حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> فكر ديني
الإسلام وثقافة الأمل
الشيخ حسين الخشن



في زمن الذبح والنحر وقطع الرؤوس، في زمن الفتنة المذهبية والتوترات السياسية والأمنية في هذا الزمن برزت العديد من الظواهر المرضيّة المقلقة والمخيفة، ومن ذلك ظاهرة أو حالة اليأس.

 

 وإذا كان اليأس ليس أمراً جديداً في ابتلاء الإنسان به، بل عرفته البشريّة منذ القدم، إلاّ أنّ الجديد في المسألة هو انتشار حالة اليأس والاحباط وتحولّها إلى ظاهرة، كما أننا نلاحظ دخول عنصر جديد على العناصر المسببة لليأس، ألا وهو الخطاب الديني المنفّر، فإنّ هذا الخطاب لم يساهم في إبعاد

الإنسان عن الدين فحسب، بل أسهم في تحويل الدين نفسه إلى عامل توتر وقلق. إنّ الدين الذي كان على الدوام يشكّل خشبة الخلاص للإنسانية غدا  مشكلة حقيقية!

 

ومن هنا يجدر بنا أن ندرس هذه الظاهرة ونتعرّف على أسبابها وآثارها السلبيّة على الفرد والمجتمع.

 

1- اليأس وآثاره السلبية

 

اليأس في الحياة هو واحد من أخطر الأمراض التي تفتك بالإنسان فتشل إرادته وتنعكس على صحته الجسديّة والنفسيّة، وتؤثر على علاقاته مع الآخرين، سواءً في الدائرة الصغيرة، أعني دائرة الأسرة، أو في غيرها من الدوائر الاجتماعية.

 

 وإننا نلاحظ أنّ الإنسان اليائس لسبب أو لآخر قد يدفعه يأسه إلى الانتحار، وربما يقتل زوجته وأولاده معه، لأنّه لا يريد لهم – بزعمه - أن يعيشوا القهر والمعاناة، وقد يدفع – اليأس- البعض الآخر من اليائسين إلى ارتكاب شتى الجرائم والاستخفاف بحياة الناس والاستهانة بحقوقهم.

 

 كما أنّ اليأس قد يدفع بعض الناس إلى الكفر بالله تعالى والشكّ في عدالته أو حكمته أو قدرته!

 

هذه بعض سلبيات اليأس وآثاره المدمرة.

 

2- أسباب اليأس

 

وأسباب اليأس كثيرة:

 

1-  فالفقر هو أحد هذه الأسباب الرئيسة التي تدفع الفقير إلى حضن اليأس والإحباط، حيث ترى الفقير يركض وراء لقمة العيش وهي تركض أمامه، نتيجة الغلاء والاحتكار وسياسة الإفقار والاستغلال.

 

2- ومن الأسباب التي تدفع نحو اليأس: فشل التجربة، أو عدم وصول المرء إلى تحقيق مبتغاه ورغباته وآماله، فالمرأة التي لا يتيسر لها الزواج أو تفشل في تجربة زوجيّة معينة، فإنّ ذلك قد يدفعها إلى اليأس دفعاً، فتعيش حياتها محبطة بائسة يائسة، وهكذا الكثيرون ممن يفشلون في الوصول إلى

ما يطمحون إليه، فإنّ فشلهم ينعكس بأساً وإحباطاً عليهم.

 

3- والظلم أيضاً هو من جملة أسباب اليأس، وبالأخص في صورة عدم وجود نظام يحقق العدالة الاجتماعيّة، ويمكّن المظلومَ من أخذ حقه من الظالم، فإنّ ذلك قد يدفعه إلى أن يعيش حياته يائساً محبطاً، أو يدفعه ذلك إلى الانتقام والعدوانية..

 

4- وهكذا فإنّ ابتلاءات الحياة الأخرى، من فقد حبيب أو عزيز أو معيل، أو خسارة مال ثمين، أو تفكّك أسري.. قد تدفع بعض الناس إلى حضن اليأس.

 

 

3-  اليأس الفردي والاجتماعي

 

واليأس تارة يقف عند حدود الفرد فيشلّ إرادته ويُفْقِده توازنه، وأخرى يتعدى ذلك فيكون يأساً اجتماعياً، ولو وقف اليأس عند حدود الفرد ولم يَسْرِ إلى المجتمع فإنّ الخطب - رغم صعوبته - يبقى هيناً، فإنّ الفرد الذي تواجهه بعض المشاكل وتعترضه بعض المحن والفتن فيقع أسير اليأس، قد يستطيع

المجتمع إذا كان بخير أن ينتشله من هذا الجو أو يخفّف من نتائج حالة اليأس عنده، وأما إذا بلغ المجتمع نفسه حدّ اليأس نتيجة انسداد آفاق التغيير على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي فستكون المصيبة أدهى وأمرّ، لأنّ مجتمعاً هذه حاله لن يتسنى له النهوض ولا الإبداع ولا التقدّم.

 

وغنيّ عن البيان أنّ المجتمع اليائس هو:

 

أولاً: موئل خصب لكلّ الأمراض، من الانتحار إلى التعدّي والقتل والسرقة، إلى التفكك الأسري والتفلت الأخلاقي.

 

ثانياً: هو مجتمع مهزوم ومتفكك داخلياً، ولا يمكنه مواجهة التحديات الخارجية، الأمر الذي يفرض علينا ونحن نعدّ العدة لمواجهة العدوان الخارجي أن نعمل بادىء ذي بدء على تحصين المجتمع من الداخل وأن نبثّ فيه ثقافة الأمل والحياة.

 

 

4- الإيمان والأمل

 

في مواجهة هذه الحالة المَرَضِيّة (حالة اليأس) قد يحتاج الأمر ولا سيما في علاج حالة اليأس الفردي إلى الرجوع إلى أهل الخبرة من المتخصصين النفسيين أو غيرهم، في سبيل معالجة بعض الآثار السلبية التي يتركها اليأس على الفرد، ولا شكّ أنّ التوجيهات التربويّة والدينيّة والإجتماعيّة تنفع

كثيراً في هذا المجال وتستطيع أن تؤمّل الإنسان اليائس وتفتح أمامه أبواب الأمل، بما يعينه على مواصلة رحلة الحياة.

 

 ولكنْ ثّمة علاج من نوع آخر لحالة اليأس على الصعيدين الفردي والاجتماعي يجدر بنا لفت النظر إليه، وربّما شكّل عامل وقايةٍ من اليأس وليس علاجاً فحسب، وهذا العلاج ينطلق من صلب العقيدة الإسلامية، وذلك من خلال الارتباط الفاعل بالله تعالى والتسليم المطلق له والإيمان بقضائه

وقدره، فإنّ الإيمان بالله تعالى ليس مجرّد شعارات نرفعها ولا طقوس نؤديها، بل إنّ الإيمان الحقيقي يجعلك تعيش الاطمئنان والتسليم في مواجهة الخطوب، وتشعر أنّ الله تعالى دوماً إلى جانبك {لا تحزن إنّ الله معنا} [التوبة 40]، وأنّه تعالى لا يتخلّى عنك أبداً {أليس الله بكافٍ عبده} [الزمر

36]، وأنّ كلّ ما يواجهك في الحياة فهو في عين الله تعالى، {قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكّل المؤمنون} [التوبة 51].

 

 إنّ الإيمان الحقيقي سيجعل المؤمن يستعذب الآلام والصعاب ويتغلّب عليها، ولا يسمح لها بأن تُسقط إرادته، ولذا نرى أنّ اليأس أكثر ما يستحكم في نفوس الذين لا يؤمنون بالله تعالى أو في نفوس ضعاف الإيمان، فالإنسان الملحد – مثلاً – وعلى عتبة أي مشكلة مصيرية تواجهه قد يشعر باليأس

وتفقد حياته معناها، وتغدو حياة عبثيّة غير ذات قيمة بالنسبة إليه، وأمّا المؤمن بالله تعالى وبحكمته تعالى وأنه لا يفعل عبثاً، فإنّ إيمانه سوف يحصّنه ويحميه من كلّ ذلك.

 

 وهكذا فإنّ الإيمان باليوم الآخر، يوم العدالة، يوم الجزاء الأوفى، يوم السعادة في رضوان الله، هو الآخر عامل مساعد على بثّ روح الأمل في نفس الإنسان المؤمن، لأنّه حتى لو تعرّض في هذا العالم للظلم والقهر أو فاتته بعض الرغبات أو واجهته بعض الصعاب فإنّ ذلك كلّه هو بعين الله، وإذا

لم يُقَدِّر الناسُ معروفَك فإنّ الله لا يضيع عنده شيء، قال تعالى: {إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} [الكهف 30]، ولسوف يعوّضنا يوم القيامة عن كلّ هذه الآلام، {وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون} [القصص 60].

 

ولا يقتصر الدور الإيجابي للإيمان على التأميل الأُخروي، فالإيمان يمنحنا أملاً في هذه الدنيا أيضاً وقبل يوم الحساب، وذلك من خلال الوعد الإلهي بتمكين العباد المؤمنين في الأرض، قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كمااستخلف الذين من قبلهم

وليمكنن لهم  دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم  من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور 55]، وهذا هو ما تعنيه عقيدتنا بالمهدي المنتظر(ع) والمخلّص الموعود، فإنّ عقيدتنا هذه هي عقيدة يفترض أن تبعث الأمل في النفوس وتحفّز

الإنسان المستضعف على العمل والاستعداد، لا أن تدفعه إلى اليأس أو الاحباط، وقد تنبه بعض الباحثين العرب[1]، إلى الدور الذي أسهمت به عقيدة المهدوية في إبقاء التشيّع مذهباً حيّاً وفاعلاً رغم الصعاب التي واجهت أتباعه ورغم التهديد والوعيد والظلم الذي تعرضوا له على مرّ التاريخ.

 

وانطلاقاً من هذا الرابط التنافري بين الإيمان واليأس ومن أنّ العقيدة لها دور في مواجهة ثقافة اليأس فقد اعتبر القرآن الكريم أن اليأس هو علامة الكفر، قال تعالى: {إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين} [يوسف 87].

 

 وقال سبحانه: {ولئن أذقنا الإنسان منّا رحمة ثم نزعناها منه إنّه ليؤس كفور} [هود 9].

 

وهذا الربط القرآني بين اليأس والكفر مردّه إلى أنّ الإنسان اليائس هو إنسان لا يمتلك الثقة بالله تعالى ولا يحسن الظنّ به، بل ولا يعرف تعالى حق معرفته، وربّما دفعه يأسه إلى الاعتراض على الله تعالى والتشكيك بحكمته وقدرته.

 

5- الإسلام دين الأمل

 

وإنّ التعاليم القرآنية ووصايا النبيّ الأكرم (ص) والأئمة من أهل البيت(ع) قد أكدّت على أهمية أن يظلّ الإنسان متفائلاً بالخير متأملاً بالأفضل، فإذا مرض فلا يسقطه المرض، بل يتأمل الشفاء، وإذا كان فقيراً فلا يحبطه الفقر بل يظلّ يأمل انفتاح أبواب الرزق وتغيّر الحال إلى الأحسن، وإذا

واجهته بعض التحديات والأمور المخيفة فلا ينهار أمام أسباب الخوف، بل يحاول أن يتمسّك بحبل الله تعالى وبذكره، فيمنحه ذلك الأمن والأمان..

 

ويعطينا القرآن الكريم نموذجاً رائعاً عن الأمل الذي عاشه نبيّ الله يعقوب (ع)، فإنّه ورغم طول غيبة يوسف (ع) عنه دون أن يعرف عنه شيئاً ظلّ متمسكاً بحبل الأمل، وقال لأولاده: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم

الكافرين} [يوسف 87].

 

وفي الحديث عن رسول الله (ص): "الأمل رحمة لأمتي، ولولا  الأمل ما أرضعت والدةٌ ولدها ولا غرس غارس شجراً"[2].

 

 فالأمل هو الذي يعطي الحياة معناها، ويمنح الإنسان حوافز الاستمرار والبقاء، وقد أجاد الطغرائي في التعبير عن هذا المعنى في لاميّة العجم:

 

أُعلّل النفسَ بالآمالِ أرقِبُهَا               ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأَمَلِ

 

وفي الخبر أنّه بينما عيسى بن مريم جالس وشيخ يعمل بمسحاة ويثير بها الأرض فقال عيسى: اللهم انزع عنه الأمل، فوضع الشيخ المسحاة واضطجع فلبث ساعة، فقال عيسى: اللهم أرددْ إليه الأمل، فقام فجعل يعمل"[3].

 

وفي ضوء ما تقدّم، فإنّ علينا ومن منطلق إيماني ليس أن نعيش الأمل فحسب، بل وأن نعمل على بثّ ثقافة الأمل في النفوس، ولا سيّما في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا حيث إنّ أسباب اليأس والإحباط كثيرة.

 

 إنّ علينا أن نعيَ جيّداً أنّ هذا الدين كلّه رحمة وأمل وعدل، وأنّ انتماءنا إلى هذا الدين يحتّم علينا أن نكون دعاة ومبشّرين بثقافة الأمل.

 

ومن التعاليم الرائعة التي يوصينا بها الرسول الأكرم (ص) - بحسب الرواية - أنّه إذا دخل الشخص على المريض عائداً فيجمل به أن يؤمّله بالحياة، لا أن يتحدّث معه بطريقة تشعره وكأنّه ميّت في هذا المرض ولا أمل له بالنجاة ولا فرصة له في الحياة ، كما قد يفعل البعض عندما يقول للمريض:

"لا تحزن فكلّنا على هذا الطريق أو كلّنا ميّتون"، وربّما يتأفف البعض أمام المريض وتبدو عليه الصدمة والتأثر ما يزيده هماً على هم، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: "قال رسول الله (ص): إذا دخلتم على المريض فنفّسوا(وسعوا) له في الأجل، فإنّ ذلك لا يردّ شيئاً وهو يطيّب

النفس"[4].

 

6- فقد الأمل بالدين!

 

ما تقدّم كان حديثاً عن حالة اليأس التي تواجه الإنسان في هذه الحياة، وهو يأس من الحياة نفسها، وهو ناشئ إمّا من إحساس الإنسان بالملل وعدم الجدوى من هذه الحياة، وإمّا من الفشل الذي يواجهه في حياته فيصاب بالاحباط ويشعر بعدم إمكانية التغيير، ولكن هناك أشكال أخرى من اليأس

تصيب الإنسان وهي لا تقل خطورة عن اليأس المشار إليه، وفيما يلي أتحدّث عن نوعين آخرين من اليأس وهما:

 

أ- اليأس من الدين.

ب- اليأس من رحمة الله وعفوه.

 

أمّا اليأس من الدين فهو دون شكّ من أخطر أنواع اليأس التي يلزمنا العمل على مواجهتها بحكمة وعناية، حيث إننا نلاحظ أنّ بعض المسلمين قد أخذوا يفقدون الأمل ليس بالحياة بل بصدقيّة دينهم، وذلك نتيجة بعض التصرّفات المروّعة والأعمال الإجرامية التي يرتكبها البعض باسم الدين، فيذبحون

الأبرياء باسم الله، ويَسْبُون النساء باسم رسول الله (ص)! وهذا أمر خطير للغاية، لأنّ هذه الأعمال أصابت الدين نفسه بسهامها قبل أن تصيب الضحايا الأبرياء الذين يطالهم سيف التكفير، الأمر الذي يحتّم على الدعاة والمربّين والرساليين أن يستنفروا لمواجهة أسباب هذا اليأس، ويُظهروا بالحُجّة

والبرهان الجانب المشرق والحقيقي لهذا الدين، ولا يجوز أن يتسرّب الشكّ إلى نفوسنا قيد أنملة في أنّ الإسلام يمتلك من الأصالة والانفتاح ما يجعله قادراً على التعايش مع العصر ومواكبته وتقديم الحلول الناجعة لمشكلاته.

 

 ومع أهميّة لجوئنا واعتمادنا في مواجهة هذا النوع من اليأس على إظهار الوجه الحقيقي للإسلام والعمل على تعرية الفكر التكفيري التيأيسي لنثبت بالدليل والبرهان أنّه فكر دخيل على الإسلام، وأنّ هؤلاء المتشددين لا يحملون من الدين إلاّ اسمه[5]، مع أهمية ذلك وضرورته لكنّه قد لا يكون

كافياً، وإنما يلزمنا بالإضافة إليه أن نقدّم صورة واقعية مشرقة، بحيث نُظهر الوجه الحقيقي للدين من خلال سلوكنا، ومن خلال تقديم نموذج عملي وواقعي عن إنسانية هذا الدين وأصالته.

 

 

7- الأمل بالله والرجاء برحمته

 

وأما اليأس من رحمة الله ومن مغفرته فهو ما يبتلي به بعض المذنبين الذين ارتكبوا الفواحش وانغمسوا بالمعاصي والكبائر، ونتيجة لذلك يتملكهم إحساس بأنّ الله تعالى لن يغفر لهم ذنوبهم وإن تابوا إليه واستغفروه وندموا على ما فعلوه، وهذا الإحساس قد يدفعهم إلى الإيغال في المعاصي أكثر فأكثر

والاستهانة بكلّ الفواحش والكبائر، لأنّهم - بحسب ظنّهم - مطرودون من رحمة الله على كلّ حال، فما قيمة أن يضيفوا ذنباً جديداً إلى قائمة الذنوب التي ارتكبوها!

 

وهذا اليأس هو من أخطر أنواع اليأس على الإطلاق، لأنّه يأس يؤثّر على مصير الإنسان في الآخرة وليس في الدنيا فحسب، كما أنّه يأس يعبّر عن خطأ عقائدي وفكري وليس خطأً سلوكياً فحسب، وذلك لأنّ اليائس من عفو الله ورحمته إنّما يسيء الظن بالله ولا يعرفه حق المعرفة {وما قدروا الله

حقّ قدره} [الأنعام 91]،  فما حجم ذنوبنا في جنب رحمته؟!

 

ففي الحديث عن بعض الأئمة من أهل البيت (ع) فيما وعظ الله به تعالى عيسى بن مريم (ع): "يا عيسى تُبْ إليّ، فإنّي لا يتعاظمني ذنب أن أغفره وأنا أرحم الراحمين"[6].

 

وعن الامام زين العابدين (ع): "ولَا يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْه ورَحِمْتَه، لأَنَّكَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الَّذِي لَا يَتَعَاظَمُه غُفْرَانُ الذَّنْبِ الْعَظِيم"[7].

 

إنّ على الإنسان الذي يعيش اليأس من رحمة الله ومغفرته نتيجة ارتكابه لبعض الذنوب والمعاصي أن يعلم أنّه لا مبرر ليأسه هذا، لأنّ رحمة الله أوسع منا ومن ذنوبنا ولا يقف أمامها ذنبٌ ولا يتعاظمها معصية، فهو يغفر الذنوب جميعها مهما عظمت وتكاثرت، وتعال معي لنتأمل مليّاً في هذا المقطع

الرائع من دعاء الإمام زين العابدين (ع) في سَحَرِ شهر رمضان، وسوف نكتشف من هذا المقطع عظيم مغفرة الله تعالى وتفاهة ذنوبِنا في جنب عفوه وحقارة أعمالنا في جنب نعمه وكرمه، يقول (ع):

 

"يا حبيب من تحبب إليك! ويا قرّة عين من لاذ بك وانقطع إليك! أنت المحسن ونحن المسيئون ، فتجاوز يا رب عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك، وأيّ جهل يا ربّ لا يسعه جودك، أو أيّ زمان أطول من أناتك، وما قدر أعمالنا في جنب نعمك، وكيف نستكثر أعمالاً نقابل بها كرمك! بل

كيف يضيق على المذنبين ما وسعهم من رحمتك! يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة، فوعزتك يا سيّدي لو نهرتني ما برحت من بابك ولا كففت عن تملقك لما انتهى إليّ من المعرفة بجودك وكرمك، وأنت الفاعل لما تشاء تعذب من تشاء بما تشاء كيف تشاء، وترحم من تشاء بما

تشاء كيف تشاء"[8].

 

ونحن نلاحظ أنّ النصوص الإسلامية وفي مواجهة هذا النوع من اليأس قد تحرّكت في خطين:

 

أولاً: رفض اليأس من رحمة الله والقنوط من مغفرته رفضاً قاطعاً، وعدّته تلك النصوص في عداد كبائر الذنوب والمعاصي[9]. والوجه في ذلك ما أشرنا إليه من أنّ هذا اليأس يمثّل خللاً عقدياً لدى الإنسان، كما ويدفعه إلى الانغماس بالمعاصي والاستهانة بالذنوب. 

   

ثانياً: وحثّت تلك النصوص على حسن الظن بالله وأكدّت على أنّ المؤمن لا بدّ أن يعيش الرجاء المستمر، فعنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: "وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع) أَنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) قَالَ وهُوَ عَلَى مِنْبَرِه: والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا أُعْطِيَ مُؤْمِنٌ قَطُّ خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِلَّا بِحُسْنِ ظَنِّه بِاللَّه ورَجَائِه لَه

وحُسْنِ خُلُقِه والْكَفِّ عَنِ اغْتِيَابِ الْمُؤْمِنِينَ، والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا يُعَذِّبُ اللَّه مُؤْمِناً بَعْدَ التَّوْبَةِ والِاسْتِغْفَارِ إِلَّا بِسُوءِ ظَنِّه بِاللَّه وتَقْصِيرِه مِنْ رَجَائِه وسُوءِ خُلُقِه واغْتِيَابِه لِلْمُؤْمِنِينَ، والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا يَحْسُنُ ظَنُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ بِاللَّه إِلَّا كَانَ اللَّه عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِه الْمُؤْمِنِ، لأَنَّ اللَّه كَرِيمٌ بِيَدِه الْخَيْرَاتُ

يَسْتَحْيِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُه الْمُؤْمِنُ قَدْ أَحْسَنَ بِه الظَّنَّ ثُمَّ يُخْلِفَ ظَنَّه ورَجَاءَه فَأَحْسِنُوا بِاللَّه الظَّنَّ وارْغَبُوا إِلَيْه"[10].

 

ولكن في الوقت عينه فإنّ على الإنسان أن لا يعيش الاسترخاء الكامل، فينصرف عن العمل الصالح ويعزف عن طاعة الله وينغمس في المعاصي، اعتماداً منه على رحمة الله وركوناً إلى عفوه، وهذه الحال هي ما تعبّر عنه الروايات بالأمن من مكر الله ، وهو - كاليأس من روح الله – من كبائر

الذنوب، فيفترض بالمؤمن أن يعيش بين الخوف والرجاء.

 

8- طول الأمل

 

أجل، عندما نتحدث عن أهميّة الأمل على مستوى الفرد والجماعة، وعن دوره في استمرار الحياة، فإنّ علينا أن نستدرك لنقول: إنّ الأمل قد يخرج عن حدّه فيصبح مذموماً ومرفوضاً، ومن أجلى مصاديق الأمل المرفوض هو ما عبّرت عنه الأحاديث بـ "طول الأمل"، فطول الأمل مذموم، لما له

من سلبيات:

 

أ- فهو يدفع الإنسان إلى التسويف، فإذا سألته لماذا لا تعمل أو لا تصوم أو لا تحج أو لا تعمل صالحاً؟ يجيبك قائلاً: الوقت أمامنا، وإذا سألته: لماذا لا تتزوج وتبني أسرة؟ يجيبك: لا زال أمامنا متسع طويل.. وهكذا تقلّ إنتاجية هذا الشخص، كما نبّه على ذلك الإمام عليّ (ع) في كلمته المروية

عنه: "من اتسع أملُه قَصُرَ عمله"[11].

 

ب-  وهو يدفعه أيضاً إلى نسيان الآخرة والاستغراق في الدنيا، فعن أمير المؤمنين عليّ (ع): "وإنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة"[12].

 

ج- ومن سلبيات طول الأمل أيضاً: قسوة القلب، ففي الكافي: "فيما ناجى الله عزَّ وجلَّ به موسى: يا موسى لا تطوّل في الدنيا أملك، فيقسو قلبك والقاسي القلب مني بعيد"[13].

 

وهكذا يتضح أنّ طول الأمل هو كاليأس في الآثار السلبية والنتائج غير المحمودة  .

 

 

الآمال الخادعة

 

إنّ على الإنسان أن يكون واقعياً في آماله وتوقعاته فلا يعيش أحلاماً خيالية بعيدة عن الواقع، وعليه في الوقت عينه أن يكون صادقاً مع نفسه فلا يخدعها ولا يغشها، والتسويف وطول الأمل قد يصل إلى حدّ خداع النفس وإلهائها عن واجباتها، كما قال تعالى: {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل

فسوف يعلمون} [الحجر 5].

 

وعن أمير المؤمنين (ع): "اتقوا باطل الأمل، فربَّ مستقبلِ يومٍ ليس بمستدبره، ومغبوط في أوّل ليله قامت عليه بواكيه في أخره"[14].

وعنه (ع): "الأمل كالسراب يغرّ من رآه ويخلف من رجاه"[15].  

وعنه (ع): "واعلموا أنّ الأمل يسهي العقل وينسي الذكر، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور وصاحبه مغرور"[16].

 

وفي الختام دعوني أقُلْ: رغم العتمة والظلمة المنتشرة من حولنا لن نسمح لليأس أن يتسرّب إلى نفوسنا ليصيبنا بالإحباط، بل سوف يبقى الأمل رائدنا يملأ قلوبنا بحبّ الخير ويثير فينا الفكرة المبدعة والعاطفة الصادقة، ويحرّك خطانا نحو الأفضل، لنضيء شمعة هنا ونزرع وردة هناك ونواسي

مظلوماً هنالك.  

 

سنبقى نحلم بالعدل القادم وننتظره انتظار العاملين وليس انتظار الإتكاليين أو الكسالى، انتظار الفلّاح للشمس التي تُشرق على الزّرع الذي بذره بيمناه، وانتظاره للمطر الذي يروي الأغراس التي غرسها بساعده.

 

من كتاب "وهل الدين إلا الحب؟"

نُشر على الموقع في 16-10-2015

 



[1] انظر: فجر الإسلام لأحمد أمين ص 274، وأسس التقدم عند مفكري الإسلام لفهمي جدعان ص 38.

[2] بحار الأنوار ج14 ص329.

[3] تنبيه الخواطر ج1 ص272.

[4] سنن الترمذي ج3 ص228، وكنز الفوائد للكراجكي ص178.

[5] وهذا ما بحثناه بشكل تفصيلي وموسع في كتاب: العقل التكفيري قراءة في المنهج الإقصائي.

[6] الكافي ج 8 ص 134.

[7] الصحيفة السجادية من دعائ الإمام زين العابدين (ع) في ذكر التوبة.

[8] مصباح المتهجد للشيخ الطوسي 585.

[9] انظر: وسائل الشيعة ج 15 ص 322، الباب 46، من أبواب جهاد النفس.

[10] الكافي ج2 ص72.

[11] الإرشاد ج1 ص304.

[12] نهج البلاغة ج1 ص93.

[13] الكافي ج1 ص330.

[14] عيون الحكم والمواعظ ص91.

[15] عيون الحكم والمواعظ ص57.

[16] نهج البلاغة ج1 ص151.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon