حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » حوارات وأجوبة حول المخلص المهدي
ج »
أولاً: إنّ فكرة المخلص فكرة عالمية ممتدة ومنشرة عند كل أتباع الأديان، وقد بشرت الرسالات الإلهية بهذا المخلص الموعود لنشر راية العدل في ربوع الأرض، وهذه الفكرة تستجيب لتطلع وجداني لدى كل واحد من بني الإنسان وهو تطلع منبعث من واقع بشري يسوده الظلم والاضطهاد ، فلولا وجود هذا المخلص الذي على يديه يتم انتشال المعذبين والمظلومين مما يعانونه لكان ذلك مبعث تشكيك في حكمة الخالق عزّ وجلّ، الذي خطط لجعل الإنسان خليفة له على الأرض، ولن يجعل عليها خليفة ليملأها ظلماً وفساداً على امتداد الزمن. هذه هي الفكرة العامة المتسالم عليها والقطعية والتي لا يختلف فيها أتباع معظم الشرائع السماوية بشأن المخلص.

 

 

ثانياً: حيث كان الإسلام هو الشريعة الخاتمة لكافة الشرائع السابقة كان من الطبيعي أن ينبثق المخلص العالمي من رحم هذه الرسالة الإسلامية الخاتمة وأن يحمل رسالته وينشرها في ربوع المعمورة؛ وبالتالي وحيث كان مشروع المهدي هو مشروع الخلاص العالمي فمن الطبيعي أيضاً أن ينخرط فيه كل الإلهيين والمخلصين للحق والعاملين للعدالة.

 

 

ثالثاً: إننا نعتقد أنّ الواجب الأهمّ على كلّ مسلم يؤمن بمشروع المهدي هو العمل ليل نهار لتهيئة الأرضية الملائمة وإعداد المقدمات لهذا المشروع الإلهي والتغييري الكبير، لأنّ هذه المشروع لن يتحقق ولن يصل إلى غاياته المنشودة بسلوك طريق إعجازي، وإنما يعتمد على جهود المخلصين وجهادهم. وهذا المقدار يفترض أن يشكل نقطة جمع نتقاطع بها مع الأشخاص الآخرين المؤمنين بالمهدي؛ حتى لو كنّا نعتقد - كإمامية - أن المهدي قد وُلد، بينما يعتقد الآخرون أنه سيولد في قادم الأيام. 

 

 

رابعاً: إنّ لاعتقادنا وإيماننا بولادة المهدي ووجوده بيننا تأثيراً نفسياً كبيراً علينا، حيث إن معرفتنا بوجود الإمام بيننا وأنه منتظر لنا وومترقب لجهودنا، يعطينا دفعاً كبيراً للعمل والانخراط بمشروع التمهيد لهذه المدينة الفاضلة التي يحلم بها كل الإنسان.

 

 

خامساً: إننا لا نوافق على الفكرة القائلة إن المهدوية رتبة بشرية يصل إليها المرتاض والمتعبد، بل الصحيح أنّ المهدي (ع) هو شخص محدد في علم الله تعالى وهو يمثل خلاصة القادة الصالحين الذين يجاهدون في الله حق جهاده، والذي يروضون أنفسهم، وقد صُنع على عين الله تعالى: { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي }[طه:39].

 

نقول هذا، على الرغم من اعتقادنا أن الإنسان بممارسته للرياضة الروحية قد يصل إلى مراتب عالية جداً في خط السير والسلوك إلى الله تعالى. لكن المخلص لا بد أن يكتسب بالإضافة إلى الكمالات الروحية، كمالات من نوع آخر، وعلى رأسها: المعارف العليا التي يحتاجها في قيادة المشروع الإلهي بالإضافة إلى اللياقات القيادية الخاصة (الكاريزما) التي تجعل البشرية منجذبة إليه ومنقادة لطرحه ولقيادته.

 

 

سادساً: قصة ولادة المهدي باعتقادي لا يمكن إثباتها من خلال بعض الأخبار المتفرقة هنا وهناك والتي تتحدث عن الولادة بشكل مباشر؛ إنّ هذه الأخبار قد لا تفيد اليقين، والحال أن المسائل الاعتقادية تحتاج إلى توفر اليقين.

 

وإنما طريقنا في إثبات هذه الولادة هو الاعتماد على حساب الاحتمالات وتجميع القرائن، وهو طريق عقلائي يرتكز على جملة من العناصر التي يحصل - بضم بعضها إلى البعض – اليقين بحصول الولادة، وطبيعي أن الروايات المذكورة على رأس تلك العناصر التي تؤخذ بعين الاعتبار في حساب الاحتمالات.

 
س » هل عزف الإمام الصادق عن السلطة بسبب تفرغه للعلم؟
ج »

 لا نعتقد أنه كان متاحاً للإمام الصادق (ع) تولي السلطة بيسر، إذ كيف يعزف عمّا هو حقّ له، وهو الأعلم والأكفأ في إدارة شؤون الأمة، وليس ثمة ما يشير إلى أن تغيير الحكم كان متاحاً ولو بثورة على النظام، ومع ذلك ركن الإمام إلى السلطان الظالم، وعزف عن السعي لتولي السلطة؛ وإنما الصحيح أن عزوفه كان ناتجاً عن قراءة دقيقة للأحداث وهي قراءة تفضي إلى ضرورة تجنب الثورة، بسبب أن توازنات القوة التي تحكم تلك المرحلة لم تكن في مصلحة العلويين وعلى رأسهم الإمام الصادق (ع) فما كان متاحاً أمامهم تشكيل قوة اجتماعية سياسية وازنة تمكنهم من استلام السلطة؛ لذلك كان الأئمة (ع) ينصحون الثائرين العلويين بالتريث في الخروج، كما نجد في نصائحهم (ع) لزيد الشهيد وكما نجد نصائح الصادق (ع) للثائرين الحسنيين كمحمد بن الحسن (النفس الزكية) وأخيه إبراهيم. إنّ هذه النصائح واضحة في إرشاد هؤلاء الثوار إلى أنّ الظروف كانت غير ملائمة لنجاح الحركة الثورية في ذلك الوقت.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
ندوة حول كتاب: "وهل الدين إلا الحب؟"
الشيخ حسين الخشن



* الأديب الأستاذ سلمان زين الدين

* قراء في كتاب "وهل الدين إلا الحب؟"

 

في القرن الأول الهجري، أجاب الإمام أبو جعفر محمد الباقر، في واحدة من التفاتاته الجميلة، بعضَ أصحابه موبِخًا بالقول: "يا زياد، ويحك وهل الدين إلا الحب؟"، ودعم الجواب ببضع آيات قرآنية كريمة مانت مافية لينتقل به من صيغة الاستفهام التقريري إلى صيغة التقرير الجامع المانع بقوله:

"الدين هو الحب، والحب هو الدين"[1].

 

وفي القرن الخامس عشر الهجري، يتخذ الشيخ حسين أحمد الخشن من هذا الاستفهام الجميل عنوانًا لكتابه العشرين، ويفرد حوالى المائتين وخمسين صفحة لينتقل بها من صيغة "وهل الدين إلا الحب؟" إلى صيغة "الدين هو الحب، والحب هو الدين". وهكذا، نذوق بلاغة الإيجاز في جواب الإمام،

ونلذُّ بلاغة الإسهاب وبراعة التحليل وعمق القراءة في كتاب الشيخ، ونعيش متعة أن يتحول الكتاب إلى جواب.

 

        وفي منتصف المسافة بين القرنين الأول والخامس عشر، يعبر شاعر الصوفية الأكبر محيي الدين ابن عربي عن هذه العلاقة بين الدين والحب، في بعض "أشواقه المترجمة"، بالقول:

 

لقد كنت قبل اليوم أُنكر صاحبي     إذا لم يكنْ ديني إلى دينه داني

لقد صار قلبي قابلًا كلَّ صورة        فمرعًى لغزلان وديرٌ لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائفٍ           وألواح توراةٍ ومصحف قرآن

أدينُ بدينِ الحب أنّى توجهَتْ        ركائبُه، فالحب ديني وإيماني

 

        الحب، بأدواره ودوائره، بأغراضه وتمظهراته، بمواقعه في النص والحياة، هو المحور الذي تدور حوله فصول الكتاب الثمانية، فنكتشف الموقع المهم الذي تشغله هذه القيمة الإنسانية الكبرى ومتعلقاتها في النص الديني، على اختلاف درجاته، حتى إذا ما انتقلنا إلى التطبيق العملي للنص في

الحياة اليومية، تطفو على السطح ممارسات وسلوكيات خطيرة تنحرف بالنص عن مقاصده الكلية، وتفرغ الدين من مضمونه، من هنا، يرى المؤلف، في المقدمة، أن المشكلة هي بنيوية وليست بيانية، أي أنها في الإنسان وليست في النص، ويحددها في العقل العاجز عن "استكناه مقاصد النص

الكلية واستلهامها واستهدائها بطريقة اجتهادية نوائم بين النص والواقع"[2]، وفي الإنسان المسلم العاجز عن تقديم النموذج الإسلامي القابل للحياة، لكنه ما يلبث لاحقا أن يلقي "المسؤولية في ذلك على عاتق الخطاب الديني"، ويأخذ عليه أنه "لم يستهدِ قيمة الحب ونظائها.."، وأنه يطغى عليه

التشدد والقسوة[3]، ما يعني أن المشكلة نصية أيضًا.

 

 

        ثمة "خلل في فهمنا للدين وفي تطبيقنا له"[4]، كما يرى الشيخ حسين، وهو يعزوه، في الشكل، إلى تقدم القراءة الحرفية للدين على القراءة المقاصدية، وتغلب القراءة التشريعية الإلزامية على القراءة الأخلاقية[5]، وفي المضمون، إلى الفصل بين الدين والأخلاق ليخلص إلى "أن

الشريعة لا تتحرك في ظل منظومة أخلاقية هادية وملهمة للعقل الاجتهادي هي شريعة جامدة وجافة وغير قابلة للحياة"[6].

 

        انطلاقًا من هذا التشخيص، وفي هذه اللحظة التاريخية الحرجة التي تمارس فيها الجماعات المتطرفة قراءتها التكفيرية للدين وترتكب باسمه شتّى الموبقات، يكتسب الكتاب أهمية قصوى في محاولة تفكيك هذه القراءة وتعرية ثقافة التكفير والإلغاء لا سيما حين يدعو إلى المواجهة "بالتأصيل

الفكري للمنهج المقابل، وهو المنهج الإسلامي الأصيل والذي يكون حجر زاوية فيه هو مبدأ احترام الإنسان وتكريمه، بصرف النظر عن دينه أو لونه أو عرقه"[7]، والشيخ الخشن لا يكتفي بإطلاق هذه الدعوة، بل يضعها موضع التطبيق في كتابه، فيجعله وقفًا على اقتفاء قيمة الحب

وتجلياتها في النص، على اختلاف درجاته، وتمظهراته في الحياة اليومية، على اختلاف دوائرها.

 

        يتلمس الشيخ الخشندور الحب في النص الديني في مجموعة من الدوائر:

 

- ففي دائرة العلاقات الإنسانية، تتعدد أغراض الحب وتتنوع لتشمل الذات والأسرة والجيران وإخوة الدين والآخر المختلف والمواطن والإنسان. وهو يستخلص من النص الشواهد التي توجه الحب إلى هذه الأغراض.

 

- وفي دائرة العلاقة مع الله، يتخذ الحب منحًى تبادليًا بين طرفي العلاقة، فيحدد مظاهر الحب الإلهي في: حضور الله فينا وحولنا، إرسال الرسل، خلق الجنة، خلق النار واللطف، قبول التوبة، ثواب الحب وتقريب المتحابين منه...، ويحدد مظاهر الحب البشري في: تقديم حبه على ما عداه، حب

الآخرين فيه، التوحيد في حبه، عبادته عبادة الأحرار، وزيارة أوليائه...

 

- وفي دائرة العلاقة مع أولياء الله، يربط المؤلف، استنادًأ إلى النص، بين حب الله وحب أوليائه وحب آل البيت، معتبرًا أنّ ثمة امتدادًا بين الأنواع الثلاثة، وأنها ترتقي إلى مقام الواجب الشرعي.

 

- وفي دائرة الخطاب الديني، يأخذ عليه فشله في تقديم الإسلام وطغيان التشدد والقسوة عليه لا سيما حين يقدم الله بصورة جلاد، والأب بصورة جزار، والآخرة بصورة النيران، والشريعة بصورة الأغلال, ويكسر الشيخ حسين الصورة النمطية التاريخية المتعلقة بانتشار الإسلام، معتبرًا أنه حصل

باتباع النبي، والحب، والرحمة، والعفو، والحجة الدامغة، والقلب الرؤوف، وأن الفاتح المسلم هو الأقل تعصبًا في التاريخ.

 

- وفي دائرة عاشوراء، يتلمس مظاهر الحب العاشورائي ببعديه الإلهي والبشري، ويبلغ هذا الأخير، في أحد مظاهره، حدَّ حبِّ الحسين خصومَه والمحايدين وإشفاقه عليهم.

 

        إن القراءة الإنسانية التي يقوم بها الشيخ حسين للدين كثيرًا ما تتمخض عن خلاصات جريئة تتناثر في ثنايا الكتاب، فيرفض احتكار الجنة من قبل الفرقة الدينية أو تلك ورمي الآخرين من أتباع الفرق الأخرى في النار[8]، ويضع المسؤولية في تظهير الصورة المنفرة عن الإسلام على

عاتق الخطاب الديني[9]، ويرفض بعض الأحاديث المنسوبة إلى النبي كحديث الذبح[10]، ويميز بين الكافر وكفره بحيث يقع الكره على الكفر وليس على الكافر متكئًا على سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله...[11]، ويدعو إلى تطهير المناهج التربوية الدينية "من

كل بذور الثقافة المبنية على منطق الفرقة الناجية[12].

 

هذه الخلاصات وغيرها يتوصل إليها المؤلف باستقراء النص والخطاب، وقراءة الواقع الراهن، والاتكاء على القصص الديني والوقائع التاريخية، والاستشهاد بالشعر العربي، غير أنه في هذه التقنية الأخيرة قد يخرج بالنص الشعري عما وُضع له في الأصل إلى ما عداه، مستبدلًا المخاطبَ الإلهي

بالبشري، كما نرى في نصَّيْ أبي تمام[13]، وأبي فراس الحمداني[14].

 

إن قيمة الحب التي يتمحور حولها الكتاب ليست وقفًا على الدين الإسلامي، أو على الدين مطلقًا كفرع معرفي، بل هي موجودة في سائر الأديان والحقول المعرفية. وهنا، نقع على شيء من التمايز بين عنوان الكتاب ومتنه، ففي حين ترد كلمة "الدين" في العنوان مطلقة، يجري تقييدها في المتن

بالدين الإسلامي فقط. ولإزالة هذا التمايز، كان على المؤلف أن يختار بين خيارين، أحدهمامرٌّ: أن يقيِّد الكلمة في العنوان ما يطيح بإطلاقه وجماليته أو أن يوسع بحثه لسائر الأديان، وما قد يخرج الكتاب من غايته.

 

وفي جميع الحالات، يبقى الكتاب مرجعًا زاخرًا بالقيم الدينية والإنسانية، ويشكل مساهمة متقدمة في كسر الصورة النمطية المنفِّرة الرائجة عن الإسلام، في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، ودعوة إلى الجماعات الكتطرفة لإعادة النظر في مناهجها ومواقفها وممارساتها، وقراءة جديدة لنص قديم.

 

ولعل خير ما أختم به هذه العجالة قولُ المؤلف في إحدى خلاصاته: "إن الدين لو أحسنا فهمه وتقديمه وتوظيفه في بناء الإنسان وبناء الأوطان سيكون عامل نهوض وعنصر استقرار وأمان دون شك"[15].

 

 

* أُلقيت في نادي بكيفا بدعوة من النادي ومحترف الفن التشكيلي، في 10-9-2015.

* نُشرت على الموقع في 17-9-2015

 

 



[1]  كتاب "هل الدين إلا الحب؟"، ص 202.

[2]   ص: 6.

[3]  ص: 131.

[4]  ص: 198.

[5]  ص: 198.

[6]  ص: 199.

[7]  ص: 200.

[8]   ص: 65.

[9]  ص: 131.

[10]  ص: 135.

[11]  ص: 174.

[12]  ص:200.

[13]  ص: 9.

[14]  ص:99.

[15]  ص201.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon