حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> عقائدية
في نقض أدلة الربوبيين
الشيخ حسين الخشن



أولاً: عدم الحاجة إلى الأنبياء (ع)!

ثانياً: قبح التسليم والانقياد لبشر مثلنا!

ثالثاً: التعاليم النبويّة ومستقبحات العقول!

رابعاً: المجتمعات المتمدنة والاستغناء عن النبّوة!

 

 

 

في مقالة سابقة تحت عنوان "النبوة ضرورة عقلية وحاجة بشرية" ذكرنا دلائلنا التي نستند إليها ونعتمد عليها في تأكيد ضرورة إرسال الرسل والحاجة الماسة إليهم، وهنا وفي هذه المقالة سندخل مع الربوبي في مناقشةٍ هادئة لرأيه النافي للنبوات والمنكر لكل تعاليمها، والسؤال:

بماذا تمسك الربوبي قديماً وحديثاً لإثبات مزاعمه حول إبطال النبوات؟ وهل تصمد الوجوه والحجج التي يذكرها على طاولة النقد العلمي؟ أم أنّها لا تعدو أن تكون مجرد دعاوى وشبهات؟

 

ونلاحظ في هذا المقام أنّ لدى الربوبي مستويين من الكلام:

المستوى الأول:

هو الكلام الأساسي والمباشر والذي يحاول من خلاله أنكار الحاجة إلى النبوّة، مورداً بعض الوجوه والإشكالات المؤيدة لرأيه في هذا المجال.

المستوى الثاني:

 

وهو الكلام غير المباشر والذي يحاول من خلاله طرح بعض الإشكالات والشبهات في وجه الفكر الديني، وهي شبهات يتوكّأ عليها للتشكيك في صدقيّة النبوّات. وطبيعي أننا لا نستهين بهذه الإشكالات، فربما شكّلت - لدى البعض - دافعاً لاعتناق الفكر الربوبي أكثر مما يمكن أن

يشكّله الكلام المباشر الذي يطرح في المستوى الأول.

 

وفي هذه المقالة سوف نتطرق إلى المستوى الأول من كلام الربوبي، على أن نعقد مقالاً خاصًّا لبحث الشبهات المشار إليها في المستوى الثاني.

 

وعلينا أن نلفت النظر إلى أننا سوف نعتمد تصنيف كلام الربوبي إلى هذين المستويين، مع إدراكنا لإمكانية إرجاع بعض الوجوه في أحد المستويين إلى المستوى الآخر منها.

 

وتجدر الإشارة إلى أنّ ما سنذكره من وجوه أو أدلة لإبطال النبوّة قد لا يكون مذكوراً في كلام الربوبيين، ولعله لم يخطر على بالهم، إلا أننا نعتقد بأنّ الموضوعية تفرض علينا أن نقدّم حجة الخصم بأقوى ما يكون، ثم نبذل جهدنا في تفنيدها ومناقشتها.

 

 

 

الوجه الأول: عدم الحاجة إلى الأنبياء (ع).

 

إنّه لا حاجة لنا إلى الرسل، وذلك، أنّ الرسول إمّا أن يأتي بما يوافق العقول أو بما يخالفها، فإن جاء بما يوافق العقول لم تكن إليه حاجة ولا فائدة، وإن جاء بما يخالف العقول وجب ردّ قوله.

 

ولكنّ هذا الكلام مردود بما ذكره الفيلسوف الإسلامي الشهير نصير الدين الطوسي في كتابه «تجريد الاعتقاد»، حيث قال: «البعثة حسنة لاشتمالها على فوائد، كمعاضدة العقل فيما يدل عليه، واستفادة الحكم فيما لا يدل».

 

 

ويمكن توضيح هذا الردّ المختصر بما يلي:

أولاً:

إنّ هذا الكلام الذي طرحه البراهمة والربوبيون مبتنٍ على افتراض مسبق ومفاده أنّ العقل يدرك كل ما يُصْلِحُ الإنسان ويفسده، وأنّ له حكماً في كل الأفعال، وبالتالي، فإن كان ما جاءت به الرسل موافقاً لحكم العقل فلا ضرورة له، أي لما جاءت به الرسل، وإن كان مضاداً لحكم

العقل، فلا يكون ما جاؤا به مقبولاً.

 

وتعليقنا هنا: أن ثمّة مصادرة في هذا الكلام، وهي افتراض أنّ العقل يدرك كل شيء مما ينفع الإنسان أو يضره وما يصلحه أو يفسده، وهذا أول الكلام، فنحن نسلّم بأنّ العقل يدرك الكثير من الأمور، وهي كليات الأمور ومبادئها العامة، لكن بعض الأمور ولا سيما القضايا

التفصيلية والجزئيات ليس للعقل فيها حكم أو موقف واضح لا سلباً ولا إيجاباً، وقد تختلف فيها أنظار ذوي العقول، وعليه فما المانع من أن يصدر عن الشرع حكمٌ في هذه الحالات.

 

ويمكننا مقاربة هذا الجواب بطريقة أخرى: وهي أنّنا نوجه سؤالاً لصاحب هذا الكلام، وهو أنّه ما المقصود بعدم انسجام ما جاء به الوحي عمّا حكم به العقل؟

 

إن أريد به المعارضة والمضادة التامة، فالمعارضة بهذا النحو ليست متصوّرة أساساً، ونحن لا نؤمن بحكم شرعي ينافي صريح أحكام العقول، ولا نجد حكماً من هذا القبيل، ونتحدى - بكل محبة - أن يدلنا أحد على حكم ينافي صريح حكم العقل، وسيأتي مزيد توضيح لذلك

لاحقاً. وإن أريد بعدم الانسجام أنّ ما يحكم به الوحي (كلاً أو بعضاً) ليس مما يقتضيه حكم العقل، فتعليقنا عليه، أنّ هذا لا يضرّ بشيء، ولا يشكّل عيباً في حكم الشرع وما جاء به الوحي؛ إذ ليس من شرط قبول حكم الشرع أن يكون مما يقتضيه أو يدركه العقل، وإنّما الشرط هو

أن لا يكون منافياً ومضاداً لحكم العقل.

 

ثانياً: إنّه حتى لو كان ما جاء به الأنبياء (ع) مما يدركه العقل، مع ذلك فإنّ في إرسال الرسل العديد من الفوائد الجليلة:

 

أ -منها: أنّ ما أتى به الأنبياء (ع) إن كان موافقاً لحكم العقل، فيكفي لرفع اللغوية عمّا جاء به النبي (ص) أن يكون مؤيِّداً ومؤكِّداً لحكم العقل، ما يجعل ذلك أدعى لامتثاله. فإنّ الإنسان المؤمن عندما يعلم بأنّ ما يدركه بعقله هو موضع عناية الله تعالى واهتمامه، فسوف يشكّل

ذلك دافعاً وحافزاً قوياً له لامتثاله تقرباً إلى الله تعالى أو رغبةً في ثوابه ورضوانه. وهو سيعلم في هذه الحالة أنّه عندما يخالف هذا الأمر فإنّه لا يخالف حكم العقل فحسب، بل إنّه يخالف حكم الله تعالى أيضاً، ما يجعله يستحضر رقابة الله تعالى في كل أفعاله وأقواله.

 

ب -ومنها: أنّ العقل البشري حتى لو سلّمنا أنّ له قابليةً عالية لإدراك كل الأمور إلا أنّه قد يقع أسير الغريزة والمطامع، كما قال علي (ع) فيما روي عنه «كم من عقل أسير تحت هوى أمير» أو رهين الشبهات الفكرية المختلفة، فيتعرض بفعل ذلك للتشويش والاضطراب،

وربما الانحراف عن دوره في تقويم الإنسان وتسديد خطاه، وهنا يأتي الوحي الرباني ليزيل الغباشة ويرفع التشويش عن حكم العقل، ويعيده إلى إشراقته، فيتميّز حكم العقول عن الميول الغرائزية. وهذه في الحقيقية إحدى وظائف الأنبياء (ع) ومهامهم الجليلة حسب توصيف

الإمام علي (ع) في أولى خطبه المذكورة في «نهج البلاغة». حيث قال - بحسب الرواية -: ويثيروا (أي الأنبياء (ع)) فيهم (أي في الناس) دفائن العقول وقد وجدناه (ع) وهو صاحب العقل المتسامي والمبدع وسيّد العقلاء في زمانه، يستعيذ بالله من سبات العقل وتعثره في

الاهتداء إلى طريق الصواب والحق، لغلبة الأهواء عليه أو الوقوع في فخّ التقليد الأعمى، أو لقصور في مقدمات الحكم العقلي، أو لغير ذلك من الأسباب، فعنه (ع): «ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى. نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين».

 

 

 

الوجه الثاني: قبح التسليم والانقياد لبشر مثلنا

 

ويقول المنكرون للنبوّة: إنّ من المستقبح في نظر العقل اتباع مدعي النبوّة والحال أنّه إنسان مثلنا من ناحية الإمكانات والطاقات والمؤهلات، ولا يمتاز علينا في الصورة والنفس والعقل، فهو يأكل مما نأكل ويشرب مما نشرب، ولدينا عقل كعقله وقلب كقلبه، فكيف ننقاد إليه

انقياداً أعمى نصدقه فيما يقول وننفِّذ ما يطلب، ونمتثل كل ما يأمر به أو ينهى عنه إلى درجة أن نكون بالنسبة إليه كالعبيد أمام سيدهم، فأي تميّز له علينا لنتبعَه ونجمّد عقولنا!

 

ولكنّ هذه الحجة أضعف من سابقتها، وذلك لأنّ البشر وإن كانوا متساوين في الإنسانية، لكنهم - بكل تأكيد - ليسوا متساوين في الكثير من لوازمها، فهنا تختلف الهمم وتتفاوت الاستعدادات، فهم متساوون بالقوّة (القابلية) متفاوتون بالفعل على حدِّ تعبير المناطقة، والواقع خير دليل

على ما نقول. فنحن نرى أنّ في الناس العالم والجاهل، وفيهم الكامل المهذب والفاسد المنحرف، وفيهم القوي والضعيف، وهذا التفاوت والاختلاف هو آيةٌ عظيمة ونعمة كبرى، فهو يفرض عليهم التعاون والتعاضد وذلك برجوع الجاهل إلى العالم، واستعانة الضعيف بالقوي،

واقتداء غير الكامل بالكامل، كاتباعنا للأنبياء وانقيادنا لهم، وهذا الاتباع أو الاقتداء هو مما يحكم به العقل وتقرّه سيرة العقلاء، وليس فيه انتقاص من إنسانية الإنسان، وليس هو انقياداً أعمى، وإنّما هو اتباع للحجّة والبرهان، وانقياد للحق والقيم. والقرآن الكريم يرفض

الإيمان غير القائم على البرهان، ويدين التقليد والانقياد الأعمى حتى لمدعيي النبوّة إلا إذا أقاموا على دعواهم بينة ودليلاً، فإذا أقاموا على دعواهم البيّنة، فإنّ اتباعهم حينئذٍ سيكون اتباعاً للبرهان والبينة. أجل، بعد أن يصدِّق الإنسان بهذا النبي أو ذاك لقيام الحجة المقنعة على

نبوته، يكون من الطبيعي أن يسلّم له فيما يأتي به من منظومة عبادية أو تشريعية ترمي إلى تنظيم حياة العباد، أو فيما يخبر به عن غيب السماء، وهذا معنى قول الله تعالى في القرآن الكريم {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء – 65].

ثم لنفرض أنّ البشر متساوون في الإمكانات والمؤهلات، ولكنْ هذا لا يمنع من أن يختار الله واحداً منهم لإيصال رسالته إلى العباد، كما يختار وزير الخارجية - مثلاً - في زماننا واحداً من موظفي الوزارة الأكفاء للقيام بمنصب السفارة في دولة أخرى، حيث لا مفرّ من القيام

بهذه المهمة. وما ينبغي للوزير أن يفعله في هذه الحالة هو أن ينظر في الموظفين فإن وجد أنّ أحدهم أكفأ من الآخرين في خبرة أو شهادة فعليه أن يختاره دون سواه لهذا المنصب، وإذا فرض تساويهم في الكفاءة والأهلية فإنّ الأمر عندئذٍ يترك إلى حدس الوزير نفسه أو إلى

حسّه الدبلوماسي لاختيار السفير الذي يراه مناسباً. والأمر في الله تعالى هو من هذا القبيل، ولكن على النحو الأمثل، فالله تعالى لا يحدس ولا يظن، وإنّما يختار من موقع علمه الذي لا يخطأ.

 

الوجه الثالث: التعاليم النبوية ومستقبحات العقل!

 

إنّ العقل قد دلّ على أنّ للعالم صانعاً حكيماً، والحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم، وقد ورد في الشرائع السماوية أمور يستقبحها العقل، من التوجه الى بيت مخصوص في العبادة والطواف حوله والسعي بين جبلي الصفا والمروة ورمي الجمار والإحرام والتلبية وتقبيل

الحجر الأصم، وكل هذه الأمور مخالفة لقضايا العقول .ومن مستقبحات العقول - في نظرهم - الحكم بذبح الحيوان وإيلامه.

 

ولكنّ هذا الإشكال مندفع، لأنّ الأمور المذكورة سواء ما يتصل منها بالعبادات أو غيرها هي أعمال ترمز إلى بعض المعاني اللطيفة، ولا يصح للإنسان العاقل أن يتسرع في تسخيفها وتسفيهها، وإنّما يجدر به أن يتأمل فيها أو يسأل عن حكمتها ومغزاها، وسوف يجد جواباً على

أسئلته، فإنْ أقنعه ذلك الجواب وأزال استغرابه فهو المطلوب، وإلا فإنّ مجرد الاستغراب أو عدم فهم الإنسان لمغزى عبادة أو طقس معين لا يبرر له أن يعدّ ذلك الشيء مخالفاً لحكم العقل ويستهزأ به، ولا سيّما أنّ هذه الأمور العبادية والطقوس هي مما جاءت به الرسل والأنبياء

المعروفون بحكمتهم وكمال عقولهم.

 

أجل، ثمة آراء وفتاوى «دينية» مستغربة أو مستقبحة طرحها بعض علماء الدين استناداً إلى اجتهاداتهم الخاصة في النصوص الدينيّة، لكنّ هذه الاجتهادات ليست مقدسة ويمكن مناقشتهم فيها وردّها إن كانت - فعلاً - منافية لحكم العقل. بل إنا نردُّ الروايات المنسوبة إلى الأنبياء

والمعصومين إذا رأينا مخالفتها لحكم العقل، ونحكم بخطأ الناقلين أو اشتباههم، لعلمنا أنّ النبي معصوم ولا يتكلم بمنافيات العقل، لأنّه يصدر عن نبع صافية ومصدر مأمون عن العبث الشيطاني أو نحوه.

 

وأمّا جواز ذبح الحيوان، فهل هو حقاً مما يقبِّحه العقل؟

 

إنّ أقل ما يمكن قوله في الإجابة على هذا السؤال هو:

أولاً:

إنّه ليس الأمر واضحاً فيما ادعي من أنّ لدى العقل حكماً ناجزاً وبديهياً بقبح ذبح الحيوان والإفادة من لحمه وشحمه وجلده، وآية ذلك أننا وجدنا عامة العقلاء - إلا القليل منهم - لا تدرك عقولهم قبح هذا الأمر، ما دام أنّ الذبح هو لغرض الانتفاع بالحيوان. نعم، قد يشعر الإنسان

بشفقة تجاه الحيوان، وهذا الإحساس طيب وجميل ويستحكم كثيراً فينا بلحاظ الحيوانات الأليفة التي عملنا على تربيتها بأيدينا، لكنْ من المعلوم أنّ الشفقة لا تستدعي تحريماً ولا سيما إذا أصبح لحم الحيوان ضرورة غذائية للإنسان، ودخل في نظامنا الصحي كمكوّن أساسي لا

غنى عنه.

ثانياً:

إنّ لدى أهل الأديان رؤية تقول: إنّ هذه الحيوانات قد سخرها الخالق لفائدة الإنسان ونفعه، وأَذِنَ له بالإفادة منها ضمن ضوابط وشروط، والعقل الذي قادنا إلى الإيمان بالخالق، قد عرف حكمته تعالى وأنّه لا يأمر بما فيه عبث أو ظلم أو قبح، وحيث قد خفي الأمر على ذوي

العقول في مسألة ذبح الحيوان ولم يستطيعوا البتّ فيه، فعليهم التسليم لما جاء عن الخالق الحكيم.

 

وجدير بالذكر أنّ إيلام الحيوان وتعذيبه وإيذائه لغير الحاجات الإنسانية منهيٌّ عنه، فما يحصل في بعض الدول أو لدى بعض الأفراد من جعل الحيوان غرضاً للسهام، أو اتّخاذه وسيلة للمصارعة، كما في مصارعة الديكة أو الثيران، أو تعذيبه أو تركه دون طعام حتى الموت هو

عمل محرّم، وقد نهت عنه النصوص الدينية الواردة عن الأنبياء (ع)، ما دام أنّ الحيوان لا يشكّل خطراً على الإنسان. وفي حين كانت القوانين الغربية إلى ما قبل ثلاثة عقود من الزمن تعرّف الحيوانات على أنّها «أشياء سائبة لا حرمة لها». فإنّ القرآن الكريم قد اعتبر أنّها أمم

كما أنّ الإنسان أمة، قال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام – 38]. كما نبّه على ذلك المفكر الألماني مراد هوفمان.

 

 

الوجه الرابع:المجتمعات المتمدنة والاستغناء عن النبوّة!

 

وربما يقال: إنّ واقع المجتمعات المعاصرة يؤكد عدم حاجتنا إلى النبوّة والوحي، فالمجتمعات التي أبعدت الدين عن حياتها قد استطاعت أن تجد لنفسها نظاماً يكفل للإنسان مستوى مقبولاً من الاستقرار، وأما المجتمعات الدينية - كمجتمعاتنا الاسلامية - فهي مجتمعات تعيش

التوتر والصراعات المذهبيّة والتخلف العلمي، كما تعيش الفقر والجهل والتخبط على أكثر من صعيد، ما يعني أنّ الدين هو سبب معاناتها وتخلفها؟

 

والجواب على ذلك:

أولاً:

إنّ الإنصاف يدفعنا إلى القول: إنّ هذا التطور الحضاري الذي وصلت إليه البشرية كان للأنبياء ولرسالات السماء إسهام كبير فيه، فالفعل الحضاري هو حصيلة تراكم، ولو أخذنا العرب مثالاً فإنّهم مدينون في نهضتهم للإسلام، فلولاه لم يكونوا شيئاً مذكوراً. إنّ النبي محمداً

(ص) هو الذي أنقذهم من الجاهلية وصنع منهم أمة ذات شأن بعد أن كانوا قبائل متناحرة ومتخلفة.

ثانياً:

إنّ تقدّم الحياة المدنيّة وتطوّرها لا يلغي حاجة الإنسان إلى الارتباط المعنوي بالله تعالى ولا ينفي الحاجة إلى العطاء الروحي الذي جاءت به رسالات السماء، ولا يلغي دور الدين في رفد الحياة الإنسانية بالقيم الأخلاقية وكل ما يساعد على الانتظام الاجتماعي، مما تقدم بيانه في

محور سابق، وهذا بعض من عطاء الأنبياء (ع). أما الصراعات باسم الدين فليس الأنبياء (ع) هم المسؤولون عنها، بل المسؤول هو نحن الذين لم نعِ حقيقة الدين، ولم نفرّق بين اللب والقشر، ولم نفرق بين الانتماء للدين والالتزام به وبين التعصب له ولرموزه، حتى أننا أدرْنا

صراعاتنا السياسية القائمة على الأطماع والمصالح الخاصة باسم الدين، ومن هنا فإننا بحاجة إلى إعادة قراءة فهمنا للدين لا إعادة النظر في حاجتنا للدين نفسه، فنحن المعنيون بإنتاج فهم جديد للدين يرقى إلى مستوى رسالة الأنبياء (ع).

ثالثاً:

ثمّ إنّ الصراعات المشار إليها ليست كلها ذات منشأ ديني، فهناك عوامل عديدة تدخل في البين، ومن أهمها المصالح والأهواء والألاعيب السياسية والسلطوية والتي تلبس لبوس الدين وتوظِّفه في لعبتها القذرة، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا

الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [آل عمران – 19]، وقال تعالى: {وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ۖ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية - 17].

 

 فلماذا نحمّل الدين وزر أولئك الناس الذين يستغلونه ويوظفونه في لعبة الدم والسلطة والسياسة والمال وشتى المصالح؟!

 

 

ولربما يقال:

 

إنّ الدين قد فشل في بسط العدالة الاجتماعية، وتحقيق السعادة للإنسان، ونحن قد رأينا بأم العين أنّ الدول الغربيّة - مثلاً - إنما استطاعت أن تنشر العدل في ربوعها وتحقق الأمن والاستقرار لشعوبها بعد أن تخلّت عن الدين، ما يعني أنّ الدين هو سبب المشكلة.

والجواب:

 

ومَنْ قال لكم إنّ مسؤوليّة الدين أن يبسط العدل وينشر الأمن في المجتمعات؟! إنّ هذه وظيفة الإنسان وليست وظيفة الدين، أما الدين فوظيفته أن يساعد في هذا المجال بوضع أسس الهداية وقواعد العدالة وتحديد الضوابط التي تنهض بالإنسان وتعمل على أنسنته وتهذيبه بما يؤهله

للقيام بالمهمة المذكورة؛ ولذا إذا وجدت مجتمعاً تفتك به العصبيات والأحقاد وتغادره الروح والأخلاق فهو ليس من الدين في شيء ولو كان أهله مصلين صائمين، حاجين ومعتمرين. أما أوروبا فهي لم تترك الدين، وإنّما تركت أو تخلّت عن نسخة مشوّهة من الدين، وهي النسخة

التي فهمت الدين باعتباره سيفاً مسلطاً على الرؤوس، وسوطاً يجلد الظهور وسلطة جائرة تكمُّ الأفواه وتخرس الأصوات وتقمع الحريات، وأقولها بصراحة: إننا - كمسلمين - بحاجة أيضاً إلى التخلي عن هذه النسخة المشوهة من الإسلام التي تتحكم بعقول الكثيرين وتعيق الإنسان

المسلم من النهوض وتشدّ المجتمع الإسلامي إلى الوراء حيث التخلف والتقاتل والتناحر.

 

عالــم دون أنبياء!

وفي ضوء ما تقدّم، يتضح أنّه ليس صحيحاً ما يقال من أنّ عالماً دون أنبياء سيكون أفضل حالاً، وأكثر أملاً وتفاؤلاً، كلا وألف كلا، إنّ عالماً دون أنبياء هو عالم تغيب عنه التجربة المعنوية الغنيّة التي تمنح الإنسان كل هذا السمو الروحي، هو عالم تغيب عنه الحكمة والغاية

وراء الخلق، هو عالم تتراجع فيه المبادئ الأخلاقية، هو عالم يفقد فيه الإنسان أهم سندٍ وداعمٍ للمستضعفين وحاملٍ لقضيتهم على مرّ التاريخ، هو عالم لا تشعر فيه بوجود الله تعالى يملأ قلبك وعقلك وحركتك، وإذا غاب الله عن حياتنا اقترب منها الخوف والقلق. إنّ عالماً دون

أنبياء هو عالم تغيب عنه حكمة داوود وبصيرته، وحنيفية إبراهيم وأصالته، وطهر المسيح وبركته، وشجاعة موسى ونبله، واستقامة محمد (ص) ومكارم أخلاقه. إنّ عالماً دون أنبياء هو عالم تكون الحياة فيه أقرب إلى العبثية واللامعنى واللاهدف، هو عالم أقرب ما يكون فيه

الإنسان إلى اليأس والإحباط.

 

نُشر المقال على الموقع في 21-6-2018






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon