حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> فكر ديني
العمل سرّ النجاح
الشيخ حسين الخشن



المَهمّة الملقاة على عاتق الشباب بعد مسؤولية العلم: هي مَهمّة العمل، لكن ما الذي نقصده بالعمل؟

 إنّ ما نقصده هو العمل على خطين: العمل في سبيل المعاش، والعمل في سبيل المعاد، كما جاء في الكلمة المروية عن الإمام الحسن(ع) "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً   .[1]"

أما العمل في سبيل المعاد، فسوف نتحدث عنه في المحور اللاحق، ولكننا في هذه العجالة نقول: إنّ على الإنسان المؤمن أن ينخرط في كلّ الأعمال والأنشطة التي تنفعه في يوم المعاد وتثقل ميزان حسناته، وقد ورد في الأدعية ما يعزز هذا المعنى، فمن دعاء للإمام الصادق (ع): "واستعملني في

طاعتك، واجعل رغبتي فيما عندك"[2]، وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين يقول (ع): "واسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْه"[3].

ونخصّص حديثنا هنا للتطرّق إلى العمل في سبيل المعاش؛ لأنّ العمل هو شرط لاستمرار الحياة وسعادة الإنسان، والأمّة التي لا تعمل هي أمّة فاشلة ومحكومة بالتخلّف وبالسّقوط في مجال التنافس الحضاري، وستبقى عالة على الآخرين، والحقيقة أنّ العمل ليس خياراً من خيارات الأمة، بل هو

ضرورة لا مفرّ لها من الأخذ بها وواجب من واجباتها التي لا يجوز لها التقاعس في أدائها.

 

1- إسلام ومحاربة الكسل

 

 وإدراكاً منه لأهميّة العمل في تقدّم الأمم، فقد حثّ الإسلام عليه وشنّ حملة على الكسل والتكاسل والبطالة والدَّعة، وكان النبي (ص) يبغض للشاب أن يكون عاطلاً عن العمل بحيث لا حرفة له ولا صنعة، ففي الحديث عن ابن عباس: "كان رسول الله(ص) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: هل له

حرفة؟ فإن قالوا: لا، قال: سقط من عيني، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله(ص)؟ قال: لأنّ المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه"[4]، أي إنّه يحوّل دينه إلى دكان للاتجار به، وما قاله النبي (ص) نراه رأي العين، فالذين يتّجرون باسم الدين والطب الروحاني والتنجيم وقراءة الفنجان.. هم

مجموعة من الفاشلين في الحياة العاطلين عن العمل، وفي الحديث عن الإمام الباقر(ع): "الكسل يضرّ بالدين والدنيا"[5].

 

   أيها الشباب.. ينبغي أن يكون واضحاً أنّ السعادة لا تنال بالأماني، بل بالكدّ والعمل القائم على التخطيط الجاد والهادف. إنّ الكسل والتراخي وتضييع العمر باللّهو والعبث هو خيرُ وصفة للتخلف والفقر، عن علي(ع): "هيهات من نيل السعادة السّكون إلى الهوينا والبطالة"[6]، وعنه

(ع): "إنّ الأشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج بينهما الفقر"[7].

 

 ومن الطريف ما قرأته في بعض الروايات، من أنّ الإمام الصادق(ع) كان يشكو من الكسل المستشري في زمانه، فيقول: "لا تكسلوا في طلب معايشكم فإنّ آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها"[8]، ولست أدري ماذا يقول مولانا الإمام الصادق(ع) في أهل زماننا الذين زحف إليهم الكسل،

فتراخوا ووهنوا، وتسلّل إليهم الترف واللّهو والدعة فهانوا وذلّوا؟!

 

2- لا منافاة بين العمل للدنيا والعمل للآخرة

 

 والأمر الأخطر من مجرد استشراء الكسل لدى قطاعات واسعة من أبناء الأمّة، ولا سيّما الشباب، هو وجود خلل في النظرة إلى مفهوم العمل نفسه، وحصول تشوّه في المفهوم الديني إزاءه. ويتمثّل هذا التشوّه في إيجاد خصومة مفتعلة بين الزهد والعمل، أو بين الدنيا والآخرة، حيث يتخيّل البعض

أنّ الانغماس في العمل ينافي الزهد والورع. وهذه النظرة هي نظرة خاطئة بالتأكيد، فإنّ للإسلام نظرة متوازنة إلى الدنيا والآخرة، ﭧ ﭨ ﭽﯨ  ﯩ     ﯪ  ﯫ  ﯬ     ﯭﯮ  ﯯ  ﯰ    ﯱ  ﯲ  ﯳﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ   ﯸ  ﯹﯺ   ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿﰀ  ﰁ   ﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅﭼ [القصص: ٧٧]، وفي الحديث المتقدم عن الإمام

الحسن (ع) أنّه قال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، بل إنّ الإسلام اعتبر أنّ العمل في سبيل المعاش ورفع مستوى الأمة والتخلّص من مشكلة الفقر هو من الواجبات الكفائية[9]، وقد يدخل في نطاق العبادات التي يؤجر الإنسان عليها، ولذا ترى أنّ الإمام

الصادق(ع) - على ما جاء في الرواية - سأل عن رجل أين هو؟ فقيل له: أصابته الحاجة، قال: "فماذا يصنع اليوم؟ قالوا: في البيت يعبد ربَّه، قال: فمن أين قُوتُه؟ قيل: من عند بعض إخوانه، فقال (ع): والله لَلّذي يقوته أشدُّ عبادة منه"[10].

 

 

3- عندما يتسوّل الشباب!

 

   وثمّة مفهوم إسلامي آخر طاله التشّوه، وهو مفهوم التوكّل، حيث غدا مساوياً لمفهوم التواكل، فإنك عندما تطالب البعض وتقول له: لِمَ لا تعمل؟ يجيبك" :أنا متوكّل على الله"، أو "الله بيرزق"، وهو في الحقيقة يبرّر كسله وقعوده عن العمل بهذه الكلمات التي هي كلمات حق يراد بها باطل. إنّ

جملة: "الله بيرزق" ليست شعاراً للكسالى، وإنّما هي شعار يرفعه الإنسان وهو في ميدان العمل يسير في مناكب الأرض ويخوض غمارها. وهكذا فإنّ التوكّل على الله – أيضاً - لا يعني الجلوس في البيوت وانتظار الرزق، ولا يعني أبداً مدّ اليد للآخرين بدلاً عن الإنطلاق في ميادين الحياة

والتفتيش عن الرزق الحلال.

 

 ألا ترون اليوم أنّ ثمة حالة غريبة في مجتمعاتنا، وهي أنّ بعض الشباب أصبح يمدّ يده للتسوّل، إنّنا نفهم (ولا نبرّر) أن يمدّ عجوزٌ أو أرملةٌ أومحتاج يدَه للآخرين مستجدياً، أمّا أن ترى شاباً يمدّ يده للآخرين ويمتهن مهنة التسوّل فتلك مصيبة كبيرة وحالة مَرضِيّة لا بدّ من معالجتها، ومن طرق

المعالجة أن يعمل المجتمع وتعمل الدولة على ترشيد هؤلاء وتأهيلهم ودراسة الظروف التي دفعتهم لذلك.

 

 وفي هذا السياق، فإنّ الإسلام قد منع إعطاء الزكاة لمن يمتلك القوة البدنية ويستطيع العمل، لكنّه يكسل عنه ويلجأ إلى التسوّل، ففي الحديث عن رسول الله (ص): "لا تَحِلّ الصدقة لغني ولا لذي مِرّةٍ (قويّ في بدنه) سَوِيّ"[11]، وسرّ هذا المنع يكمن في أنّ إعطاءه مرة تلو الأخرى يجعله

يمتهن التسوّل وبذل ماء الوجه للآخرين، ويعرّض نفسه للمهانة والمذلة. ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع(: "إياكم وسؤالَ الناس فإنّه ذلٌ في الدنيا وفقر تعجلونه وحساب طويل يوم القيامة   .[12] "

 

ويحكى أنّ الأصمعي مرّ على كنّاس في البصرة يكنس كنيفاً (بيت الخلاء)، وهو يتغنى ببعض الأشعار، ومن جملتها قوله:

   وأُكرم نفسي إنّني إن أهنتها      وحقّك لم تكرم على أحد بعدي

 قال الأصمعي: فقلت له: والله ما يكون من الهوان شيء أكثر ممّا بذلتها له (أي بذلت نفسك له)، فبأي شيء أكرمتَها؟ فقال: بلى والله إنّ من الهوان لشراً ممّا أنا فيه، فقلت: وما هو؟ فقال: الحاجة إليك وإلى أمثالك من الناس، فانصرفتُ (يقول الأصمعي) عنه وأنا أخزى الناس".[13]

 

 

4- بالعمل نواجه سياسة الإفقار

 

   إنّ ما نواجهه اليوم من سياسة تعمل على إفقار شعوبنا، وتمزيق أمّتنا ودفعها إلى التناحر والتقاتل والاحتراب، هي سياسة ظالمة لم يسبق لها مثيل، وهي تهدف إلى تفريغ أمّتنا من الطاقات الشابة واستدراجها وكذلك استدراج كلّ العقول المبدعة من أبناء هذه الأمة إلى بلاد الغرب. إنّ أمتنا ليست

فقيرة، بل إنّ ما تملكه من الثروات والطاقات تجعلها من أغنى الأمم، لكنّ السياسة الاستكبارية مستعينة بأنظمة استبدادية جائرة اعتمدت خطّة تهدف إلى إفقار الشعوب الإسلامية وإشغالها بلقمة العيش حتى لا تترك لها مجالاً للتفكير في كيفية النهوض والخروج من القمقم

.

   وأعتقد أنّ الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها في وجه هذه السياسة الإفقارية، تتمثّل – بالإضافة إلى الوقوف في وجه المستكبرين والظالمين – بالتوجّه - شيباً وشباناً - إلى ميدان العمل بشتّى مجالاته وأنواعه، فبذلك نخلق فرصاً جديدة للعاطلين عن العمل، ونواجه سياسة الإفقار التي تريد

إشغالنا بلقمة العيش كما قلت، والتي ترمي أيضاً إلى أن تنشر في أوساطنا الجريمة والفاحشة، فإنّ أقرب وسيلة لنشر الجرائم وتفكيك المجتمعات وتدميرها خلقياً واجتماعياً، هي في إفقار هذه المجتمعات.

 

5- وبالعمل نواجه سياسة الاستغلال

 

   وليس خافياً أنّ السياسة التي يعتمدها المستبدّون والمتسلّطون تتمثّل في العمل على استغلال حاجة الشباب للمال والوظائف، والعيش الكريم، فيسعون إلى ابتزازهم واستغلال حاجاتهم ليحوّلوهم إلى تابعين وأزلام يستجدون وظيفة أو مالاً. وقد شاهدنا هذا الأمر في الأحداث اللبنانية، ونشاهده اليوم

في الكثير من الدول التي تفتك بها الحروب والفتن الأهلية والمذهبية، حيث يُستأجر بعض الشباب ويساقون إلى معارك لا يعلمون عن أهدافها شيئاً، فهم ليسوا سوى أدوات رخيصة، يتمّ استخدامها ثمّ التخلي عنها في أيّ لحظة سياسية أو لقاء صفقة معيّنة، والسلاح الأمضى الذي يستخدمه هؤلاء

المستبدّون وأسيادهم المستكبرون هو إثارة الغرائز والعصبيّات المذهبيّة لدى الشباب، بما يحوّلهم إلى ما يشبه الوحوش الكاسرة التي تذبح وتقتل دون رحمة أو شفقة، وقد لاحظنا أنّ تجار السياسة وطلاب السلطة يسعون في الكثير من دولنا العربية والإسلامية للإبقاء على نظام المحاصصة

الطائفية، لأنّه نظام لا يسمح لأيّ شاب أن ينتمي إلى وطنه إلا بالعبور من خلال طائفته وزعيم الطائفة، وبذلك يظلّ الشباب رهين إرادة هذا الزعيم أو ذاك

.

 هذا هو واقعنا، فهل هو قدر مكتوب علينا ولا يمكننا تغييره؟ والجواب: كلا، فهذا ليس قدراً محتوماً، وباستطاعة الشباب تغيير هذا الواقع، فهم الذين جاؤوا بهؤلاء الزعماء، وباستطاعتهم تغييرهم، وقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص): "كما تكونون يولّى عليكم".[14]

   إنّ على الشباب أن يعمل على الاستقلال عن هذا الزعيم أو ذاك، وأن لا يرهن نفسه لهذا أو ذاك، فلدى الشباب قوة قادرة على تغيير الواقع إلى الأفضل شريطة أن نحسن الإفادة من هذه القوة ونحسن إدارة أمورنا وتنظيمها. ولنا عودة إلى دور الشباب في عملية التغيير في محور لاحق.

 

وما تقدّم من استغلال حاجة الشباب إلى العمل والوظيفة لإدخالهم في أتون صراعات مذهبية ليس هو الاستغلال الوحيد الذي يتعرّض له الشباب، فهناك استغلال هو من أسوأ أنواع الاستغلال وأبشعها، ألا وهو استغلال الشباب - وتحديداً الفتيات - في التجارة الجنسيّة، حيث يعمل البعض على

استغلال حاجة الفتاة للعمل ولجني المال فيضغط عليها لتتنازل عن أخلاقها وكرامتها وشرفها. وقد تقع بعض البنات فريسة هذا الابتزاز، نتيجة فقرها وحاجتها، وهنا تكون مسؤولية الأمّة والمجتمع والدولة كبيرة جداً وعلى أكثر من صعيد، وذلك بالسعي إلى تحصين المجتمع أخلاقياً، والعمل على

سدّ الثغرات وتوفير فرص العمل، بما يؤمِّن لقمة العيش الكريم لأبناء هذا المجتمع، وفوق ذلك كلّه لا بدّ من إعلان حربٍ ضروس على هؤلاء الفاسدين والمفسدين الذين يشتغلون في سوق الاتجار الجنسي الرخيص، وهم في الغالب يتحرّكون تحت عناوين مخادعة وبرّاقة.

 

وختاماً فإنّي أتوجّه هنا بكلمة مختصرة إلى كلّ فتاة مسلمة: أختي الكريمة، ابنتي العزيزة، إنّ شرفكِ هو عزّكِ وكرامتكِ وهو سرّ إنسانيتكِ، فلا تبيعي عفتك في سوق النخاسة ولا تسمحي لأحد بأن يحوّلك إلى سلعة رخيصة، كما يُراد لك، كوني إنسانة ينحني العالم أمام عفّتك وكرامتك.

 

نُشر في 26- 5- 2016

من كتاب "مع الشباب، في همومهم وتطلعاتهم" http://www.al-khechin.com/article/440



[1] نقله العلامة المجلسي والشيخ النوري عن كفاية الأثر للخزاز القمي، انظر: بحار الأنوار ج 44 ص 139، ومستدرك الوسائل ج 1 ص 147، ورواه الصدوق بصيغة "روي عن العالم" ، انظر: من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 156، و" العالم" من ألقاب الإمام الكاظم (ع)، ولهذا نسبه العلامة الحلي إلى الإمام الكاظم (ع) ، انظر: تحرير الأحكام ج 2 ص 249، والمعروف على ألسنة العامة والخاصة نسبة هذه الكلمة إلى الإمام علي (ع)، ولكننا لم نعثر على ذلك في المصادر التي راجعناها، ونسبه الجاحظ إلى عمرو بن العاص ، انظر: البخلاء ص 31. 

[2] انظر الكافي ج 2 ص 542.

[3] الصحيفة السجادية، من دعائه (ع) في مكارم الأخلاق ومرضي الصفات.

[4] رواه في بحار الأنوار ج 100 ص 9، وفي مستدرك الوسائل ج 13 ص 11، نقلاً عن جامع الأخبار.

[5] تحف العقول ص 300.

[6] عيون الحكم والمواعظ ص 512.

[7] الكافي ج 5 ص 86.

[8] من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 157.

[9] الواجبات في الشريعة الإسلامية إمّا عينية، تجب على كلّ فرد من المكلفين (الأعيان) كالصلاة والصوم والحج.. وإمّا كفائية، تجب على الأمة، فإذا قام بها البعض سقط التكليف عن الباقي، وإلا أثم الجميع.

[10] الكافي ج 5 ص 78، وتهذيب الأحكام ج 6 ص 324.

[11] سنن الدارمي ج1 ص386، وهذا المضمون مروي عن الإمام الباقر (ع) حيث قال: - بحسب الرواية -: "إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرّة سوي قوي، فتنزهوا عنها"، انظر: الكافي ج3 ص560. والمرّة: الشدة والقوة، والسوي: هو الصحيح الأعضاء.

[12] الكافي ج 4 ص 20، ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 70.

[13] الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج 1 ص 319.

[14] انظر: مسند الشهاب ج1 ص 337.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon