حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> فقهية
تأملات في نصوص الردة(4)
الشيخ حسين الخشن



 

لا زلنا نستعرض الروايات الواردة في حد الردة الواردة من طريق الأئمة من أهل البيت(ع) مع ما يرد عليه من ملاحظات وتأملات.

 

حديث الوطء بالأقدام:

 

الحديث الثاني هو ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله(ع): أن رجلاً من المسلمين تنصر فأتي به أمير المؤمنين(ع) فاستتابه فأبى عليه فقبض على شعره، ثم قال: "طئوا يا عباد الله فوطئ(فوطؤوه) حتى مات" (الكافي 3/152. التهذيب 10/137، الفقيه 3/152).

 

ولنا مع هذه الرواية وقفتان: الأولى: مع السند، والثانية: مع الدلالة والمضمون.

 

أما الوقفة الأولى:

 

فإن السند غير نقي. قال المجلسي في مرآة العقول23/397 :" ضعيف على المشهور" وصرّح بضعفه أيضاً بعض الفقهاء (كتاب الطهارة للسيد الكلبيكاني ج1/354) والظاهر أن الخدشة في السند لدى هؤلاء العلماء هي بسبب اشتماله على موسى بن بكر الذي وقع الخلاف في وثاقته، وقد اعتمد السيد الخوئي في توثيقه على شهادة صفوان بأن كتاب موسى بن بكر مما لا يختلف فيه أصحابنا (معجم رجال الحديث:20/33).

 

أما الوقفة الثانية:

 

فإن الحديث ـ دلالة ومضموناً ـ موضع تأمل من جهتين:

 

الأولى: أنه مع كون الحديث وارداً بحسب الظاهر في المرتد الفطري، كما اعترف به بعض الفقهاء (كتاب الطهارة للسيد الكلبيكاني ج1/354) فقد حكم باستتابته، فيكون معارضاً لما دلّ على عدم استتابته، اللهم إلاّ أن يقال: إن الحديث ـ لا سيّما مع كونه ينقل قضية بعينها ـ لا يأبى الحمل على المرتد الملي.

 

الثانية: إن المعروف في القتل قصاصاً أوحداً هو القتل بالسيف إلاّ في موارد محددة كالرجم، وهو المصرح به من بعض الفقهاء في حدّ الردة (تحرير الأحكام للعلامة الحلي 5/294 وروضة الطالبين للنووي7/310)، أما القتل بطريقة الوطء بالأقدام فهو غير معهود في إقامة الحدود، ولم نجد من أفتى به، بل إن هذه الطريقة لا تخلو من غرابة تماماً كطريقة الرجم، ما يثير الاهتمام بشأنها ويحرك حفيظة الرواة لنقلها بشكل متزايد، مع أننا لم نعثر ـ وخلافاً لقضية الرجم مثلاًـ على أي ذكرٍ لها في مصادر المسلمين، باستثناء خبر واحد وهو الخبر المتقدم، الأمر الذي يثير الريبة في الرواية ويزيدها شذوذاً، ويحدّ من إمكانية الاعتماد عليها في قضايا القتل وسفك الدماء.

 

على أن لنا أن نتأمل في طريقة القتل هذه أعني طريقة الوطء بالأقدام من جهة أخرى وهي إن هذا الأسلوب لا ينسجم مع روح الإسلام وتعاليم النبي(ص) التي أمرت وأوصت بمراعاة جانب الرحمة واجتناب القسوة عند تطبيق الحدود أو الاقتصاص من الآخرين، ففي الحديث عن رسول الله(ص): "إن الله كتب (يحب) الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتل، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"(صحيح مسلم 6/72)، واستناداً إلى هذا الحديث أفتى الفقهاء بأنه لا بدّ من "التفحص عن حال السيف ليكون الاقتصاص بالصارم لا بالكال المعذِّب(المسالك 15/234)، وقد منع الإسلام أيضاً من التجاوز في تطبيق الحدود معتبراً أن ذلك ظلم واعتداء يستحق فاعله القصاص، ففي الحديث عن أبي عبدالله(ع): إن لكل شيء حداً ومن تعدى ذلك الحد كان له حد"، وفي رواية أخرى عن أبي جعفر(ع) قال: إن أمير المؤمنين(ع) أمر قنبراً أن يضرب رجلاً حداً، فغلط قنبر فزاده ثلاثة أسواط فأقاده علي(ع) من قنبر بثلاثة أسواط"(الوسائل 28/17 الباب3 من أبواب الحدود والتعزيرات).

 

وهكذا فقد جاء في وصايا الأئمة من أهل البيت(ع) النهي عن ضرب المحدود في أوقات الحر أو البرد الشديدين، وإنما يؤخر في الصيف إلى الساعة التي تبرد فيها حرارة الطقس، ويؤخر في الشتاء إلى الساعة التي ترتفع فيها درجة الحرارة. (راجع الوسائل28/21).

 

هذا في الحدود، والأمر عينه نجده في القصاص فلا يجوز لولي الدم أن يسرف في القتل كما نصّت الآية الشريف {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} وقد أفتى الفقهاء بضرورة استخدام السيف في القصاص دون غيره من طرق القتل حتى لو كانت الجناية بالتغريق أو التحريق أو نحوهما (المسالك15/235، الجواهر42/296)، والوجه فيه ما ورد في الصحيح عن الإمام الصادق(ع): عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه حتى مات أَيُدْفَعُ إلى ولي المقتول فيقتله؟ قال:" نعم، ولا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف"(الوسائل29/126)، وغير ذلك من النصوص المانعة من قتله بغير السيف أو الإسراف في قتله أو التمثيل به (المصدر نفسه، وجامع أحاديث الشيعة الباب 53 من كتاب القصاص والديات) وهذه الأحكام وإن كانت واردة في القصاص لكن يمكن تعديتها إلى الحدود، إما بدعوى الأولوية باعتبار أنه إذا كان التجاوز في حدود الناس ممنوعاً فبالأولى في حقوق الله، لأنها مبنية على التخفيف، وإمّا لأن التعليل الوارد في هذه النصوص بالإسراف والعبث والمثلة هو أشبه بالمفاهيم الآبية عن التقييد والتخصيص.

 

بملاحظة ما تقدم فإن أسلوب الوطء بالإقدام في إقامة الحد يستوقف الإنسان لجهة عدم انسجامه مع روح النصوص والتعاليم الأنفة.

 

وفي ضوء هذه الروح فقد استشكلنا في بعض المقالات السابقة في قضية التحريق المنسوبة إلى أمير المؤمنين(ع) وأما قضية الرجم وقساوته فهي لولا تسالم المسلمين وتواتر نصوصهم وكونها معروفة في الشرائع السماوية السابقة على الإسلام لكانت محلاً للتأمل.

 

حديث نفي التوبة:

 

ومن أشهر الأحاديث الواردة في قتل المرتد عن طريق أهل البيت(ع) صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (ع) عن المرتد؟ فقال: "من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد(ص) بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته ويُقسَّم ما ترك على ولده"(الوسائل الباب1 من أبواب حد المرتد الحديث2).

 

أقول: لا غبار على الرواية من جهة السند خلافاً للمقدس الاردبيلي (مجمع الفائدة13/320) حيث اعترض على سندها وعبّر عنها بالحسنة، والوجه في ذلك اشتمال السند على إبراهيم بن هاشم وهو ممن لم تثبت وثاقته بنظر جمع من الإعلام، إلاّ أن الصحيح وثاقته كما حقق في محله فلا غبار على الرواية سنداً، أجل تبقى خبراً واحداً وقد عرفت إشكالية الاعتماد في قضايا الحدود وأمثالها على خبر الواحد، ومع صرف النظر عن ذلك فإن الرواية لا تخلو من إشعار بعدم بداهة الحكم بقتل المرتد في زمن الإمام الباقر(ع) كما يشهد بذلك وقوع القضية مورداً للسؤال من قبل الفقيه المعروف محمد بن مسلم وهو من أصحاب الإجماع الذين يؤخذ عنهم الحلال والحرام(معجم رجال الحديث:18/260).

 

إلى ذلك فقد أثير في وجه هذه الرواية وسواها من الروايات التي نفت قبول توبة المرتد ملاحظة وهي: إن ظاهرها عدم قبول توبته مطلقاً ظاهراً وباطناً، وهذا ما لا يمكن الالتزام به، "أمّا باطناً فيمكن دعوى القطع به لعموم رحمته تعالى وفضله على العباد" واستحالة أن يرد الله أو يغلق بابه في وجه من آمن وتاب إليه فضلاً عن أن يعذبه عذاب الكفار، بل لعل ذلك مخالف لأصول العدلية كما يرى الإمام الخميني رحمه الله (كتاب الطهارة 3/632) إن النصوص القرآنية والحديثية المستفيضة بل المتواترة الواردة في توبة الكافر والفاسق آبية عن التقييد، قال تعالى:{ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهاناً إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً}(الفرقان68-69)، وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال: "من كان مؤمناً فعمل خيراً في إيمانه ثم أصابته فتنة فكفر، ثم تاب بعد كفره، كُتِبَ له وحُسب كل شيء كان عمله في إيمانه ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره"(الوسائل الباب99 من جهاد النفس) وهكذا لا يمكن الالتزام بعدم قبول توبته ظاهراً، لأن المرتد ملياً كان أو فطرياً بعد توبته وقبل إقامة الحد عليه مكلف بالصلاة والصيام والزكاة والحج ويجوز له الزواج بالمسلمة ودخول المساجد إلى غير ذلك من أحكام المسلمين ولا يمكن التفوه بإنكار ذلك، ما يعني أنه لا يمكن الحكم بنفي قبول توبته ظاهراً لاستلزامه التكليف بما لا يطاق، لأنّ عدم قبول توبته والحكم بكفره يعني عدم صحة الصلاة أو الصيام منه ولا يسمح له بدخول المسجد الحرام للحج، فكيف يُكلف بالصلاة والصيام والحج مع عدم صحتها منه! وهل هذا إلا تكليف بما لها يطاق (الروضة البهية 9/337، والمسالك13/34، والتفتيح للخوئي3/228، والغنائم5/371).

 

وحاصل الملاحظة التي نريد تسجيلها في المقام: إنّ الحكم بنفي قبول توبة المرتد ـ في الرواية ـ لا يمكن القبول به على إطلاقه، أما توجيه ذلك بأنّ الإطلاق المذكور في نفي التوبة قابل للتقييد والتخصيص بخصوص الأحكام الثلاثة المذكورة في الرواية وهي: الحكم بقتله، وبينونة زوجته، وتقسيم تركته، فنفي التوبة محمول على خصوص الأحكام المذكورة لا مطلقاً، إن هذا التوجيه خلاف الظاهر  وإن صار إليه والتزم به معظم الفقهاء المتأخرين وحاولوا توجيهه ببعض القرائن التي لا تخلو من تأمل(راجع مستمسك العروة2/118)، الأمر الذي يوهن الرواية ويحول دون حصول الوثوق بها.





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon