حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
محاضرات رمضانية: خطر الغلو
الشيخ حسين الخشن



قال تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى

بِاللَّهِ وَكِيلًا} [ النساء 171].

 

والحديث عن الغلو يحتاج إلى محاضرات طويلة، ليتسنى لنا الإلمام بالموضوع والإجابة على الأسئلة ذات الصلة، من قبيل السؤال عن مفهوم الغلو، وإلقاء نظرة على تاريخ الغلو، والتعرف على دوافعه، ومعرفة أهم رموز الغلو والمذاهب الغالية، والأفكار التي تمثل الغلو، وما هو ضرر الغلاة

على الدين؟ ولماذا دار الغلو في الأعم الأغلب حول أئمة أهل البيت (ع)؟  

 

ظاهرة الغلو

 

من الظواهر المتطرفة التي عرفها التاريخ البشري ظاهرة الغلو، والغلو هو تجاوز الحدّ، وهو ضد الاعتدال والتوازن، وتجاوز الحدود قد وقع فيه الإنسان منذ القديم في شتى المجالات، سواء الفكرية أو السلوكية، وسواء منها المجال العقيدي أو السياسي أو الاجتماعي.

 

وللغلو مصاديق شتى، فهناك غلو في الاعتقاد وآخر في السلوك، فكل اعتقاد تمّ فيه تجاوز الحد فإنّه يمثل غلواً، فكما أنّ القول بربوبية مَنْ عدا الله فهو غلو، فإنّ القول بعدالة ونزاهة كل صحابة النبي (ص) هو غلو لأنّه تجاوز للحد أيضاً، أجل إنّ مستويات الغلو قد تتفاوات، وفي ضوء ما تقدم فإنّنا

نجد أنّ بعض التيارات اللادينية قد تغالي في زعمائها أو في بعض مقولاتها، لأنّ الغلو تارة يكون بلحاظ الأشخاص وأخرى في المقولات نفسها. ألا ترى أن العلماني قد يغالي في قيمة الحرية إلى درجة تتجاوز معها كل القيم الأخرى ومنها القيم الأخلاقية والفضائل، أو حتى حقوق الناس.

 

 

الغلو في الأديان التوحيدية

 

يحدثنا القرآن عن أنّ أتباع الأديان السماوية السابقة قد غالوا في الأنبياء، ومنهم اليهود الذين قالوا بألوهية العزير {وقالت اليهود عزير ابن الله} [التوبة 30]، وأمّا المسيحية فكانت أكثر تقبلاً للغلو، فانتشر فيها الأفكار المغالية في المسيح {وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة 30]، بل قالوا إنّه

الله {لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم} [المائدة 17 و72].

 

ومن هنا جاء الخطاب والنداء القرآني صريحاً إلى أهل الكتاب: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنّما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنّما الله إله واحد سبحانه أنّ يكون له

ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً} [النساء 171]، إن مظهر الاعتدال في العقيدة تجاه المسيح هو ما عبّر عنه قوله تعالى: { إنّما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}، ومظهر الغلو في ذلك هو اعتقادهم أن المسيح هو الله أو أنّ الله ثالث

ثلاثة. وكيف يكون إلها، والحال أنّه { رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام}[المائدة-75]، وآكل الطعام محتاج إلى الطعام فكيف يكون إلهاً مع أن الإله هو الغني؟! إن الأنبياء بأجمعهم لم يأمروا بالغلو بل كانوا متواضعين لله تعالى، قال تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله

الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } [آل عمران، 79]

 

الغلو لدى المسلمين

 

والذي يظهر أنّ النبي (ص) كان عالماً من خلال علم الله تعالى أنّ جماعة سوف تغالي في الاعتقاد فيه، فقد ورد عنه ( صلى الله عليه وآله ) في الحديث: "لا ترفعوني فوق حقي ، فإن الله تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبياً". وتشير بعض الروايات إلى تحقق الغلو في النبي (ص) في

زمانه، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : جاء رجل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : السلام عليك يا ربي ! فقال : مالك لعنك الله ربي وربك الله ، أما والله لكنت ما علمتك لجبانا في الحرب لئيما في السلم".

 

ونراه (ص) حذر وأشار إلى أن جماعة سوف يغالون في أمير المؤمنين (ع)، فقد روي عنه ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم ، أحبه قوم فأفرطوا فيه ، وأبغضه قوم فأفرطوا فيه..".

 

موقف أهل البيت (ع) من الغلاة

 

عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : اللهم إني برئ من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ، اللهم اخذلهم أبداً ، ولا تنصر منهم أحدا".

 

دعاء الإمام الرضا (ع): "اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا ، اللهم لك الخلق ومنك الرزق وإياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ولا تصلح الإلهية إلا لك ، فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك

والعن المضاهئين لقولهم من بريتك".

 

الصادق (ع): "الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد الله والله إنّ الغلاة لشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا"[1].

 

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن بعض أصحاب أبي عبد الله (ع) قال: خرج إلينا أبو عبد الله (ع) وهو مغضب فقال: إني خرجت آنفا في حاجة فتعرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي لبيك يا جعفر بن محمد لبيك، فرجعت عودي على بدئي إلى

منزلي خائفاً ذعراً مما قال حتى سجدت في مسجدي لربي وعفرت له وجهي وذللت نفسي وبرئت إليه مما هتف بي ولو أن عيسى ابن مريم عدا ما قال الله فيه إذا لصم صماً لا يسمع بعده أبداً وعمي عمى لا يبصر بعده أبداً وخرس خرساً لا يتكلم بعد أبداً، ثم قال: لعن الله أبا الخطاب وقتله

بالحديد"[2].

 

 من مظاهر الغلو

 

الغلو - كما أسلفنا – قد تجاوز الحدود، وللغلو في المجال العقائدي مستويات وقد يخرج بعضها عن الدين وبعضها لا يبلغ هذا المستوى مع كونه باطلاً وإليك التفصيل:

 

1- القول بألوهية أحد من الأنبياء أو الأولياء هو غلو وتجاوز للحد، وهو مستوجب للتكفير المخرج عن الدين.

2- القول بأنّ أحد من الأنبياء أو الأولياء هم شركاء في خلقه أو شركاؤه في الربوبية والمعبودية هو غلو مخرج عن الدين.

3- القول إنّ الله تعالى حلَ بأحد من خلقه أو اتحد به هو الآخر غلو، وقد يقال: بأنّه مخرج عن الدين.

4- القول بأن لله تعالى شريكاً في علمه، أو أنّ الأنبياء أو الأئمة (ع) يعلمون الغيب عن غير طريق الوحي والإلهام من قبل الله.

5- القول بأنّ الأئمة (ع) هم أنبياء.

6- القول بأنّ معرفة الإمام تغني عن العبادات والطاعات ولا تكليف على من عرف الإمام.

 

قال الشيخ المفيد: "والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته (ع) إلى الألوهية والنبوة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد، وخرجوا عن القصد، وهم ضلال كفار حكم فيهم أمير المؤمنين (ع) بالقتل والتحريق بالنار، وقضت

الأئمة (ع) عليهم بالإكفار والخروج عن الاسلام"[3].

 

والقول بأنّهم أنبياء موجود وتؤكده بعض الروايات، فعن أبي عبد الله (ع): "من قال: بأننا أنبياء فعليه لعنة الله، ومن شك في ذلك فعليه لعنة الله"[4].

 

ويقول العلامة المجلسي: "اعلم أن الغلو في النبي والأئمة عليهم السلام إنّما يكون بالقول بألوهيتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية أو في الخلق والرزق أو أنّ الله تعالى حلّ فيهم أو اتحد بهم، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى أو بالقول في الأئمة عليهم السلام أنّهم

كانوا أنبياء أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأنّ معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي. والقول بكل منها إلحاد وكفر وخروج عن الدين كما دلت عليه الأدلة العقلية والآيات والاخبار"[5].

 

1- ومن مظاهر الغلو في الأئمة (ع) القول بأنّهم لم يموتوا على نحو الحقيقة، يقول الصدوق: "واعتقادنا في أنّ النبي (ص) سمّ في غزوة خيبر، واعتقادنا في ذلك أنّه جرى عليهم على الحقيقة، وأنّه ما شبه للناس أمرهم كما يزعمه من يتجاوز الحد فيهم، بل شاهدوا قتلهم على الحقيقة والصحة، لا

على الحسبان والخيلولة، ولا على الشك والشبهة . فمن زعم أنهم شبهوا، أو واحد منهم، فليس من ديننا على شئ، ونحن منه برآء"[6].

 

الغلاة وتخريب الدين 

 

إن الغلاة قد ساهموا في تخريب الدين والتلاعب به وذلك من خلال:

1-  أفكارهم المناقضة لأساس الدين، ومن هنا ورد في الحديث عن الإمام الرضا عنه ( عليه السلام ): "الغلاة كفار ، والمفوضة مشركون . . ." .وعنه ( عليه السلام ) : من تجاوز بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين".

2- وضع الأحاديث. ففي رواية ابن أبي محمود "إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا. فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا. وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله عز وجل: {لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}"

.3- تأويل الشريعة، وهذا من أخطر ما فعله الغلاة ، حيث أولوا الشريعة، لتصبح الصلاة هي رمز إلى أمر نفسي وكذا غيرها من العبادات، والأمر عينه ينطبق على المحرمات، فهي رموز لأمور أخرآ. وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) وقد سئل: "روى عنكم أنّ الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجال؟ فقال: ما كان الله ليخاطب خلقه بما لا يعقلون"[7].

 

احذروا عل شبابكم من الغلاة

 

ومن هنا ورد عنهم التحذير من خطر الغلاة على الشباب، لأن دعواهم إلى التحلل وأن لا قيمة للشريعة هي دعوى تغري الشباب وتستجيب لغرائزهم، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ): "احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم ، فإن الغلاة شر خلق الله ، يصغرون عظمة الله ، ويدعون

الربوبية لعباد الله ، والله إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، ثم قال : إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصر فنقبله ، فقيل له : كيف ذلك يا بن رسول الله ؟ قال : لأن الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج فلا يقدر على ترك عادته وعلى

الرجوع إلى طاعة الله عز وجل أبدا ، وإن المقصر إذا عرف عمل وأطاع" .

 

 

محاضرة أُلقيت في مسجد الإمام الرضا (ع)

نُشر على الموقع الرسمي في 13-6-2016



[1] مناقب آل أبي طالب ج1 ص226.

[2] الكافي ج8 ص225- 226.

[3] تصحيح اعتقادات الصدوق ص131.

[4] بحار الأنوار ج25 ص296 نقلاً عن الكشي.

[5] بحار الأنوار ج25 ص346.

[6] الاعتقادات ص31- - 319.

[7] تفسير العياشي ج1 ص341.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon