حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  كتب >> قراءات في الكتب
قراءات في كتاب : وهل الدين إلا الحبّ
الشيخ حسين الخشن



 

الكاتبة: ملاك عبد الله - مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر

تاريخ: 18-12-2014

 

بين الدّعوة إلى تنقية التراث الدّيني من الشوائب التي كانت مدعاةً للفتك بالإنسان كما بالدّين نفسه، والدّعوة إلى إعادة قراءة النّص الدّيني بما يتوافق ومعطيات الواقع ومقتضيات العصر، علت في الآونة الأخيرة أصواتٌ فكرية وشعبية كما وعلمائيّة، تنادي بضرورة إحياء المقاصد القيميّة للدّين،

وتفعيل الخطاب الأخلاقي في مقابل الخطاب الفقهي الجامد، منادية بأنَّ قدسيّة الإنسان تعلو فوق أي مقدّس، وبأنَّ الدّين هو في الاساس لخدمة الإنسان لا العكس، بمعنى أنه لم يوجد الدين ليكون الإنسان في خدمته.

 

وقد تداعت المؤتمرات الجامعة بين الطوائف للتركيز على فكرةٍ كهذه، كون أنّ كافّة الديانات والمذاهب تتلاقى على فحواها، وكون أنَّ بإمكانها التّأسيس لقاعدة من العيش بسلام وبروحية من الإنفتاح على الإنسان أيا كان، سواءً انتمى إلى الـ"جماعة" أم لم ينتمِ،

 

كما وبإمكانها أن تخفف بعض الشيء من نزعات الإلحاد والملائكية الّتي أتت في أغلبها على شكلِ ردّ فعلٍ على ما آل إليه الواقع المزري لتطبيق الدّين، الّذي بدا وكأنّه مرادفاً للإقصاء والإلغاء وحتى القتل تحت مسمّى إقامة العدالة عبر تطبيق شرع الله

 

 

لقد بدأ البعض يشكّك في قدرة الخطاب الإصلاحي الفكري على حلّ المشاكل الراهنة، لأنّه لطالما بقي حبيس الكتب، ورفيق النّخب، ليس إلّا، أو أنّه في أبعد تقدير يحتاج إلى فترة زمنية طويلة الأمد حتى يتغلغل في عمق المجتمع، ليستحيل ثقافةً إصلاحيةً شعبيّة منفتحة. وعلى هذا الأساس، كان

الحلّ الأسرع برأيهم والأنجع يكمن في إعادة الإعتبار للإتجاهات الصّوفيّة والعرفانية كمرتجى للخلاص. وفي هذا الإطار، كتب الدكتور حبيب فياض في صحيفة السّفير مقالاً جاء فيه: "الإصلاح المطلوب اليوم لا يجدي معه التجديد في فهم النص الديني وإعادة إنتاجه تنظيريا. الحل يكمن في توجيه

الطاقة المعنوية لدى الناس من الكراهية إلى المحبة، ومن الغريزة إلى الفطرة، وذلك عن طريق إعادة خلق التجربة الدينية المجتمعية على نحو يشبه التجربة الفردية في العرفان والتصوف"، ودوّن الدكتور عبد الجبار الرّفاعي من جانبه أيضاً: "طفقت أفتش في آثار المتصوفة وتجاربهم، وميراث

الفلاسفة.. وغيرهم، عن أولئك الذين يضيئون الحياة بإشراقات أرواحهم، ويوقظون العالم بنواقيس أفئدتهم، وتغتني العلاقات الاجتماعية بقيمهم وأخلاقياتهم.. أولئك الذين يوقدون قناديل دين الفرح في عالم كل دينه حزن، ويسقون شجرة دين الحياة في عالم كل دينه موت، ويعزفون سمڤونية دين الحب

في عالم كل دينه كراهية".. كما تحدّث سماحة الشيخ حسين شحادة ليعتبر أنَّه "لكي نقوم بعملية التصويب والتصحيح يجب أن نرد الاعتبار لحاكمية النص الأخلاقي على النص الفقهي والشرعي".. أما سماحة العلامة الشيخ حسين الخشن، فقد استفاض في هذا الموضوع، وراح يؤصّل في عملٍ

بنيوي المفاهيم والأحاديث والمعاني القيميّة في الدّين الإسلامي تحديداً، ويعيد نبشها والتّذكير بها، للتّأكيد على أنّها هي الجوهر وهي الأساس في دينٍ بُعث رسوله ليتمّم مكارم الأخلاق، وليكون رحمةً مهداة.. فكان أن أنتج سماحته كتاباً لافت العنوان: "وهل الدين إلا الحبّ"، وهو في الأساس حديثٌ

للإمام الباقر(ع)، أعاد الشيخ تسليط الضّوء عليه بعد أن غُيّب عن التداول العام، واستبعد من الأدبيات الإسلامية الفقهية، ليكون هذا الكتاب بدءاً من عنوانه مدخلاً لإعادة إحياء التراث الإسلامي الغنيّ بأحاديث وأقوال القيم، وفي مقدمتها قيمة الحبّ، وليصلح الكتاب بذلك أيضاً مرجعاً إسلاميّاً في

البحث القيمي، ولتكون أوراقه التي فاقت الـ 250 بمثابة شحناتٍ روحيّة، تخفّف ضغط الثّورة والغضب من أولئك الّذين ما برحوا يغضبون من الإساءة للإسلام من قبل أتباعه أنفسهم، وما انفكّوا يصرخون بأن أنقذوا الإسلام من هؤلاء الحاقدين.

 

 

يقول سماحته في مقدّمة الكتاب: " هل صحيحٌ أنَّ الإسلام هو سرّ تخلّفنا..؟ إنَّ المشكلة لا تكمن في الدّين ولا في نصوصه.. إنَّ المشكلة في جانبٍ رئيسٍ منها هي في العقل الّذي أصابه العقم إلى حدّ كبير عن استنكاه مقاصد النّصّ الكلّيّة واستلهامها واستهدائها بطريقة اجتهاديّة توائم بين النّصّ

والواقع... والمشكلة في جانبٍ آخرٍ منها هي في الإنسان المسلم الّذي عجز عمليّاً عن تقديم نموذج إسلامي يُحتذى، ونموذج قابل للحياة وقادر على مواكبة العصر." وبعد أن دعا إلى إعادة النّظر في طريقة التّعامل مع النّصّ وفي رؤيتنا الفكرّية الموروثة، وإلى ضرورة التوغل في الحقل القيمي

والأخلاقي في الإسلام، لفت إلى أنّ " الباحث لا يحتاج إلى كثير عناء ليكتشف الحضور المكثّف لمفردة "الحب" ومشتقاتها في النّصّ الإسلامي الأصيل، لكنّه سيصاب بالدّهشة عندما يلاحظ هذا الغياب أو التّغييب لهذه القيمة عن قاموس التّداول الإسلامي وأدبيات المسلمين.. وسلوكياتهم.."

 

ينطلق سماحته في الفصل الأول من الكتاب ليتحدّث عن دور الحبّ في الحياة والإبداع الإنساني وانتظام الحياة الإجتماعيّة، فيقول: " إنَّ عاطفة الحبّ هي الّتي تصنع الحياة وتعطيها جمالها.. إنه الطاقة الملهمة لكلّ إبداع.. وإنَّ مجتمعاً تتراجع فيه عاطفة الحبّ لتحلّ محلها الكراهية والحقد هو من

دون شكّ مجتمعٌ محكوم بالإنهيار الداخلي عاجلاً أم آجلاً"... ثمَّ يقارن بين ثقافة الحب والقانون ليذكر:"إنّ مفعول المحبّة إذا أحسنّا تربية الأجيال عليها هو أقوى من كلّ القوانين، وأبلغ أثراً من كلّ القرارات. إنَّ القوانين بإلزاميتها وقسوتها وصرامتها تستطيع ان تحاسب المعتدي وتقتصّ من المجرم

أو تزجّه في السّجون، لكنّها لن تملك أن تصنع منه إنساناً فاعلاً ينبض بالحبّ والعاطفة، إنساناً مشاركاً في صنع المحبّة"، مشيراً إلى دور الحبّ في التربية وفي عمليّة التغيير، ولافتاً إلى أنَّ النبي الأكرم قد دعا إلى ابتكار أساليب التحاب في العلاقات الإنسانيّة، من خلال التهادي والزيارات

والمصافحة والعطف وحسن الخلق.. مستشهداً بآياتٍ قرآنيّةً تُحاكي أثر الإيمان الشخصي وحبّ الله في توطيد علاقات المودّة والمحبّة بين الناس.

 

 

في الفصل الثّاني، يتحدّث الشّيخ حسين عن مظاهر حبّ الله للإنسان، ذاكراً انّ إرسال الرسل وخلق الجنّة وفتح باب التّوبة وحتى خلق النار هي مظاهر من مظاهر الحبّ، مجيباً عن الإستفهامات التي تثار من قبيل لماذا خلقنا مع علمه بعاقبتنا، وكيف يحبّنا ويعذّبنا، وهل نخاف الله أم نحبّه، لافتاً إلى

الكيفيّة التي يصل بها الإنسان إلى درجة المحبّين لله.

 

يشير العلامة في محوره الثّالث إلى دور الحبّ في العلاقة مع أولياء الله، معتبراً أنّ العلاقة الناجحة بالمثل الأعلى تقوم على ثلاث ركائز وهي المعرفة والعاطفة والسلوك، فيما خصص المحور الرابع للحديث عن موضوعٍ في غاية الأهمية في عصرنا الراهن يتمثّل في دور الحبّ في الخطاب

الديني وكيفية تقديم الإسلام وإزاحة الصورة المنفّرة التي انطبعت في الأذهان عن هذا الدّين، فيقول على هذا الصّعيد: "إنّ خطابنا الدّيني على مستوى الظّاهرة لم يستهد قيمة الحبّ ونظائرها من القيم... لعلّ الجريمة الكبرى التي جنيناها على أنفسنا وديننا أننا في بعض خطابنا الدّيني لم نر الله

تعالى، أو لم نقدّمه كما ينبغي أن يقدّم، بل رأيناه مصدراً للخوف والرّعب، حيث تتقدّم عندنا صورة العذاب على صورة الرّحمة"...كما وأشار إلى شخصية الداعية وضرورة أن يكون مفعماً بالمشاعر الطّيبة ليتسنى ان يرسل نفحات حبّه للناس، وأن يظهر بمظهر جذّاب في نظافته وتجمّله وتهذيب

لحيته، ويقول: "إنَّ على الدّاعية أن يتعلّم محبّة النّاس جميعاً، فيحبّ المؤمن لإيمانه، ويحبّ الفاجر أو الفاسق أو الضّال في شخصه كإنسان".

 

خصّص الكاتب المحور الخامس للحديث عن الحبّ في مدرسة عاشوراء، التي لا تشكل "مدرسة للحقد والكراهية، ولا لإثارة الغرائز وإيقاذ الفتن، وإنما مدرسة نتعلّم منها كلّ المعاني السامية وعلى رأسها قيمة الحبّ"، مشيراً إلى أننا نستهدي من هذه الذكرى كما من أقوال سائر أئمة اهل البيت

كيف يحبّ المقتول قاتله، لأن المؤمن لا يبغض في أعداء الله سوى عصيانهم وتمردهم على الله، ولكنه في العمق يشفق على أشخاصهم.

 

وبعد أن يسهب في المحور السادس في الحديث عن الحبّ بين الحلال والحرام، وما يتعلق بمودة أعداء الله والحب بين الجنسين وحبّ الدنيا التي يؤكّد سماحه أن الإسلام لا يطلب من الإنسان أن يعاديها، وأنه في الإمكان الجمع بين حب الدين والدنيا شريطة أن يكون الحب في ذلك لله وفي الله،

يذهب في المحور السابع والأخير ليؤكّد أنه "لا يمكننا أن نمكّن لثقافة الحبّ أن تنتشر وتعمّ إلا إذا عملنا على محاصرة ثقافة الكراهية والحقد وسعينا لتجفيف منابعها وتفكيك بناها الفكرية والنفسية والإجتماعية والسياسية". ولذلك فإنه يعتبر أنَّ تطبيق نظام العدالة الإجتماعية والسياسية هو السبيل

الأمثل لإزالة الشحناء من النفوس التي هي سليمة في فطرتها إنما اكتسبت الحقد مع الإنغماس في الحياة وظروفها، ويشير إلى أن "الكثيرين ممن يرفعون شعار تطبيق الشريعة إنما يقصدون بذلك تطبيق نظام الحدود والعقوبات فحسب، ويتنادون لهذا الأمر، في الوقت الّذي لا نجد عندهم الغيرة عينها

على تطبيق المنهج الأخلاقي الإسلامي.. وأعتقد أن هذا الخلل ناشئٌ عن خلل أعمق في فهم وظيفة الدين، إنَّ الوظيفة الأسمى للدّين هي تهذيب الأخلاق، وهذا هو المقصد الأقصى والأسمى للشريعة عينها، فإنَّ شريعة لا تتحرك في ظلّ منظومة أخلاقية هادية وملهمة للعقل الإجتهادي هي شريعة

جامدة وجافة وغير قابلة للحياة".. وقد ذكر في هذا الإطار أنَّ صاحب الفكر القشري والتكفيري هو صاحب شخصية تحمل الحقد تجاه الآخر، وتلبس هذا الحقد لبوس القداسة. ويضيف: "علينا تطهير مناهجنا التربويّة والدّينيّة من كلّ بذور الثقافة المبنية على منطق "الفرقة الناجية"... وعلينا أن

نعترف أنَّ تربيتنا الوطنيّة والقوميّة لم تفلح في غرس مفهوم المواطنة في النّفوس، ولم تنجح في تعزيز حسّ الإنتماء الوطني، وظلّ الدّين بمعناه العصبويّ الضّيّق هو المكون الأساس للهوية كما هو المحرّك للإنسان المسلم"..." إنَّ الدين لو أحسنّا فهمه وتقديمه وتوظيفه في بناء الإنسان وبناء

الأوطان سيكون عامل نهوض وعنصر  استقرار وأمان دون شكّ".

 

إنّ الحديث عن فلسفة الدين ومقاصده في أيامنا هذه قد بات محور اهتمام المحدثين والمهتمين بإعادة صوغ وتقديم الدّين بصورة مغايرة لما يظهر فيه اليوم، وإنَّ موضوعاً كهذا قد أخذ حيزه من البحوث الفلسفية لدى فلاسفة عصر الأنوار في أوروبا وفلاسفة النهضة.. إلا أنّ سماحة الشيخ حسين

الخشن لم يشأ الإطلالة على هذا الموضوع من الناحية الفلسفية الفكرية بقدر ما اهتمّ باستخلاص جذوره من داخل النصوص الدينية الإسلاميّة، وتأصيلها وتدوينها لتصلح كمرجعٍ في هذا الإطار، وللتأكيد على أنّ الدين الإسلاميّ لديه من المنظومة القيمية ما يكفي ليعلي من شأن الإنسان بأكثر مما

أعلته الفلسفات الأخرى، التي كانت ردة فعل لتحمي الإنسان، فيما كان الإسلام منذ انطلاقته مؤسّساً ومبنيّاً على كرامة ابن آدم وحرمة سفك دمه والتأكيد على خلافته للأرض وعمرانها. من هنا، فإنَّ عملاً كهذا من داخل الإطار الديني يعدّ بحدّ ذاته تجديداً فكرياً وروحياً يؤسّس عليه في سبيل تغيير

الواقع الديني المعاصر نحو آخر منفتحٍ سليمٍ تسوده القيم وثقافة الإحترام والإنفتاح على الآخر مهما ابتعدت المسافة الفكرية بين الأطياف.

 

 

 

 

 

للكاتب : محمد فضل الله - موقع بيّنات الإلكتروني

 

تاريخ: 15-12-2014مـ / 23-صفر-1436هـ.

 

كتاب "وهل الدّين إلا الحبّ؟"، لسماحة الشيخ حسين أحمد الخشن، من إصدار المركز الإسلاميّ الثقافيّ، في طبعته الأولى العام 2014م، وهو مكوّن من ثمانية محاور، تحوي عناوين غنيَّة ومتنوّعة، 

 

إضافةً إلى جملة من الملاحق، وجريدة المصادر والمراجع.

 

 

في المقدّمة، يشدِّد الباحث الشيخ الخشن على أهميَّة الحديث عن الرّوح والأخلاق والعقل في زماننا المليء بالقطيعة والتصحّر على المستويات كافة، رافضاً أن تكون المشكلة في الدّين نفسه، فثمّة  قيم غائبة أو مغيّبة عن واقع المسلمين وحياتهم، ومن أهمّها قيمة الحبّ، وهي قيمة أصيلة في الإسلام،

ولها دور فاعل وتوجيهيّ وتأسيسيّ في حياة الأفراد والجماعات، وهي بالفعل تبرز مدى صفاء  الإنسان وقابليّته الروحيّة الّتي ينطلق على أساسها في استشراف كلّ القيم والمعاني الَّتي يرتبط بها، وهو ما يجذّر إنسانيّته، ويدفع بها نحو الفعل المنتج والإيجابيّ الَّذي يحاصر كلّ عناصر القلق والتوتر 

والتأزيم في الحياة.

 

فالحبّ هو الطّاقة الإيجابيَّة والمتأصّلة الَّتي تغني الحياة، وترفدها بأجمل المشاعر، وتسهم بتزويدها بأنبل العواطف الَّتي تجعل منها مساحة للتّواصل الفعليّ والحيّ والحيويّ. وسماحة الشَّيخ يستعين في معرض كلامه في أيّ محور وعنوان بالأحاديث المرويَّة عن الرَسول الأكرم(ص) والأئمَّة

الأطهار، بما يصوِّر مدى الاهتمام والتركيز على قيمة الحبّ وفاعليّتها، حيث تتخطّى الإنسان لتطاول الطبيعة وما فيها.

 

ويذكّر الشَّيخ الخشن بدور الحبّ في الإبداع الإنسانيّ والمعرفة، كوجه من وجوه فطرة الإنسان، إذ إنّ الحبّ جزء محرّك للفعل والحيويَّة، فلا يعقل أن تنتظم العلاقات الإنسانيَّة والاجتماعيَّة من دون الحبّ، لأنَّها من دونه يعني فراغها وخواءها من أيّ مضمون واعتبار، وبوجه خاص ما يتَّصل

بالعلاقات الزوجيَّة، إذ إنّ المودة والمحبّة أساس المؤسَّسة الزوجيَّة، وأساس العلاقة بين الأولاد والأهل، ويتَّسع الأمر ليطاول الجيران، ومن ثم العلاقات البشريَّة، فهل يعقل أن يخلو المجتمع الإيماني من قيمة الحبّ؟ وهل يعقل أن تخلو العلاقات الإنسانيَّة من المحبّة؟!

 

إنَّ خلوّ المجتمع من الحبّ آفة خطيرة، حيث تختفي اللغة التواصليَّة والمفترضة والأصيلة بين الناس، وتصبح الأرضيَّة الخصبة للتنازع والتّدابر مهيّأة، كما تنتشر الحواجز بين الناس، وتعمّ القطيعة في كلّ مساحات الواقع. ولذلك، لا يتصوّر أحد أن يخلو المجتمع الإيمانيّ من قيمة الحبّ، لأنه

يتحوَّل إلى النقيض من ذلك، ويتحوَّل إلى مجتمعٍ متدابر متقاطع متنافر، لا يربط بين أجزائه أيّ شيء.

 

يدلّل الباحث الشيخ الخشن في ثنايا كتابه على أهمّية تعميم ثقافة الحبّ بيننا، كي نستحق فعلاً الانتماء إلى مجتمع إيمانيّ نتحسّس وجوده ونحيا في ظلّه، إذ تسود ثقافة العدل بيننا، ليس عدلاً فقط في القانون والحقوق، بل عدلاً في بذل مشاعرنا النبيلة التي ترفع الحواجز بين القلوب والعقول، وتشفي

النّفوس. فالإنسان العاشق المحبّ هو الجدير بحمل أمانة قضايا أمّته، فتراه الحامل للواء التّغيير والإصلاح، لأنه يتحسَّس بمشاعره الرقيقة عظمة دوره ومسؤوليّاته، فيجاهد ويصبر ويضحي ليقدِّم للحياة كلّ خير ومنفعة ومحبّة، إنَّه إنسان الله وخليفته بحقّ، فلا يعقل، والحال هذه، أن يكون خليفة الله

متحاملاً، ويحمل الضَّغينة والحقد في قلبه، ويعيش الخواء الروحيّ والفراغ الشعوريّ والعاطفيّ.

 

محاور وعناوين فرعيَّة كثيرة ومتنوّعة ينفذ من خلالها الشيخ الخشن، ليوضح ما لقيمة الحبّ من تأثير وأهمية، لجهة إعادة صناعة الإنسان على أساس التخلُّق بأخلاق الله والأنبياء والأئمَّة، بما يعيد ترتيب الكثير من الأوضاع والعلاقات، وبما ينسجم مع طبيعة الإنسان ودوره في الوجود، كذلك ما

يعنيه الحبّ من تجسيد حيّ للعلاقة الوطيدة بين الإنسان وربّه ورموزه الدينيَّة والرساليَّة.

 

ويورد الشيخ الخشن في كتابه قصصاً عديدة تلفت إلى الحبّ والمحبين، ويتعرّض للمحبّة ودورها الناشط على مستوى المعرفة والسّلوك، وضرورتها في صوغ الخطاب الديني المنفتح والرّحب.. كما يذكّر الشيخ الخشن بأنَّ الرّسالة التي سيأتي بها الإمام المهدي (ع) هي رسالة المحبّة.. ويتناول في

محور من محاور الكتاب الحبّ في مدرسة عاشوراء، وكيف جسّد الإمام الحسين(ع) بتضحياته مدرسة الحبّ الإلهيّ، حتى غدا شهيد الحبّ الإلهيّ بحقّ، كما يتناول الحبّ لجهة مراعاة ضوابط العقل والشّرع والأخلاق، وينتقل إلى مسألة حبّ الدنيا وما يعنيه ذلك.

 

في المقابل، يتكلّم سماحته في المحور السابع بعنوان "الدين بين ثقافتي الحبّ والحقد"، عن نقيض الحبّ، أي الحقد ودوافعه، والتربية التي أسَّست له، وما يتفرّع عن ذلك من نقاط.

 

في المحور الثامن من الكتاب، يأتي على ذكر الإسلام وبناء ثقافة الأمل في النفوس، في مواجهة اليأس وتداعياته على الفرد والجماعة.

 

وفي خاتمة الكتاب، ملاحق تتضمّن بعض المناجاة التي يخضعها للمحاكمة، ويتطرق إلى آية "القربى"، ويعلّق على معانيها وأبعادها، ويقدِّم وجهة نظره حول قضايا متّصلة بها... بعد الملاحق، نعثر على 

 

جريدة المصادر والمراجع الأساسية والهامة في كلّ بحث، ليستقي منه الباحث معلوماته.

 

كتاب ـ كما أسلفنا ـ جدير بالتأمّل والقراءة، وينفع للتأسيس عليه من أجل دراسات وأبحاث أكثر في مضمار "الحبّ" كقيمة أصيلة في الإنسان، وكطاقة زرعها الله تعالى فينا، من أجل أن نمدّ الحياة بكلّ  إبداع وعطاء ومنفعة، فبدون الحبّ لا يصلح الإنسان للخطاب الإلهيّ الّذي يتوخّى حياة زاخرة

بكلّ مشاعر المحبّة في مواجهة لغة الخواء والفراغ والتَّسطيح الشعوريّ والإنسانيّ والفكريّ الَّذي يستهلك الإنسان، ويمعن تدميراً بوجوه الحياة كافة.

 

 

 

قراءة على صفحة المجموعة الإعلامية اللبنانية - قناة المنار

 

ضمن إصدارات المركز الإسلامي الثقافي صدر حديثاً كتاب تحت عنوان: "وهل الدِّين إلاّ الحُبّ؟" للشيخ حسين أحمد الخشن (الطبعة الأولى، 1436 هـ - 2014 م)

يحوي الكتاب ثمانية محاور إضافة إلى المقدمة. المحور الأوّل: دور الحب في الحياة. المحور الثاني: دور الحب في العلاقة مع الله. المحور الثالث: دور الحب في العلاقة مع أولياء الله. المحور الرابع: دور الحب في الخطاب الديني. المحور الخامس: الحب في مدرسة عاشوراء. المحور

السادس: الحب بين الحلال والحرام. المحور السابع: الدين بين ثقافتي الحب والحقد. المحور الثامن: الإسلام وثقافة الأمل، والملاحق  وجاء في المقدمة: في زمن التصحّر الروحي والتردّي الأخلاقي، في الزمن الذي تبلّدت فيه الأحاسيس وتخشّبت فيه المشاعر وتوحّش فيه الإنسان وجفّت ينابيع

المودة والحب، وتقطعت فيه سبل التراحم والتآخي بين الناس، في زمن هذه حالُه، قد نكون بحاجة ماسة إلى حديث الروح والأخلاق، حديث العقل والحكمة، حديث العاطفة الصادقة واللمسة النبيلة، وحديث كهذا لا شك أنه يساهم مساهمة طيبة في بلسمة الجراح وإيقاظ الضمائر وتنشيط المشاعر

فالكلمات والخطابات على أهميتها وضرورتها ليست كافية لحلّ مشاكلنا والتخفيف من معاناتنا، لأن المشكلة في جوهرها ليست مشكلة بيانيّة وإنما هي مشكلة بنيوية، ولذا فنحن أحوج ما نكون إلى التعرّف قبل كل شيء إلى مكمن الداء والمرض، ليتسنى لنا بعد ذلك تقديم العلاج، فلنطرح الأسئلة

الجريئة بكل صراحة وشفافية

.

إن المشكلة في جانب رئيس منها، هي في العقل الذي أصابه العُقْم (هو عقم اختياري) إلى حد كبير عن استكناه مقاصد النص الكلية واستلهامها واستهدائها بطريقة اجتهادية توائم بين النص والواقع، فاوغل نتيجة لذلك في ماضوية مميتة لا تعمل على السكون والعيش فيا لتاريخ وحسب، بل وتعمل

على صنع الحاضر والمستقبل على صورة الماضي، والمشكلة في جانب آخر منها (وهو من مستتبعات الجانب الأول ولوازمه) هي في الإنسان المسلم الذي عجز عملياً عن تقديم نموذج إسلامي يحتذى، ونموذج قابل للحياة وقادر على مواكبة العصر

.

وقد وجدت نفسي في هذا الكتاب منشدّاً للحديث حول واحد من أهم الحقول المعرفية المؤثّرة في سلوك الفرد والجماعة، وهو الحقل القيمي والأخلاقي في الإسلام، لأن القيم هي المرتكزات الأساس واللبنات الأولى في عملية بناء الاجتماع البشري وانتظامه روحياً وخلقياً واقتصادياً وسياسياً، فالقيم

هي بمثابة الروح للجسد، فكما لا خير في جسد لا روح فيه، فإنه لا خير في مجتمع لا تحكمه منظومة من القيم والأخلاق قد يكون حديثاً استهلاكياً القول: إنّ الإسلام هو دين المحبة والسلام، دين التآخي والتراحم، دين التواصل والحوار، دين العدالة والقسط، لكننا وفي زمن الذّبح "باسم الله" أصبحنا

معنيين بتوضيح الواضحات، فالسلام هو الأصل في الإسلام، وكل هوية مغايرة لذلك يراد إعطاؤه إياها، هي هوية مزوّرة، وكل صورة يراد إلباسها له أو إلصاقها به بما يوحي أنه دين الكراهية والتكفير والعنف والذبح هي صورة مشوّهة وباطلة. هذا هو الإسلام كما نفهمه، ونحلم به ونتطلع إليه،

ونسعى إلى ان نقدمه إلى البشرية جمعاء، باعتباره سفينة النجاة، والضامن لسعادة الإنسان في الدارين.

 

وربما يسأل البعض: ألا ترانا نتحدث عن عالم المُثُل أو نحلم بالمدينة الفاضلة ونحن نتطلع إلى عالم يسوده الحُبّ والوئام؟ والجواب: لربما كان في الأمر شيء من ذلك، لكننا مع ذلك سوف نصرّ على دعوة الحُبّ، لن عالماً تسوده الأحقاد وتفترسه الوحشية بحاجة إلى ما يطفئ لهيبه أو على الأقل

يخفف من غلوائه، وهل أولى وأجدر من منطق الحب في المساعدة على إطفاء نيران الغرائز المحمومة، والتخفيف من سلبيات الأحقاد الذميمة والقاتلة؟

 

http://www.almanar.com.lb/adetails.php?eid=1060024






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon