حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
محاضرات رمضانية: الزواج.. سكن
الشيخ حسين الخشن



قال تعالى: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [ الروم 21].

وهذه آية قرآنية تتصل بتنظيم الاجتماع البشري، ولنا معها عدّة وقفات :

 

الوقفة الأولى: الرجل والمرأة وحدة النوع والهويّة

 

 إن الآية الشريفة تتحدث عن حقيقية تكوينية ، وهي أن الرجل والمرأة مخلوقان من نفس واحدة، {خلق لكم من أنفسكم أزواجاً} ، وهذا ما أكّدت عليه العديد من الآيات القرآنية، قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً

وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء 1]، فالنوع الإنساني خلق من نفسٍ واحدة وخُلق منها زوجها، والزوج يطلق على الذكر والأنثى، والمرأة هي جزء لا يتجزأ من هذا النوع، تماماً كما هو الحال في الرجل، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا

وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس 7- 10]. إنّ اشتراك الرجل والمرأة في أصل الخلقة والفطرة يستفاد - أيضاً - من آية أخرى، وهي قوله تعالى: { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} [النساء 10].

 

 وليس المقصود بهذه الآيات أنّ المرأة مخلوقة من ضلع الرجل، فهذه الفكرة توراتية ولا صحة لها في منطق القرآن الكريم، وإنما المقصود بالآية أنّهما خلقا من أصل واحد ومن طينة واحدة، فالقرآن لا يوافق على حكاية خلق حواء من ضلع آدم، هذه الفكرة هي من الإسرائيليات المتسربة إلى

ثقافتنا الإسلامية، ومما يؤسف له أنّ الكثير من الأفكار التوراتية تسربت إلى ثقافتنا الإسلامية من خلال مسلمة أهل الكتاب الذي سُمح لهم أن يبثوا أفكارهم في المجتمع الإسلامي غير المحصنّ بما فيه الكفاية، ومن تلك الأفكار أيضاً التي لا تبتعد عن مقامنا فكرة أنّ حواء أصل الإغواء، بينما نجد أن

القرآن ينص على أنّ {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } [ الأعراف 20]، والاثنان معاً انساقا مع تلك الوسوسة الشيطانية ووقعا ضحاياها وسقطا في حبالها، قال تعالى في مورد

آخر يقول سبحانه: { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة 36]،

 

بالعودة إلى هذا المبدأ المذكور وهو مبدأ المساواة في أصل الخلقة، والانبثاق من نفس واحدة، فإننا نقول: إنّ هذا المبدأ يتفرع عليه العديد من الأسس التشريعية، ومنها أنّهما معاً يمثلان خلافة الله على الأرض، وأنهما يشتركان في التكريم الإلهي، فهو تكريم للإنسان وليس للذكر فقط، ومنها

اشتراكهما في الدور الرسالي، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم} [التوبة 71]. ومنها وحدة الحساب: قال تعالى: { من عمل صالحاً من

ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [ النحل 97].

 

 

الوقفة الثانية: السكن كهدف للزواج

 

الزواج ضرورة للاجتماع البشري، والإسلام يرفض مبدأ التبتل والرهبنة والانقطاع عن الجنس الآخر، فهذا سلوك غير سوي ومخالف للفطرة ولذا لا يمكن أن يأمر به المشرع الحكيم، قال تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} [الحديد-27]،

والزواج يحقق للرجل والمرأة عدة غايات ورغبات:

 

1-  منها تلبية الغريزة الجنسية، وهذه شهوة ولذة محللة، وهذا هدف مشروع، فكما يحتاج الإنسان إلى تلبية غريزته وحاجته إلى الأكل والشرب، كذلك بحاجة إلى تلبية حاجته إلى الزواج إطفاءً للغريزة، والغريزة ليست عيباً ولا دنساً

 

.2- ومنها بقاء النسل البشري، وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة 223]، وفي الآية كما يقول بعض المفسرين: "إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع الإنساني. فالمرأة بموجب هذا التعبير ليست وسيلة لإطفاء الشهوة، بل وسيلة

لحفظ حياة النوع البشري"، إلى أن يقول: "هذا الأمر القرآني يشير إلى أن الهدف النهائي من الجماع ليس هو الاستمتاع باللذة الجنسية، فالمؤمنون يجب أن يستثمروه على طريق تربية أبناء صالحين، وأن يقدموا هذه الخدمة التربويّة المقدسة ذخيرة لأخراهم. وبذلك يؤكد القرآن على رعاية الدقة في

انتخاب الزوجة كي تكون ثمرة الزواج إنجاب أبناء صالحين وتقديم هذه الذخيرة الاجتماعية الإنسانية الكبرى"[1].

 

3- والهدف الثالث والأسمى هو أن الزواج يحقق السكن للزوجين، والسكن هو الإطمئنان والاستقرار، وسمي البيت مسكنأ، لأنّه يحقق هذه الغاية، ويعبر القرآن عن الليل بأنه سكن، قال تعالى:{ وجعل الليل سكناً} وذلك، لأنه يشكل الأمن والاستراحة للإنسان، وحاجة الإنسان إلى السكن

والاطمئنان واضحة وجلية، ذلك لأنّ طبيعة الحياة والعمل والمشاغل المختلفة تُدخل الإنسان في الكثير من المتاعب والمشاكل، فيحتاج إلى من يمنحه الأمن، وقد وفّر الله تعالى الكثير من عناصر السكينة

 

-  ومن أهم هذه العناصر التي تحقق له الأمن العبادة كالصلاة، قال تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [ التوبة 103] . والصلاة تحقق له السكينة الروحية.

- ومنها الزواج وهو يحقق له السكينة النفسية والاجتماعية، وذلك عندما يأوي إلى إنسان ليمنحه السكن ويهدأ روعه ويزيل همّه، فالزوج سكن للمرأة، والمرأة سكن للزوج، والزوج في قوله: {من أنفسكم أزواجاً} لا يراد به النساء فقط، فالزوج يطلق على المرأة والرجل، ما يعني أن السكن

متبادل، وأن الرجل لا بد أن يحرص على أن يوفر لزوجته السكن النفسي كما أن على المرأة أن تحرص على ذلك.

 

 ومن هنا علينا أن ننبه إلى أن الزواج عندما لا يحقق السكن للطرفين فهو انحراف عن الخط الذي كان الزواج من أجله، وعلى هذا الأساس فلا يجوز أن ندخل في زواج على أساس تجاري، أو مادي، أو لاعتبارات الجمال وحده، فعلينا أن نأخذ هذا الأمر في عملية اختيار الزوج، فالرجل عليه أن

يتساءل قبل أن يقدم على الزواج بامرأة: هل تحقق له السكن؟ والمرأة كذلك لا يصح لها أو لذويها أن يفكروا في الجوانب المادية البحتة، في الحديث النبوي الشريف:" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، فالأساس هو الخلق والدين وليس

المال والجمال، وهذان أعني الخلق والدين، هما اللذان يحققان السكن، فالسكن يأتي من صاحب الأخلاق الطيبة وليس من الإنسان العصبي أو ممن لا أخلاق له، ويأتي أيضاً من الدين، والعلاقة مع الله تعالى: { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد-28]..

 

 وقد تعتري الحياة بعض المشكلات الطارئة، ولذا فهما قد يحتاجان إلى إعادة تجديد هذه الحيوية التي تحقق السكن، إن الأسرة السعيدة هي التي تجدد حيوية الزواج، وإليك نموذج للأسرة السعيدة من صدر الإسلام ومن بيت علي الزهراء (ع)، فقد كانا أسعد زوجين، بماذا؟ بكثرة المال؟ أم بعظيم

الجاه، كلا لا ذا ولا ذاك، وإنّما بالتفاهم والتناغم الروحي بينهما، لقد كانت الزهراء (ع) مصدر الأنس والراحة لعلي (ع)، وقد عبّر (ع) عن هذا المعنى خير تعبير عندما قال فيما روي عنه: "فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل إليه، ولا أغضبتني ولا عَصَتْ لي

أمراً، ولقد كُنْتُ أنظرُ إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان"[2].

 

الوقف الثالثة: وجعل بينكم مودة ورحمة

 

إنّ من لطف الله بنا أنّه عمل من خلال سنته في الخلق على أن يزرع المودة والرحمة بين الزوجين، حيث جعل بين الزوجين، هذه المودة وتلك الرحمة، وهو ظاهر في الجعل التكويني لا التشريعي، وهذا الجعل كفيل بتحقيق السكن، فلا سكن بدون أمرين: وهما المودة والرحمة:

 

والمودة هي الروح لعملية السكن، لا يمكن حصول سكن إلا إذا كان المحبة قائمة بين الزوجين. ومن هنا فإن علينا أن نحرص على إبقاء شعلة الحب قائمة بين الزوجين فهذا يحفظ الحياة الزوجية ويحفظ تماسك الأسرة ويضمن تربية صالحة للأولاد، وعلينا أن نظهر الحب للطرف الآخر، ولعله

لهذا عبّرت الآية بلفظ المودة لا بلفظ المحبة حيث يقال: إن "المودة" تفترق عن "المحبة" بأنّ المودة هي حبٌ يتم إظهاره وتجسيده عملياً، بخلاف المحبة فقد تبقى حبيسة القلب، وقد ورد في الرواية عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): "قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُحِبُّكِ لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا

أَبَداً".

 

 وأما الرحمة، فهي الشرط الذي لا بدّ منه لتحقق معنى السكن، فلا سكن إلا إذا أديرت الحياة على أساس مبدأ الرحمة، فالحياة الزوجية ليست معسكراً ليتعامل الزوج مع زوجته على أساس إصدار الأوامر، وما عليها سوى التنفيذ، الرحمة تفرض على الإنسان أن يغض لطرف عن بعض الهنات

العابرة، والرحمة تفرض على الزوج أن يقدر معاناة زوجته، وتفرض على الزوجة أن تقدر متاعب زوجها.

 

 

محاضرة أُلقيت في مسجد الإمام الرضا (ع) في شهر رمضان 1437 2016

نُشرت على الموقع في 15-6-2016



[1] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 2 ص 123.

[2] أنظر: كشف الغمة في معرفة الأئمة ج1 ص373.

 


تحميل الملف



اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon