حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
محاضرات رمضانية: ثقافة السؤال
الشيخ حسين الخشن



{يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم} (المائدة: 101).

 

قصة الآية

 

ذكر في سبب النزول عدة روايات نذكر منها اثنتين:

 

1) عن ابن عباس قال: "كان قوم يسألون النبي (ص) استهزاءً فيقول الرجل التي تضل ناقته أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية"، وهذا نموذج من الأسئلة التافهة.

 

2) وعن الإمام علي (ع) قال: لما تزلت آية {ولله على الناس حج البيت} قالوا: يا رسول الله أفي كل عام؟ فسكت ثم قالوا: أفي كل عام فسكت فسألوا الثالثة والرابعة، فقال: لا، ولو قلت نعم لوجبت، فأنزل الله الآية.. ، وفي رواية أخرى:" ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ولو تركتم كفرتم، فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" .

 

ضرورة السؤال وأهميته:

 

السؤال هو مفتاح المعرفة ومدخل العلم وسبيل التطور، إن على مستوى الفرد أ و على مستوى الأمة ، والأمة التي لا نسال ولا نبحث بجد واجتهاد لن يتسنى لها الخروج من مستنفع الجهل والنخلف، وهكذا الحال بالنسبة للفرد ، فلا تستح من السؤال ولا تخجل ولا تشعر بالحرج أو أنّ يقال إنك جاهل، فقد ورد في الحديث الشريف: "دواء العي السؤال" ، والعي بمعنى: التحيّر والجهل، والعلم لن يعطيك نفسه بسهولة، فعن رسول الله (ص): "العلم خزائن ومفاتحه السؤال فاسألوا رحمكم الله فإنّه يؤجر أربعة: السائل والمتكلم والمستمع والمجيب له" ، ولا يخفى أنّ حبّ السؤال ينطلق من حالة فطرية، وهي حالة حب المعرفة والإستطلاع لدى الإنسان، وأكثر ما نجد هذه الغريزة لدى الطفل الصغير، حيث نراه يسأل عن كل ما يجهله أو ما تراه عيناه، ولولا هذه الفطرة لديه لما تعرف على الأشياء.

 

وفي الوقت الذي نؤكد على ضرورة السؤال، فلا بد أن نملك ثقافة السؤال لنعرف: كيف نسأل؟ وماذا نسأل؟ ومن نسأل؟

 

1- من نسأل؟

 

ولنبدأ بالإجابة على السؤال الأخير، قال الله سبحانه: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وهذه الآية كما أمرت بالسؤال، فإنّها حددت لنا من نسأل، إذ ليس كل شخص يسأل، وإنما علينا أن نسأل "أهل الذكر"، وأهل الذكر هم أهل الاطلاع والمعرفة، ولئن كان بعض المفسرين ذكر أنّ المراد بالآية "أهل الكتاب" بملاحظة سياق الآية، وفي بعض روايات الأئمة (ع): "نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون" ، بيدّ أنّ ذلك لا يمنع من التمسك بعموم لفظ الآية، لكل من يملك علماً ومعرفة، ويملك تقوى تحجزه عن القول بغير علم، أو تبعاً للهوى، ولذا عبّرت الآية بأهل الذكر، وقد سأل الحواريون عيسى بن مريم: من نجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقة ويرغبكم في الآخرة عمله .

 

ومن هنا فإنّ السؤال مسؤولية، والاستماع أيضاً مسؤولية، ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر (ع): "من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدي عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق نودي عن الشيطان فقد عبد الشيطان .

 

2- كيف نسأل؟

 

وكما عليك أن تحدد من هو الشخص المسؤول، فإن عليك أن تحسن السؤال، لتعرف ماذا تسأل؟ وماذا لا تسأل؟ ولا شكّ أنّ حسن السؤال له دور كبير في وصولك إلى مرادك، بينما إذا لم تحسن السؤال فإنك قد تتعب كثيراً وتتعب المسؤول منه، ولذا ورد في الحديث عن رسول الله (ص) :"حسن السؤال نصف العلم" .

 

وإنّ حسن السؤال ضروري، سواء أسألت الله تعالى أمراً أم سألت العبد، فإنّ من لا يعرف ماذا يسأل قد يضيّع عليه الفرص، أسمعتم بذاك الشخص الذي ألهم في ليلة القدر أن الله استجاب لك ثلاثة أدعية، فاسأل ما يحلو لك؟ أتدرون ماذا فعل؟ ضيّع هذه الفرصة الذهبية، كيف؟ أخبر زوجته بالأمر، فطلبت منه بإلحاح: أريد منك دعاءً واحداً ، قال: وما هو طلبك؟ قالت: طلبي أن يجعلني الله أجمل امرأة، ففعل الرجل ودعا لزوجته واستجيب دعاؤه، فلما صارت زوجته أجمل امرأة أخذت تتكبر عليه بسبب ما رأته من جمالها، فغضب الرجل، فدعا الله بأن يجعلها أقبح امرأة، وبذلك ضاع منه دعاء آخرعلى شيء تافه، وبقي لديه دعاء واحد، ولما رأى أولاد المرأة أمهم على هذه الحالة القبيحة قالوا لأبيهم: هذه أمّنا وإننا نكره رؤيتها على هذه الحال، وقد أصابنا العار مما جرى لها، فادعوا الله أن يعيدها إلى سيرتها الأولى وأمام إلحاح الأولاد استجاب الرجل لهم، وهكذا ضيع الدعاء الثالث واضاع الفرصة الذهبية التي لا تعوض ! والكثيرون منا يضيعون فرصاً التي لا تعوض.

 

وإذا كان هذا الرجل لم يحسن سؤال الله تعالى فإنّ الكثيرين منا لا يحسنون سؤال العلماء أيضاً، كما كان يحصل مع ذاك الرجل الإلهي العظيم عنيت به علي بن أبي طالب(ع) والذي كان يقول لهم: "سلوني قبل أن تفقدوني" يقول سعيد بن المسيب: "ما كان في أصحاب رسول الله (ص) أحد يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب" ، وكانت المأساة في أن يوجه إليه بعضهم أسئلة تافهة، كأن يقوم بعضهم ويسأله كم شعرة في رأسي؟! ولذا فقد كان علي (ع) يعيش الغربة، لأنّه لم يجد من يفهمه ومن يعي مشروعه ويحمل علمه، ولذا كان يقول بحسرة وألم: "إنّ ههنا (ويشير إلى صدره) لعلماً جماً لو أصبت له حملة، بل أصبت لقناً غير مأمون عليه.." 

 

3- ماذا نسأل؟ وماذا لا نسأل؟

 

سل عما ينفعك في دينك ودنياك وآخرتك، وما يثري عقلك، ويغني روحك، سل عما يدخل في نطاق مسؤليتك، وما تسأل غداً عنه يوم ينادي المنادي: {وقفوهم إنّهم مسؤولون}، فما الذي سوف نسأل عنه غداً؟

 

أجاب الله تعالى على ذلك فقال: { ولتسألن يومئذ عن النعيم} .

 

وفي الحديث الشريف: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت(ع)" ، أما ما هو من مسؤلية غيرك فلا تتكفل السؤال عنه {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ولا تسألون عما كانوا يعملون}

 

ولا تسأل:

 

وفي المقابل فثمة أسئلة علينا اجتنابها، إمّا لأنّها تتعلق بقضايا ينبغي إخفاؤها، أو لأنّها ليست ذات فائدة إطلاقاً، أو لأنّها أسئلة وطلبات عن أمور مستحيلة، وإليك بعض الأسئلة التي ينبغي اجتنابها:

 

1- السؤال عما لا يقع في نطاق مسؤليتك الدينية والإيمانيّة، ولا في نطاق شؤونك الدنيوية.

 

2- سل تفقها ًولا تسأل تعنتاً، وقد وجّه ابن أبي الكوا سؤالا تعجيزياً لأمير المؤمنين(ع) فقال له علي (ع): "سل تفقها ًولا تسل تعنتاً فإنّ الجاهل المتعلم شبيه بالعالم وإن ّالعالم المتعسف شبيه بالجاهل" .

 

ومن الأمثلة على الأسئلة التعجيزية ما سأله بنو إسرائيل لموسى (ع) في قولهم أرنا الله جهرة: {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة}، ونحوه سؤال بعض المعاندين الذي وجه إلى أمير المؤمنين: "هل يقدر ربك أن يدخل الدني في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟ فقال (ع): إن الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون " .

 

3- لا تسأل عن القضايا التي يكون في كشفها محذور ما، {إن تبد لكم تسؤكم} كما في الأسئلة التي تؤدي الإجابة عليها إلى كشف عورات الناس وفضح عيوبهم وأسرارهم.

 

4- لا تسأل أسئلة تعنتية، كما في أسئلة بني إسرائيل بشأن البقرة التي أمروا بذبحها قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن ّالله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ماهي قال إنّه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي فإن ّالبقر تشابه علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول .....}.

 

القرآن وترشيد الأسئلة

 

وإن ّظاهرة السؤال منتشرة في القرآن الكريم، قال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}، وقال سبحانه: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}، وقال عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به...}، إلى عير ذلك من الموارد.

 

ونلاحظ أنّ القرآن الكريم وفي أكثر من مورد قد عمل على ترشيد الأسئلة الخاطئة أو غير المفيدة التي كانت توجه إلى رسول الله (ص)، ليعلمنا بذلك أن تكون أسئلتنا نافعة ومفيدة، وإليك مثالان على ذلك:

 

1) فقد سألوا النبي(ص) عن ظاهرة الشهر، لماذا يبدأ هلالا؟ ثم يكبر إلى أن يصبح بدرا ثم يبدأ العد العكسيً ، فأنزل الله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}، فقد ركزت الآية على فائدة هذه الوضعيات المختلفة للقمر وتجاهلت سؤالهم عن الظاهرة التكوينية التي قد لا تكون بمستوى فهمهم في تلك المرحلة.

 

2) وسألوه (ص) ماذا ينفقون؟ فأجابهم الله جواباً تمّ التركيز فيه على مصرف الإنفاق، ومرّ مرور الكرام على نوعية النفقة، لأنّ ما ينبغي انفاقه معلوم، وهو كل ما ينفع الفقير، قال تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما انفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإنّ الله به عليم}، فنلاحظ أن سؤالهم كان نوعية النفقة " ماذا ينفقون"، والجواب ركّز على مصرف الإنفاق، فعدد لهم الأصناف الذين يستحقون النفقة، مع إشارة عابرة إلى نوعية النفقة جاءت بشكل عرضي في قوله " ما أنفقتم من خير..".





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon