حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
الإصابة بالعين بين الحقيقة والخرافة 1
الشيخ حسين الخشن



 

ليس مستغرباً القول: إنّ الإسلام وقف موقف التأييد والتشجيع والحماية لحركة البحث العلمي الهادفة، وفي هذا السبيل أعلن رفضه لكل المعتقدات أو الممارسات التي لا تمت إلى المنطق والعلم بصلة كالسحر والكهانة والشعوذة وما إلى ذلك، لكن بعض المعتقدات لا تزال مثار جدل كبير، إن لجهة واقعيتها أو لجهة شرعيتها، والمثال البارز لذلك قضية "العين" أو ما يعرف بـ"صيبة العين". فما هو المراد بالعين؟ وما هو الموقف العلمي والإسلامي منها؟

 

تعريف العين وعلاقتها بالحسد:

 

"العين" ـ بناءً على وقعيتها ـ هي عبارة عن نظر المرء باستحسان مشوب بحسدٍ وخبث بحيث يحصل للمنظور إليه ـ إنساناً كان أو حيواناً أو شيئاً ـ ضرر أو عطب، قال ابن منظور: "والعين: أن تصيب الإنسان بعينٍ، وعان الرجل يعينه فهو عائن والمصاب معيون"، والإصابة بالعين ـ على فرض صحتها ـ لا تطرد في كل الناس، وإنما تحصل من بعض ذوي النفوس الخبيثة التي يتملكها الحسد ويسيطر عليها الشعور بالنقص، وهي - أعني العين ـ قد تؤثر بصورة عفوية غير إرادية بمعنى أن العائن لا يدرك ولا يشعر بما يترتب على نظرته من إضرار بالآخرين، ولذا قد يضر بعض محبيه على ما يقال، حتى أنه ورد في بعض التعويذات الشعبية الاستجارة من عين المحب " حفظتك بالله من عين أمك وأبوك واللي بيحبوك". كما أنها قد تؤثر بصورة إرادية متعمدة، ويحكى أن بعضهم إذا أراد أن يصيب أحداً بالعين تجوّع ثلاثة أيام ثم ينظر إليه فيصرعه!(بحار الأنوار60/12).

 

ولكن ما هي النسبة بين الحسد والعين؟ وهل أن كل حاسد هو في معرض إصابة غيره بالعين؟

 

والجواب: إن الحسد هو عبارة عن انفعال نفسي يتمنى صاحبه زوال النعمة عن المحسود سواء رغب الحاسد أن تكون النعمة له أم لا . وهذا الانفعال الذي يتحكم بالحاسد بسبب عُقَده النفسية وخبث سريرته ربما بقي حبيساً لديه، وفي حدود الأماني وهذا هو الحسد، وربما خرج عن حيز الأمل إلى حيز الفعل وإلحاق الضرر بالغير، إما عن طريق اليد أو اللسان أو العين ـ إن ثبت أن للعين قدرة على التأثير ـ والحالة الأخيرة فقط هي التي تسمى بالعين، وبذلك يتضح أن النسبة بين الحسد والعين هي العموم والخصوص المطلق باصطلاح المناطقة، أي أن كل عائن حاسد وليس كل حاسد عائن.

 

تجذر الاعتقاد بالعين:

 

الاعتقاد بالعين هو اعتقاد قديم وواسع الانتشار، فقد عرفته مختلف الشعوب، فآمن به الفينيقيون والفراعنة واتخذوا للوقاية من العين الأحجبة والتعاويذ والخرز الأزرق، كذلك آمنت به الشعوب الأوروبية لا سيما الإيطاليين،فقد ذكر أنّ البابا بيوس التاسع كان يصيب بالعين وأنه تسبب في قتل مئات الأشخاص بسبب نظره إليهم طويلاً، ونحوه ما يحكى عن ملك اسبانيا ألفونس الثالث عشر، والاعتقاد عينه منتشر لدى الشعوب والقبائل الإفريقية(راجع رصابة العين راجي الأسمر25ـ30)، وأما لدى القبائل العربية فإن الاعتقاد بإصابة العين متجذر ويعود إلى العصر الجاهلي، حيث اعتقد العرب أنّ عيون بعض الناس "لا تنتج إلاّ شراً وهي لا تكاد تكون في خير مطلقاً ولذلك تجنبوا العائن وابتعدوا عنه، وقد تفننوا في ابتداع وسائل الوقاية من العين فاستعملوا الخرز والتعاويذ والرقى، والتمائم من قبيل تعليق كعب الأرانب أو منقار الغراب على أنفسهم، كما اتقوا العين الصائبة بوضع الوشم على الخدين والذقن، ومن الأمثال العربية المتعلقة بإصابة العين قولهم: "إن العين تدني الرجال إلى أكفانها والإبل إلى أوضامها" والأوضام جمع وضم وهو يوضع عليه اللحم من خشب أو غيره(راجع المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام6/751 ـ 754).

 

وبالنظر إلى عصرنا فإننا نلاحظ أن الاعتقاد بالعين لا يزال منتشراً في مختلف الأوساط ولدى كافة الشعوب سواء من أتباع الأديان السماوية أو غيرهم، أجل إن نسبة المعتقدين بالعين تتدنى في أوساط المتعلمين ومرتادي الجامعات وذوي الاختصاصات العلمية. 

 

حقيقة تأثير العين:

 

ثمة أقوال ووجوه متعددة في تفسير حقيقة العين وبيان تأثيرها:

 

1 ـ التفسير الاتفاقي: ومفاده أن إرادة الله وسنته جرت على تغيير المحسود والمعيون عند نظر العائن إليه وتحديقه فيه دون أن يكون هناك علاقة سببية بين الأمرين وإنما المغيّر والفاعل هو الله، لكن تغييره حصل اتفاقاً عند نظر العائن، وقد تبنى هذا الرأي السيد المرتضى وأبو القاسم البلنحي وأبو هاشم(راجع بحار الأنوار60/7و10، والمجازات النبوية ص368).

 

وهذا التفسير فضلاً عن افتقاره إلى الدليل فإنه يحمل إنكاراً ضمنياً لتأثير العين.

 

2 ـ التفسير المادي: وله تقريبان: أحدهما التقريب الساذج المنسوب إلى الجاحظ، وحاصلة: أن ثمة أجزاءاً مادية تنفصل من العين وتتصل بالجسم المحسود فتؤثر فيه تأثير السم في الجسم الملدوغ، والثاني: وهو التقريب الذي يعطيه البعض لبوساً علمياً وخلاصته: أن العين بتركيبتها العلمية الفيزيائية هي أشبه بعدسة مكبرة تستجمع الأشعة المغناطيسية الموجودة في الإنسان وتوجهها نحو الأشخاص والأشياء، وكما أن المكبّر يحرق الورق والهشيم اليابس تحت وطأة الأشعة الشمسية الموجهة بواسطته، فإن العين أيضاً تحرق أنسجة محددة في الجسم الإنساني أو الحيواني أو النباتي أو غيره(الخط الأحمر لموسى برنس160).

 

إن الموافقة على هذا التفسير المادي رهن الاعتراف به من أهل الخبرة والاختصاص، الأمر الذي لم نتحققه حتى الآن.

 

3 ـ التفسير النفسي: وهو المنسوب إلى الحكماء ومفاده: "أنه ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب الكيفيات المحسوسة... بل قد يكون التأثير نفسانياً محضاً.."(بحار الأنوار60/10).

 

وهذا التفسير كما لاحظنا وضع المسألة في إطار الإمكان، وهو ما لا نمانع منه، شريطة أن لا تثبت صحة تفسير آخر.

 

إنّ التفاسير الأنفة إنما يكون لها وجه ويتحتم اللجوء إليها في حال تمّ الاعتراف بواقعية العين ولم يثبت بطلانها، فهل يمكننا الاعتراف بذلك؟ وبالأحرى هل من دليل يحتم الاعتقاد بواقعية الإصابة بالعين أم أنه معتقد  أقرب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة؟

 

الإصابة بالعين والإمكان العقلي والعلمي:

 

في الإجابة على ذلك لا بدّ من القول بداية: إننا عندما نواجه أمراً ما أو حدثاً معيناً ـ سواء كان يتصل بالمعتقد أو بالواقع ـ فإن علينا أن لا نسارع إلى رفضه  ورميه بالخرافة كما أن علينا ألا نكون سُذَّجاً فنبادر إلى الإذعان له وترتيب الآثار عليه، والموقف الصحيح أن نضعه في دائرة الإمكان على القاعدة المنسوبة إلى الشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا ومفادها:" كل ما طرق سمعك فذره في بقعة الإمكان حتى يذودك عنه واضح البرهان". ومسألة الإصابة بالعين تندرج في هذه القاعدة التي لا بدّ أن توضع في دائرة الإمكان العقلي إذ ليس ثمة محذور عقلي في كون العين لدى بعض الناس مؤثرة فيما تحدّق فيه، فلا مبرر لإنكارها، كما أنه لا بدّ أن توضع في دائرة الإمكان العلمي إذ ليس هناك استحالة علمية في مؤثريتها، لا سيما بملاحظة ما تقدمت الإشارة إليه من جود قوة كهرومغناطيسية يمتلكها جسم الإنسان بإمكانها التأثير في الأجسام، وإنّ ما يعرف "بالتنويم المغناطيسي" يعتمد على هذه القوة.

 

إن الإمكانية العلمية وكذا العقلية قد ترتفع نسبة الاحتمال فيها إلى درجة التصديق وقد تنخفض إلى درجة الإنكار، وهذا الارتفاع أو الانخفاض مرتبط بوجود القرائن والشواهد العلمية أو الدينية سلباً أو إيجاباً. وإذا كنا لا نملك شواهد علمية دقيقة تؤيد الاعتقاد بالعين فربما يقال بأننا نمتلك شواهد إسلامية في هذا المجال، فهل هذا صحيح؟ وهل تتم هذه الشواهد؟ هذا ما نلاحظه في مقال لاحق بعون الله.





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon