حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  حوارات >> دينية
مقابلة مع "النشرة": "هيهات منا الذلة" .. أكثر من شعار، أكثر من ثورة..



"هيهات منا الذلة" .. أكثر من شعار، أكثر من ثورة!

 

 

"هيهات منا الذلة" .. أكثر من شعار، أكثر من ثورة!

الإثنين, 05 ديسمبر, 2011      

 


"هيهات منا الذلة" .. أكثر من شعار، أكثر من ثورة!

 

 

 

 

 

*يمن برس - متابعات

 


أكثر من ثورة، أكثر من انتفاضة.. هي مدرسة في التضحية والوفاء، في الالتزام والتقوى، في المقاومة والصمود، في التشبّث بالحق والأهم من ذلك في الانتصار..

إنها الثورة الحسينية المبارَكة التي يتذكّرها العالم مع بداية كلّ سنة هجريّة، ثورة كل مظلوم على كلّ ظالم وكلّ صاحب حق على من سلبه إياه، الثورة التي تحوّلت إلى نموذج يُحتذى وجعلت الساكت عن الحقّ "شيطاناً أخرس" فعلاً لا قولاً..

ولأنّ هذه الثورة تجاوزت الوجدان الاسلامي إلى الوجدان العالَمي، بات قائدها الإمام الحسين عليه السلام، صاحب مقولة "إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما"، رمزاً لا يمكن أن ينحصر بطائفة أو مذهب، وهو الذي أعطى مفهوماً مختلفاً لـ"الثورة" و"النضال" بل "المقاومة"، على حدّ ما أكّد معظم من واكبوا حركته واطّلعوا على سيرته وتعلّموا من مدرسته الخالدة.
 
"خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي"...
"مَن رأى سُلطاناً جائراً مُستَحلاًّ لِحَرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لِسُنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أنْ يُدخِله مَدخَله"..
من هذه العبارات التي ردّدها الإمام الحسين عن جدّه رسول الله، كانت انطلاقة ما بات يُعرَف بالثورة الحسينية والتي تشير الروايات إلى أنّ الإمام الحسين لم يُقدِم عليها إلا بعد ان انسدت امامه جميع الوسائل وانقطع كل أمل له في اصلاح الامة، وانقاذها من السلوك في المنعطفات، وهو ما يجسّده بقوله "وإني لم أخرج أشِراً ولا بطراً، ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنما خَرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جَدِّي محمد صلى الله عليه وآله". هكذا، انطلق الحسين ليؤسس معالم الاصلاح في البلاد، ويحقق العدل الاجتماعي بين الناس، ويقضي على أسباب النكسة الاليمة التي مني بها المسلمون في ظل الحكم الاموي، بقيادة الطاغية يزيد، الذي ألحق بهم الهزيمة والعار.

ويعود أصل هذه الثورة إلى مبايعة يزيد وما نتج عنها من ظلم وطغيان فضلاً عن استعباد الامة واذلالها، ونهب ثرواتها. ويقول الإمام الحسَين "إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فَتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل شَاربُ الخُمورِ، وقاتلُ النفس المحرَّمة، مُعلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحَقّ بالخلافة". وهكذا، خاض الامام الحسين، الذي رفع شعار "هيهات منا الذلة"، المعارك البطولية باسم الأمّة لتحقيق الإصلاح ورفض المذلة، وهو القائل "لا وَالله، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد"، فكان مفهوم "التضحية" الذي جسّده الإمام الحسين بكلّ ما للكلمة من معنى حين ضحّى بكلّ شيء وبنفسه ليرفع راية الحقّ وليعطي درساً لكل مظلوم، في أيّ مكان من العالم.
 
الثورة الحسينية كلّها عِبَر ودروس
يقول محرّر الهند غاندي أنه تعلّم من الإمام الحسين كيف يكون مظلوماً وينتصر، وهو الذي دقّق في صفحات كربلاء واتضح له أنّه إذا أرادت الهند إحراز النصر، عليها اقتفاء سيرة الحسين.  هي كلمات بسيطة لكنها تحمل في طيّاتها الكثير والكثير عن القِيَم والدلالات التي حملتها الثورة الحسينية، ذلك أنّ "الثورة الحسينية كلّها عِبَر ودروس ودلالات للحاضر والمستقبل"، على حدّ ما يقول مدير دائرة الحوزات في مكتب العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله الشيخ حسين الخشن.

ويوضح الشيخ الخشن لـ"النشرة" أنّ أهمية الثورة الحسينية تكمن في ضرورة أن نرتفع إلى حجم المسؤولية التاريخية كما ارتفع الإمام الحسين إلى حجم المسؤولية التي رآها ملقاة على عاتقه حين وجد أن الانحراف قد أصبح عاماً. ومن دروس الثورة الحسينية أيضاً ضرورة أن نعمل لنكون أعزّاء وأن نرفض الذلّ والهوان أمام كل الاستكبار والأعداء وعلى رأسهم إسرائيل وأن نعمل لنكون الأمّة القوية العزيزة لأننا في عالم لا يحترم إلا الأقوياء. وفيما يأسف الشيخ الخشن لأنّ "واقع أمتنا مزر مشتّت مفتّت مهترئ"، ويسأل كيف أنّ أمة تربو على المليون لا تستطيع أن تحلّ مشكلة من مشاكلها وعلى رأسها القضية الفلسطينية، يلفت إلى أنّ الثورة الحسينية يجب أن تعلّمنا أيضاً أن ننكِر المنكَر، مشدداً على أنّ العبرة هي أنّ الحسين يمثّل صرخة حرية في وجه ظالم مستبد، وهو بالتالي يجسّد كل معاني العزة والحرية والاباء.

من جهته، يشدّد إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود على أهمية القيم والمعاني التي تحملها السيرة الحسينية بين طيّاتها، حيث يلفت إلى الاجرام الذي جسّده يزيد على امتداد السنوات الثلاث التي أمضاها في الحكم، الذي أثبت المؤرخون جميعاً أنه لم يكن حكماً سليماً. ويلاحظ الشيخ حمود أنّ القرآن كرّر ذكر موسى وفرعون عشرات المرات ليس ليسرد سرداً بل ليثبت أنه هناك دائماً في وجه كل موسى فرعون وفي وجه كلّ مصلِح من يقف في وجهه. ويتوقف هنا عند سورة الأنعام، وتحديداً الآيتين 112 و113: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ"، "وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ". ويوضح أنّ هاتين الآيتين، اللتين تؤشران إلى الاستمرارية، تؤكدان أنّ هناك دائماً في وجه كل نبي من يواجهه ويستعمل زخرف القول لاقناع الآخرين.
 
عزّة وشهامة مقابل خساسة في أعلى مستوياتها!
"كلّ يوم عاشوراء كلّ أرض كربلاء"، عبارة بسيطة تتكرّر بصورة دائمة ويجسّدها التفاعل السنوي اللافت مع ذكرى الامام الحسين ومأساته، حتى يكاد المرء يشعر أن الحادثة لم تحصل قبل 1400 عام بل أنها وليدة البارحة. "لعلّ السر وراء خلود هذه الثورة يكون بسيطاً وجلياً وهو أنها ثورة مثّلت الصدق ومثّلت أنموذجاً أعلى للانسان الذي يبذل دمه في سبيل الحرية ويقدّم أبناءه على مذبح هذه الحرية ويسقط وهو يرفع شعار هيهات منا الذلة"، يقول الشيخ الخشن، قبل أن يوضح أنّ هذا النموذج الفريد يعلّم الناس أن يكونوا أحراراً ويبقي هذه الثورة حيّة في النفوس. ويشير إلى أنّ هذه الثورة اشتملت على عناصر العزّة والشهامة والاباء فضلاً عن عناصر تثير العاطفة والدمعة، في مقابل عناصر تدلّ على الخساسة في أعلى مستوياتها، "كأن تذبح الطفل الرضيع وأن تمثّل بالأجساد وتقطع رأس الحسين وتعتدي على المرأة، وكلها في قيم العرب آنذاك وقيم الانسانية إلى اليوم أفعال قبيحة". ويخلص انطلاقاً من ذلك إلى أنّ هذه الثورة هي في مأساتها فريدة وفي عبرها ودروسها فريدة.

ولا يشكّك الشيخ حمود بهذا الخلود لثورة الحسين، ويعرب عن اعتقاده، في سياق حديثه لـ"النشرة"، بأنه يعود بشكل أساسي إلى المعاني التي تحملها، حيث أنّ "الفكر الذي تحمله المقاومة التي تسخّر المعاني الحسينية بوجه الصهاينة المحتلّين هو الموقف الحسيني المطلوب من كلّ المسلمين". ويلفت إلى أنّ فكرة الإمام الحسين طبّقها كثيرون وأثبتوا أنّ من يسير على هذا الدرب يثبت استمرارية، ويعطي مثالاً على ذلك عز الدين القسّام الذي واجه المحتلين على الطريقة الحسينية والذي لا تزال ثورته مستمرّة رغم أنه مضى على استشهاده 75 عاماً. ويخلص إلى أنّ الذي يبذل دمه ونفسه وأهله وأعوانه في سبيل إحقاق الحق هو الخالد، فيما الذي يساوم ويفاوض هو الذي يذهب ويسقط.

"لو كان الحسين منّا لنشرنا له في كلّ أرض راية"...
لا شكّ أنّ النهضة الحسينية كانت نهضةً إنسانيّةً بامتياز، في أهدافها ومنطلقاتها وفكرها ورسالتها، وهي تحمل كلّ عناصر الفكر الإنسانيّ، وكلّ القيم الإنسانيّة المتسامية، وبالتالي فهي لا يمكن أن تكون محصورة بدين أو مذهب، ذلك أنّ الإمام الحسين تحدث عن أمَّة جدّه التي تتنوَّع في كل مذاهبها، وفي كل خطوطها، وفي كل أوضاعها العامة. ولعلّ تفاعل مختلف الأديان والحضارات مع رسالة الإمام الحسين خير دليل على أنّ ثورته تخطّت الوجدان الإسلامي، ويحضر هنا على سبيل المثال قول المفكّر المسيحي أنطوان بارا "لو كان الحسين منّا لنشرنا له في كلّ أرض راية، ولأقمنا له في كلّ أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين".
وفي الاطار نفسه، يشدّد الشيخ ماهر حمود على أنّ ثورة الإمام الحسين وموقفه في وجه يزيد ليس موقفاً خاصاً بالشيعة فقط، ويوضح أنّ المعاني التي أثارها الحسين والشعارات التي رفعها كلّها تعبّر عن انتمائه للاسلام بكلّ اتساعه وبعده خاصة وقد سبق ذلك تزكية الرسول له والتأكيد على أنه سيد شباب أهل الجنّة مع أخيه الحسن، ويلفت إلى وجود الكثير من النصوص التي تؤكد على أنّ الحسين لم يخرج طلباً للمُلك ولا للسلطة ولا لأيّ جاه من الدنيا بل لطلب الإصلاح. ويقرّ الشيخ ماهر حمّود بأنّ البعض يظنون أنّ من يتكلم بالحسين يتحدث من منطق شيعي وأنّ أهل السنّة يجب أن يدافعوا عن يزيد والأمويين، ويشدّد على أنّ هذا المنطق يعبّر عن خطأ جسيم يجب أن يُصحّح، موضحاً أنّ موقف الإمام الحسين هو موقف الإسلام، متمنياً أن يحصل نوع من الثورة الثقافية لتُعدّل هذه النظرة التي تفترضها الثقافة الشعبية لا ثقافة العلماء.
 
الحسين كان كبيراً.. فلا تقزّموه!
ويلاحظ الشيخ ماهر حمود أنّ النصوص التي يعتمد عليها قرّاء التعزية في المجالس العاشورائية هي في كثير منها نصوص كتبها علماء سنّة، وفي مقدّمهم الامام الطبري، وهم أجمعوا على أحقية موقف الإمام الحسين بشكل لا يحتمل أيّ تأويل. ويشير الشيخ حمود إلى أنه إذا خرج عالم أو إنسان شاذ وحاول تبرير ما حصل في كربلاء والدفاع عن يزيد، فإن هناك عشرات يخرجون في المقابل ويدينونه ويؤكدون أن الأمر ليس كذلك، معتمدين بشكل أساسي على نصوص سنّيّة.
ويبدو الشيخ حسين الخشن من أشدّ المناصرين لهذه الفكرة، إذ يلفت إلى أنّ الامام الحسين كان في كل شعاراته إسلامياً بامتياز ولم يكن لا طائفياً ولا مذهبياً، ويشدد على وجوب أن يرتفع كل الخطاب العاشورائي الحسيني إلى الحسين لا أن يُنزِل الحسين إلى مستواه. ويلفت إلى أنّ بعض هذا الخطاب يحاول أن يقزّم الحسين ويجعله على حجمه، كما يصوّر الحسين المقهور المظلوم، وهذه من أكثر الإساءات للامام الحسين الذي كان قوياً عزيزاً ورفع شعارات واضحة ليس بينها شعار مذهبي. "الحسين كان كبيراً فلنكن كباراً"، يقول الشيخ الخشن، الذي يلفت إلى أن هذه الثورة غير تقليدية وهي التي تجمع المسلم والمسيحي، كوهب الذي كان مسيحياً والتحق بالحسين واستشهد بين يديه، كما أنها جمعت الذكر والأنثى وتجد فيها حتى من لم ينتم إلى الحسين وعلي في عقيدته وهواه كزهير الذي كان يقال عنه أنه عثماني الهوى.

أمّتنا بحاجة لثورة إصلاحية على كل المستويات..
"إذا كانت الأمّة احتاجت إلى مصلِح بعد مضيّ خمسين عاماً على وفاة الرسول، فإنّ السؤال الذي يُطرح اليوم، بعد مرور 1400 عام على الثورة الحسينية، هو كم نحتاج الآن إلى مصلِحين"، والتعبير للشيخ حسين الخشن الذي يتوقّف عند انعكاسات عاشوراء على واقعنا الحالي، فيلاحظ أنّ أمّتنا الاسلامية بحاجة لثورة إصلاحية، إصلاح على مستوى النفوس والواقع المهترئ، وكذلك على مستوى النصوص والمفاهيم التي يتمّ تشويهها وتزويرها بما يجعل الحق باطلاً والباطل حقاً...
ولأنّ "كلّ يوم عاشوراء كلّ يوم كربلاء" كما يقول الشعار الذي يرفعه المؤمنون كلّ عام ليدلّوا على أنّ عاشوراء لم تنتهِ بعد وهي تتكرّر بصورة يومية وإن بأشكال مختلفة، يشدّد الشيخ ماهر حمّود على أنّ اليزيدية (التي مثّلها يزيد) هي جزء من الفرعونية المستمرة في التاريخية، فيما الحسينية هي جزء من الموسوية والمحمدية والعمريّة والعلوية وكل الذين وقفوا في وجه الباطل. ويلفت إلى أنّ هذا الباطل مستمرّ في يومنا هذا من خلال الظلم الذي نشهده على مختلف المستويات، والمستوى السياسي أحدها. وهنا، يتحدّث الشيخ حمود عن المحكمة الدولية، التي يصفها بـ"الأميركية الاسرائيلية"، والتي يعتبرها تكريساً لهذا الظلم وهذا الباطل، إذ "تتجرأ على قادة كرام في المقاومة نحن نعرفهم ونعرف أنهم أشرف وأنزه من أن توّجه لهم تهمة دنيئة على غرار جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري أو أي جريمة أخرى. ولكنه يؤكد أن الحق سيتحقق في النهاية كما علّمنا التاريخ وكما علّمتنا التجربة الحسينية نفسها، ويلفت إلى أنّ الله يختبر نوايا المؤمنين وثباتهم.
 
نداء الحسين... لا تتقاتلوا باسمي!
برأي الشيخ حسين الخشن، فإنّ نداء الامام الحسين هذا العام لأنصاره وجماعته إذا صحّ التعبير، أي لمن يهتفون باسمه ويبكون عليه، يكاد يكون: "كونوا وحدويين لأن الأمة مهدّدة بالفتنة العمياء". ويذكّر الشيخ الخشن أنّ الإمام الحسين كان ثائراً وبذل دمه لكنه حاول قبل ذلك أن يصلِح، وبالتالي فإنّ نداءه إلينا هو أن "أيها المسلمون إن إسلامكم قبل كل اعتبار، قبل مذهبياتكم الضيقة وكهوفكم المظلمة. إنّ إسلامكم بخطر فاحرصوا على أن تكونوا إسلاميين كما كان الحسين".
هكذا، وباختصار، فإنّ نداء الحسين لنا جميعاً هو أن لا نتقاتل باسمه وأن لا ننبذ بعضنا بعضا باسمه وأن لا نستعدي أحداً من المسلمين باسمه. "هو أكبر من ذلك"، يقول الشيخ الخشن حازماً، "هو إمام لكل المسلمين، هو إمام إنساني بامتياز"، يقول الشيخ الخشن، لعلّ صوت الإمام الحسين الذي حاول نقله يصل إلى من يجب أن يصل إليه، ولعلّ كل من يهتف باسمه ويبكي عليه اليوم يتذكّر أنّ الحسين الإنساني والحقيقي ليس هو حسين الحقد بل هو حسين الحب لله وللناس، حسين الحياة وحسين العاطفة والفكر، وقبل كلّ شيء، حسين السلوك..

 


Read more: http://yemen-press.com/news4678.html#ixzz2ziAT4qmU

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon