حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
الطفل وحقّ الحياة
الشيخ حسين الخشن



الطفل وحقّ الحياة

 

 

إنّ الحياة هبة الله للإنسان وحقّ بديهي من حقوقه فلا يملك أحد وضع حدّ لها وسلبه هذا الحق، كما لم يخول أحد إنهاء حياته، فضلاً عن حياة الآخرين، وحقّ الحياة هذا مكفول لكلّ فرد من أفراد البشر مع صرف النظر عن دينه أو لونه أو عرقه أو عمره، فجريمة القتل واحدة سواء كان الضحية

شيخاً فانياً أو طفلاً رضيعاً أو فتى يافعاً.

 

جريمة الإجهاض

 

ويمتدّ حق الحياة في التصوّر الإسلامي ليشمل الجنين في بطن أُمّه بدءاً من مرحلة انعقاد النطفة وما يتبعها من مراحل يمرّ بها الجنين إلى حين وضعه، فهو في كل هذه المراحل حقاً في الحياة، ولا يسمح لأحد منعه من مواصلة رحلة البقاء بما في ذلك أُمّه وأبوه، وإنّ إسقاطه يعتبر اعتداءً عليه، ما

يُحمل المعتدي ـــ سواء الأُم أو الأب أو الطبيب ــــ مسؤولية قانونية وجزائية ومالية وهي الدية، كما هو مفصّل ومشروح في كتب الفقهاء.

 

والمفارقة العجيبة: أنّ الحضارة الغربية في الوقت الذي نراها تفاخر بمنظومة حقوق الإنسان التي أرستها نجدها تمنح المرأة ــــ في كثير من الدول ــــ حق إجهاض الجنين وإسقاطه، بيد أنّ الإسلام يرى في الإجهاض جريمة لا تقلّ ــــ في عدوانيتها وانتهاكها لحقّ الحياة ــــ خطورة عن قتل

الإنسان البالغ، فالمبدأ واحد وهو حفظ الحياة، والجريمة واحدة وهي الاعتداء عليها وتجاوز إرادة واهبها وهو الله سبحانه الذي أمر باحترامها وحفظها، وتمتدّ هذه الحرمة أو العصمة إلى الجنين الذي انعقدت نطفته بطريقة غير شرعية، وقد بلغ حرص الإسلام على سلامة الجنين حدَّ منعِ المرأة

الحامل من كل عمل أو تصرّف يعرِّض جنينها للسقوط والخطر، ومن هنا فقد أسقط عنها عبادة الصوم إذا كان مضرّاً  بجنينها، لأنّ الروح لا تُعوَّض، بينما العبادة يمكن قضاؤها فيما يأتي من الأيام، باختصار: إنّ قيمة الحياة ــــ ككلّ القيم ــــ مطلقة ولا تقبل التجزئة والتفرقة بين فرد وآخر وحياة

أخرى.

 

أجل ثمّة حالة وحيدة يراها بعض الفقهاء مسوّغاً للإجهاض وهي تندرج في نطاق الدفاع عن النفس وذلك فيما لو شكّل الجنين خطراً على أُمّه.

 

وإنّنا نعتقد أنّ الاختلاف بين الرؤية الإسلامية والغربية فيما يرتبط بقيمة الحياة ينطلق في عمقه من اختلاف النظرة إلى مفهوم الحقّ ذاته، ففي حين تنظر الثقافة الغربية إلى الحياة على أنّها محض حقّ للإنسان، والحق يحمي صاحبه من الآخرين لا من نفسه، فلا يجوز للآخر تجاوز هذا الحقّ أما

صاحب الحقّ فله أن يتنازل عنه، ومن هنا فلا تجرّم القوانين في البلدان الغربية الانتحار، بل لا تجد غضاضة في شرعنة بعض أنواعه كما هو الحال فيما يسمى بالموت الرحيم، فإنّ الإسلام على خلاف ذلك ينظر إلى الحياة على أنّها هبة إلهية للإنسان كما أنّها حقّ له، إلاّ أن حقيَّتها (أي كونها

حقاً) نابعة من واهبها وهو الله سبحانه، ويتفرّع على ذلك أنّ أي تصرّف يعرّض الحياة للخطر يحتاج إلى إذن واهبها، دون فرق بين حياة الشخص نفسه أو حياة غيره، وعليه فإنّ قتل الإنسان نفسه (الانتحار) يساوي في الجرم اعتداءه على حياة الغير، لأنّه في الحالين تمَّ تجاوز إرادة الله بالاعتداء

على الحياة.

 

وأد الأطفال

 

وانطلاقاً ممَّا تقدّم حرَّم الإسلام وجرَّم قتل الأطفال والاعتداء على حياتهم ذكوراً كانوا أو إناثاً، ورفض كلّ المبرّرات التي قد تساق في هذا الصدد، ولم يقبل التذرّع بالظروف الاجتماعية أو الصحية أو السياسية مهما كانت قاسية لوضع حدٍ لحياة الطفل، فقد أنكر على أهل الجاهلية إقدامهم على قتل

أبنائهم تحت ضغط الحاجة والفقر، قال سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً} [الإسراء:31]، وفي آية أخرى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151]، وفي أيامنا هذه وإنْ لم يلجأ الأهل إلى قتل الأولاد تحت ضغط

الحياة الاقتصادية الصعبة فإنّ البعض منهم يعمدون إلى بيعهم أو التخلي عنهم تحت ضغط الحاجة، وهذا أيضاً أمر محرَّم شرعاً وغير مبرَّر على الإطلاق.

 

وهكذا رفض الإسلام التذرّع في قتل الأطفال ــــ وبالأخص البنات ــــ بأعذار واهية، كدعوى صيانة العرض والشرف من الدنس والهتك، كما كان عليه الحال في الجاهلية أيضاً في العادة المعروفة وأد البنت ودفنها حيّة، خشية وقوعها في أَسْر الأعداء ممّا يعرّضها للاغتصاب ويعرّض قبيلتها

للمهانة والمعرَّة، إنّ هذا المنطق قد رفضه الإسلام رفضاً قاطعاً محمِّلاً كل مَنْ يقوم بذلك المسؤولية الجزائية في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8ــــ9]، وقد عرضت كتب التأريخ صوراً مريعة عن وأد البنات ودفنهم أحياء.

 

الوأد الجديد

 

ولا بدَّ أن نشير إلى أنّ أنواعاً من الوأد لا تزال تتعرّض له البنات إلى يومنا هذا، من ذلك ما يعرف بجرائم الشرف، حيث تقتل الفتاة في بعض البلدان من قبل ذويها لأدنى شبهة دون تثبتٍ شرعي، وهو تصرّف أقرب إلى عقلية البداوة منه إلى الروح الإسلامية، لأنّ إقامة الحدود في الإسلام لها

ضوابطها وشروطها، ولا يحقّ للأفراد أن يتصدّوا لذلك بأنفسهم، بل إنّ ذلك من الأمور النظامية التي تتولّى أمرها السلطة الشرعية والتي من واجبها تطبيق القانون على الرجل والمرأة لا على المرأة فحسب.

وثمّة وأد آخر غير جسدي بل معنوي وثقافي تتعرّض له المرأة من خلال حرمانها من حقّها في التعلّم أو غير ذلك من حقوقها.

 

الرعاية الصحية للطفل

 

إنّ تحريم قتل الأطفال وإسقاط الأجنّة واضح ولا يحتاج إلى مزيد من التبيان، وما يهمّنا التأكيد عليه هو مسؤولية الأهل والمجتمع عن حماية الطفل وحفظه من كلّ الأخطار المحدقة به، وذلك بتأمين الظروف الصحية والبيئة الملائمة لنموّه السليم وتوفير الغذاء والمسكن المناسب له، وسيوافيك

لاحقاً أنّ الإنفاق على الطفل في المأكل والمشرب والملبس والدواء وكلّ ما يحتاجه هو حقّ من حقوقه وواجب على ولي أمره، وقد وردت في هذا الصدد ــــ أعني قضية حماية الطفل ــــ الكثير من التعليمات والإرشادات التي توجِّه الوالدين إلى حماية الولد وحفظ حياته، ومن ذلك على سبيل

المثال: ما ورد عنه (ص) من الإرشاد إلى ترك الإنجاب في فترة الرضاعة، لأنّ الحمل في هذه الفترة يضرّ بالرضيع ويضطر الأم إلى ترك إرضاعه، حماية لجنينها أو نفسها، وقد عبَّر عن ذلك بالغيلة أي القتل الخفي، قال (ص) ــــ فيما روي عنه ــــ "لا تقتلوا أولادكم سرّاً فوالذي نفسي بيده

إنّه ليدرك الفارس فيدعثره"(1)، إنّ هذا الحديث يشكّل دعوة إلى تنظيم النسل والحؤول دون الحمل في فترة الرضاع.

 

وهكذا امتدت التعاليم الإسلامية لتلامس القلوب وتعالج النوايا فنهت عن تمنّي موت الولد فضلاً عن السعي في قتله، ففي الحديث: قلت لأبي عبد الله (ع): إنّ لي بنات، فقال:


"لعلّك تتمنّى موتهن، أما إنّك إنْ تمنّيت موتهن ومتن لم تؤجَر يوم القيامة ولقيت ربّك حين تلقاه وأنتَ عاصٍ"(2).

 

إنّ حماية حياة الطفل والاهتمام به صحياً وغذائياً حقّ له وواجب على وليّه حتى لو كان الطفل مشوّهاً أو معوّقاً أو مجنوناً، وإخلال الولي بهذا الواجب يعتبر خطيئة يتحمّل مسؤوليتها، كما أنّ من واجب العالَم برمّته لاسيّما الذين يستأثرون بثروات الأرض ويصادرون خيراتها تحمّل مسؤولياتهم

الإنسانية والأخلاقية والدينية في حماية الطفولة المعذّبة، وتأمين الحياة الكريمة لكلّ أطفال العالَم، لأنّنا نشهد ظلماً فاحشاً وتجاوزاً لكلّ قيم المساواة والعدالة، وذلك من خلال الواقع الذي يجعل قسماً كبيراً من أطفال العالَم يعيشون التخمة إلى مداها ويَلْقُون من الاهتمام والرعاية الشيء الكثير، بينما

في الضفة الأخرى يقبع ملايين الأطفال في المجاعة والفقر المدقع ويفتقدون إلى أبسط حقوق الإنسان وأدنى شروط العيش الكريم، وقد قالها عليّ (ع): "ما جاع فقير إلاّ بما متّع به غني"(1).

 

حماية الأطفال في الحروب

 

من أبرز قوانين الحرب في الإسلام استثناء بعض الأصناف من العنف والقتل، ويأتي على رأس هؤلاء الأطفال، وكذا الشيوخ والنساء العزَّل، وقد كانت وصية رسول الله (ص) لأمراء السرايا في جيشه قوله: "سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثلوا ولا

تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة ولا تقطعوا شجرة إلاّ أن تضطروا إليها"(2).

 

وقد اهتدى العالَم في القرن المنصرم إلى مضمون هذه الوصية وصاغها على شكل قرارات وعهود دولية تنظّم شؤون الحرب، فتمنع من قتل الطفل وكذا غير المحارب من النساء والشيوخ، وحسناً فعل هؤلاء في إقرار هذه المبادئ والحقوق، لكن العبرة في تطبيقها بشكل عادل بعيداً عن الازدواجية

والاستنسابية، وهذا ما لم يحصل إطلاقاً، وخير شاهد على ذلك ما يحصل في فلسطين منذ عقود من الزمان من انتهاك للطفولة وقتل يومي للأطفال دون أن ترمش للمجرمين عين ودون أن يقف المجتمع الدولي وعلى رأسه العالَم المستكبر الذي يدّعي الحرص على حقوق الإنسان لوضع حدٍّ لتلك

الممارسات العدوانية والهمجية للقوات الإسرائيلية التي تجتاح كل القيم الإنسانية وترمي عرض الحائط بكلّ المواثيق والمعاهدات الدولية، لتغدو هذه المعاهدات مجرّد حبر على ورق ولا يُطالب بتنفيذها إلاّ الدول الضعيفة والفقيرة.

 

وإنْ ننسى فلا ننسى أشلاء مئات الأطفال في قرى ومدن جبل عامل ممّن ذهبوا ضحية الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة لاسيّما في مجزرة "قانا" وسواها من المجازر، ولا زال المئات من ضحايا هذه الاعتداءات شهداء أحياء على الهمجية الصهيونية البادية في أجسادهم المشوّهة التي تحمل الإعاقة

الدائمة التي لازمتهم أو العوارض النفسية التي أصابتهم بالاكتئاب أو القلق أو غير ذلك.

 

من كتاب "حقوق الطفل في الإسلام"

تم نشر المقال في 2-5-2015



(1) مسند أحمد: 6/457.

(2) وسائل الشيعة: 21/366، الباب 6 من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

(1) نهج البلاغة: 4/78، رقم الحكمة، 328.

(2) الكافي: 5/30.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon