حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كم كان عمر الزهراء (ع) حين زواجها من أمير المؤمنين (ع)؟ هل صحيح أن الإجماع هو على التسع من عمرها؟
ج »
 
▪️يوجد اختلاف كبير بين العلماء في تحديد عمر سيدتنا الزهراء سلام الله عليها حين زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، وتترواح هذه الأقوال بين تسع سنوات وعشرين سنة.
 
▪️مرد هذا الاختلاف إلى أمرين:
 
- الأول: الاختلاف في تاريخ مولدها، فهل ولدت قبل البعثة بخمس أم بعدها بخمس أو باثنتين؟ 
 
- الثاني: الاختلاف في تاريخ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إن ثمة خلافاً في أنها تزوجت بعد الهجرة إلى المدينة بسنة أو بسنتين أو بثلاث.
 
▪️المعروف عند كثير من المؤرخين - كما ينقل التستري في تواريخ النبي (ص) والآل (ع) - أنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا ما ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي وغيرهم، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج ثماني عشرة سنة أو يزيد.
 
▪️ ونقل العلامة الأمين "أن أكثر أصحابنا" على أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج تسعاً أو عشراً أو أحد عشر عاماً، تبعاً للاختلاف في تاريخ الزواج.
 
⬅️ الظاهر أنه ليس هناك إجماع على أنّ عمرها عند الزواج بها كان تسع سنوات، فقد ذهب الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" أنها ولدت بعد مبعث النبي (ص) بسنتين، وهو ظاهر الشيخ الطوسي في المصباح، بل نقل الشيخ عن رواية أنها ولدت في السنة الأولى لمبعثه الشريف، وحينئذ إذا كانت قد  تزوجت في السنة الأولى من الهجرة فيكون عمرها حين الزواج ثلاث عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثانية للهجرة سيكون عمرها أربع عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثالثة سيكون عمرها خمس عشرة سنة.
 
 وقد رجح التستري وغيره من علمائنا القول بولادتها بعد البعثة بخمس، استناداً إلى بعض الأخبار المروية عن الأئمة(ع).. وكيف كان، فتحقيق المسألة واتخاذ موقف حاسم يحتاج إلى متابعة.. والله الموفق.

 
 
  مقالات >> اجتماعية
المرأة في حياة الرسول (ص) وأحاديثه
الشيخ حسين الخشن



المرأة في حياة الرسول(ص) وأحاديثه

 

وكما أنّ استحضار الموقف القرآني من المرأة هو من الأهميّة بمكان، ولا بدّ من أخذه بعين الاعتبار كمرجعيّة لا غنى عن اعتمادها والرجوع إليها بغية التعرّف على موقف أمير المؤمنين(ع) من المرأة، ومحاكمة النصوص الواردة عنه في هذا الشأن، كذلك فإنّ الرجوع إلى سيرة النبي(ص) وسنته يكتسب هو الآخر أهميّة خاصة في هذا المجال. فالنبي(ص) عدل القرآن وترجمان الوحي، وسيرته تمثّل نبراساً يُستضاء به، والإمام علي(ع) لا يحيد عن سنة رسول الله(ص) طرفة عين أبداً، كما أسلفنا في مستهل هذا المحور.

ولا ريب أنّ العارف بسنّة النبي(ص)، والمتابع لسيرته سوف لن يخالجه أدنى شك أنّ المرأة قد احتلّت مكانةً لائقةً في حياته ومسيرته. وثمّة قدرٌ لا بأس به من المواقف والنصوص النبويّة التي تؤكد صدق ما نقول، وهي تتسق وتنسجم مع ما نصّ عليه القرآن الكريم من تأكيدٍ على مبدأ تكريم المرأة واحترام إنسانيتها.

وفيما يلي إطلالة سريعة على سيرة النبي(ص) مع المرأة وأهمّ مواقفه وكلماته بشأنها، على أن نعود لاحقاً لدراسة بعض النصوص المرويّة عنه والتي هي مثار إشكال أو استغراب، وسوف نقارب هذه المسألة من خلال مقامين أساسيين:

 

المقام الأوّل: السيرة العمليّة

 إنّ الباحث التاريخي والمتأمل في حياة النبي الأكرم(ص) والمتابع لسيرته العطرة سيكتشف بسهولة أنّ المرأة كان لها دور محوري وحضور مميز، ليس في حياة النبي(ص) الأسرية الخاصة فحسب، بل في حياته العامة أيضاً، أعني فيما يتصل بحركة الرسالة الإسلاميّة منذ انطلاقتها، ويكفينا أن نستذكر هنا بعض النماذج النسائيّة اللامعة اللواتي تخرّجن من مدرسة الرسول الأكرم(ص)، وكان لهنّ حضور مميّز في انطلاقة الإسلام.

  • دور المرأة في الحياة الإسلامية

لا يخفى أنّ المرأة المسلمة قد شاركت في بناء الحياة الإسلاميّة بكافة أبعادها ومجالاتها الحيوية، وكان لها حضورها البيّن في مسيرة الإسلام الأولى، وتَرَكت بصماتٍ واضحةً في صفحات تاريخنا المشرق، وذلك على الرغم من أنّ الذهنيّة العربية آنذاك كانت لا تزال متأثرة بالرواسب السلبيّة للأفكار والعادات الجاهليّة المتحيِّزة ضد المرأة، ويمكننا أن نتبيّن حضور المرأة في انطلاقة الرسالة الإسلامية من خلال المجالات التالية:

 

أولاً: العالمات والمحدثات

إنّ المرأة التي كانت في الجاهليّة كياناً مهمّشاً وتتفشى فيها الأميّة على أوسع نطاق، استطاع الإسلام أن يستنهض همتها ويبعث فيها روح العلم وأن يغرس فيها حبّ المعرفة. ومن أهم مجالات المعرفة التي انخرطت فيها هي المعرفة الدينية، فقد جلست المرأة -كما الرجل- تحت منبر النبي الأكرم(ص) فاستمعت إلى دروسه وكلماته وحفظت خطبه ومواعظه ووصاياه، ثمّ نقلت ذلك للأجيال اللاحقة. ويستطيع الباحث أن يجد في الصحابيات ثلّة كبيرة من أعلام النساء، فقد كان فيهنّ العالمة[1] والأديبة[2] والمحدثة[3] والمهاجرة في سبيل الله[4] والحافظة لكتابه عزّ وجلّ. والأسماء على هذا الصعيد ليست قليلة، بل ربما بلغت المئات، ولا سيما أسماء المحدثات[5]، اللاتي قصدهنّ كبار الصحابة للاستماع إلى حديثهن ومُشَاهَداتِهنَّ فيما يتصل بسنّة النبي(ص) وسيرته.

 وعلينا أن لا نغفل في هذا المجال بعض الأسماء اللامعة من داخل البيت النبوي، وعلى رأسهن تأتي سيدتنا فاطمة الزهراء(ع) والتي لنا إشارة إلى مقامها العلمي ستأتي لاحقاً، وهكذا زوجتا رسول الله(ص) «أم سلمة» التي عبّر عنها بعض الرجاليين بأنّها «من فقهاء الصحابيات»[6]، والسيدة عائشة بنت أبي بكر والتي كانت محدّثة مكثرة، ولها آراء جريئة في الفقه وغيره ردّت فيها على بعض كبار الصحابة، رافضة بعض الروايات المنسوبة إلى رسول الله(ص)، ومبيّنة وجود خلل فيها أو وقوع الراوي في الاشتباه[7]، كما سنرى في محور لاحق من هذا الكتاب.

 

ثانياً: المهاجرات

وقد شاركت المرأة المسلمة في الهجرة، مع ما تعنيه الهجرة من حركة رساليّة تعبّر عن وعي الإنسان المهاجر، واستعداده للتضحية والفداء وتحدي الظلم وترك الأقارب والتخلي عن الدنيا، فراراً إلى الله ورسوله. فالهجرة لم تكن حكراً على الرجال، بل شاركت فيها المرأة؛ وإذا كانت هجرة المرأة برفقة زوجها أو أبيها أمراً طبيعياً، فإنّ هجرتها لوحدها لم تكن أمراً مألوفاً، والدارس للتاريخ الإسلامي سوف يكتشف أنّ حركة التحرر التي أوجدها الإسلام أثّرت في تغيير مفاهيم ذلك المجتمع القبلي وموازينه، ما دفع المرأة إلى أن تتخلى عن أهلها وبلدها وتهاجر إلى الله ورسوله(ص) وترفض العودة إليهم. وقد نزلت في ذلك آية قرآنية تنصّ على رفض إعادة النساء المهاجرات إلى المشركين، على الرغم من أنّ اتفاق الحديبية كان ينصّ على إعادة المهاجر إلى المشركين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا} [8].

ومن النساء المهاجرات اللاتي اخترن الإسلام على عشيرتهن وأهلهنّ: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فقد هاجرت وهي شابة في مقتبل العمر[9]، إلى المدينة المنوّرة تاركةً أهلها ومرابع صباها في مكة المكرمة، وقد جاء في طلبها واستردادها اثنان من إخوتها لكنّها أبت ورفضت العودة معهما[10]، واختارت الإسلام على الجاهلية والنور على الظلام.

ولا يخفى أنّ المرأة المسلمة قد شاركت في الهجرتين، أعني الهجرة إلى الحبشة[11]، والهجرة إلى المدينة المنوّرة.

 

ثالثاً: المشاركات في الحروب تمريضاً وقتالاً

ويحدثنا تاريخ المعارك والغزوات التي خاضها المسلمون في حياة رسول الله(ص)، بأنّ المرأة المسلمة - وبالرغم من عدم تكافؤ القدرات الجسدية بينها وبين الرجل في خوض ذاك النوع من الحروب - قد شاركت في تلك الحروب والغزوات مع رسول الله(ص) مقاتلة وممرضة.

 

نسيبة بنت كعب

ولعلّ أبرز امرأة مقاتلة ذكر التاريخ اسمها على هذا الصعيد هي الصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب، فقد حضرت العديد من المعارك، وكان لها موقف مشهود في معركة أُحد، حيث إنّها قاتلت ودافعت عن رسول الله(ص) عندما مالت الحرب لصالح المشركين وفرّ الرجال من بين يدي رسول الله(ص)، وأضحى(ص) في موقع الخطر، حتى إنّها - كما يقول الواقدي - قاتلت يومئذٍ وأبلت بلاءً حسناً، وجُرحت اثني عشر جرحاً بين طعنةٍ برمحٍ أو ضربةٍ بسيف. فكانت أم سعد بنت سعد بن ربيع تقول: «دخلتُ عليها فقلتُ لها: يا خالة حدّثيني خبرك؟ فقالت: خرجت أول النهار إلى أُحد، وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاءٌ فيها ماءٌ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فجعلت أباشرُ القتال، وأذبُّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بالسيف وأرمي بالقوس، حتى خلصت إليّ الجراح. فرأيتُ (والكلام لأم سعيد) على عاتقها جرحاً له غورٌ أجوف فقلت: يا أم عمارة مَنْ أصابك بهذا؟ قالت: أقبل ابن قميئة وقد ولّى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يصيح: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا، فاعترض له مصعب بن عمير وأناس معه، فكنتُ فيهم، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضرباتٍ، ولكنّ عدو الله كان عليه درعان».

 وتتابع أم سعيد في سؤالها: «يدكِ ما أصابها؟ قالت: أصيبت يوم اليمامة (من حروب الردّة بعد وفاة الرسول(ص) لما جَعَلَتِ الأعراب ينهزمون بالناس نادت الأنصار: أخلصونا فأخلصت الأنصار، فكنت معهم حتى انتهينا إلى حديقة الموت، فاقتتلنا عليها ساعة حتى قُتل أبو دجانة على باب الحديقة، ودخلتها وأنا أريد عدو الله مسيلمة، فيعترض لي رجلٌ منهم، فضرب يدي فقطعها، فوالله ما كانت لي ناهيةٌ ولا عرجت عليها حتى وقفت على الخبيث مقتولاً وابني عبدالله بن زيد المازني يمسح سيفه بثيابه. فقلت: قَتَلْتَهُ قال: نعم. فسجدت شكراً لله.

 ويضيف الواقدي: «وكان ضمرة بن سعيد يُحَدِّثُ عن جدته وكانت قد شَهِدَت أحداً تسقي الماء قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: لمقامُ نسيبة بنت كعب اليوم خيرٌ من مقام فلان وفلان! وكان يراها تقاتل يومئذٍ أشدّ القتال، وإنّها لحاجزةٌ ثوبها على وسطها حتى جُرحت ثلاثة عشر جرحاً. فلما حَضَرَتْها الوفاة كنتُ فيمن غسّلها فعددت جراحها جرحاً جرحاً فوجدتها ثلاثة عشر جرحاً. وكانت تقول: إنّي لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها لقد داوته سنة، ثم نادى منادي النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: إلى حمراء الأسد (إحدى الغزوات)! فشدّت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم. ولقد مكثنا ليلنا نكمد الجراح حتى أصبحنا، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من الحمراء ما وصل إلى بيته حتى أرسل إليها عبدالله بن كعب المازني يسأل عنها، فرجع إليه يخبره بسلامتها فَسُرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك»[12].

 

نساء أخريات

وبالإضافة إلى هذه المرأة المجاهدة فهناك أسماء نسائية أخرى، شاركن في مغازي النبي(ص) وحروبه قتالاً أو تمريضاً ومداواة للجرحى، ومن هؤلاء النسوة المجاهدات: أسماء بنت عميس، فقد «كانت تغزو مع النبي(ص)»، والعبارة نفسها نقرأها في سيرة الصحابية أم سليم، وهي أم أنس بن مالك، فقد جاء في تاريخها «وكانت تغزو مع رسول الله(ص)»، وتحدثنا كتب السيرة والتراجم أنّ الربيع بنت معوذ «كانت ربما غزت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتداوي الجرحى وتردّ القتلى إلى المدينة وكانت من المبايعات تحت الشجرة بيعة الرضوان»، وذكروا أنّ  ليلى الغفارية كانت تخرج مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في مغازيه تداوي الجرحى، وتقوم على المرضى»، وكانت رفيدة الأنصارية «تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من به ضيعة من المسلمين»، وكان لها خيمة خاصة في مسجد رسول الله(ص)، معدّة لمداواة الجرحى[13].

 

رابعاً: الآمرات بالمعروف والناهيات عن المنكر

ومن المهام الرساليّة ذات البعد التنفيذي التي شاركت المرأة فيها، قيامها بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد روى الطبراني بإسناده عن يحيى بن أبي سليم قال: «رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر»[14]. فهذه الصحابية كانت تقوم بهذا الواجب في المجتمع ولا تأخذها في الله لومة لائم، ولاحظ قول الراوي عن تلك المرأة: «تُؤَدِّبُ الناس»، فهو ظاهر بأنّها لم تكن تقتصر في نهيها عن المنكر على النساء، بل شمل ذلك جميع الناس ذكوراً وإناثاً. وطبيعي أنّ مسألة استخدام السوط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحتاج إلى دراسة فقهيّة ليس هذا مجالها.

أجل، لقد كانت المرأة المسلمة تمتلك جرأة النطق بالحق ولا تهاب أحداً، حتى إنّها كانت تصحح للخليفة وتردّ عليه، فقد روي أنّ عمر بن الخطاب قال: «لا تغالوا في مهور النساء»، فوقفت له امرأة وقالت: ليس ذلك لك يا عمر! إنّ الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} [15] فقال: إنّ امرأةً خاصمتْ عمر فخصمته»[16].

 

خامساً: نساءٌ أسلمن قبل أزواجهن

وبلغ تجاوب المرأة وتفاعلها مع الدين الجديد حداً، جعل الكثيرات من النساء ينخرطن في الإسلام قبل أزواجهن. ففي «موطأ مالك» روي عن ابن شهاب:«بلغه أنّ نساءً كنّ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُسْلِمْن بأرضهنّ وهنّ غير مهاجرات وأزواجهن - حين أسلْمن - كفار، منهن ابنة الوليد بن المغيرة، وكانت تحت صفوان بن أمية، وأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله بردائه أماناً له»[17].

 ومن تلك النسوة: الصحابية الجليلة أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية زوجة عكرمة بن أبي جهل، فقد أسلمت قبل زوجها ثمّ أقنعته بالالتحاق بالنبي(ص) والدخول في الإسلام[18].

ومن النساء اللاتي أسلمن قبل أزواجهن: زينب بنت رسول الله(ص)[19] فقد أسلمت قبل هجرة النبي(ص)، بينما ظلّ زوجها أبو العاص بن الربيع بن عبدالعزى على الشرك، وقد أُسِرَ في معركة بدر الكبرى[20].

 

  • أسماءٌ خلّدها التاريخ

بالإضافة إلى الأسماء المتقدمة، فإنّ التاريخ الإسلامي قد دوّن في سجلاته الذهبية أسماء صحابيات أخريات، كان لهن حضور مميّز على أكثر من صعيد. ونحن نعتز ونفتخر بهذه الأسماء ونحرص على التنويه بها، وذلك بياناً للدور الطليعي الذي نهضت به المرأة المسلمة في تاريخنا، وليتضح أنّ المسألة لم تكن مجرد حالات شاذة ونادرة، وهذه بعض الأسماء التي ارتأينا ذكرها:

 

أولًا: نساء من داخل البيت النبوي

ومن الأهميّة بمكان أن نستذكر بادئ ذي بدء بعض النماذج النسائية اللواتي تربيْن وعِشْن في كنف البيت النبوي الشريف:

 

 أم المؤمنين خديجة

وتأتي في أوّل القائمة أمُّ المؤمنين خديجة بنت خويلد، الزوجة الأولى والأوفى لرسول الله(ص). فخديجة لم تكن امرأة عادية في حياة النبي(ص) بل كانت السند والداعم والمواسي لرسول الله(ص)، وَقَفَتْ إلى جانبه في أشدّ اللحظات صعوبة في تاريخ الرسالة، آمَنَتْ به حين كفر به الناس وصدّقته إذ كذّبه الناس[21]، وقدّمت نفسها وبذلتْ مالها ووظّفت كل إمكاناتها وقدراتها في سبيل الإسلام. وظلّ النبي(ص) عارفاً لها هذا الجميل، ومحتفظاً لها بمكانة كبيرة في قلبه لم تبلْغه واحدةٌ من زوجاته، ولم يُنْسِهِ تقادمُ الأيام وحوادث الزمان واقترانه بزوجات أخريات ذكرى زَوجَتهُ خَدِيجةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، فكان طيفها لا يغيب من باله وذكراها لا تكاد تفارقه حَتَّى بَعدَ مضي مدة طويلة على وَفَاتِها، فَفي الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النبيُّ(ص) إِذا أُتيَ بالهدِيَّةِ قَال: «اذْهَبُوا بِها إِلَى فُلَانَةٍ، فَإِنَّها كَانَتْ صَدِيقَةً لخَدِيجَةَ»[22]، إنّه الوفاء النبوي المنقطع النظير للزوجة الوفية والمخلصة.

 

 فاطمة سيدة نساء العالمين

ومن مدرسة النبي(ص) ومن داخل بيته الطاهر تطلّ علينا كريمته الجليلة وابنة زوجته خديجة، عنيت بها السيدة فاطمة الزهراء(ع). نعم، فاطمة وما أدراك ما فاطمة! إنّها أعظم ثمرات «الكوثر»[23] الذي أُعطيه رسول الله(ص)، هي أمّ أبيها[24]، وهي التي فاقت النساء خُلقاً وهدياً ومنطقاً، فكانت عنوان الطهارة والعفة، ومثال الصدق والاستقامة، العابدة الزاهدة التي يزهر نورها لأهل السماوات، العالمة العاملة الرساليّة التي تفكّر بالجار قبل الدار، والمتفانية في خدمة عيال الله ومساعدة الفقراء والمحتاجين. لقد بلغت الزهراء(ع) منزلة سامية حتى كرّسها الرسول الأكرم(ص) سيدةً لنساء العالمين أو المؤمنين أو نساء أهل الجنَّة، في كلمته الشهيرة، على اختلاف الروايات في ذلك[25]، مع أنّه لا منافاة بين الروايات، فسيدة نساء المؤمنين هي سيدة نساء العالمين، وهي بطبيعة الحال ستكون سيدة نساء أهل الجنة. والحق يقال: إنّ هذا الوسام هو أعلى وسام يمنحه الرسول(ص) لامرأة، وتلك الكلمة هي أعظم كلمةٍ يقولها(ص) في حق امرأة، فسيادة نساء العالمين، ليست أمراً بسيطاً أو عادياً، ولا سيما عندما يطلقها النبي(ص) وهو الذي لا يلقي الكلام على عواهنه، ولا ينطلق في ذلك من موقع عاطفة أو عصبيّة، ولا يعطي الألقاب جزافاً ولا يمنحها لغير أهلها.. إنّ تكريس فاطمة(ع) سيّدةً لنساء العالمين يعني أنّها اختزنت في شخصيتها من عناصر الكمال الروحي والأخلاقي ما جعلها قدوة لنساء العالمين، وهذا الأمر يحملنا ويحمّل كافة المسلمين من أتباع رسول الله(ص) والأوفياء لنهجه مسؤوليّة كبيرة في العمل على اكتشاف فاطمة(ع) ومعالم القدوة في شخصيتها، ومن ثمّ التعريف بشخصيتها الرساليّة للعالمين جميعاً، لأنّنا على يقين بأنّ من تكون سيدة نساء العالمين بتعيين رسول الله(ص) لا تكون مجرد امرأة عادية، بل لا بدّ من أن تكون امرأة ملهمة ومعلّمة ومؤدِّبة ومثلاً أعلى يُحتذى به على مرّ العصور، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا نعرف الكثير عن فاطمة؟ ولماذا يجهل الكثيرون حقيقتها ومعالم شخصيتها؟ ولماذا لم يهتم كتبةُ التاريخ بالإضاءة بما فيه الكفاية على مواقفها وكلماتها وخصائص شخصيتها؟ ولماذا يحرص البعض - في المقابل - على أن يحوطها بمجموعة من الأسرار والغيبيات التي تبعدها عن حياة الناس وواقعهم، ويجعلها مجرد أيقونة يقدّسها بدل أن تكون نموذجاً يُحتذى، أو أن يحبسها في أسر المظلومية التي تعرّضت لها بعد رحيل والدها رسول الله(ص)؟! إننا لا ننكر أن فاطمة امرأة ذات قدسية خاصة، وأنّها تعرّضت للكثير من المظالم بعد رحيل والدها رسول الله(ص)، بيد أنّ ذلك كله لا يجب أن يدفعنا لاختزال شخصيتها في ذلك، وينسينا سائر مواقفها والصفحات المشرقة في كتابها الكبير.

والواقع أنّ التعامل الغيبي مع شخصية سيدتنا فاطمة سيشكل عائقاً، ليس أمام الاقتداء بها فحسب، بل وعائقاً أمام فهم شخصيتها، وهو ما يعدّ إحدى مظاهر المظلومية التي لا تزال تتعرض لها ابنة محمد(ص)، بأن تكون مجهولة إلى هذا الحدّ، وغائبةً عن واقع حياتنا إلى هذا المستوى.

لكن ورغم الحصار الذي تعرّضت له سيدة النساء(ع) ، فقد وصل إلينا عنها شيءٌ من عطائها الفكري والرسالي، وهو وإن كان عطاءً يسيراً ولكنه عظيم الفائدة، وكفيل بأن يملأ الخافقين بالهدى والنور، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون. إنّ ما وصل من كلمات وخطب السيدة الزهراء(ع) ولا سيما خطبتها الشهيرة في مسجد رسول الله(ص) وعلى مسمع كبار الصحابة يعدّ ثروة علميّة في مجال المعرفة الدينية، وبيان فلسفة الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية الغراء، ويستفاد من بعض الروايات أنّ بعض الصحابة كانوا يقصدونها ليستفيدوا من علمها وما سمعته من رسول الله(ص)، فقد روى المحدّث الإمامي ابن جرير الطبري بسنده عن ابن مسعود، قال: جاء رجل إلى فاطمة(ع) فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله (ص) عندك شيئاً تطرفينيه؟

فقالت: يا جارية، هاتي تلك الحريرة. فطلبتها فلم تجدها!

فقالت: ويحك اطلبيها، فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً.

فطلبتها فإذا هي قد قمّمتها في قمامتها، فإذا فيها: قال محمد النبي (صلى الله عليه وآله): «ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه[26]، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت»[27].

 

«أم سلمة» الزوجة الملتزمة وصيّة النبي(ص)

ومن دواعي الغبطة والسرور أيضاً أن نذكر في هذا المقام اسم زوجة أخرى لرسول الله(ص)، وهي أم المؤمنين «أم سلمة»، فقد كانت امرأة جليلة القدر عالمة محدّثة وحكيمة، وقد قال لها النبي(ص): «إنك لعلى خير»، عندما سألتْه إذا ما كانت من أهل الكساء الذين أنزل الله فيهم آية التطهير المباركة[28]. وقد ظلّت «أم سلمة» على العهد، فالتزمت أمر الله تعالى[29]، ووصيّة رسول الله(ص) بعد وفاته، فلم تخرج من بيتها، ونصحت السيدة عائشة بعدم الخروج إلى حرب البصرة، وذكّرتها بكلمات النبي(ص) وتحذيراته المختلفة لها بهذا الشأن[30].

 

ثانياً: نماذج نسائيّة من البيت الإسلامي الكبير

ولو غادرنا البيت النبوي الصغير وانطلقنا إلى الفضاء الأرحب، وهو البيت الإسلامي الكبير فسوف تواجهنا ثلّة مميّزة من النساء المجاهدات العفيفات العاملات المضحيات اللواتي كان لهنّ دور بارز وحضور لافت ومميّز في الحياة الإسلامية، وفي حركة الرسالة والدعوة إلى الله تعالى، وفي مسيرة النبي(ص) ودعوته، تضحية وفداءً، إخلاصاً ووفاءً.

وإذا كان المقام لا يسعنا للتفصيل في استعراض أسماء عدد كبير من هؤلاء النسوة اللاتي تربين في مدرسة الرسول(ص)، فإننا نقتصر على ذكر البعض منهن:

 

السميراء بنت قيس

 وهي امرأة جليلة القدر ذات عزيمة وبصيرة، وكان لها موقف مشهود عقيب معركة أُحد، فقد استشهد ابناها في تلك المعركة دفاعاً عن رسول الله(ص)، وهما: النعمان وسليم، «فلما نُعيا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله سلّم؟

قالوا: خيراً هو بحمد الله صالحٌ على ما تحبين.

قالت: أرونيه أنظر إليه! فأشاروا لها إليه فقالت: كل مصيبة بعدك يا رسول الله جللٌ. وخرجت تسوق بابنيها بعيراً تردّهما إلى المدينة، فلقيتها عائشة فقالت: ما وراءك؟

قالت: أما رسول الله - بحمد الله - فبخير، لم يمت! واتخذ الله من المؤمنين شهداء {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [31].

قالت: من هؤلاء معك؟ قالت: ابناي..»[32].

 

 سميّة بنت خياط، شهيدة الإسلام الأولى

والمرأة الثانية التي نذكرها على هذا الصعيد، هي سميّة زوجة الصحابي الجليل والشهيد ياسر، ووالدة الصحابي عمار بن ياسر. لقد كانت سميّة أَمَةً لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي، وقد زوّجها سيدُها من حليفه ياسر، فولدت له عماراً، ومع بزوغ فجر الإسلام كانت وزوجها وابنهما عمار من أوائل الذين التحقوا بالدين الجديد، وقدّموا التضحيات الجسيمة في هذا السبيل، وعُذِّبوا في ذات الله ليرجعوا عن الإسلام ويتبرأوا من النبي(ص) ومن دينه، ولكنهم أبوْا وصبروا، وكان رسول الله(ص) يمرّ بهم: ويقول مواسياً لهم: «صبراً يا آل ياسر، فإنّ موعدكم الجنة»[33]. أجل، لقد صبرت هذه المرأة المؤمنة، وتحملت الأذى في الله تعالى رافضة الرجوع عن دينها «حتى مرّ بها أبو جهل يوماً، فطعنها بحربة في قلبها فماتت رحمها الله»، وبذلك كانت «أول شهيدة في الإسلام»[34]. وهذا هو الإسلام، قد أعزّ من كان في الجاهلية ذليلاً، وصنع من المهمشين قوّة في وجه الظالمين.

 

أسماء بنت عميس الخثعميّة

والمرأة الثالثة: أسماء بنت عميس، هي صحابية جليلة نجيبة عظيمة الشأن، وكانت عارفة عالمة محدّثة[35]، وفي الخبر عن الإمام الباقر(ع) أنّها إحدى الأخوات في الجنة[36]، وقد هاجرت أسماء إلى الحبشة بصحبة زوجها جعفر بن أبي طالب، وبعد استشهاد جعفر في معركة مؤتة تزوّجها أبو بكر، وولدت له محمد بن أبي بكر، ومن ثمّ تزوّجها الإمام علي(ع) بعد وفاة السيدة الزهراء(ع)، فعاش ولدها محمد في حجر الإمام علي(ع) وكان من المخلصين له. وكانت أسماء قد حضرت وفاة خديجة، فأوصتها رضي الله عنها بابنتها فاطمة(ع)، وطلبت إليها أن تحضر زفافها وتلي أمرها، لأنّ البنت أحوج ما تكون إلى أمِّها في تلك الليلة[37]، وقد عملت أسماء بالوصية فحضرت زفاف فاطمة(ع)، وشاءت المقادير أن تحضر أيضاً وفاة السيدة الزهراء(ع)، فقد أوصتها(ع) هي الأخرى بوصيّة خاصة تتصل بأمر تغسيلها وتكفينها، فعملت أسماء بما أوصتها به[38].

 

أم ورقة الأنصارية: المرأة الشهيدة

والمرأة الرابعة هي أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث الأنصارية، وهي صحابية جليلة. وجاء في سيرتها أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان يزورها وقد أسماها بالشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن الكريم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين غزا بدراً قالت له: تأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم، لعلَّ الله يهدي لي شهادة؟

فقال(ص) لها: إنّ الله يهدي لك شهادة. وقد أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تؤمّ أهل دارها في الصلاة، واتخذت لها مؤذناً. وقد توفيت قتلاً في خلافة عمر بن الخطاب عندما عدا عليها غلام وجارية كانت قد دبرتهما (أي اعتقتهما بعد وفاتها) فقتلاها ظلماً وعدواناً، فماتت شهيدة مظلومة كما توقّع لها النبي(ص)[39].

إلى غير ذلك من أعلام النساء المسلمات اللاتي كان لهنّ حضورٌ لافتٌ في حياة الرسول(ص)، ومساهمةٌ جيّدة في النشاطات الإسلامية ذات الطابع الرسالي والاجتماعي، وكل ذلك كان من بركات الدين الإسلامي الذي أعتق المرأة وحررها من أسر التقاليد الجاهليّة، وأخرجها من القمقم. وهذا الأمر ليس هيناً في حسابات التغيير وحركة الاجتماع البشري، فالعرب كانوا لا يزالون قريبي عهد بالجاهلية التي امتهنت المرأة وجعلتها على الهامش، ومن الطبيعي أنّ تلك العقليّة المتخلفة والمتجذرة في النفوس قد لا يكون سهلاً أن تغادر الأذهان في زمن قصير.

 

المقام الثاني: السّنة القوليّة

 ونقصد بها كلمات النبي(ص) في المرأة، ولدينا على هذا الصعيد تراث لا بأس به، وهو على العموم - وبالرغم من اشتماله على بعض النصوص القابلة للنقاش سنداً ومضموناً ودلالة- يكرّم المرأة، ويحفظ لها مكانتها واحترامها، وإليك بعض التعاليم النبوية على هذا الصعيد:

 

حبّ النساء

لقد دعا النبي الأكرم(ص) إلى التعامل مع المرأة بكل احترام وإنسانية، انطلاقاً من مبدأ الحبّ، باعتباره العاطفة الأسمى في سلسلة العواطف الإنسانية. فحبُّ الإنسان لأخيه هو الذي يبني الحياة الاجتماعية الآمنة المستقرة، ومن هنا كان من الطبيعي أنّ يمثّل - الحبُّ - الرسالة الأساس التي يحملها الدين، ويدعو لها الأنبياء(ع) [40]، ولذا لم يكن مستغرباً أن يحثَّ النبي(ص) على محبّة النساء، معتبراً أنّ ذلك من مكارم الأخلاق، فقد روي عنه(ص): «من أخلاق الأنبياء حبّ النساء»[41]، وفي صحيح حَفْصِ بْنِ البختريّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه(ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه(ص): «مَا أُحِبُّ مِنْ دُنْيَاكُمْ إِلَّا النِّسَاءَ والطِّيبَ»[42]، وقد عرف عنه(ص) أنّه كَانَ يحبّ أزْواجَه، وَيُلاطِفُهنَّ، وحثّ - فيما روي عنه - الرجال ودعاهم إلى إعلام زوجاتهم بحبّهم لهنّ وإظهار ذلك لهنّ، ففي الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه(ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه(ص): «قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُحِبُّكِ لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً»[43]. وعنه(ص): «وما زال يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها»[44]. وعنه(ص): «خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ»[45]. وفي حديث آخر عنه(ص): «خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأهلِه، وأنا خَيْرُكُم لأهلي»[46].

 

إكرام الزوجة

ودعا (ص) إلى إكرام الزوجة واحترامها، ففي الحديث المروي عنه: «ومن اتّخذ زوجة فليكرمها»[47]، والإكرام - في حدّه الأدنى - يفرض على الزوج أن يجتنب إيذاءها ويبتعد عن الإضرار بها، سواءً كان الإيذاء مادياً أو معنوياً، بالقول أو بالفعل، فعنه(ص): «ألا وإنّ الله ورسوله بريئان ممن أضرّ بامرأة حتى تختلع منه»[48]. وعنه(ص): «إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها»[49].

 

حِفْظُ أَسْرَارِ الزَّوجَاتِ

وفي هذا المناخ المفعم بالمحبة والإنسانية، كان من الطبيعي أن يدعو رسول الله(ص) الأزواج إلى حفظ أسرار زوجاتهم وعدم إفشائها، كما أنّ الزوجات - في المقابل - مَنهيَّاتٌ عَن إفشاءِ أَسْرَارِ أَزواجِهِنَّ، فَقد روي عنه(ص): «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»[50].

إنّ الحياة الزوجيّة هي مستودع الأسرار، ومن حق البنيان الزوجي على طرفيه الأساسيين (الزوج والزوجة) تحصينه وحمايته وحفظ أسراره، وإنّ إقدام أحد الطرفين على إفشاء الأسرار الزوجية ليس مؤشراً على الابتعاد عن الأخلاق والقيم الدينيّة والإنسانيّة فحسب، بل ومؤشر على خيانة العشرة الزوجية التي قامت على أساس رباط وثيق، كما وصفها الله تعالى في كتابه الكريم، إذ قال مندداً بأكل مهور النساء بغير حق: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [51].

 

حسن الظَّنِّ بالزوْجَات

وَمن التعاليم النبويّة القيّمة على هذا الصعيد: نهيه(ص) عن تتبع عَورات النساء وملاحقة عثَراتِهِنَّ، فَفي الخبر عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله سلم): «أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً؛ يَتَخَوَّنُهُمْ (يتهمهم بالخيانة)، أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ»[52].

وهذا التوجيه النبوي الشريف، إنّما يرمي إلى تأكيد مبدأ كرامة المرأة واحترام إنسانيتها، والتجاوز عما قد يراه الزوج من بعض زلاتها وعثراتها.

 

خدمة المرأة

وقد حثّت الوصايا النبوية الرجل على مساعدة زوجته وتلبية حاجاتها، والمبادرة إلى خدمتها بكل لطف ومحبة، ففي الخبر عنه(ص): «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْـمَاءِ أُجِرَ»[53]. وعنه(ص): «إنّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته»[54]. وفي الحديث عنه(ص): «من دخل السوق فاشترى تحفةً فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقةٍ إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّ مَنْ فرّح ابنة فكأنّما أعتق رقبةً من ولد إسماعيل..»[55]، وعنه (ص): «لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة»[56]. وعنه(ص):«ساووا بين أولادكم في العطيّة فلو كنت مفضلاً أحداً لفضّلت النساء»[57].

ما أجمل وأرقى هذا الإرشادات النبويّة! ففي وسط عالَمٍ ذكوري جرت عاداته وتقاليده على تهميش المرأة وعلى أن تقوم هي بخدمة زوجها وابنها وأخيها وسائر الذكور في العائلة، وإذا بالنبي(ص) يدعو الزوج - أيضاً - ويرغّبه في خدمة زوجته، ويحثّ الأب على الاعتناء بالإناث من أولاده، والبدء بهن في تقديم الهدايا، معتبراً(ص) أنّ في هذا نوعاً من عبادة الله تعالى والتقرّب إليه، لأنّ عبادة الله لا تنحصر بالصلاة والصيام والذكر، بل إنّ كل عمل يساعد على توثيق عرى العلاقات الاجتماعية وشدّ أواصر المحبّة بين أفراد الأسرة الواحدة هو عملٌ مرضيٌ عند الله ومقرّب إليه تعالى.

 

نظرة ملتبسة

أجل، هناك صورة ملتبسة يحملها البعض عن علاقة الرسول الأكرم(ص) بالمرأة، ومردّ هذه الصورة:

إمّا إلى فهم خاطئ لبعض علاقاته(ص) مع النساء، من قبيل: تعدد زوجاته، أو زواجه من زينب بنت جحش، حيث زعم البعض أنّه رآها في وضعيّة معينة، الأمر الذي تسبب في طلاقها من زوجها زيد بن حارثة والذي كان ذات يوم ابناً لرسول الله(ص) بالتبني، قبل أن يلغي الإسلام مبدأ التبني.

وإمّا إلى بعض المنقولات الواردة في السيرة، والتي تعكس صورة قد لا تخلو من تشويش، أو ربما تبدو مسيئة للنبي(ص) فيما يتصل بعلاقته بالمرأة، وذلك من قبيل الراوية التي تنقل أنّه تزوّج من السيدة عائشة وهي لا تزال في سن التاسعة من عمرها، بينما كان هو في العقد السادس من عمره، وهذا ما راعها وصدمها، بعد أن أُحضرت وسيقت إلى بيت الزوجية بينما كانت تلعب الأرجوحة! الأمر الذي استغله البعض واتخذ منه مادة خصبة للطعن بالنبي(ص) وبالإسلام.

وقد وفقني الله للإجابة على هذه الإشكالات والأسئلة في كتاب «بحوث حول السيدة عائشة - رؤية شيعية معاصرة»، وقد توصّلت فيه إلى النتائج التالية:

إنّ تعدد زوجاته(ص) لم يكن له علاقة بما قد يُتَوَّهم من ولعه بالنساء أو طغيان الغريزة الجنسية لديه، بل إنّ لهذا الأمر ظروفه التاريخية وأسبابه الرسالية وأهدافه الإنسانية والاجتماعية المتعددة.

وأنّ تزوّجه من زينب بنت جحش لم يكن استجابة لرغبة شخصية، بل كان تلبية لأمر إلهي أُوحي إليه به، وذلك لحكمة تتصل بإلغاء سنة جاهلية، وهي منع الرجل من الزواج ممّن كانت زوجة ابنه في التبني، والإسلام عندما منع التبني فقد ألغى سائر مفاعيله ومنها هذه.

 كما ورجّحتُ أنّ السيدة عائشة لم تكن عندما زفّت إلى بيت النبي(ص) في التاسعة من عمرها، وإنّما كانت في سنّ الثامنة عشرة - تقريباً - على ما تشهد به بعض الدلائل والقرائن التاريخية، وأمّا الرواية الواردة في الزواج بها والبناء عليها في سن التاسعة فهي متهافتة ومستنكرة ولا يمكن التصديق بها. ومن أراد التوسع حول هذه النقاط فليراجع ذلك الكتاب.

 

 

هذا المقال من كتاب "المرأة في النص الديني"

 

[1]  يذكر أرباب السير والتراجم أسماءً نسائية ذات فقه ودراية، فزينب بنت أم سلمة ربيبة رسول الله(ص) يقال: إنّها «كانت من أفقه نساء زمانها»، انظر: أسد الغابة، ج 5 ص 469.

 

[2]  أمثال أم حكيم بنت عبدالمطلب، فقد وصفها السيد الأمين بأنّها « شاعرة المائة الأولى»، انظر: أعيان الشيعة، ج 1 ص 167، والأمر عينه قيل في أختها أروى بنت عبدالمطلب فقد وصفت بأنها «كانت شاعرة فصيحة»، انظر: المصدر نفسه، وهكذا أختهما صفية، قال السيد الأمين: «كانت أديبة عاقلة شاعرة فصيحة وكان لعبد المطلب ست بنات كلهن من أهل الأدب والشعر والفصاحة»، انظر: أعيان الشيعة، ج 7 ص 390. 

 

[3]  من أمثال: أسماء بنت عميس وجويرية بنت الحارث وأسماء بنت أبي بكر، وغيرهن، انظر: تهذيب=

=    التهذيب للعسقلاني، ج 12 ص 350. ومن هذه الأسماء أيضاً: أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص، انظر: مسند أحمد، ج6 ص364.

[4]  المهاجرات إلى الحبشة عدد كبير من النساء، فقد بلغن العشرات، وأمّا المهاجرات إلى المدينة فعددهن أكبر بطبيعة الحال.

 

[5]  انظر: تهذيب التهذيب للعسقلاني، ج 12 ص 348 - 438.

 

[6]  سير أعلام النبلاء، ج 2 ص 202.

 

[7]  من الطبيعي أننا لسنا هنا بصدد التقييم، فأحاديث السيدة عائشة تحتاج - كأحاديث غيرها من الصحابة- إلى دراسة موضوعيّة وافية، بعيداً عن غلواء العاطفة ببعدها الإيجابي (المحبة) والسلبي (الشنآن)، وأعتقد أنّ من أهمّ الدراسات الجادة التي وضعت أحاديث عائشة على مشرحة البحث العلمي هي دراسة السيد مرتضى العسكري رحمه الله في كتابه القيّم أحاديث أمّ المؤمنين عائشة. وكذلك فإنّ بعض مواقفها لم تكن مبررة، كما هو الحال في خروجها على إمام زمانها علي(ع) في حرب البصرة.

 

[8] سورة الممتحنة، الآية 10.

 

[9]  قيل: إنها كانت «عاتق»، انظر: صحيح البخاري، ج 3 ص 173، والعاتق هي المرأة في مقتبل العمر، انظر: النهاية لابن الأثير ج 3 ص 179.

 

[10]  انظر: صحيح مسلم، ج 3 ص 173، السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: الدكتور سهيل زكار، ج2 ص790.

 

[11]  ومن المهاجرات إلى الحبشة: رقيّة بنت رسول الله(ص) هاجرت مع زوجها عثمان بن عفّان، وأسماء بنت عميس هاجرت برفقة زوجها جعفر بن أبي طالب، وسهلة بنت سهيل بن عمرو مع زوجها أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية برفقة زوجها أبي سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله المخزومي، وليلى بنت أبي حثمة برفقة زوجها عامر ابن ربيعة، وفاطمة بنت صفوان بن أميّة مع زوجها عمرو بن سعيد بن العاص، وأمينة بنت خلف برفقة زوجها خالد بن سعيد بن العاص، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب مع زوجها عبيد الله بن جحش، إلى غيرهن من النساء اللاتي هاجرن برفقة أزواجهن، انظر: السيرة النبوية، ج1 ص214 - 217.

 

[12]  انظر: المغازي للواقدي، ج 1 ص 270.

 

[13]  انظر: بشارة المصطفى للطبري، ص411. أسد الغابة، ج5 ص 451، 454، 591. الاستيعاب لابن عبدالبر، ج4 ص1910. السيرة النبوية لابن هشام، ج2 ص718، تحقيق سهيل زكار.

 

[14]  المعجم الكبير، ج 24 ص 311. ورواه الهيثمي وقال: «رجاله ثقات»، انظر: مجمع الزوائد، ج 9 ص 246.

 

[15] سورة النساء، الآية 20.

 

[16]  المصنف للصنعاني، ج 6 ص 180.

 

[17]  موطأ مالك، ج2 ص543، والسنن الكبرى، ج7 ص186.

 

[18]  روي في المستدرك، عن عبدالله بن الزبير قال: لما كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عاقلة أسلمت، ثم سألت رسول الله صلى الله عليه وآله الأمان لزوجها فأمرها بردّه، فخرجت في طلبه، وقالت له: جئتك من عند أوصل الناس وأبرِّ الناس وخير الناس وقد استأمنت لك فآمنك فرجع معها، فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً فلا تسبوا أباه، فإنّ سبّ الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت»، انظر: المستدرك للحاكم، ج3 ص241. وقد تحدّث الفقهاء عن هذا الأمر من زاوية بيان حكم المرأة التي تدخل الإسلام وزوجها باقٍ على الكفر، وقد تناول الشيخ الطوسي رحمه الله هذا الأمر، انظر: الخلاف للشيخ الطوسي، ج4 ص330.

 

[19]  إنّنا نؤكد على أنّ زينب هي ابنة رسول الله(ص) وليست ربيبته كما ذهب إليه بعض العلماء، انظر: الملحق في كتاب بحوث حول السيدة عائشة-رؤية شيعية معاصرة.

 

[20]  المستدرك للحاكم، ج3 ص236.

 

[21]  وتلك كانت شهادة النبي(ص) فيها، فقد روي عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء، قالت: فغرت يوماً، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها! قال: «ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء»، انظر: مسند أحمد، ج 6 ص 118.

 

[22]  المعجم الكبير للطبراني، ج 23 ص 13.

 

[23]  الكوثر هو الخير الكثير، قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر 1].

 

[24]  في الاستيعاب: وذكر عن جعفر بن محمد(ع) قال: «كانت كنية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أبيها»، انظر: الاستيعاب لابن عبدالبر، ج4 ص1899.

 

[25]  ففي الخبر عن عائشة، قالت: «حدثتني فاطمة قالت: أسرّ إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إنّ جبرائيل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة مرة، وإنّه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلَّا قد حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، ونعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت. ثم قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين! فضحكت»، انظر: الاستيعاب لابن عبدالبر، ج4 ص1894. وروى عبدالرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران» انظر: المصدر نفسه..

 

[26]  البوائق بمعنى شره وظلمه.

 

[27]  دلائل الإمامة، ص 66.

 

[28]  ففي الخبر عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}  [الأحزاب 33] قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً، وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم أدار عليهم الكساء فقال: «هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» وأم سلمة على الباب، فقالت: يا رسول الله ألست منهم؟ فقال: «إنك لعلى خير - أو إلى خير -»، انظر: تاريخ بغداد، ج 10 ص277.

 

[29]  قال تعالى خطاباً لنساء النبي(ص): {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب 33].

 

[30]  فقد روى المؤرخون أنّ عائشة جاءت لإقناعها بالخروج معها طلباً بدم عثمان وقالت لها: «أنت أول مهاجرة في الإسلام وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم لنا من بيتك..، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك وقد خبرت أن القوم استتابوا عثمان بن عفان حتى إذا تاب وثبوا عليه فقتلوه، وقد أخبرني عبدالله بن عامر أنّ بالبصرة مائة ألف سيف يقتل فيها بعضهم بعضاً، فهل لك أن تسيري بنا إلى البصرة لعل الله تبارك وتعالى أن يصلح هذا الأمر على أيدينا؟ قال: فقالت لها أم سلمة رحمة الله عليها: يا بنت أبي بكر! بدم عثمان تطلبين! والله لقد كنت من أشدّ الناس عليه، وما كنت تسميه إلا نعثلاً، فما لك ودم عثمان؟! وعثمان رجل من عبدمناف وأنت امرأة من بني تيم بن مرة، ويحك يا عائشة! أعلى علي وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخرجين وقد بايعه المهاجرون والأنصار!؟ ثم جعلت أم سلمة رحمة الله عليها تذكّر عائشة=

=    فضائل علي رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير على الباب يسمع ذلك كله، فصاح بأم سلمة وقال: يا بنت أبي أمية! إننا قد عرفنا عداوتك لآل الزبير، فقالت أم سلمة: والله لتوردنها ثم لا تصدرنها أنت ولا أبوك! أتطمع أن يرضى المهاجرون والأنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعلي بن أبي طالب حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ فقال عبدالله بن الزبير: ما سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساعة قط، فقالت أم سلمة رحمة الله عليها: إن لم تكن أنت سمعته قد سمعته خالتك عائشة وها هي فاسألها! فقد سمعته صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني». أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا؟ فقالت عائشة: اللهم نعم! قالت أم سلمة رحمة الله عليها: فاتقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذّرك الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب، ولا يغرنك الزبير وطلحة فإنهما لا يغنيان عنك من الله شيئاً»، انظر: الفتوح لابن الأعثم، ج2 ص454 - 455. والمعيار والموازنة لأبي جعفر الأسكافي، ص27. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج6 ص217.

 

[31] سورة الأحزاب، الآية 25.

 

[32]  مغازي الواقدي، ج 1 ص 292.

 

[33]  المستدرك للحاكم، ج3 ص383، والاستيعاب لابن عبدالبر، ج4 ص1589.

 

[34]  الطبقات الكبرى لابن سعد، ج8 ص264.

 

[35]  قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: «وأسماء بنت عميس من مشاهير النساء، ومن اللآتي لا يشكّ في أنها من ذوات الدين والمعرفة، ومن اللآئي التزمن بيت الوحي والنبوة، وهي أم محمد بن أبي بكر، وبعد وفاة أبي بكر تزوّجها مولانا أمير المؤمنين(ع) ونالت الشرافة والاحترام بهذا الزواج المقدّس»، انظر: الفردوس الأعلى، ص9.

 

[36]  ففي الخبر عن أبي جعفر(ع) قال: «رحم الله الأخوات من أهل الجنة فسماهن: أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت تحت جعفر بن أبي طالب(ع)، وسلمى بنت عميس الخثعمية وكانت تحت حمزة، وخمس من بني هلال: ميمونة بنت الحارث كانت تحت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأم الفضل عند العباس اسمها هند، والغميصاء أم خالد بن الوليد، وعزة كانت في ثقيف الحجاج بن غلاظ،=

=    وحميدة ولم يكن لها عقب» انظر: الخصال للصدوق، ص363. وذكر المحقق التستري أنّ هذا الحديث تعرّض لشيء من التحريف، انظر: قاموس الرجال، ج12 ص185، و214.

 

[37]  أعيان الشيعة، ج 1 ص 313.

 

[38]  ففي الخبر أن فاطمة(ع) «قالت لأسماء بنت عميس: يا أسماء، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها. فقالت أسماء: يا بنت رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة! فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! تُعرف به المرأة من الرجال، فإذا أنا متُ فاغسليني أنت وعليّ، ولا تدخلي عليّ أحداً»، انظر: الاستيعاب لابن عبدالبر، ج 4 ص 1897.

 

[39]  المعجم الكبير للطبراني، ج 25 ص 134.

 

[40]  يمكنكم مراجعة كتابنا وهل الدين إلّا الحب؟ للتعرّف على العلاقة بين الحب والدين، ودور الحب في العلاقات الإنسانية، ودوره -أيضاً - في العلاقة مع الله تعالى.

 

[41]  الكافي، ج5 ص320.

 

[42]  المصدر نفسه، ج5 ص320.

 

[43]  المصدر نفسه، ج5 ص570.

 

[44]  من لا يحضره الفقيه، ج1 ص52.

 

[45]  سنن النسائي، ج1 ص636، ورواه الحميري في «قرب الإسناد» بإسناده عن الإمام الصادق(ع) عن أبيه(ع) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اتقوا الله، اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم، والمرأة، فإن خياركم خياركم لأهله»، انظر: قرب الإسناد، ص92.

 

[46]  سنن ابن ماجة، ج 1 ص 626، وسنن الترمذي، ج 5 ص 269، ورواه الصدوق هكذا: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»، انظر: من لا يحضره الفقيه، ج3 ص443.

 

[47]  دعائم الإسلام، ج2 ص 158.

 

[48]  ثواب الأعمال، ص 287.

 

[49]  معارج اليقين في أصول الدين، تأليف: الشيخ محمد السبزواري ص 447.

 

[50]  صحيح مسلم، ج 4 ص 157.

 

[51] سورة النساء، الآية 21.

 

[52]  صحيح مسلم، ج 6 ص 56، وروي هذا المعنى أو قريب منه عن أهل البيت(ع)، فقد روى الصدوق بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطرق الرجل أهله ليلاً إذا جاء من الغيبة حتى يؤذنهم»، انظر: من لا يحضره الفقيه، ج 2 ص 300، وانظر الكافي، ج 5 ص 499.

 

[53]  مسند أحمد، ج4 ص 128.

 

[54]  وسائل الشيعة، ج 22 ص 282، الحديث 1من الباب 2 من أبواب الخلع والمباراة.

 

[55]  الأمالي للصدوق، ص672، وثواب الأعمال، ص301.

 

[56]  معارج اليقين في أصول الدين، الشيخ محمد السبزواري ص277، وبحار الأنوار، ج101 ص132، نقلاً عن جامع الأخبار.

 

[57]  كنز العمال، ج 16 ص 444.

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon