حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
التربية الجنسية وموقف الإسلام منها
الشيخ حسين الخشن



 

 

        إنّ العناية بالجانب الأخلاقي لدى الأطفال هو من مهمات العملية التربوية بسبب دوره البالغ في صياغة شخصية الطفل وتأثيره على حياته ومستقبله، من هنا كان من الضروري إلقاء نظرة على هذا الموضوع من الزاوية الإسلامية.

 

        إيقاظ الغرائز قبل أوانها

 

        لعلّ من بديهيّات العمل التربوي وشروط نجاحه أن يتحرّك على أساس أن لكلّ مرحلة عمرية خصوصياتها ومتطلّباتها، وبالتالي نهجها وأسلوبها وخطابها التربوي الخاص، ولا يجوز حرق المراحل واستباقها أو الخلط بينها، وإنّ مرحلة الطفولة الأولى

أعني الفترة التي تسبق البلوغ والمراهقة تتميّز بأنّ الغريزة الجنسية فيها نائمة، ولذا فمن غير المنطقي ولا المفيد إقحام الطفل في هذه المرحلة بما يوقظ غريزته قبل تفتّحها أو يشغل تفكيره بما لا يفهم عنه كثيراً ولا يجد إلحاحاً ذاتيّاً وجسدياً يضغط عليه ويدفعه

للخوض فيه أو الإلمام به.

 

        وعندما يدخل الطفل مرحلة التمييز ويتعرَّف على وظيفة الأعضاء الجنسية والفوارق بين الذكر والأنثى ولو بشكل إجمالي فإنّ ذلك يفرض التعامل معه بوعي ودقّة، ومن الضروري عدم تجاهل أسئلته في القضايا الجنسية مهما كانت محرجة، وبالأولى

أنّه لا يجوز تجهيله وتضليله وإعطاؤه أجوبة كاذبة، لكن أُعاود التأكيد على توخّي الحذر وأن تتمّ مكاشفته بهذه الأمور بطريقة تناسب عمره وتُراعي وعيه وفهمه، ولا تخلق لديه مشكلة من قبيل ما ذكرناه من إيقاظ الحسّ الغرائزي لديه قبل أوانه، وإنّنا نلاحظ

أنّ ثمّة خطأً يقع فيه الكثيرون من الآباء والأمهات بسبب جهلهم أو تجاهلهم لحساسية هذه المرحلة العمرية ومتطلّباتها فيندفعون أحياناً إلى بعض الممارسات الجنسية بحضور الطفل المميّز وعلى مرأى ومسمع منه، الأمر الذي يدفعه إلى محاكاة ما رأته عيناه مع

بعض أقرانه وإخوانه، ممّا يخلق له وللأسرة وللمجتمع برمّته مشاكل خلقية وتربوية، ومن هنا جاءت التوصية الدينية التربوية للأزواج باجتناب المعاشرة بحضور الأطفال(1).

 

        الجنس والعيب

 

        وتزداد العناية بالموضوع الجنسي إذا شارف الطفل على البلوغ ودخل سنّ المراهقة وأخذت الغريزة والحواس الجنسية بالتفتّح والتيقّظ وبانت التغيّرات الجسدية المعهودة في هذه المرحلة، إنّ هذه الفترة الحساسة من عمر الطفل تفرض المزيد من الاهتمام

والتعاطي بطريقة مختلفة عمّا سبقها، وتحتم توجيه الطفل بدقة بالغة وتفسير بعض التغيرات الطارئة على جسمه وتنبيهه من الوقوع في شباك المنحرفين والمخادعين، ولا يجوز بحالٍ إهماله وتعمية الحقائق عليه كما يفعل بعض الآباء والأمهات الذين لا ينفتحون

على هموم ومشاكل وأسئلة أبنائهم الذكور أو الإناث في هذه المرحلة، بل ويمنعونهم من السؤال عن هذه القضايا بحجّة أن ذلك عيب لا بدَّ من التستُّر عليه ولا يصحّ الخوض فيه، إنّ إحاطة القضية الجنسية والأعضاء التناسلية بأسرار من التعتيم والألغاز

والتعامل معها وفق منطق العيب والعار هو مجرّد عادات وتقاليد بالية لا تملك مبرّراً شرعياً ــــ كما أسلفنا في بداية هذا الكتاب ــــ ولن يسهم ذلك في إيجاد المناعة الأخلاقية لدى المراهق كما قد يُتوهَّم، بل إنّه قد يزيد من فضوله المعرفي ويثير حفيظته

لاكتشاف هذا العالَم المجهول والجديد بالنسبة إليه ويدفعه إلى خوص بعض المغامرات المضرّة به وبالآخرين، كما أنّ ذلك قد يصيبه بعقدة نفسية تجاه القضية الجنسية ويغدو أسير الكبت أو الخجل المفرط ممّا يؤثّر على مستقبله وحياته الزوجية.

 

        إنّ مرحلة المراهقة وتفتّح الغريزة تستدعي رعاية خاصة وتعاملاً واعياً من قِبَل الأهل والمربّين، حذراً من وقوع المراهق في تجربة خاطئة قبل اكتمال نضوجه الجنسي ورشده العقلي، ممّا قد يدمِّر مستقبله، وخشية وقوعه فريسة الاستغلال السيّء لتجار

الجنس والدعارة.

 

 

        التربية الجنسية وليس الإثارة الجنسية

 

        وفي هذا السياق يأتي التساؤل عن الموقف الشرعي ممَّا يعرف بالتربية الجنسية في المدارس أو المعاهد أو في المنازل؟

 

        والحقيقة أنّه لا يوجد مانع أو محذور شرعي من توجيه الطفل وتربيته جنسياً سواءً مِنْ قِبَل الأهل أو المربّين، شرط أن تتحرّك هذه التربية بأسلوب علمي هادئ وهادف، بعيداً عن أجواء الإثارة كما هو الحال في بعض الأساليب التي تعتمد التطبيق

والتجسيد وفي جوّ من الاختلاط بين الذكور والإناث، ممّا يجعلنا أمام إثارة جنسية وليس تربية جنسية، وإنّنا ندعو المختصين من التربويين الإسلاميين وغيرهم إلى دراسة مدى الضرورة والحاجة إلى إقرار هذه المادة التدريسية في سنّ المراهقة، مع ما قد تتركه

من سلبيات لجهة تأجيج الحسّ الغرائزي في هذه السنّ المبكرة، التي لا يملك فيها المراهق والمراهقة فرصة واقعية لإرواء الغريزة بالطريقة الشرعية ما قد يدفعهما في ظلّ عوامل الإثارة الكثيرة إلى اختيار طريق محظور وخاطئ بغية الإشباع الجنسي.

 

 

        لا للفوضى الجنسية

        إنّنا نسوق هذا الكلام تقديراً منا للمصلحة الإنسانية وانطلاقاً من رؤيتنا الإسلامية الهادفة إلى حماية الأمة والمجتمع من مخاطر الانفلات الجنسي والتلوث الأخلاقي الذي تشيعه "الثقافة" أو "التربية" الغربية المعاصرة التي تطالب بتوفير وتأمين حقّ

الحرية الجنسية للمراهقات والمراهقين، بعيداً عن أيّة ضوابط أو قيود، إنّ هذا المنطق مرفوض بالنسبة لنا انطلاقاً من رفضنا للمفهوم الغربي للحرية والذي يرتكز في العمق على أساس مادي يغدو معه الإنسان وكأنّه لا همّ له إلاّ إشباع الشهوة وتحصيل اللذّة،

في تنكرٍ واضح للرسالات السماوية وخروج بيِّنٍ على كلّ القيم الروحية والمعنوية، نعم لقد استطاع الغرب أن يرفع من شأن قيمة الحرية لكن بما لامس حدّ الفوضى وتجاوز سائر القيم الإنسانية والأخلاقية الأخرى!

 

 

        دعارة الأطفال

 

        وفي هذا السياق نرى لِزاماً علينا التنديد بظاهرة سيئة منتشرة في بعض دول العالَم كتايلاند والهند والبرازيل وغيرها من الدول وهي ما يُعرف بدعارة الأطفال، حيث تعمد بعض الجهات غير المسؤولة على استغلال الظروف المادية الصعبة لكثيرٍ من

الأطفال أو ذويهم، ويتمّ تحويلهم إلى سلعة رخيصة في سوق الدعارة الذي لا يقل بشاعة عن سوق النخاسة، لأنّه يسيّء إلى كرامة الطفل ويمتهن الطفولة بإدخالها في عملية رخيصة لا أخلاقية، ولذلك فإنَّ العالَم المُتحضِّر مدعو إلى الوقوف بحزم في وجه هذه

التجارة الدنيئة وتجريمها وملاحقة القائمين عليها وجلبهم إلى أقفاص الاتّهام والعدالة.

 

 

        المنزل والمناعة الأخلاقية

 

        إنّ الإسلام يرى أنّ الأُسرة هي المعقل الأول في وجه الاختراق الأخلاقي ولها الدور الأساسي في حفظ وتعزيز المناعة الأخلاقية لدى الأطفال، وفي هذا الصدد يدعو إلى اتّخاذ مجموعة من الإجراءات التي تمنع من تحوّل الأسرة إلى خليّة طوارئ

جنسية وتبتعد بالجوّ الأُسري عن الانحرافات الأخلاقية، من هذه الإجراءات: ما تقدّمت الإشارة إليه من ضرورة اجتناب الزوجين للمعاشرة بحضور الأطفال وبخاصة المميّزين.

 

        ومنها: الحرص على تعليمهم بعض الآداب المرتبطة بهذا الشأن، كالاستئذان قبل الدخول على الأبوين وهما في غرفتهما الخاصّة، وخصوصاً في الأوقات التي يختلي بها الزوجان ويكونان في حالة غير ملائمة لدخول الآخرين عليهما، وقد أشار القرآن

الكريم إلى ثلاثة أوقات من هذا القبيل وقد عبَّر عنها بالعورات، وذلك ما جاء في سورة النور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ

الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58].

 

        ومنها: العمل على الفصل بين الذكور والإناث في المضاجع إذا بلغوا سنّ العاشرة، وهو السنّ الذي تبدأ فيه ملامح التفتّح الغريزي أو الوعي الجنسي، لاسيما عند الإناث، كما أنّه سنّ التمييز الكامل لدى غالبية الأطفال ذكوراً وإناثاً، ممّا يفرض اتخاذ

إجراء استباقي تدريبي للحؤول دون السقوط في مفاسد الاشتراك في المضاجع، وقد ورد في أكثر من حديث عن النبيّ (ص) والأئمة من أهل بيته (ع) التأكيد على أن: "يُفرَّق بين الصبيان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين"(1). وبالأولى أن يتمّ

إرشاد الأطفال في مرحلة التمييز وما بعدها إلى الابتعاد عن الملامسة الجسدية فيما بينهم كالعناق أو التقبيل، لأنّ هذا السلوك يساهم في إيقاظ الغرائز وتعويدهم على هذا السلوك، وقد يصعب بعد ذلك إقناعهم بتركه، ومن هنا ورد في الحديث عن الإمام الصادق

(ع): "إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبلها الغلام، والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين"(2).

 

        ولا بدّ أن يترافق ذلك مع حملة توعية تربوية وأخلاقية ودينية تستهدف توجيه الأطفال وإرشادهم إلى ما يصلحهم، وتنبيههم إلى ما يحفظهم ويحميهم من الانزلاق والوقوع في المخاطر، لاسيّما أنّ أجواء الانحراف والفساد ــــ في أيامنا هذه ــــ غدت تقتحم

البيوت دون استئذان عبر الشاشة الصغيرة "التلفزيون" أو من خلال شبكة "الانترنت" أو غيرها من التقنيّات الحديثة، ممّا يفرض مراقبة كاملة لسلوكيات الطفل ومتابعة مكثّفة لكلّ تصرفاته وملاحقة مستمرة لكلّ صداقاته وعلاقاته، نعم من غير السليم أن تصل

الرقابة إلى حدّ التجسُّس على الطفل أو إلى حدّ إحصاء أنفاسه أو كل ما من شأنه أن يظهر انعدام الثقة به أو اتّهامه وتخوينه، فإنّ لذلك نتائج سلبية كثيرة وهو يُعبِّر عن سوء التربية.

 

 

        التحصين لا الحبس

 

        كما لا ينبغي أن يفهم من كلامنا أنّنا ندعو إلى حبس الأطفال داخل أسوار البيوت وإحاطتهم بحصون منيعة تحول دون انفتاحهم على ثقافة العصر والاستفادة من وسائله التقنية التي غدت ضرورة علمية وثقافية وحاجة لا يستغني عنها غالب الناس، فإنّ

الدعوى إلى تجنّب هذه الوسائل ومنع إدخالها إلى المنازل بحجّة حماية الأطفال من الانحراف لا تملك مصداقية أو حجّة شرعية، فإنّه بإزاء سلبيات هذه الوسائل يوجد لها فوائد كثيرة تفوق السلبيات، هذا مع إمكانية ضبطها والتخفيف من مفاسدها وسلبياتها، على

أنّ الكثير من مظاهر الخلاعة والتهتّك التي قد يراها الطفل على الشاشة أصبحت مألوفة لديه فهو يشاهد ذلك في الشوارع والحدائق والمتنزهات وعلى صفحات الجرائد والمجلات والملصقات المنتشرة في الساحات ممّا لا مجال لحجبه عنه إلاّ بحبسه داخل

البيت، ولذا فإنّنا نعتقد أنّ الأهم هو العمل على تحصين الطفل ــــ كما الفتى الشاب ــــ داخلياً وروحياً بما يجعل لديه مناعة ذاتية تحرسه وتحميه من الانجراف مع كلّ أجواء التهتّك والانحراف.

 

        إنّ الأجدى ــــ بدل إغماض عيني الطفل وبناء السدود حوله ــــ العمل على تنوير قلبه وعقله وتحصينه من الداخل، فإذا هو امتلك الحصانة الذاتية فلن يخشى عليه بعد ذلك من التلوّث بوحول المجتمع ومفاسده، بينما إغماض عينيه عما حوله لن يجدي

نفعاً، لأنّ ذلك قد يعرّضه للسقوط أمام الإغراءات عندما تبصرها عيناه، لأنّ إغماض العيون لن يستمر إلى الأبد.

 

من كتاب "حقوق الطفل في الإسلام"

نُشر في الموقع 22-5-2015

 



(1) راجع وسائل الشيعة ج20/132 وما بعدها، الباب 66 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.

(1) البحار: 101/47.

(2) وسائل الشيعة: ج20/230، الباب 127 من أبواب مقدّمات النكاح الحديث 4.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon