حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  لقاءات >> مقابلات
مع جريدة النهار الكويتية: كل صوت يدعو إلى الفتنة هو منكر



وبعد الحلقة الأولى بعنوان "انتصار الصوم عاى الغرائز"، تأتي الحلقة الثاثية من حديثه لـ النهار، قال سماحة الشيخ الخشن ان رجل الدين يجب ان يكون عنوان الرحمة لا الاستفزاز والفتنة، وشدد على ان علماء الدين مدعوون في هذا الشهر المبارك، اكثر من غيرهم، ان يشكلوا صمام أمان، ان يكونوا

اطفائيين في هذه الامة، لا ان يكونوا سبباً للتوتر والانفعال والفتنة التي تشتعل هنا او هناك.


الشيخ الخشن أكد انه من واجبنا اننا، اذا سمعنا رجل دين يدعو للفتنة ان نقول له انزل عن هذا المنبر، فهذا المنبر لهداية الناس، وليس لاثارة الفتن والقلاقل بين الناس، ورأى ان كل صوت يدعو للفتنة هو صوت منكر، بل هو من أشد المنكرات التي لا بد ان نواجهها، شارحاً ان المنكر العادي الذي يفعله

الانسان العادي قد لا يضر الا مرتكبه نفسه، اما المنكر الذي يمارسه رجل الدين الفتنوي، فانما يضر بالأمة جمعاء، ومعتبراً ان أفضل الجهاد هو كلمة حق في وجه جائر وظالم وصاحب منكر، وأن هذا هو الجهاد الحقيقي، الجهاد في اللسان بوجه الفتنويين في هذه الأمة. وفيما يلي نص الجزء الثاني من

الحوار:

 

قلتم ان العبادة ليست شعائر وطقوسا. فكيف يستطيع المسلم ان يتعبد لله ان كان منشغلاً عن أداء فرائض العبادة وشعائرها؟


كلنا يستطيع ان يجد متسعاً من الوقت ليجلس مع الله ليناجيه ويشكو اليه همومه. فنحن بنو الانسان، مهما بلغنا من الثروة والجاه، نبقى فقراء في مكان ما، نبقى بحاجة للغني المطلق وهو الله سبحانه وتعالى. نحن بحاجة لأن نشكو اليه همومنا وآلامنا وأوجاعنا، وأن نخاطبه بطريقتنا. فالله لا يحتاج الى

رسل ليتحدث معنا، ولا يحتاج لغةً خاصة. فلنحدث الله باللغة التي نرتاح اليها. بلهجتنا العامية. فلنشكو اليه كل ما يقلقنا. هذه الشكاية الى الله، هذه المناجاة مع الله تعالى يجب ان نجد لها فرصة في شهر الله سبحانه وتعالى.


أما المستوى الثاني المهم فهو روح العبادة. فبعض الناس يأخذون الشكل من العبادة وينسون الروح. العبادة شكل وروح، والصوم شكل وروح. والروح الحقيقية هي ان نحلق مع الله، وأن نعيش بحيث نكون كالنحل في الطير لا تعطي الا الخير، ان نكون كالشمس التي ترسل أشعتها على البر والفاجر، على

المؤمن والكافر، ان نكون معطائين، اهل خير يرجى خيرنا. المسلم المؤمن ليس شخصية تخافها الناس. ومع الأسف هذا هو التشوه الذي أصاب الشخصية الاسلامية، حيث غدا المسلم شخصاً مُهاباً يميل الناس بوجوههم عنه. المسلم يجب ان يكون شخصاً يأنس الناس بالنظر اليه ويشعرون بنور الايمان

في وجهه، لا ان يخافوا منه.

 


والتشوه الآخر الذي أريد ان أعود وأركز عليه هو التشوه في العبادة، حيث اننا اقتصرنا في العبادة على الشكل دون الروح. والتشوه الآخر الذي أصاب العبادة هو أننا قزمنا وقلصنا مساحة العبادة، فأصبحت العبادة مجرد ذكر وصلاة وصيام، وهذه عبادات مطلوبة دون شك وهي واجبات. لكن هناك

عبادات من نوع آخر. فكل عمل نرسل فيه عطفنا على بني الانسان ونشعر به الآخر بالاهتمام به، كل نشاط انساني نافع لا نريد به الا رضى الله، ولا نريد به من العبد شكورا، كل عمل من هذا القبيل عبادة. ارشادنا للانسان الضال والتائه الذي يفتش عن عنوان معين ولا يجده هذا شكل من أشكال

العبادة. ازالتنا للحجر من طريق الناس أي اهتمامنا بالبيئة عبادة. يقول الامام علي عليه السلام ان من العبادة لين الكلام وافشاء السلام.


علينا في هذا الشهر ان نحسن فهمنا للدين والعبادة، وأن نجدد حيويتنا ونشاطنا الروحي والاجتماعي.

 


في هذا الشهر الفضيل، أية مسؤولية تقع على عاتق رجال الدين برأيكم لابداء المزيد من اللين في خطبهم واضفاء بعض اللين والحب على أحكام قد يتخذونها بحق بعض المخطئين من المسلمين؟

 


رسالة عالم الدين رسالة عظيمة. فهو يمثل رسول الله والأئمة والسلف الصالح. ولهذا لا بد ان يحمل القيم التي حملها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأن يحمل أخلاقياته. فالرسول الداعية (ص) كان يدخل قلوب الناس قبل ان يدخل بيوتهم. فرسول الله (ص) لم يفرض دينه على الناس بالسيف،

وهذا مؤكد، انما بأخلاقه الحسنة والطيبة، برحمته الواسعة دخل قلوب الناس.النبي انما تربع على عرش القلوب بهذه الرحمة التي جعلته يدخل مكة، وهي أكثر بلدة آذته وطردته ورمى أهلها عليه القمامة. لكن عندما دخلها، قال اذهبوا انتم الطلقاء. وعندما سمع منادياً ينادي في مكة اليوم يوم الملحمة

واليوم تسبى الحرمة رفض نبي الله هذا الكلام وقال اليوم يوم المرحمة واليوم تصان الحرمة. رجل الدين يجب ان يكون عنوان الرحمة لا الاستفزاز والفتنة.


وللأسف نجد ان الكثير من رجال الدين هم عنوان الفتنة في هذه الامة، وهم الذين يصبون فوق نار المذهبية والطائفية زيتاً ويزيدون الفتنة. علماء الدين مدعوون في هذا الشهر المبارك، اكثر من غيرهم، ان يشكلوا صمام أمان، ان يكونوا اطفائيين في هذه الامة، لا ان يكونوا سبباً للتوتر والانفعال والفتنة

التي تشتعل هنا او هناك.

 


هنا هل يجوز للمسلم ان يخرج من مجمع ما اذا سمع خطبة أو حديثاً يؤجج مشاعر الفتنة ؟

 


ان من واجبنا، عندما نستمع كلاماً من احد الأشخاص، ولو كان يحمل عمامة أو ينتسب الى سلك رجال الدين كما يقال، من واجبنا ان ننهاه عن المنكر وأن نقف في وجهه، وألا نقره على ظلمه. هذه رسالة مهمة . فالأمة لا يجوز لها ان تقر. فالنبي، وهو المعصوم، كان يدعو الأمة ان يقيموه ويشيروا

عليه. والامام علي عليه السلام كان يدعو الامة ويحرضها على ان تنتقده بحق. وكان يقول ولا تكلموني بما تكلَم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة (الذين يبادرون الى السيف)، ولا تكفوا عن مقالة بحق وعدل


من هنا أقول أنه من واجبنا وليس فقط يجوز لنا، بل من واجبنا اننا، اذا سمعنا رجل دين يدعو للفتنة ان نقول له انزل عن هذا المنبر، فهذا المنبر لهداية الناس، وليس لاثارة الفتن والقلاقل بين الناس.


نفهم من كلامكم ان التحريض يعتبر منكراً..


المنكر درجات. وقد لا يقع رجال الدين في المنكر الأخلاقي. وبعضهم يقع لأنهم ليسوا معصومين. لكن المنكر الذي يقع به بعض رجال الدين هو المنكر الفكري، الذي يكون سبباً ليشعل الفتن من خلال خطابه المذهبي والطائفي في الأمة. حتى لو كان يتكلم من على منبر المسجد، فكل صوت يدعو للفتنة

هو صوت منكر، بل هو من أشد المنكرات التي لا بد ان نواجهها.


بالفعل ان المنكر العادي الذي يفعله الانسان العادي قد لا يضر الا مرتكبه نفسه، اما المنكر الذي يمارسه رجل الدين الفتنوي، فانما يضر بالأمة جمعاء. ولذلك لا بد لنا ان ننكر عليه. وأفضل الجهاد هو كلمة حق في وجه جائر وظالم وصاحب منكر. هذا هو الجهاد الحقيقي، الجهاد في اللسان، الجهاد في وجه الفتنويين في هذه الأمة.

 

 

تعتقدون اذاً ان على المسلم مسؤولية هذا النوع من الجهاد في شهر رمضان؟

 


نعم، شهر رمضان هو شهر لجهاد النفس، وهو أيضاً شهر لازالة كل العوائق التي تمنع تلاقي المسلمين مع بعضهم البعض، وبالتالي هو شهر لجهاد أؤلئك الذين يصرون على الخطاب الفتنوي في الامة. هؤلاء لا بد ان نعمل على مجاهدتهم، وأولى الأزمنة لمجاهدة هؤلاء هو شهر رمضان المبارك.

والجهاد المعني هنا ليس جهاد السلاح، بل جهاد الكلمة. الكلمة هي سلاحنا الأمضى.


العلماء الوحدويون والاطفائيون في هذه الأمة موجودون، لكن ما يؤسف له هو ان أصواتهم ليست مرتفعة، ليس لأنهم لا يرفعون أصواتهم، بل لأن السياسة تريد التركيز، من خلال الاعلام، على الصوت الفتنوي، لأنه هو الذي يخدم المعركة وصوت المعركة. لذلك، لو نظرنا نظرة تأمل، سنجد ان

معظم المسلمين، علماء وعموما، هم من المعتدلين. قلة هي الفئة المتشددة من هنا وهناك. 90 في المئة، بل لا نبالغ ان قلنا ان 95 في المئة من المسلمين هم معتدلون، ويريدون ان يحيوا حياتهم بأمن وسلام ووئام مع جيرانهم من المسلمين من كافة المذاهب، مع جيرانهم من الطوائف الأخرى، مع

جيرانهم من غير اهل الكتاب حتى. لكن الذي يرتفع في الغالب هو الصوت النشاز. والاعلام لا يركز الا على النشاز.


سؤالك نسمعه من صحافيين كثر يعجبون بحديث كهذا، وجوابنا أننا نقف أنفسنا في سبيل وحدة الأمة وعزة الأمة وكرامتها ومنعتها، وفي سبيل نشر الفضيلة والأخلاق والوئام والتلاقي بين بني الانسان. رسالتنا هي رسالة حب. وهل الدين الا الحب؟ هذا هو صوتنا. لكن بعض الاعلام الذي يعمل موظفاً

لدى المشاريع السياسية الفتنوية لا يعنيه هذا الصوت المعتدل، بل يركز على الصوت الذي يخدم مصالحه.

 


قلتم وهل الدين الا الحب. عن أي حب في الاسلام تتحدثون ههنا؟

 


شهر رمضان. اذا أردنا ان نلخصه، نقول انه شهر الحب. هو حب الله. وعندما نحب الله سبحانه وتعالى، نحب عيال الله. الحب لله يعلمنا قيمة الحب. والحب من القيم والمفاهيم الاسلامية التي تراجعت عن حياة المسلمين وعن خطابهم الديني. تراجعت قيمة الحب مع أنها حاضرة بكثرة في النص القرآني.

وأنا أعتقد ان علينا ان نعيد لقيمة الحب اعتبارها. فالحياة لا تبنى الا على أساس الحب. ليحب الانسان زوجته وأبناءه وجيرانه وأهل بيته.


الانسان المسلم هو عنوان الحب. ديننا دين المحبة، واذا أدخلنا المحبة الى حياتنا تزول كل مشاكلنا. وقد أكون حالماً في هذا الطرح، لكن فلنحلم. وهل تمنع علينا حتى الأحلام الطيبة؟! علينا ان نعمم قيمة الحب في كل شيء.


فاذا أدخلنا عنصر الحب الى التربية مثلاً نرى أننا خلقنا مجتمعاً عظيماً. حتى القانون يحتاج الى لمسة من الحب. فالامام قال اوأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم ، فانهم صنفان: اما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق. فقيمة الحب لا بد

ان ننشرها حتى على الطبيعة. فلولا الحب لما أرضعت الأم رضيعها ولما صبرت على تربيته. لولا الحب لما صبر الفلاح على تعب الأرض وأعطانا الخبز. لولا الحب لما أعطانا الشاعر قصيدة جميلة.. قيمة الحب هي التي تبني الحياة وتعطي الحياة معناها ومغزاها.

 

مقابلة مع جريدة النهار الكويتية، أجرتها الصحافية غنوى غازي، في 30-6-2016

http://annaharkw.com/Annahar/Article.aspx?id=668677&date=30062016

نُشرت على الموقع في 8-7-2016

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon