حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> تاريخية
نظرة حول الصحبة والصحابة
الشيخ حسين الخشن



سأل بعض الناس الأسئلة التالية:

1.       رأينا بعض علمائنا ومراجعنا يترضون على صحابة النبي (ص) الذين حصل خلاف مذهبي حولهم، كيف نفهم هذا الترضي، وكيف نوجّهه؟

2.       وماذا عن الصحابي الذي ثبت بالدليل فسقه أو ظلمه لأهل البيت (ع)، كيف نطلب له المغفرة مع أنّه ظالم لأهل البيت (ع)؛ ألا ينافي هذا حبنا لأهل البيت (ع)؟

3.       إنّ بعض الصحابة فعل ما فعل، مما يبعده عن استحقاق الترضي بل يلزم إعلان البراءة منه، فكيف نترضى على من تجب البراءة منه؟

وفيما يلي نقدّم الجواب على هذه الأسئلة، وذلك من خلال بيان عدة نقاط:

 

1.       دور النبي (ص) في تربية الصحابة

 

النقطة الأولى: لا شك لدينا أنّ النبي (ص) بذل جهدًا جليلًا وعظيمًا في بناء جيل من الصحابة الكرام الذين حملوا الرسالة الإسلامية، وبذلوا أغلى ما يملكون في سبيل الإسلام، وضحوا بالغالي والنفيس من أجل إعلاء كلمة التوحيد، وعملوا على نشر الإسلام في آفاق المعمورة. ولهؤلاء - وهم

كثيرون - كل التقدير والاحترام بما لهم من سابقة الجهاد والورع وحمل الرسالة، وأعتقد أنّ الخطاب الشيعي مدعو إلى مزيد من الاهتمام والعناية بهؤلاء واستحضارهم والإشادة بمواقفهم وجهودهم وتضحياتهم، سواءً من استشهد منهم في حياة النبي (ص) أو الذين عاشوا بعده، وإنّه حتى مع أخذ

المعايير المعتمدة شيعيّاً في تقييم الأشخاص من زاوية موالاتهم لأهل البيت (ع) فلا ريب أنّ جمعًا كبيرًا من الصحابة ظلّوا على العهد، ووقفوا إلى جانب الإمام علي (ع) وآمنوا بحقه في الخلافة، دون أن يمنعهم ذلك من الانخراط في العمل الإسلامي حتى في ظل قيادة الذين تقدّموا على الإمام علي

(ع). ومن المرجح أنّ انخراطهم هذا كان بعد استشارة الإمام وأخذ نصيحته. بل إنّ الإمام علي(ع) نفسه قد سار على هذا النهج عندما رأى أنّ مصلحة الإسلام تقتضي ذلك.

 

2- رؤيتنا حول الصحابة

 النقطة الثانية: إن رؤيتنا حول الصحبة والصحابة تقوم على عدة ركائز:

 

أولاً: إنّ الصحبة عندما ننظر إليها من زاوية أنها تمثل انتماءً والتزاماً واتباعاً من قبل الصحابي لصاحب الرسالة (ص) فهي فضيلة دون شك، وأمّا لو أننا جردناها عن الموالاة والاتباع والالتزام بنهج النبي (ص) والسير على هديه وخطاه، فإنها لا تُعدّ فضيلة، بل ستغدو مذمة للشخص، فهو مع

كونه من أصحاب النبي (ص) الذين رأوه وعاصروه فإنّه لم يهتد بهديه! بيد أنّ الصحبة على كل حال لا تمنح صاحبها عصمة ولا تجعله فوق مستوى النقد، ونحن لا نخجل في إعلان موقفنا الرافض لكل المحاولات التي تسعى إلى منح الصحابة نوعًا من العصمة، من خلال المقولات التي تمّ

الترويج لها، والتي  تقدّم تصوراً ملائكياً مبالغاً فيه حول جيل الرسالة الأول وتعتبرهم جميعًا عدولًا وأنّهم كـ "النجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، الأمر الذي يجعل من الصعب القيام بعمليّة نقدية ترمي إلى تقييم مواقفهم وأفعالهم، ويؤدي إلى التعتيم على ما جرى من حوادث في صدر الإسلام سواء كان في

حياة النبي (ص) أو بعد وفاته. إنّ هذا الأمر مرفوض ولا دليل عليه، بل هو يجافي منطق الدين نفسه، فضلاً عن أنّه يجافي الحقائق التاريخية.

 

 

 ثانياً: في ضوء ذلك يكون من الجائز، وربما الضروري أحياناً أن ننقد تاريخنا بكل مراحله التاريخية ورموزه الذين صنعوا هذا التاريخ، ولا سيما ما جرى عقيب وفاة رسول الله (ص) في موضوع الخلافة وما نتج عنه من انقسامات لاحقة. إننا ندعو إلى دراسة هذه المرحلة بكل محطاتها ومواقف

الرجال فيها، دراسة من يريد التعرف على الحقائق لأخذ الدرس والعبرة، ليعرف كيف يتعامل مع صناع تلك الأحداث الجسام في أخطر حقبة زمنية في تاريخ الإسلام، لا دراسة من يريد الجمود أو السكون في هذا التاريخ وإعادة انتاج صراعاته بطريقة أو بأخرى، وهذه الدراسة النقدية ستفضي حتماً

إلى تحديد الولاءات من الأشخاص، فمن كان متبعًا لتعاليم النبي (ص) في كل ما جاء به وأوصى به، فإننا نحترمه ونقدر له ذلك. وأما إذا انحرف أو ابتعد عن تعاليمه ووصاياه (ص)، فإننا لا نرى ضرورة لاحترامه ولا تكون مجرد صحبته سببًا للاحترام أو الترضي عليه أو مانعًا من نقده ودراسة

موقفه.

 

 

ثالثاً: إنّ النقد ولا سيما نقد الصحابة رغم مشروعيته وأهميته، لكنه لا يعني السباب ولا التجريح، ولا التطاول على الأشخاص بطريقة مسفة، فنحن نرفض سبّ المشركين، فما بالك بالمسلمين وصحابة النبي (ص)! وهذا ما تعلمناه في مدرسة القرآن الكريم، الذي أرشدنا إلى ضرورة اجتناب سبّ

آلهة المشركين، حذراً من أن يسبوا الله تعالى عدواً بغير علم، وهذا ما قد تعلمناه أيضاً من مدرسة الأئمة من أهل البيت (ع) وعلى رأسهم أمير المؤمنين (ع) الذي كان ينهى أصحابه وهم في أجواء الحرب مع أهل الشام أن يتناولوهم بالسب والشتم، وقال كلمته الشهيرة لما سمع أصحابه يشتمون

أهل الشام:" إِنِّي أَكْرَه لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، ولَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا ودِمَاءَهُمْ، وأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وبَيْنِهِمْ واهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَه، ويَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ والْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِه".

 

 

3- الترضي وعرفان الجميل

 

النقطة الثالثة: في موضوع الترضي على الصحابة، فقد اتضح أنّ الضرورة الأخلاقية تحتّم علينا - وفاءً لهم وعرفاناً لحقهم وتقديراً لمواقفهم - أن نترضى عمّن أحسن منهم وسار على نهج النبي (ص) واتبع هديه، ونحن في ذلك نتبع هدي القرآن الكريم، قال تعالى:{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ

الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} [ التوبة 100]، كما أننا نسير على نهج وهدي إمامنا زين العابدين (ع) حيث نراه قد خصّ الصحابة بمقطع كامل من بعض أدعيته للترضي عليهم،

يقول في صلاته على أتباع الرسل ومصدقيهم، وهو الدعاء الرابع من الصحيفة السجادية: "اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج

والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به، و من كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وارضهم من

رضوانك، وبما حاشوا الخلق عليك، وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه  من كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم، اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان، الذين يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان خير

جزائك...".

 

 

4- الترضي بين التولي والتبري

 

النقطة الرابعة: إنّ الترضي عن شخصٍ معين ليس معناه الإقرار بأنّه مرضيٌ عند الله تعالى، لأنّ جملة "رضي الله عنه" ليست جملة إخبارية، وإنما هي جملة إنشائية، بمعنى أنّها استدعاء وسؤال الرضا من الله تعالى عن الشخص الذي نترضى عليه. فكأنك تقول: اللهم ارضَ عن فلان وفلان، وهذا

لا مانع منه حتى بلحاظ الأشخاص العصاة والفسقة، بل إن هؤلاء – أي العصاة والفسقة – أحوج من غيرهم أن نطلب لهم المغفرة من الله تعالى.

 

أمّا التبري من الظالم فهو مبدأ إسلامي وقرآني بامتياز، وهو لا ينطلق من مشكلة مع الظالم بشخصه، وإنما جوهره هو التنديد والرفض للظلم، والاحتجاج على الظلمة، وبحسب تعبير بعض أعلامنا فإنّه لا مشكلة لنا مع شخص الكافر أو الظالم بل المشكلة هي مع كفره وظلمه وفسقه، هذا من جهة،

ومن جهة أخرى، فإنّ الترضي على شخصٍ لا يمثّل تولياً له، ولا حبّاً ولا رضى بفعله، ولا إقراراً بنهجه، بل إنّ الترضي أو الترحم في بعض السياقات ربّما يختزن إيحاءً سلبياً، لجهة دلالته الالتزامية على ارتكاب الشخص المترضى عليه الشخص إلى ما يحتاج معه إلى طلب الرحمة والرضوان.

هذا كله إذا لم يكن الترضي مقترناً بسياق معين أو قرائن تعكس معنى الحبّ والتولي للظالم، وإلاّ فلا بدّ من اجتنابه.

 

وبهذا يتضح أيضاً أنّ الترضي عن شخص بسبب عدم إطاعته للإمام(ع) في أمر من الأمور لا ينافي حبّنا للإمام(ع) ولا موالاتنا له أبدًا، ولا ملازمة بين الأمرين، تمامًا كما نطلب من الله أن يغفر للعصاة الذين تجرأوا عليه تعالى بالمعصية مع أنّ هذا لا ينافي حبنا لله تعالى. ألم نقرأ في كتاب الله أنّ

ابراهيم الخليل (ع) توجه إلى الله قائلًا: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 86 ]. وألم نقرأ في سيرة المصطفى (ص) أنه طلب إلى الله تعالى أن يغفر للذين آذوه وأخرجوه من دياره بغير حق، فقال (ص): "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

 

وفي ضوء ما يتقدّم، فإنه لو صدر الترضي من بعض العلماء أو غيرهم بحق أحد الصحابة، فهذا لا يعني إعطاء هذا الصحابي صكّ براءة، أو جعله فوق النقد، فضلًا عن أن يشكّل ذلك توليًا له أو رضىً بكل مواقفه وأفعاله.

 

نُشر على الموقع في 8-1-2016

 

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon