) ج5 ص21.
5-  تاريخ الطبري ج4 ص302.
6-  نهج البلاغة ج2 ص13.
7- اللهوف على قتلى الطفوف ص17.
8-  تاريخ الطبري ج4 ص302 والارشاد للمفيد ج2 ص78.
9-  تاريخ الطبري ج4 ص308، والارشاد للمفيد ج2 ص83. 
 





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon