حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
ما روي عن الرسول(ص) في ذم المرأة (1)
الشيخ حسين الخشن



ما ورد عن رسول الله (ص) في ذمّ المرأة

مع أنّ دراستنا هذه مخصصة للحديث عن رؤية الإمام(ع) حول المرأة، لكنّ التعرّف على شخصية المرأة من منظار الرسول(ص) هو من الأهمية بمكان في بحثنا؛ لأنّ علياً(ع) هو تلميذ الرسول(ص) وباب مدينة علمه[1]، الأمر الذي يعني أنّ صورة المرأة عند علي(ع) لا تتضح ولا تكتمل إلا بملاحظة رأي أستاذه رسول الله(ص) في هذا الشأن، فرأي النبي(ص) في المرأة سوف يُمَكِّنُنا من معرفة رأي علي(ع)، ويعطينا مؤشراً معيارياً لما يمكن أن يقوله علي(ع) أو لا يقوله.

 وبكلمة ثانية: إنّ رأي علي(ع) هو - بطبيعة الحال - رأي الرسول(ص)، ولا نتصوّر أنّ علياً(ع) يخالف الرسول(ص) في ذلك أو في غيره قيد أنملة، كيف وهو الذي كان يتبعه اتباع الفصيل (ابن الناقة) أثر أمّه، ولا يفارقه طرفة عين أبداً، حتى إنّه(ع) تصدّق بما يملك من مال ليتسنى له الخلوة برسول الله(ص) بعد أن نزلت آية كريمة تنهى عن مناجاة النبي(ص) إلا بعد أن يقدّم الشخص المناجي صدقة، وعمل علي(ع) وحده بهذه الآية فتصدق بما يملك، ونزلت إثر ذلك آية قرآنية أخرى[2] تخلِّد هذه الحادثة.  

وإذا كنّا قد استعرضنا في المحور الثاني من هذا الكتاب جملة من أحاديث النبي(ص) وكلماته المؤكِّدة على تكريم المرأة واحترامها وتقديرها، بالإضافة إلى سيرته العطرة والطيبة في التعامل معها، لكنّه وبإزاء ذلك توجد جملة من الأحاديث المرويّة عنه(ص) أو المنسوبة إليه وهي على خلاف ما تقدم، ولا تبتعد في المضمون عن النصوص المروية عن أمير المؤمنين(ع) بشأنها، مما تقدم الحديث عنها بشكل مفصل في المحور السابق، فهي نصوص تلتقي مع تلك في منحاها  العام الذاهب إلى ذمّ المرأة والاستهانة بطاقاتها وكفاءتها، الأمر الذي يثير إشكالاً في وجه الإسلام ويدعو إلى الاعتقاد أنّ لديه نظرة دونيّة تجاه المرأة، هذا فيما لو كانت تلك النصوص صادرة حقاً عن الرسول(ص)، لبيان القاعدة العامة في المرأة.

وقبل أن نضع هذه النصوص على مشرحة البحث العلمي، فإنّ علينا التنبيه والتذكير بأنّ هذه النصوص لا بدّ أن نتعامل معها على أساس الضوابط العامة المتقدمة، ومن أهمّ هذه الضوابط: ضرورة إخضاعها إلى معيار التدقيق السندي، والعرض على الكتاب الكريم، ورفض التعامل معها على أساس قاعدة التسامح في أدلة السنن، وضرورة النظر إليها بشموليّة وإحاطة كاملة، والابتعاد عن النظرة التجزيئية في التعامل معها، وضرورة ملاحظة البعد التاريخي فيها وما إذا كانت صادرة على نهج القضية الحقيقية أو الخارجية، على حدّ تعبير الأصوليين، كما أنّ من الضروري أخذ أمر آخر بعين الاعتبار، وهو ما أشرنا إليه قبل قليل من ملاحظة مكانة المرأة في حياة النبي(ص)، إذ لا يكفي لبناء تصور إسلامي عن المرأة ملاحظة السُّنة القوليّة لرسول الله(ص) فحسب، وغضّ النظر أو تناسي السيرة الفعليّة له(ص) في تعامله وتعاطيه مع المرأة.

وهكذا فإنّ من الضروري ملاحظة القاعدة العقليّة المتقدم ذكرها، وهي أنّ الذم لا يكون على ما ليس بالاختيار، فالمرأة - مثلاً - لا تذمّ، لكونها تحيض، فإنّ الحيض ليس أمراً اختيارياً لها، وإنّما هو حالة تكوينيّة فُطرت عليها، ولا يُعدّ ذلك حالة نقص وعيبٍ فيها.

بعد التذكير بهذه المعايير والضوابط، فإنّنا ننتقل إلى استعراض جملة من الأحاديث المروية عن الرسول(ص) بشأن المرأة، التي لا تخلو من دلالة صريحة أو إيحائية على ذمّها، ووجود نظرة سلبية تجاهها.

 

حديث «أكثر أهل النار من النساء»

والحديث الأول الذي نذكره في المقام هو الحديث القائل: «إنّ أكثر أهل النار من النساء»، ولنا مع هذا الحديث وقفتان: الأولى: وقفة سندية، والثانية: وقفة مضمونيّة.

الوقفة السندية

أقول: إنّ هذا المضمون مروي من طرق الفريقين (السُّنة والشيعة):

أولاً: من طرق السُّنة، فقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما بالإسناد عن ابن عباس قال: قال النبي (ص): «أُرِيتُ النار فإذا أكثر أهلها النساء. يكفرن! قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر ثم رأتْ منك شيئاً قالت: ما رأيتُ منك خيراً»[3].

وروي عنه(ص): «اطّلعت في النار فرأيتُ أكثرَ أهلِها النساء، واطّلعت في الجنّة فرأيت أقلّ أهلها النساء! فقلت: أين النساء؟ فقيل: شَغَلَهُنَّ الأحمران: الذهب والزعفران»[4].

وانشغال النساء بالأحمرين مروي عنه(ص) في رواية أخرى، لكن دون إشارة إلى كون أكثريّة النساء في النار، فعن أبي هريرة عن رسول الله(ص) في الإشارة إلى النساء: «أهلكهنّ الأحمران: الذهب والزعفران»[5]، والذهب كناية عن الحلي، والزعفران كناية عن الطيب[6].

ثانياً: وأمّا من طرق الشيعة، فقد روى الكليني خبرين ينصّان على المعنى المذكور في رواية ابن عباس المتقدمة، والخبران هما:

الخبر الأول: ما رواه عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه(ع) يَقُولُ خَطَبَ رَسُولُ اللَّه(ص) النِّسَاءَ فَقَالَ: «يَا مَعَاشِرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ولَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ ولَوْ بِتَمْرَةٍ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ، إِنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَةَ (الأصح هو العشير وهو الزوج) فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لَهَا عَقْلٌ: يَا رَسُولَ اللَّه ألَيْسَ نَحْنُ الأُمَّهَاتُ الْحَامِلَاتُ الْمُرْضِعَاتُ ألَيْسَ مِنَّا الْبَنَاتُ الْمُقِيمَاتُ والأَخَوَاتُ الْمُشْفِقَاتُ، فَرَقَّ لَهَا رَسُولُ اللَّه(ص) فَقَالَ: حَامِلَاتٌ وَالِدَاتٌ مُرْضِعَاتٌ رَحِيمَاتٌ لَوْلَا مَا يَأْتِينَ إِلَى بُعُولَتِهِنَّ مَا دَخَلَتْ مُصَلِّيَةٌ مِنْهُنَّ النَّارَ»[7].

الخبر الثاني: ما رواه أيضاً عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ غَالِبٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه(ص) يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى ظَهْرِ الْمَدِينَةِ عَلَى جَمَلٍ عَارِي الْجِسْمِ فَمَرَّ بِالنِّسَاءِ فَوَقَفَ عَلَيْهِنَّ ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعَاشِرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وأَطِعْنَ أَزْوَاجَكُنَّ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ فِي النَّارِ فَلَمَّا سَمِعْنَ ذَلِكَ بَكَيْنَ، ثُمَّ قَامَتْ إِلَيْه امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه(ص) فِي النَّارِ مَعَ الْكُفَّارِ واللَّه مَا نَحْنُ بِكُفَّارٍ فَنَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّه(ص): إِنَّكُنَّ كَافِرَاتٌ بِحَقِّ أَزْوَاجِكُن»[8].

والخبر الثاني معتبرٌ سنداً بخلاف الأول[9]، وعليه، فلا يمكن رمي حديث ابن عباس المروي من طرق السُّنة بالوضع أو الضعف، لأنّ مضمونه معتضدٌ بما روي صحيحاً من طرق أهل البيت(ع).

 

الوقفة الثانية

إنّ صحة السند في بعض الروايات المتقدمة لا تمنع من تسجيل عدة ملاحظات على مضمونها، وإليك البيان:

أولاً: قال بعض الأعلام تعليقاً على حديث ابن عباس المتقدّم: «لم يثبت، والواقع المشهود في تاريخ البشر هو أنّ نسبة وقوع المعاصي من قِبل الرجال أكثر منه عند النساء، فثمة معاصٍ موبقة لا يقوم بها غالباً إلّا الرجال كاللواط والسرقة والقتل وغيرها. أمّا النساء فيلازمن المنازل غالباً ويقمنَ بالوظائف البيتية أو العمل في المزارع والمعامل. أضف إلى ذلك أنّ المعاناة التي تلاقيها المرأة أيّام الحمل والوضع بمثابة مطهر لها من الذنوب ولو ماتت في هذا السبيل ماتت شهيدة. روى النسائي عن عقبة بن عامر أنّ رسول اللّه(ص) قال: «والنفساء في سبيل اللّه شهيد»[10].

ثانياً: إنّ الروايات الآنفة تبرر كون أكثريّة النساء في النار بأنّهن لا يحسنّ معاشرة الزوج والتعامل معه وأداءه حقه، ولا يَشْكُرْنَ إحسانه، ومعلومٌ أنّ هذا الأمر لو كان أكثرياً في النساء، فإنّه لا يُعَدُّ كفراً ولا شركاً، وإنّما هو معصية كبيرة، والمعاصي - كما هو معلوم - لا توجب سوى دخول النار وليس الخلود فيها، وعليه فإنّنا نسأل: أليس معظم الرجال - أيضاً - يُسِئْن التعامل مع زوجاتهم أو يرتكبن الذنوب الكبيرة، فبماذا يفرق الرجل عن المرأة في ذلك؟! فاللازم على هذا أن يقال: إنّ معظم الناس - رجالاً ونساءً - يستحقّون المحاسبة ودخول النار وليس النساء فحسب، هذا لو أراد الله تعالى أن يحاسبهم بعدله ولم يشملهم بلطفه ورحمته.

وتساوي الرجال والنساء في ارتكاب المعاصي هو مما نصّ عليه القرآن الكريم في العديد من آياته، التي يستفاد منها أنّ المعصية إنّما تصدر عن الرجل والمرأة بلحاظ بشريتهما، لا بلحاظ عنصر الذكورة أو الأنوثة فيهما. فلاحظ - على سبيل المثال - قول الحقّ عزّ وجل:{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[11]، وقوله تعالى:{بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [12]، وقوله سبحانه: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ}[13]، إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تؤكد على ما ذكرناه للتو من أنّ الإنسان بصرف النظر عن جنسه هو الذي يمارس الطغيان والعدوان والظلم، كما أنّه - في المقابل - هو مَنْ تصدر عنه الطاعة والعدالة والوفاء.

بل إننا نلاحظ من خلال الواقع أنّ ظُلْمَ الرجال لزوجاتهم وتقصيرهم في حقهنّ هو أعظم وأشدّ وأكثر من تعدي النساء في هذا المجال، فإنّ كثيراً من الرجال يتجاوزن حقوق النساء - أكنّ زوجات أو بنات أو أخوات - ويُعَنِّفْنَهُنَّ ويعتدين عليهنّ بالضرب أو غيره من أشكال الاعتداء الجسدي أو المعنوي، وهذا ما يجعلنا ندرك سرّ هذا التركيز القرآني على توجيه الخطاب في الكثير من الآيات إلى الرجال ونهيهم عن التقصير بحق النساء أو ظلمهنّ، أو تأكيده تعالى على ضرورة معاشرتهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان، أو نهيه للرجال عن الإضرار بالنساء، قال تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}[14]، ونظيره ما جاء في قوله عزّ وجلّ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ}[15] وكذلك نهيه الأزواج عن محاولات الضغط على النساء بهدف أن يتنازلن عن مهورهن، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [16]، إنّ مردّ هذا التوجه إلى مخاطبة الرجال بمراعاة حقوق النساء وعدم إيذائهن أو استضعافهن، مردّه إلى أنّ واقع الحال وطبيعة الأمور ولا سيما إبان نزول الآيات تجعل الرجل في الموقع الأقوى وقد يستغل قوته للاعتداء على المرأة.

ثالثاً: وهذه الملاحظة هي الأهم في المقام، وخلاصتها: أنّه قد ورد في بعض أحاديث الأئمة من أهل البيت(ع) ما يكذّب الحديث المذكور المنقول عن الرسول(ص)، فقد روى الصدوق بسند صحيح عن الفضيل عن أبي عبدالله(ع) قال: قلت له: «شيء يقوله الناس: إنّ أكثر أهل النار يوم القيامة النساء، قال: وأنى ذلك!؟ وقد يتزوّج الرجلُ في الآخرة ألفاً من نساء الدنيا في قصر من درة واحدة»[17].

وقد رُوي عن صادق أهل البيت(ع) أيضاً أنّ غالب أهل الجنة هم من النساء، فقد روى الصدوق - أيضاً - بإسناده عن عمار الساباطي عن أبي عبدالله(ع) قال: «أكثر أهل الجنّة من المستضعفين النساء، علم الله عز وجل ضعفهن فَرَحِمَهُنَّ»[18].

ثمّ إنّ المرأة هي - في الأعم الأغلب - أمٌ، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: «الجنّة تحت أقدام الأمهات»[19].

ونحن إن لم نرجّح ما جاء في هذه الأخبار على خبر ابن عباس، فلا أقل من أن يكون النقل عنه(ص) متعارضاً، ولا مفرّ والحال هذه من التساقط، ويكون المرجع هو قواعد العدل الإلهي.

رابعاً: وقد سجّلت في كتابي «هل الجنة للمسلمين وحدهم؟»[20] ملاحظة رابعة على هذا الحديث، وخلاصتها: أنّ غالب النساء على مرّ التاريخ كنّ ولا زلن من المستضعفات ثقافياً، بمعنى أنّ الظروف التاريخية والبيئة الخاصة التي يَعِشْنَها وهي بيئة تسيطر عليها الذهنية الذكورية قد وضعت النساء في حالة من البؤس والتخلّف على الصعيد الثقافي والمعرفي، ما جعلهنّ لا يمتلكن قدرة كافية على بناء العقيدة السليمة أو الاجتهاد وإبداء الرأي المستقل، ولهذا نلاحظ إلى يومنا هذا أنّ النسبة العالية من الأميّة متفشية في النساء، وهذا ما جعلهنّ - في الأعم الأغلب - مقلِّدات تابعات، ولذلك فهنَّ - بسبب ذلك - موقنات بصحة ما هنّ عليه من عقيدة أو سلوك، وغير معاندات للحق لو عَرَفْنَه، ومَنْ كان كذلك فهو لا يستحق العقاب والمؤاخذة، بل تقبح إدانته بسبب قصوره، وقد انتصر التشريع الإسلامي لهؤلاء المستضعفين ودعا إلى ضرورة إخراجهم مما هم فيه، ولو اقتضى الأمر إعلان الجهاد واستخدام أساليب غير تقليديّة في مواجهة الظالمين الذين يقهرونهم ويستضعفونهم، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}[21]، وقد ذكرنا للتو حديث الساباطي عن الإمام الصادق(ع) والذي نصّ على أنّ النساء - في أكثرهن - مستضعفات.

 

 

 

 

 

حديث: "النساء حبائل الشيطان"

ومن جملة الأحاديث المرويّة عن الرسول الأكرم(ص)، حديث: «النساء حبائل الشيطان»[22]، وفي نقل آخر: «النساءُ حِبَالةُ الشيطان»[23].

ولدينا عدة وقفات مع هذا الحديث:

أولاً: في المعنى اللغوي

قال الشريف الرضي تعليقاً على الحديث: «وهذه من أحاسن الاستعارات، وذلك أنّه عليه الصلاة والسلام جعل النساء من أقوى ما يصيد به الشيطانُ الرجالَ، فهنّ كالحبائل المبثوثة، والأشراك المنصوبة، لأنّهن مظانّ الشهوات»[24].

وقال الطريحي: «وحبائل الشيطان: مصائده، واحدها حبالة، بالكسر. وهي ما يُصاد بها من أي شيء كان. ومنه الحديث: «النساء حبالة الشيطان»، ومنه: «الإمام مطرود عنه حبائل إبليس وجنوده»[25].

ثانياً: في سنده

والحديث لا يمتلك سنداً صحيحاً يعوّل عليه، ولا سيّما في بناء تصوّر ديني إزاء المرأة، التي تشكّل نصف المجتمع البشري، وإننا - بالتتبع - قد وجدنا أنّ الحديث قد روي مرسلاً أو مرفوعاً في بعض المصادر[26]، وفي بعضها الآخر روي  مسنداً[27] ولكنّ سنده غير صحيح، كما صرّح «الألباني» في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة[28]، وذكره «الواقدي» كجزءٍ من خطبة النبي(ص) في غزوة تبوك[29].

 ويمكن تصعيد الموقف هنا أكثر، وذلك بالقول: إنّ هذه المقولة وبصرف النظر عن عدم امتلاكها سنداً صحيحاً لم يثبت كونها حديثاً نبوياً، لأننا نلاحظ أنّ «الباقلاني» (ت:403هـ) و«الجاحظ» وغيرهما قد نسبوها إلى ابن مسعود من خطبة له[30]. ونقل عن «نصر بن الحجاج» قوله مخاطباً عتبة وهو يعيّره على انحراف زوجته:

«لا تعتبن يا عتب نفسك حبّها      إنّ النساء حبائل الشيطان»[31].

 ونُسب في بعض المصادر إلى السيد المسيح(ع)، ففي الدر المنثور: «وأخرج عبدالله في زوائده عن جعفر بن حرفاس أنّ عيسى ابن مريم قال: «رأس الخطيئة حبّ الدنيا، والخمر مفتاح كل شر، والنساء حِبَالةُ الشيطان»[32].

اللهم إلا أن يقال: إنّ ورود هذا المقطع في خطبة لابن مسعود أو في شطرٍ لبعض الشعراء لا يتنافى مع كونه حديثاً نبوياً، فإنّ الخطباء والشعراء كثيراً ما يضمّنون خطبهم جزءاً من آية قرآنية أو مقطعاً من حديث نبوي، دون أن يصرّحوا بالأمر، اكتفاءً منهم بمعروفيّة ذلك، واعتماداً على فطنة السامع، وهذا ما يُرَجَّح أنّه جرى مع حديث «النساء حَبائل الشيطان»، فيما لو صحّ، ولا سيّما أنّ الكلام قد أصبح من الأمثال المتداولة على ألسنة الناس على ما جاء في بعض المؤلّفات في الأمثال النبويّة[33]، وهكذا لا يتنافى ذلك مع كونه حديثاً مروياً عن عيسى ابن مريم(ع)، وتكلّم به النبي الخاتم(ص)، فالأنبياء(ع) ينهلون من معين واحد.

ولهذا، فالملاحظة الجديرة بالاعتبار هي افتقار الحديث إلى سندٍ يمكن التعويل عليه.

ثالثاً: مع مضمون الحديث

إنّ كون المرأة حبالة الشيطان محتملٌ لأحد معنيين:

    أن يراد به أنّها من الضعف في الإرادة الإيمانية، ما يجعلها أداة طيّعةً بيد الشيطان، بحيث يستغلّها في مساعيه لإغراء الرجال، وهذا التفسير يواجهه سؤال محوري وهو: لماذا كانت المرأة كذلك، هل هي الجبلة؟ بمعنى أنّها خُلِقَتْ على هذه الحال التي تجعلها ضعيفة أمام الشيطان، أم إنّ الأمر لا علاقة له بالجانب التكويني، وإنّما الظروف الخاصة والتربية الخاطئة هما اللتان تدفعان المرأة لتكون كذلك؟ أما الأول، فإن صحّ فهو لا يشكّل طعناً في المرأة نفسها، لأنّ ذلك غير اختياري لها، ولا يُلام الإنسان على ما ليس في الاختيار، وأمّا الثاني فهي لا تتحمل لوحدها مسؤوليته، لأنّ الأمر عندما يكون مرتبطاً بالتربية والظروف فهذا ما يتحمّل المجتمع بأسره مسؤوليّة تغييره، وهو دون شك قابل للتغيير. 

أن يراد به أنّ الشيطان يَتّخِذُ من المرأةِ شبكةً يصيد بها الرجال ويوقعهم في فخّه، دون أن يعني ذلك أنّ إرادتها الإيمانية ضعيفة بالقياس إلى إرادة الرجل، وهذا المعنى إذا كان هو المقصود فهو صحيح، لكنّه لا يشكّل ذماً للمرأة أو نيلاً منها، لأنّ الحبالة بهذا المعنى لا تختص بالنساء وحدهنّ، بل يصحّ ذلك أيضاً بالنسبة للرجال، فإنّ الشيطان يتخذهم - أيضاً - شبكةً يصيدُ بها النساء، فإنّ إغراء النساء واستمالتهنّ نحو فعل المنكر إنما يأتي - في الغالب - من طرف الرجال وبواسطتهم، فالشبكة الإغرائية متبادلة بين الطرفين، وهذا ما يشهد به الواقع الخارجي.

رابعاً: "إنّ كيدكن عظيم"

وربما يقال: إنّ التعبير عن النساء بأنّهنّ حبائل الشيطان ليس مستغرباً ولا مجافياً للحقيقة، فإنّ مكر النساء وكيدهنّ معروف، وقد ضُربت به الأمثال، وهو بمجمله كيدٌ شيطاني، بمعنى أنّه من تأثيرات الشيطان ووساوسه، وقد وصف القرآن الكريم كيدهنّ بأنّه عظيم، ولم يتوانَ البعض عن إجراء مقايسة بين كيد الشيطان وكيد النساء، وخَلَصَ في نتيجة المقايسة إلى أنّ كيد النساء أشدّ فتكاً وأعظمُ خبثاً وأقوى تأثيراً على الرجال من كيد الشيطان، وذلك استناداً إلى أنّ الله تعالى لما وصف كيد الشيطان قال: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [34]، بينما نراه عندما وصف كيد النساء قال: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[35]، وهذا الكيد العظيم - بحسب ما يرى بعض العلماء - هو الذي يفسّر صدور النهي في الروايات عن إطاعة النساء[36].

وتعليقاً على المقايسة المذكورة قال الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله: «إنّ كيد النساء من كيد الشيطان، فكيده أصل، وكيدهن فرع». وأضاف: «والمراد بضعف الشيطان في كيده أنّه لا سلطان له على عباد اللَّه إلا من اتبعه من الغاوين، والمراد بعظمة النساء في كيدهن أنّهن أقوى جنود الشيطان وأتباعه، فقد روي عن إبليس أنّه قال: «النساء فخوخي ومصائدي..»[37].

وما ذكره الشيخ مغنية رحمه الله في تفسير الآية التي تتحدّث عن ضعف كيد الشيطان، وأنّ المراد به نفي سلطان الشيطان على الإنسان، هو تفسير صحيح ومستقى من القرآن الكريم، فإنّه يؤكد على حرية الإنسان في إرادته واختياراته، وعلى مسؤوليته عن أفعاله وأقواله، وينقل - أي القرآن - عن الشيطان أنّه سوف يواجه العباد بهذه الحقيقة المُرَّة يوم القيامة، حيث يقف يوم إحقاق الحق ليتنصل من مسؤوليته عما ارتكبه الإنسان من منكرات أو ذنوب أبعدته عن ساحة القدس الإلهي ويتركه وحيداً فريداً في مواجهة ما جنته يداه، قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم} [38]، فدور الشيطان - إذن - يقتصر على التزيين والتحسين، والله تعالى لم يملّكه رقابنا ولا سلّطه على نفوسنا ولا مكّنه من إرادتنا، بحيث يكون لديه قدرة على أن يدفعنا إلى أحضان الرذيلة دون اختيارٍ أو رغبة منا.

وأما ما ذكره الشيخ رحمه الله تعليقاً على تفسير عظمة كيد النساء في الآية الأخرى، بأنّهنّ من أعظم جنود الشيطان وأقوى أتباعه، فهذا لنا عليه بعض التحفظات، نبيّنها من خلال الأمور التالية:

الأمر الأول: إنّ كلام الشيخ وغيره يوحي بأنّ المكر أو الكيد الخبيث والمبعد عن الله تعالى هو سِمة تمتاز بها النساء، كأنهنّ منبع هذا الكيد وأداة الشيطان الطيّعة، وهذا المعنى ليس دقيقاً، فالرجال - أيضاً - لهم مكر شيطاني خبيث، وقد يكون ضررُه على البشريّة أشدَّ من مكر النساء وكيدهنّ، ولذا فالآية المذكورة في حديثها عن كيد النساء - بصرف النظر عما سيأتي في الملاحظة الثانية - حيث وصفته بالعظيم لا تنفي كيد الرجال، أي ليس لها مفهوم على حدّ تعبير علماء الأصول، وبكلمة أخرى: إنّ إثبات شيء لشيء لا ينافي ثبوته لغيره، فالآية المباركة إذ تؤكد عظمة كيد النساء، فهي لا تنفي عظمة كيد الرجال، فضلاً عن أن تنفيه من أصله، وإنّما ذكرت كيد النساء ووصفته بالعظمة، لأنّ السياق كان سياق الحديث عن النساء وأفعالهنّ، وإلا فالرجل - كما قلنا - صاحب كيد عظيم في كثير من الأحيان، فالكيد العظيم أو المكر الخبيث هو سمة الإنسان وليس سمة المرأة فحسب، قال تعالى:{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [39]، وقال تعالى متحدثاً عن كيد الكافرين: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} [40]، وقال تعالى عن لسان يعقوب النبي(ع) في نصيحته لابنه يوسف(ع): {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}[41]، وقال عزّ وجلّ عن قوم نوح(ع): {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [42].

الأمر الثاني: إنّ لقائل أن يقول: إنّ وصف النساء بالكيد العظيم إنّما نسبه القرآن الكريم - بحسب الظاهر - إلى عزيز مصر، فهو القائل ذلك، وليس الله تعالى[43] ولا يوسف الصديق، وعليه فلا تصلح هذه الفقرة للاحتجاج بها والبناء عليها، لأنّ عزيز مصر ليس معصوماً وكلامه لا يمثّل الحقيقة المطلقة، وليس من الواضح أنّ القرآن الكريم يقرّ هذا المعنى أو يمضيه.

ويُذَكِّرُني الاستدلال بهذه الآية واعتبار مضمونها حقيقة قرآنية - مع أنّ القرآن ينقلها عن لسان عزيز مصر دون أن يظهر منه تبنيها وإقرارها - بما جرى على ألسنة البعض من الاستشهاد بآية أخرى ونسبة مضمونها إلى الله تعالى، مع أنّ القرآن يسجلها في مقام الحكاية عن الآخرين، والآية الأخرى هي قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} [44]، فإنّ التأمل في سياق هذه الآية يشهد بأنّها جاءت تتمة لكلام جماعة من اليهود الذين كانوا يعملون على خديعة المسلمين ويسعون إلى فتنتهم عن دينهم، فكانوا يتظاهرون بالإسلام أول النهار ثم يكفرون آخره، في محاولة لتشكيك المؤمنين بدينهم، وبينما كانوا في الظاهر يدعون إلى الإسلام، فإنّهم في السِّر كانوا يقولون لجماعتهم من اليهود: لا تصدِّقوا بمحمدٍ ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم! وقد فَضَحَ الله كيدهم وخبثهم هذا، فقال عزّ من قائل: {وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ۗ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[45][46].

والاشتباه الذي حصل في فهم هذه الآية جرى نظيره مع قوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [47].

الأمر الثالث: مع التسليم بأنّ آية: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} قد أقرّها القرآن الكريم بالرغم من كونها صادرة عن عزيز مصر، ولكن يبقى السؤال في المقام، أنّ الحديث في الآية هل هو عن جنس النساء أو عن خصوص النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أيديهن بسبب وقوعهن أسرى الغريزة التي جذبتهن إلى يوسف الصديق؟

والجواب: إنّ ضمير المخاطب في الآية وهي قوله تعالى: {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، والذي تكرر مرتين - كما لاحظنا -، يُرَجِّحُ الاحتمال الثاني، لأنّه لو كان المراد إعطاء قاعدة عامة ومطردة في كل النساء لكان الأنسب أن يأتي التعبير في الفقرة الثانية من الآية على النحو التالي: «إنّ كيد النساء عظيم» أو «كان عظيماً».

الأمر الرابع: فيما يتصِّل بالحديث الذي استشهد به الشيخ رحمه الله، والذي تضمّن قول الشيطان: «النساء هنّ فخوخي ومصائدي»، فهو حديثٌ قد رواه الشيخ الطوسي رحمه الله بالإسناد إلى الإمام الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه(ع) وفيه: «أنّ يحيى بن زكريا(ع) سأل الشيطان: أي الأشياء أقرّ لعينك؟ قال: النساء، هنّ فخوخي ومصائدي، فإنّي إذا اجْتَمَعَتْ عليّ دعواتُ الصالحين ولعناتُهم صِرْتُ إلى النساء فطابت نفسي بهن»[48].

ولكنّ هذا الحديث ضعيف السند. وأضف إلى ذلك أنّ ما تقدّم في التعليق الثالث على حديث «النساء حبائل الشيطان» يجري بعينه في المقام، وخلاصته أنّ ذلك ليس لخصوصيّة في المرأة، بل إنّ الشيطان كما يتخذ المرأة فخاً يصيد بها الرجال، فإنّه في الوقت عينه يتخذ الرجل فخاً يصيد به النساء.

 

حديث: "ليس أضرّ من النساء على الرجال".

 وهو حديث رواه أصحاب الصحاح من أهل السُّنة بأسانيدهم عن أسامة بن زيد عن رسول الله(ص) قال: «ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ من النساء على الرجال»[49].

وبصرف النظر عن السند، فقد اعترض عليه الشيخ جعفر السبحاني قائلاً: «إنّ القرآن الكريم يذكر الأموال والأولاد من أسباب الفتنة، ويقول: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [50]. ولا يذكر النساء من أسبابها، وإنّما يصفهنّ بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[51]. فضرر النساء على الرجال أقلّ بكثير من ضرر حبّ الرئاسة والجاه والمال»[52].

أقول: لديّ في المقام وقفتان:

مع الشيخ السبحاني

إنّ ما ذكره الشيخ السبحاني تعليقاً على الحديث لا يخلو من تأمل وإشكال من جهتين:

أولاً: إننا نوافقه الرأي بأنّ القرآن الكريم لم يتحدّثْ عن أنّ النساء فتنة، وإنّما تحدّث عن فتنة الأموال والأولاد، ولكنَّ هذا القدر لا يشكّل اعتراضاً على الحديث، إذ سكوت القرآن عن إثبات شيء لا يمنع من إثباته من خلال السُّنة.

 اللهم إلا إذا أضيف إلى كلامه مقدمة أخرى تتميماً للاعتراض على الحديث، وهي أنّ سياق الآية المتقدمة حول فتنة الأموال والأولاد لا يخلو من إشعار بنفي كون النساء فتنة، وذلك بالتقريب التالي:

إنّ الآية الرابعة عشرة من سورة التغابن تقول: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}، و«مِنْ» للتبعيض، كما هو معلوم، فليس كل الأزواج والأولاد عدواً لكم.

 ثم جاءت الآية اللاحقة وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} لتؤكّد بشكل مطلق ودونما تبعيض أو تفصيل أنّ الأولاد والأموال فتنة، ولم تذكر الأزواج، ما يوحي أنّهم ليسوا فتنة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ كلمة «أزواجكم» في الآية ليس المراد بها النساء حصراً، بل هي شاملة للزوجين من الجنسين.

 ثانياً: إنّ ما ذكره حول أنّ ضرر النساء على الرجال هو أقلّ بكثير من ضرر حبّ الرئاسة والجاه والمال عليهم، ليس واضحاً على إطلاقه، فحبّ الرئاسة إنما يُبتلى به الأقليّة من الناس، ولا يكون ضرره عاماً بالنسبة للرجال. أجل، قد تكون ضحايا حبِّ الرئاسة كثيرة، وأمّا حبّ المال فلا يبدو أنّه أهمّ لدى جنس الرجل من حبّ النساء، وذلك بدليل أنّ كثيراً من الرجال - كما نرى ونلاحظ - يبددون أموالهم ويصرفونها في سبيل الحصول أو الوصول إلى النساء الحسناوات.

ليس في الحديث ذمٌ للنساء

والوقفة الثانية هي حول مضمون الحديث، إذ يمكن القول: إنّ الحديث - وبصرف النظر عمّا جاء في التعليق الأول - لا يحمل ذمّاً للنساء، وإنّما يشير إلى حقيقة واقعيّة، وهي أنّ المرأة فتنة للرجل، فإذا لم يتقِ - الرجلُ - ربَّه في علاقاته معها ويمنع نفسه من الانجرار مع غرائزه فسيكون ذلك سبباً لوقوعه في الانحراف والضرر، سواء الأخروي أو الدنيوي، وعليه يكون المراد بفتنة المرأة أنّها -بحكم ما تملكه من جاذبية خاصة مغرية ومثيرة للرجل- مختبر إرادة الرجال وامتحانهم، وقد يسقط الكثيرون في فخّها. هذا هو المعنى المقصود بالحديث، وهذا أمر صحيح ولا ضير فيه، وهو لا ينفي - في المقابل - أن يكون الرجل -أيضاً- فتنة للمرأة، ويُختبر إيمانها من خلال علاقتها به، ولكن حيث كان الكلام عن الرجال فاقتضى ذلك الإشارة إلى الفتنة من جانب النساء. أجل، قد يقال: إنّ انجذاب الرجل نحو المرأة وافتتانه بها وإن لم يكن في الواقع أشدّ من انجذابها هي نحو الرجل وافتتانها به، ولكنّه -أعني انجذاب الرجل نحوها - أكثر بروزاً وظهوراً من انجذابها نحوه، وربما كان السرّ في ذلك كامناً في أنّ الله تعالى قد كسا المرأة حياءً لا يقاس حياء الرجل به، فحياؤها هذا هو الذي يمنعها - في كثير من الأحيان - من إظهار افتتانها به وإبراز ميلها إليه بشكل جليّ، وهذا الحياء الذي كساها الله به هو خير لها وللرجل وللمجتمع برمته، وبدونه قد نشهد حالة تفلّت على الصعيد الأخلاقي، كما هو الحال في زماننا هذا الذي قلّ فيه الحياء، وغادرتنا القيم، وأصبحت العفة في الكثير من الأوساط حالة تخلّف ورجعية!

 

 

 

حديث: "المرأة ضلع أعوج"

روى هذا الحديث أصحاب الصحاح بأسانيدهم عن رسول الله(ص)، وننقله كما جاء في صحيح مسلم الذي رواه بإسناده عن أبي هريرة عن رسول الله(ص): «استوصوا بالنساء، فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضلع أعلاه، إنْ ذهبت تُقِيمُه كسرته، وإن تركته لم يزلْ أعوج»[53].

واستناداً إلى هذا الحديث، شاعت في أوساط المسلمين مقولة: «أنّ المرأة مخلوقة من ضلع أعوج»، وغالباً ما يتردد هذا الكلام ويُطرح في سياق التقليل من مكانة المرأة، والانتقاص من شأنها، وإثبات أنّها ملحقة بالرجل وتابعة له، وذلك بمقتضى أنّها قد خُلقت من ضلعه الصغير، وامتدّ أثر هذه المقولة إلى الشعر والأدب، قال الشاعر:

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها

 

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

أليس عجيباً ضعفها واقتدارها؟(2)

 

أيجمعن ضعفاً واقتداراً على الفتى

[54]

وفي تفسير هذا الحديث قال بعضهم: «إنّ المرأة لا تخلو من اعوجاج في أخلاقها كالضلع، فمن أراد كمالها لم يستطع ذلك إلا بطلاقها، فالمشروع له: الصبر والتغاضي عن بعض الاعوجاج، مع الاستمرار في النصيحة والتوجيه»[55].

ثمّ إنّه وامتداداً لهذه الفكرة، فقد ساد اعتقاد آخر، وهو أنّ أضلاع الرجل أقلّ من أضلاع المرأة بضلع واحد، وذلك لأنّ الضلع الذي أخذه الله تعالى من آدم(ع) ليخلق منه حواء، ظلّ ناقصاً في آدم وفي الذكور من ذريته، بخلاف النساء فأضلاعهنّ مكتملة، وهذا المعنى قد انعكس على الفقه الإسلامي، حيث تبنى بعض الفقهاء رأياً مفاده: أنّ الخنثى المشتبه به يتمّ تحديد جنسه من خلال تعداد أضلاعه، فإن كانت متساوية في الجهتين كان ذلك دليلاً على أنّه أنثى، وإن كانت ناقصة من الجانب الأيسر ضلعاً واحداً دلّ ذلك على أنّه رجل.  

وهذا ما يبعث على طرح عدّة أسئلة، من قبيل: هل صحيح أنّ حواء خلقت من ضلع آدم(ع) بصرف النظر عمّا إذا كان أعوج أو غير أعوج؟

ما هو منشأ هذه الفكرة؟ وهل تملك سنداً صحيحاً؟ وهل أنّ أضلاع الرجل أقلُّ من أضلاع المرأة، كما يستفاد من بعض الأخبار؟

ما مغزى الحديث عن أنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج؟

وهل يصحّ تفسير ذلك بأنّه كناية عن ضعف عقلها واعوجاج أخلاقها وأنّها لا تقبل الإصلاح؟

وتعليقاً على هذا الموضوع وإجابةً على هذه الأسئلة، فإننا نسجّل الوقفتين التاليتين:

الوقفة الأولى: هل خلقت حواء من ضلع آدم؟

إنّ قضية خلق حواء من ضلع آدم، وبالرغم من شهرتها فإنّها غير تامة، ولم ينهض عليها دليل مقنع، وتواجهها عدة اعتراضات:

عدم ثبوت الرواية

إنّ الرواية حول خلق حواء من ضلع آدم غير ثابتة، فثمة رواية أخرى يرويها أبو هريرة نفسه عن رسول الله(ص) تشبِّهُ المرأة بالضلع الأعوج، ولا تنصّ على أنّها مخلوقة من ضلعه الأعوج، يقول أبو هريرة: «قال رسول الله «(ص): «إنّما المرأة كالضلع إنْ تُقِمْها تَكْسُرْها وإن تستمتع بها تستمتعْ وفيها عوج»[56].

وقد رجّح بعضهم الحديث الثاني، فقال تعليقاً عليه: «الكلام هنا على التمثيل والتشبيه... لا أنّ المرأة خلقت من ضلع آدم كما توهّمه بعضهم، وليس في السُّنة الصحيحة شيء من ذلك»[57].

ولكنّ بعض علماء السلفيّة ردّ على الكلام الآنف مصححاً الحديثين معاً، فقال: «ظاهر الحديث (الحديث الأول) أنّ المرأة - والمراد بها حواء(ع) خلقت من ضلع آدم، وهذا لا يخالف الحديث الآخر الذي فيه تشبيه المرأة بالضلع، بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه، وأنّها عوجاء مثله، لكون أصلها منه. والمعنى: أنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج، فلا ينكر اعوجاجها، فإن أراد الزوج إقامتها على الجادة وعدم اعوجاجها أدّى إلى الشقاق والفراق وهو كسرها، وإن صبر على سوء حالها وضعف عقلها ونحو ذلك من عوجها دام الأمر واستمرت العشرة»[58].

ولكنّ هذا التوجيه الذي يحاول تصحيح الخبرين معاً ليس تاماً، إذْ لا يبعد وحدة الروايتين - بناءً على صحتهما - لأنّهما تتحدثان عن مضمون متقارب، والراوي فيهما واحد، وعليه فلا مرجِّح للرواية الأولى على الثانية، هذا إن لم نقل إنّ ما تضمنته الرواية الأولى هو من اشتباهات الرواة الذين نقلوا الرواية بالمعنى، وربّما تأثروا بالجو الذي أشاعه مسلمة اليهود، لأنّ الاعتقاد التوراتي قائمٌ على أنّ حواء خُلقت من ضلع آدم، كما سيأتي.

روايات أهل البيت(ع) تكذب الفكرة

إنّ روايات الأئمة من أهل البيت(ع) تكذِّب فكرة خلق حواء من ضلع آدم وتستنكرها أشدّ الاستنكار، فقد روى الصدوق (رحمه الله) بسنده إلى زرارة: قال: سئل أبو عبدالله(ع) خلق حواء، وقيل له: إنّ أناساً عندنا يقولون: إنّ الله عزَّ وجلَّ خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى؟ قال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، أيقول من يقول هذا: إنّ الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه، وجعل لمتكلم من أهل التشنيع سبيلاً إلى الكلام، يقول: إنّ آدم كان ينكح بعضه بعضاً إذا كانت من ضلعه! ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم..»[59].

وفي حديث آخر رواه العياشي عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: سألت أبا جعفر(ع) من أي شيء خلق الله حواء؟ فقال: أي شيء يقولون هذا الخلق؟ قلت: يقولون: إنّ الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم، فقال: كذبوا، أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت: جعلت فداك يا بن رسول الله (ص): من أي شيء خلقها؟ فقال: أخبرني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله (ص): إنّ الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه - وكلتا يديه يمين - فخلق منها آدم وفَضُلت فضلة من الطين فخلق منها حواء»[60].

وفي حديث ثالث رواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبدالله، عن أبيه، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب(ع) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله(ص) - إلى أن قال(ص) -: «خلق الله عز وجل آدم من طين، ومن فضلته وبقيّته خُلقت حواء»[61].

واستناداً إلى هذه الأحاديث قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): «إنّ حواء خُلقت من فضلة الطينة التي خلق منها آدم(ع) وكانت تلك الطينة مبقاة من طينة أضلاعه، لا أنّها خلقت من ضلعه بعدما أكمل خلقه، فأخذ ضلع من أضلاعه اليسرى فخلقت منها، ولو كان كما يقول الجهال لكان لمتكلم من أهل التشنيع طريق إلى أن يقول: إنّ آدم كان ينكح بعضه بعضاً. وهكذا خلق الله عز وجل النخلة من فضلة طينة آدم(ع) وكذلك الحمام فلو كان ذلك كله مأخوذاً من جسده بعد إكمال خلقه لما جاز أن ينكح حواء، فيكون قد نكح بعضه [بعضاً]، ولا جاز أن يأكل التمر لأنّه كان يكون قد أكل بعضه، وكذلك الحمام، ولذلك قال النبي(ص) في النخلة: «استوصوا بعمتكم خيراً»[62].

والروايات المتقدمة عن أهل البيت(ع) بالإضافة إلى صراحتها في تكذيب فكرة خلق حواء من ضلع آدم(ع) فإنّها تتضمن وجهين عقليين لرفض الفكرة المذكورة، والوجهان هما:

أحدهما: إنّ قدرة الله تعالى لا تحدّ، وهو ليس عاجزاً عن أن يخلق حواء بطريقة بعيدة عن الإشكال، فما الموجب أن يخلق حواء من ضلع آدم مع قدرته على خلقها بالطريقة عينها التي خلق بها آدم؟! ثم كيف تمّت عمليّة أخذ الضلع من آدم، هل أُدخل في حالة سبات أو تخدير، ثم أُجري له عملٌ جراحي لإخراج ضلعه مقدمة لخلق حواء منه! وهذا الوجه قد أشار له - أيضاً - الخبر المتقدم المروي عن الإمام الباقر(ع) وفيه: «كذبوا أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه!».

والثاني: إنّ حواء لو كانت قد خُلقت من ضلع آدم فهذا سوف يشكّل متكأً لأخصام الدين وأهل التشنيع والتشكيك، ليقولوا: إنّ آدم(ع) ينكح بعضه بعضاً![63]. وهذا ما يتنزّه الحكيم عن فعله، درءاً للشبهة وإكمالاً وتتميماً للحجة على الخلق، ولا سيمّا مع وجود خيارات أخرى لخلق حواء لا توقع في هذا المحذور.

والواقع أنّ هذين الوجهين يرجعان إلى وجه واحد، وهو أنّه مع قدرة الله تعالى على خلق حواء بطريقة بعيدة عن الاعتراض الذي قد يتذرع به أهل التشكيك والتشنيع فلا موجب لخلقها من ضلع آدم، مع ما يستلزمه ذلك من فتح الباب أمام التشكيك في حكمة الله وقدرته.

مناقشة الاعتراض

وربّما يلوح في ذهن البعض أن يناقش فيما جاء في الكلام المذكور حتى لو كان وارداً في الروايات، وخلاصة هذه المناقشة أنّه لا قبح ولا شناعة في أن يتزوج الإنسان امرأةً مخلوقة من بعض أجزاء بدنه، لأنّها بعد نفخ الروح فيها ونشأتها تصبح كائناً مستقلاً، فلا يصحّ أن يقال لمن يتزوج بها أنّه «ينكح بعضه بعضاً». ثمَّ لو صحّ الوجه المذكور لكان لازم ذلك صحة الاعتراض الذي يوجهه البعض على الزواج الحاصل بين الإخوة والأخوات من الجيل الأول لأولاد آدم، والاعتراض هو أنّ هذا الزواج مستهجن عقلائياً ولا موجب له مع قدرة الله على خلق أزواج من غير أبناء آدم ويتمّ التناسل حينها بين الطرفين من دون أي إشكال.

والجواب على ذلك: أنّ الغرابة والاستهجان والقبح العقلائي في تزوّج الإنسان من امرأة تكوّنت من لحمه ودمه موجودة ولا ينبغي إنكارها، وهذا الاستهجان حتى لو سُلِّم أنّه غير مبني على أسس واقعية أو اعتبارات عقلية، بيد أنّ مراعاته من قبل المشرع الحكيم قد تكون مطلوبة سداً للذرائع وإكمالاً للحجة، ولا سيّما مع عدم وجود ضرورة تفرض ذلك، بل وجود خيارات أخرى للتزاوج ينتفي معها عذر أهل التشكيك. وأمّا قياس مقامنا على تناسل أولاد آدم فهو قياس مع الفارق، فإنّ تزوّج الإنسان بعضه بعضاً الحاصل في زواجه من ابنته البيولوجية لا يصْل في بشاعته وغرابته إلى حدّ تزوّج الأخ بأخته، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ البديل عن خلق حواء من ضلع آدم كان متاحاً ودون أي محذور أو إشكال، وهو خلقها من الطينة نفسها التي خلق منها آدم، لأنّ الخلق كان في بدايته، أمّا بعد انطلاق عمليّة التناسل فإنّ تزوّج الجيل الأوّل من أبناء آدم بعضهم من البعض الآخر لم يكن له بديل متاح خالٍ من الإشكال، إذ الخيار الآخر المطروح في المقام هو الطريق الإعجازي، أو غير الطبيعي، كأن يخلق الله تعالى جنيّة وحورية، فيتزوّج أحدُ أبناء آدم وهو قابيل من الجنيّة، ويتزوج الآخر وهو هابيل من الحوريّة[64]، وهذا الخيار - على فرض صحته - لا يخلو من غرابة، إذ لسائل أن يسأل: لماذا يُخصَّصُ هابيل بالحورية، بينما يزوَّج قابيل من الجنيّة؟! ألا يؤسس ذلك لزرع الضغينة والحسد بين الأخوين حيث إنّ ابن الحوريّة قد يفتخر على ابن الجنية ويتعالى عليه! هذا ناهيك عن أنّ هذا الرأي (اعتماد تناسل أولاد آدم على فكرة الحورية والجنيّة) هو فيما يرى بعض المفسرين[65] مخالف لكتاب الله تعالى الظاهر في أنّ النسل البشري هو من آدم وحواء فقط، وليس منهما ومن جنس ثالث، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} ۚ[66]، فإنّ ضمير التثنية في قوله:{ وَبَثَّ مِنْهُمَا} راجع إلى آدم وحواء، والفقرة بأكملها تُشعر بأنّ الرجال والنساء من بني آدم قد تولّدوا من آدم وحواء فقط، وإلا لقال بثّ منهما ومن غيرهما رجالاً ونساءً.

ولكن قد يعترض على الاستظهار المذكور بأنّه غير دقيق، لأنّ فقرة {وَبَثَّ مِنْهُمَا} «تتحدّث عن انطلاق التناسل منهما (آدم وحواء) باعتبارهما المصدر الأول من دون تعرضٍ لما حدث بعدهما في خصوصية التزاوج فلا ظهور لها من هذه الجهة نفياً أو إثباتاً»[67].

 

 

إضافة في كلام الصدوق

ثمّ، إنّ في كلام الشيخ الصدوق المتقدِّم إضافةً لم ترد في النصوص، وهي إنكار ما قد يُحكى أو يروى عن أنّ النخلة أو الحمامة قد خُلِقتا من جسد آدم، وإلا لصحّ لأهل التشكيك بالدين أن يقولوا: كيف يجوز للإنسان أن يأكل من الحمام أو التمر مع أنّها مخلوقة من جسده، ألا يعني ذلك أنّ آدم يأكل بعضه بعضاً؟! ولذا فإنّ الشيخ الصدوق قد حمل ما ورد في بعض الأخبار[68] من أنّ النخلة هي عمّة الإنسان على أنّها خلقت من فاضل طينة الإنسان، وكذا ما ورد بشأن الحمام، مع أنّني لم أعثر على خبر يدلُ على أنّ الحمام خلق من فاضل طينة آدم(ع).

ولكنّ اعتراضه هذا قابل للمناقشة، لأنّ قياس الأكل على النكاح ليس في محله، وليس من الواضح أنّ الاستهجان يسري إلى الأكل أيضاً.

وتجدر الإشارة - أخيراً - إلى أنّ ما تضمنته بعض الأخبار المتقدمة من أنّ حواء خلقت من فاضل طينة آدم، قد يكون مثار إشكال من جهة أنّه يوحي بدونية المرأة ويرمز إلى محورية الرجل في عمليّة الخلق وتبعية المرأة له. ولكنْ مما يهوّن الخطب أنّ الروايات التي اشتملت على هذا المضمون لم تصح سنداً، فلا يمكن بناء تصور إسلامي عن بدء عملية الخلق استناداً إليها، فيبقى التصور القرآني الآتي هو الأساس في هذا المجال.

ليس للفكرة أساس قرآني

والاعتراض الثالث الذي يمكن أن نسجله في المقام، هو أنّه ليس لهذه الفكرة (خلق حواء من ضلع آدم) مستند قرآني، وربما حاول البعض الاستشهاد لها بقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ­­نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [69]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [70]. وذلك بناءً على أنّ المراد بالنفس الواحدة في قوله: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}، هي آدم(ع)، وأنّ «مِنْ» في قوله: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} هي للتبعيض، أي وخلق من نفس آدم(ع) زوجها وهي حواء.

  ولكنّ هذا التفسير ليس تاماً، وذلك لأنّه يتوقف على إثبات أمرين، وهما:

أنّ النفس الواحدة هي آدم.

أنّ زوجها هي حواء.

 وكلا الأمرين محلُّ نقاش.

أمّا الأول: فلأنّ الآية الكريمة لم تحدد لنا المقصود بالنفس الواحدة وأنّها نفس آدم(ع)، وإنّما دلّت على أنّ البشر خلقوا من نفس واحدة، والنفس في اللغة تأتي بمعنيين: الأول: الروح، قال تعالى: {أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ} [71]، والمعنى الثاني هو العين والذات، فيقال: «جاءني فلان نفسه»، أي عينه وذاته[72]، ونحوها قولهم: «أَهْلَكَ نفسه»، «أَي أَوْقَعَ الإِهْلاك بذاته كلِّها وحقيقتِها»[73]، والنتيجة لا تختلف على التقديرين، لأنّه إذا بُني على الأخذ بالمعنى الأول فجملة «نفس واحدة»، تكون بمعنى أنّ البشر خلقوا من نفس/ روح واحدة، وإذا أخذ بالثاني فيكون المعنى أنّ البشر خلقوا من ذات واحدة، أو أصل واحد، ومن هذا الأصل خلق الله زوجها، وعلى التقديرين فالآية لم تحدد ما هي هذه النفس، هل هي نفس آدم أم حواء أم غيرهما؟ وما هي هذه الذات أو الأصل، هل هي التراب أم ذات آدم(ع) أم غيرهما؟ وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنّ المراد بالنفس الواحدة  هي التراب، قال الشيخ مغنية: «إنّ كلاً من النفس الواحدة وزوجها خلقا من أصل واحد، وهذا الأصل هو التراب»[74]، لقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} [75].

وأمّا الثاني: فلأنّه حتى لو سلمنا أنّ النفس الواحدة هي آدم(ع)، وبالتالي فزوجها هي حواء، ولكن لا ظهور في الآية يقضي بحمل «من» في قوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، على التبعيض، بل من الممكن أن تكون بيانيّة، ليكون المعنى: «وخلق من جنسها زوجها»، وهذا ما يشهد له السياق القرآني العام، فإنّ هذه القضيّة، أعني قضيّة خلق الإنسان قد تعرّض لها القرآن الكريم في آيات أخرى، منها: قوله تعالى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [76]، ومنها قوله سبحانه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}[77]. وهاتان الآيتان تشيران إلى حقيقة الخلق التي أشارت لها سائر الآيات المتقدمة، وهما قد استخدمتا ضمائر الجمع «أنفسكم/ لتسكنوا» ولم تستخدما ضمير المفرد، ليتعيّن نظرهما إلى خلق حواء من ضلع آدم(ع)، كما هو الرأي المشهور في المسألة، وبناءً على هذا يكون المراد من الآية: «أنّ الله تعالى خلق لكل إنسان من داخل نوعه زوجاً لا من بعض أعضاء جسده»[78]، ولا من جنس آخر.

واستناداً إلى ما تقدّم، قال السيد الطبطبائي (رحمه الله): «فما في بعض التفاسير أنّ المراد بالآية كَوْنُ زوج هذه النفس مشتقة منها وخَلْقُها من بعضها، وفاقاً لما في بعض الأخبار أنّ الله خلقَ زوجة آدم من ضلع من أضلاعه مما لا دليل عليه من الآية»[79].

الفكرة ذات جذور توراتية

ومما يريب في القضيّة (قضيّة خلق حواء من ضلع آدم) ويثير التساؤل حولها، ويبعث على التأمل فيها والتحفظ إزاءها، أنّها ذات جذور إسرائيلية توراتية، ما يجعل من المحتمل أن تكون الروايات الواردة في ذلك من صنف الإسرائيليات التي كثرت في تراثنا، ولا سيما ما يتصل منه بقضيّة بدء الخلق وقصص الأنبياء السابقين. فقد ورد في الإصحاح الثاني من سفر التكوين ما يلي: «فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم، فقال آدم: هذه الآن عظمٌ من عظامي ولحم من لحمي، هذه تدعى امرأة لأنها من امرئٍ أُخذت»[80].

ويذكر بعض الباحثين «أنّ فكرة خلق حواء من ضلع آدم(ع) لها جذور عميقة في ميثولوجيا الفكر الإنساني تمتد لآلاف السنين قبل ظهور الإسلام، ثم انتقلت الفكرة بعد ذلك للعهد القديم في الكتاب المقدس، إذ يعتقد كثير من الباحثين - ومن أبرزهم عالم الآثار الكبير صمويل نوح كريمر في كتابيه «من ألواح سومر» و«الأساطير السومرية» - أنّ أصل فكرة خلق حواء من ضلع من آدم أو من أحد أجزائه يعود إلى ميثولوجيا بعض الحضارات الشرقية القديمة. ففي إحدى أساطير السومريين، وهي من أقدم الأساطير المدوّنة التي وصلتنا، يذكر بأنّ المرأة قد خُلقِت من ضلع الرجل، حيث تحكي الأسطورة أنّ الابن الإلهي (آنكي) أبو البشر أصيب بمرض شديد فى أحد أضلاعه كاد يقضي عليه، فأسرعت الإلهة الأم (نن هورساج) Nin Hursag وخلقت له إلهة أنثى من ذلك الضلع باسم (نن تي Nin Ti) مهمتها علاجه وتمريضه، واسم الإلهة (نن تي) مكون من مقطعين (نن) بمعنى سيدة أو ربة و(تي) بمعنى الضلع فيكون اسمها سيدة الضلع، وهي التى أحيت (آنكي) بعدما أشرف على الموت، ويبدو - كما يرى كثير من الباحثين - أنّ اليهود الذين عاشوا فترة من الزمن في بابل هي سنوات الأسر البابلي قد اقتبسوا تلك الفكرة من السومريين، وهم أصحاب الحضارة السابقة على البابليين، وأدخلوا عليها بعض التعديلات التي تلائم معتقداتهم، ثم سطروها في كتابهم المقدس»[81].

وفي ضوء ما تقدّم، يتضح أنّ فكرة خلق حواء من ضلع آدم، ليست من مسلمات الفكر الديني في تفسير قضية بدء الخلق ولا هي من القضايا الإجماعيّة، ولا يؤيدها القرآن الكريم، ويُرَجَّح أنّها ذات جذر أو أصل توراتي، ولذا وجدنا أنّ جمعاً من علماء الفريقين قد رفضوا الفكرة وقالوا إنّ آدم وحواء خلقا من أصل واحد وطينة واحدة[82]، ومن أقدم المفسرين الذين تبنوا هذا القول المفسِّر أبي مسلم الأصفهاني[83].

 

 

منشأ الالتباس

إنّ الروايات المتقدمة الواردة عن أهل البيت(ع) بالإضافة إلى كونها واضحة الدلالة على نفي الفكرة الشائعة حول خلق حواء من ضلع آدم(ع)، فإنّها في الوقت عينه تصلح لتفسير الالتباس الذي حصل في سائر الروايات التي اتكأ عليها البعض للقول إنّها خلقت من ضلعه، إذ لا يبعد حصول اشتباه لدى الرواة في فهم المعنى الذي رامه النبي(ص)، فهو(ص) قد يكون تحدّث عن أنّ حواء خُلقت من طينة آدم(ع)، أو من طينة ضلعه، ولكنّ هذا المعنى ومن خلال النقل المعنعن تمّ وصوله إلينا بالصيغة المذكورة، أعني أنّ حواء خلقت من ضلع آدم.

وما رجحناه في بيان منشأ الالتباس هو الذي ذكره الشيخ الصدوق، فقد عقّب على الخبر المتقدم قائلاً: «وأما قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [84]، فإنّه روي أنّه عزّ وجل خلق من طينتها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً. والخبر الذي روي «أنّ حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر» صحيح، ومعناه: من الطينة التي فَضُلت من ضلعه الأيسر». ثمَّ أردف الشيخ الصدوق قائلاً: «فلذلك صارت أضلاع الرجل أنقص من أضلاع النساء بضلع»[85].

ونلاحظ أنّ الصدوق جمع في كلامه الآنف بين أمرين، وهما:

أنّها لم تخلق من ضلع آدم(ع) وإنّما من فاضل طينة ضلعه.

 أنّ أضلاع الرجل أقلّ من أضلاع المرأة بضلعٍ واحد.

وقد جَعَلَ رحمه الله الأمرَ الثاني متفرّعاً على الأول، وهذا التفريع غير مفهوم، بخلافه على الرأي الآخر والذي يفترض أنّها خلقت من الضلع نفسه، فإنّ المرأة إذا كانت مخلوقة من ضلع آدم فيكون نقص ضلع من أضلاعه مفهوماً، ولكن إذا كانت مخلوقة من فاضل طينة الضلع، فما المبرر ليكون آدم أنقص منها بضلع؟!

والذي يبدو أنّ مستند الشيخ الصدوق في هذا الرأي الذي جمع فيه بين هاتين الفكرتين -مع أنّه لا رابط منطقياً بينهما - هو الأخبار، فقضية خلق حواء من ضلع آدم إنما نفاها لتكذيب الأخبار المتقدّمة لذلك، وأمّا التزامه بأنّ أضلاع الرجل أنقص من أضلاع المرأة بضلع واحد فقد آمن بها اعتماداً على رواية الخنثى الآتية في الوقفة الثانية. والصدوق (رحمه الله) بتبنيه لهذا الرأي الذي يجمع بين الأمرين المشار إليهما، ينسجم مع مسلكه الأخباري الذي يعتمد على مرجعيّة الخبر في بناء التصورات العقدية والتشريعية وغيرها.

ونحن نوافقه على مضمون الأمر الأول، أعني في نفيه أن تكون حواء خلقت من ضلع آدم(ع)، وذلك لما تقدم في الوقفة الأولى وما سيأتي أيضاً. ولكننا نخالفه في الأمر الثاني، أعني في نقص أضلاع آدم عن أضلاع حواء بضلع واحد، وذلك لما سيأتي في الوقفة الثانية.  

الوقفة الثانية: نقص أضلاع الرجل عن أضلاع المرأة!

 ثمّ إنّه وبصرف النظر عن صوابيّة أو خطأ الفكرة المتقدمة حول خلق حواء من ضلع آدم، فإنّ علينا - أيضاً - أن نخضع الفكرة الأخرى المتفرّعة عليها للدرس، وهي فكرة نقص أضلاع الرجل عن أضلاع المرأة بضلع واحد؛ لأنّه وعلى الرغم من أنّ بطلان الأصل (خلق حواء من أضلاع آدم) قد يعني حكماً بطلان ما يتفرّع عليه، ولكن مع ذلك فإنّ هذا الفرع (نقص أضلاع الرجل عن أضلاع المرأة) جدير بالبحث والدرس، لأننا قد لاحظنا أنّ الشيخ الصدوق - ورغم رفضه لأصل فكرة خلق حواء من ضلع آدم(ع) - قد تبنى ما تفرّع عليها من نقص أضلاع آدم عن أضلاع زوجته حواء بضلع واحد، ناهيك عن أنّ هذا الفرع غدا متكأً ومستنداً لفتوى شرعيّة، وهي تحديد جنس الخنثى المشكل، من خلال عدّ أضلاعه، فإن كانت الأضلاع ناقصة في أحد الجانبين كان رجلاً، وأمّا إذا كانت متساوية كان ذلك أمارة على كونها أنثى.

 والسؤال: ما هو المستند لهذا القول حول نقص أضلاع الرجل عن أضلاع المرأة؟

والجواب: إنّ مستنده الأساس هو ما روي عن الإمام علي(ع) في قضية تحديد جنس الخنثى، فقد روى الشيخ الطوسي بإسناده إلى ميسرة، قال: تَقَدَّمَتْ إلى شريح امرأةٌ فقالت: إنّي جئتك مُخَاصِمَةً، فقال لها: وأين خَصْمُكِ؟ فقالت: أنت خصمي، فأخلى لها المجلس، وقال لها: تكلّمي فقالت: إني امرأة لي إحليل ولي فرج! فقال: قد كان لأمير المؤمنين(ع) في هذا قضية (أي قضاء)، ورّث من حيث جاء البول، قالت: إنّه يجيء منهما جميعاً، فقال لها: من أين سبق البول؟ قالت: ليس منهما شيء يسبق البول يجيئان في وقت واحد وينقطعان في وقت واحد، فقال لها: إنّك لتخبرين بعجب، فقالت: أخبرك بما هو أعجب من هذا! تزوجني ابن عم لي وأخدمني خادماً فوطأتها فأولدتها، وإنّما جئتك لما ولد لي لتفرق بيني وبين زوجي، فقام من مجلس القضاء فدخل علي(ع) فأخبره بما قالت المرأة، فأمر بها فأدخلت وسألها عما قال القاضي فقالت: هو الذي أخبرك، قال: فأحضر زوجها ابن عمها، فقال له علي أمير المؤمنين(ع): هذه امرأتك وابنة عمك؟ قال: نعم، قال: قد علمت ما كان؟ قال: نعم قد أخدمتها خادماً فوطأتها فأولدتها قال: ثم وطأتها بعد ذلك؟ قال نعم: قال له علي(ع): لأنت أجرأ من خاصي الأسد، علي بدينار الخصي وكان معدلاً وبامرأتين فأتي بهم، فقال لهم: خذوا هذه المرأة - إن كانت امرأة - فأدخلوها بيتاً وألبسوها نقاباً وجردوها من ثيابها وعدوا أضلاع جنبيها ففعلوا ثم خرجوا إليه فقالوا له: عدد الجنب الأيمن اثنا عشر ضلعاً والجنب الأيسر أحد عشر ضلعاً، فقال: علي(ع): الله أكبر، ايتوني بالحجام فأخذ من شعرها وأعطاها رداءً وحذاءً وألحقها بالرجال فقال الزوج: يا أمير المؤمنين امرأتي وابنة عمي ألحقتها بالرجال ممن أخذت هذه القضية!!؟ قال: إنّي وَرِثْتُهَا من أبي آدم وأمي حواء، خلقت من ضلع آدم، وأضلاع الرجال أقلُّ من أضلاع النساء بضلع؛ وعدة أضلاعها أضلاع رجل، وأمر بهم فأُخْرِجُوا»[86].

 ورواه الشيخ الصدوق بإسناده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر(ع)[87]، وهو مروي أيضاً في مصادر السّنة، فقد رواه ابن وكيع في أخبار القضاة بسند يتقاطع ويشترك مع السند الذي رواه الشيخ الطوسي في عدة أسماء[88].

وهكذا فقد روى السكوني عن جعفر بن محمد، عن أبيه(ع) «أنّ علي بن أبي طالب(ع) كان يورث الخنثى فيعد أضلاعه، فإن كانت أضلاعه ناقصة من أضلاع النساء بضلع ورث ميراث الرجل، لأنّ الرجل تنقص أضلاعه عن ضلع النساء بضلع، لأنّ حواء خلقت من ضلع آدم(ع) القصوى اليسرى فنقص من أضلاعه ضلع واحد»[89].

ولكنّ هذه الفكرة والتي نجد جذورها في التوراة، حيث جاء في النص التوراتي المتقدم: «فأخذ (أي الله) واحدة من أضلاعه (أي آدم) وملأ مكانها لحماً» ليست تامة، وذلك:

أولاً: إنّ هذه القضيّة ونظائرها لا يُعتمد فيها على أخبار الآحاد حتى لو كانت صحيحة، وما ورد في المقام هو آخبار آحاد، وما روي منها من طرق السُّنة ليس نقي السند، لأنّ أئمّة الجرح والتعديل أنكروا الخبر وضعّفوا سنده، يقول ابن أبي حاتم الرازي بعد نقل الخبر: «حدثنا عبدالرحمن قال: سمعت أبي يقول: كتبت هذا الحديث لأسمعه من علي بن عبدالله، فلما تدبرته فإذا هو شِبْهُ الموضوع، فلم أسمعه على العمد»[90]. وأمّا عند الشيعة، فسند الشيخ الصدوق إلى أبي جعفر(ع) معتبر، وأمّا سند الشيخ الطوسي فلم تثبت وثاقة بعض رجاله، وكذلك خبر السكوني[91]، ولكن صحة سند الرواية لا يكفي للاعتماد عليها كما عرفت. 

ثانياً: إنّ ما تضمّنه هذا الخبر من نقص أضلاع المرأة عن أضلاع الرجل بضلع واحد، هو كلام لا يعقل صدوره عن أمير المؤمنين(ع)، لأنّ ذلك مما يكذبه العيان والحسّ، فقد أكدّ علم التشريح بشكل قاطع وحاسم على مساواة أضلاع المرأة لأضلاع الرجل، وهما اثنا عشر ضلعاً من كل جانب، ومعلوم أنّ أحد معايير قبول الخبر هو عدم معارضته للحسّ والحقائق العلميّة.

ثالثاً: إنّ هذه العلامة (عدّ أضلاع الخنثى) يُشْكِلُ الأخذ بها من جهة أخرى، وهي وجود روايات صحيحة السند تنصّ على علامات أخرى لتحديد نوع الخنثى المُشْكِل وكيفيّة التعامل معه شرعاً، حيث تذكر تلك الأخبار أنّ الخنثى يُختبر بخروج البول، فإن كان البول يخرج من مخرج الرجال فهو ذكر، وإن كان يخرج من مخرج النساء فهو أنثى، وعند تساوي خروج البول وانقطاعه من فرجي الرجال والنساء، فيورّث - الخنثى - نصف ميراث الرجل ونصف ميراث النساء[92]. وتذكر روايات أخرى أنّه يُلجأ إلى القرعة لتحديد طريقة التعامل معه شرعاً في قضيّة الميراث[93] فيكون ذلك معارضاً لما دلّ على اعتماد عدّ الأضلاع، لأنّه لو كانت علامة عدّ الأضلاع معتبرة ومعتمدة في الشرع فلا موجب للتنصيف في ميراث الخنثى، ولا موجب - أيضاً - للقرعة، لأنّ القرعة لكل أمر مشكل ومجهول[94]، ولا جهالة مع العلامة المذكورة، أعني علامة عدّ الأضلاع، فإنّها علامة تورث اليقين، لأنّها تعتمد على عنصر حسي لا يُخطئ، فكان اللازم اعتماد هذه العلامة بدلاً عن سائر العلامات.

 

حديث: "شاوروهن وخالفوهن"

ومن جملة الأحاديث المرويّة عنه(ص) أنّه قال: «شاوروهنّ وخالفوهنّ، فإنّ في خلافهنّ البركة».

 

التأمل في الحديث سنداً ومضموناً

وهذا الحديث لا أصل له، وفي أحسن الأحوال فإنّه حديث مرسل أو ضعيف ولا يعتد به[95].

وبصرف النظر عن السند، فلو أنّنا تأملنا في المضمون سنجد أنّه لا يخلو من غرابة، ويبعد تصديق صدوره عن النبي(ص)، إذ لنا أن نسأل ما معنى مشاورتهن ثم مخالفتهن؟

سنفترض ونسلِّمُ جدلاً أنّ الدعوة إلى ترك مشاورة النساء لها وجه، لكنّ الأمر غير المفهوم هو الدعوة إلى مشاورتهن ومن ثمّ مخالفتهن! فإنّ ذلك أفضل وصفة لإثارة غضبهنّ وخلق مشكلة معهنّ، ومن المعلوم أنّ إرشاداً أو توجيهاً يؤدي إلى ذلك لا يمكن أن يصدر عن مشرِّع عاقل وحكيم، فكيف بسيد العقلاء والحكماء محمد بن عبدالله(ص)؛ فلا يبقى ثمّة وجه للدعوة إلى مشاورتهن ومن ثمّ مخالفتهنّ إلا افتراض أنّ الحق هو في مخالفتهن، على اعتبار أنّ النساء لا يهتدين إلى وجه الحق أبداً، ولذا فأَسْهَلُ طريقٍ لمن أراد التعرّف على الحقّ هو في استشارة امرأة ومن ثمّ مخالفتها. ويظهر من بعض أعلام المدرسة الأخبارية (الأمين الإسترابادي) تبنّي هذا الرأي، حيث قال: «من جملة نعماء الله تعالى على الطائفة المحقّة: أنّه خلّى بين الشيطان وبين علماء العامّة ليضلّهم عن الحقّ في كلّ مسألة نظرية، ليكون الأخذ بخلافهم لنا ضابطة كلية، نظير ذلك ما ورد في حقّ النساء: شاوروهن وخالفوهنّ»[96].

فالإسترابادي ومن خلال التشبيه المذكور يفترض أنّ هذه قاعدة عامة وطريقة كليّة تهدي إلى الحق، فإذا كُنْتَ حائراً في عملٍ معين أَتُقْدِمُ عليه أم لا؟ فاستشرْ امرأة ما ثمّ خُذْ بخلاف ما تشيره عليك!

ولكنّ هذا المعنى لا يمكن القبول به ولا نسبته إلى المشرع الحكيم، لا في المقيس (مخالفة المرأة) ولا في المقيس عليه (مخالفة العامة)، وتوضيح ذلك:

أولاً: أمّا في المقيس عليه، فلأنّ «الأخذ بمخالفة العامة»، لم ينطلق من مبدأ كون الحقّ في خلافهم كقاعدة كليّة ومطردة، وإنّما المقصود بذلك أنّ الأئمة(ع) قد صدر عنهم بعض الأحكام التي لا تمثّل رأيهم، بل طرحوها انسجاماً مع رأي المذهب الآخر، وذلك لأحد سببين، وكلاهما يصلح تفسيراً لدعوتهم إلى الأخذ بما خالف السُّنة:

السبب الأول: ظروف التقيّة التي ألجأتهم إلى ذلك. وحينئذ فعند التباس الأمر وعدم معرفة رأيهم(ع) الواقعي، بسبب اختلاف الروايات المنقولة عنهم يكون من الطبيعي حينئذٍ الأخذ بما خالف المدرسة الأخرى المتبناة من قبل السلطة، لأنّ ما وافقها يكون صادراً للتقيّة.

والسبب الثاني: إفتاءُ السائل طبقاً لمذهبه، حيث إنّهم(ع) بحكم مرجعيتهم الإسلامية العامة كانوا أحياناً يفتون الناس على طبق مذاهبهم، فإذا استفتي الإمام(ع) من قبل شخص يأخذ برأيه ويؤمن بإمامته أو بفقاهته، فإنّه(ع) يفتيه بما هو حقٌّ في نظره، وإذا استفتاه من يتّبعُ غيرَه أجابه(ع) بما عند الآخرين، ثمّ لمّا نُقِلت الفتويان عنه(ع) التبس الأمر في معرفة رأيه، فسئل(ع) فكان جوابه: «إنّ ما كان موافقاً للعامة فإنما قلته لهم كي يأخذوا بمذهبهم، وما كان منه مخالفاً لهم فإنما قلته بياناً للحقيقة كي يأخذ به المقتدون بنا»[97].

ثانياً: وأما في المقيس (الأخذ بما خالف المرأة)، فلأنّنا نسأل كيف نفهم الدعوة إلى الأخذ بخلاف ما أشارت به المرأة؟

ذكر بعض العلماء ثلاثة تفسيرات لذلك:

«أحدها: أنّه أراد(ع) أنّه إذا عَمِيَ (خفي) وجه المصلحة في أمر عند تساوي المرجّحات بين الأمرين أو النقيضين من كلّ وجه، أو لم يظهر مرجّح في أحدهما أصلاً فاجعلوا المرجّح وأمارة الصلاح أو الأصلح هو الأخذ بخلاف ما تشور به النساء، باعتبار الجنس، فإنّهن من أعظمِ سُبُلِ الشيطان المضلّ الصارف عن الرشاد. فالمرأة ضلع أعوج، و«خلقت من ضلع أعوج»، فطبعها الاعوجاج وهي من فاضل الرجل، فنفسها أقرب إلى الأمّارة، وإلى موافقة الشيطان؛ فما أتى إبليس لآدم(ع): إلَّا بسبيل مشورة حوّاء. فكما جعل الشارع من المرجّحات في الأخذ بأحد المتعارضين عند عدم المرجّحات مخالفة قضاة الجور [واطَّراح] ما وافقهم، كذلك جعل ميزان الرشد عند عدم المرجّحات في خلاف النساء».

الثاني: «شاوروهنّ» [يطمأننّ] إليكم وتسلموا من كيدهنّ ومكرهنّ وغرورهنّ وخدعهنّ، وخالفوهن إذا ظهر لكم الصلاح في خلافهنّ؛ فلعلَّه تظهر المصلحة في الأمر بمعرفة [مشورتهنّ] وإن خالفتها، فكثيراً ما تتنبّه النفس لبرهان الحقّ من إدراك شبهة الباطل».

الثالث: «شاوروهنّ لتطيب أنفسُهنّ وتتمكَّنوا من الاستمتاع بهنّ، ولا تعملوا إلَّا بما قام الدليل على رجحانه، وذلك بمثابة مشورة الرسول (ص): لرعيّته مع أنه لا يفعل إلَّا بأمرٍ إلهي في كلّ جزئيّ حركةً وسكوناً، والله العالم»[98].

ولنا على هذه الوجوه تعليقان:

التعليق الأول: إنّ الدعوة إلى مشاورة النساء ومخالفتهن، قد بررت بتبريرين:

التبرير الأول: أنّ الحقّ والرشد في خلافهن، كما جاء في كلام بعض العلماء، وهذا غير مفهوم ولا وجه له، ولا يمكن التصديق بصدوره عن منبع الوحي الصافي، وذلك لأنّ قول الحق كما يمكن أن يهتدي له الرجل فبالإمكان أن تهتدي إليه المرأة أيضاً، واهتداؤها إليه ليس نادراً أو شاذاً. إنّه وبصرف النظر عن الموازنة بين عقل المرأة وعقل الرجل، فإنّ مما لا مجال للتشكيك فيه أنّ لدى المرأة من القدرة أو الطاقة العقلية ما يجعلها تهتدي في كثير من الأحيان إلى وجه الصواب، ولا سيما إذا عملت على تنمية عقلها وتعميق تجربتها، وقد تطرّقنا فيما سبق (المحور الثاني) إلى عدة نماذج من النساء اللاتي ذكرهن القرآن الكريم وقد بلغن مستوى من النضج العقلي بحيث كان الرجال يستشيرونهن في بعض القضايا، كما هو الحال في بلقيس ملكة سبأ المرأة الحكيمة والعاقلة التي سادت قومها وقادتهم مدة من الزمن، ومن هذه النماذج أيضاً ابنة شعيب التي أصبحت فيما بعد زوجة لنبي الله موسى(ع)، فقد أشارت على والدها باستئجار موسى(ع) وعمل والدها النبي(ع) بمشورتها، إلى غير ذلك من النساء اللاتي أشرنا إلى أسمائهن وتحدثنا عن حكمتهن ونضجهن وصواب رأيهن، وهذا ما يُصَدِّقُه العيان والوجدان، ولا نتكلّم عن حالات شاذة ونادرة، فالمرأة بشكل عام في زماننا وبعد أن خرجت من حصار الجهل، وفتح لها باب التعليم وميدان العمل، أثبتت جدارتها وكفاءتها ووعيها، وبلغت أعلى المراتب العلميّة والسياسية والتربويّة..

وقد أسلفنا في المحور الرابع وتعليقاً على الحديث الخامس أنّ المرأة أهلٌ للمشورة، وذكرنا في المحور الثاني بعض الشواهد التي تؤكد صلاحيتها لذلك، فليراجع.

ومن خلال ما تقدّم يتضح الحال في الحديث الذي رُوي عن عائشة عن رسول الله(ص): «طاعة النساء ندامة»[99]، فإنّه وبصرف النظر عن ضعفه سنداً[100]، مما لا مجال للأخذ بمضمونه على نحو الإطلاق والشمول والقاعدة المطّردة لكل الحالات والأزمان.

التبرير الثاني: أنّ في خلافهنّ البركة، وهو ما جاء في الرواية المتقدمة، وهذا التبرير كسابقه ليس مفهوماً، لأنّ هذه «النصيحة» للرجل بأن يعمد كلَّما أراد أمراً إلى مشاورة زوجته - مثلاً - ومن ثم يعمل بخلاف ما تشير عليه، هي في الحقيقة أفضل وصفة لتدمير العلاقات الزوجية، وذلك لأنّ من الطبيعي أن تكون ردّة فعل المرأة إزاء موقف كهذا هي النفور من زوجها وحنقها عليه وتمردها على أوامره، وبالتالي فأي بركةٍ سوف تترتب على مشورتهن ومخالفتهن؟!

قلتُ وأعاود التأكيد: لو كان الحديث قد دعا إلى ترك مشاورة النساء من الأساس، لهان الأمر رغم ما فيه، ولكنْ أن يدعو إلى مشاورتهن ثمّ يأمر بالعمل خلاف رأيهن، فهذا شيء لا يعقل صدوره عن الشارع الحكيم كقاعدة عامة للاهتداء إلى وجه الحق والصواب. 

التعليق الثاني: إنّ الوجوه الثلاثة التي ذكرها الشيخ القطيفي كلها ضعيفة، وهي تنطلق من النظرة الدونيّة المستحكمة في عقول الكثير من المسلمين تجاه المرأة، وأغرب الوجوه هو الوجه الأول، والذي يصرِّحُ فيه بأنّ المرأة هي سبيل الشيطان ومطيته لإفساد الإنسان، وكأنّه يريد القول: إنّ المرأة كائن شرير لا يهتدي إلى الصواب ولا تعرف الوفاء والرشد؛ وهذا في الحقيقة، لو كان صحيحاً فلا يعدّ عيباً فيها، لأنّه خارج عن اختيارها وإرادتها، إنّما هو أَمْرٌ فطرتها عليه يدُ القدرة الإلهية، ما يعني أنّ ذلك يعدّ إشكالاً على الإله الخالق الحكيم! حاشاه من الإشكال ومن فِعْلِ خلاف الحكمة والعدل، إذْ كيف يَخْلُقُ الله سبحانه المرأة بهذا الوهن التكويني، ما يجعلها «ضلعاً أعوج» ومن ثمَّ يكلِّفها بما كلّف به الرجل من التكاليف ويحاسبها كحسابه؟!

 

 

 

حديث: "ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"

روى أصحاب الصحاح بإسنادهم عن أبي بكرة، قال: «لما بلغ النبي(ص) أنّ فارس ملّكوا ابنة كسرى، قال: لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»[101].

وقد اعتمد فقهاء المسلمين على هذا الحديث كمستند أو شاهد على عدم أهليّة المرأة لتولي السلطة، وأنّه لا مشروعيّة لحكمٍ تكون المرأة على رأس سلطته التنفيذية.

وعلينا أن نستبعد في البداية تفسيراً لهذا الحديث قد يرد في أذهان البعض، ومفاده أنّ الحديث واردٌ في قضيّة شخصيّة، أو ما يعبّر عنه الفقهاء بأنّه «قضيّة في واقعة» فلا يصلح للتعميم، فيكون خاصاً بابنة كسرى، والنبي(ص) إنّما تحدّث عن عدم فلاح قومها بتوليتهم لها، استناداً إلى ما بلغه في ذلك عن الوحي، وقد أعلمه الله تعالى ذلك، مما يشكّل كرامة له ودليلاً عل صدقه. والوجه في استبعاد هذا التفسير واضح، فهو مخالف للظاهر جداً، إذ إنّ النبي(ص) وتعليقاً على حادثة تعيين ابنة كسرى قدّم بياناً عاماً وبكلامٍ مطلق، ومفاده أنّ أي قوم وليتهم امرأة فلن يفلحوا.

 ومع تجاوز هذا التفسير، نأتي إلى أهمّ الاعتراضات التي يمكن أن تورد على الرواية، وهي اعتراضان:

 

عدم الفلاح لا يعني عدم الأهلية

الاعتراض الأول: ما ذكره بعض الفقهاء من أنّ لسان الحديث ليس لسان النهي ولا المنع من تولي المرأة للسلطة، ولا الحديث عن عدم شرعيّة السلطة التي تلي المرأة أمورها، كما أنه لا يحمل مضموناً غيبياً تعبدياً، وإنّما لسانه هو الإرشاد إلى أثرٍ وضعي مفهوم وواضح، وهو أنّ ما يترتب على تولّي المرأة للسلطة هو عدم الفلاح، وعدم حصول الغرض المنشود، «وهو في مقامنا قوّة الدولة وتماسك المجتمع فهو من قبيل أن يقال: «لا يفلح من اتجر ببضاعة الصيف في الشتاء» فإنّه لا يدلّ على فساد البيع قطعاً، بل يدلّ على أن التاجر لا يربح المقدار المناسب»[102]، فغاية ما يدلّ عليه الخبر أنّ تولّي المرأة للسلطة سوف يؤدي إلى إرباك المجتمع، وعدم وصوله إلى غاياته المنشودة، لكن هذا لا يعني عدم صحة تولي المرأة للسلطة.

ولكن يلاحظ على كلامه، بأنّ لسان الحديث يحمل في طياته إشارة إلى عدم صحة تولي المرأة للسلطة؛ لأنّ عدم فلاح المجتمع بتوليها للسلطة يعني عدم التوفيق في اختيار المرأة للسلطة، وهذا يوحي بعدم أهليتها لذلك شرعاً، فإنّ الولاية العامة ليست مطلوبة على نحوٍ تعبدي ولم تُشَرَّع اعتباطاً أو جزافاً، وإنّما شرّعت لغرض إيصال المجتمع إلى قدر من الفلاح، روحياً وأخلاقياً واجتماعياً وعمرانياً وأمنياً واقتصادياً.. فإذا كان تولي شخص للولاية لا يوصل المجتمع إلى غايته المنشودة بل يتسبب في انهيار المجتمع فلا يكون توليه مشروعاً. وأمّا القياس على مثال «لا يُفلح من اتجر ببضاعة الصيف في الشتاء» فهو قياس مع الفارق؛ لأنّ الأثر المترتّب في أحد الموردين مغاير للأثر المترتب على الآخر، فغاية ما يترتب على الاتجار ببضاعة الصيف في الشتاء هو خسارة الشخص لأمواله، وهي خسارة قد يقال بأنّها لا محذور فيها باعتبار أنّ الناس مسلّطون على أموالهم، ولو قيل بحرمتها -إلحاقاً لها بالتبذير حكماً أو موضوعاً- فإنّ مفسدتها هي مفسدة جزئية شخصيّة، أما في مقامنا فنحن نتحدث عن ولاية عامة يراد إعطاؤها لمن يترتب على توليها للسلطة - بحسب الفرض - انهيار المجتمع برمته، وليس انهيار شخص مَنْ اختيرت لذلك أو شخص مَنْ اختارها لذلك فحسب، فكيف يكون توليها والحال هذه مشروعاً؟! والقياس الأقرب إلى ما نحن فيه هو قياس المقام على الولاية على القاصرين والتي شُرِّعت لمصلحة المولَّى عليهم والأخذ بهم إلى طريق الكمال، فلو قيل: إنّ تصدّي المرأة - مثلاً - للولاية على القُصَّر سيؤدي إلى فسادهم أفلا يُستفاد من ذلك بطلان الولاية؟!

والخلاصة: إنّ النبي(ص) وإن كان في قوله: «ما أفلح قوم وليتهم امرأة» يتحدّث بصفته الإرشادية لا النبويّة، بيد أنّ الإرشادية في مثل المقام لا تنفك عن المولوية وبيان الحكم الشرعي على نحو الملازمة العرفيّة.

البعد التاريخي للحديث 

الاعتراض الثاني: وهو الاعتراض الوجيه في المقام، وحاصله: أنّ الرواية لا تمثّل قاعدة عامة أو قانوناً كلياً، في مختلف الظروف والأحوال، لأنّها ناظرة إلى طبيعة المرحلة التاريخيّة التي صدر فيها الحديث، وهي مرحلة كانت تتسم بإقصاء المرأة وتهميشها وإبعادها عن الحقل العام، ما يجعلها لا تملك تجربة ولا كفاءة ولا تسمح لها بالتوفر على مؤهلات قياديّة من الشجاعة والمعرفة والقدرة على إدارة شؤون الحكم، وأضف إلى ذلك أنّ نظام الحكم السائد في تلك المرحلة كان نظاماً يتسم بالفرديّة في الإدارة، حيث يكون الفرد هو الآمر والناهي وبيده زمام الأمور كلها، وفي نظام كهذا من الطبيعي أن يكون تولي المرأة سبباً لعدم الفلاح[103].

 باختصار: إنّ الحديث - على فرض صحته - لا يملك إطلاقاً لكل الأزمنة والظروف، بل هو ناظر إلى زمنٍ لا يؤمن بأهليّة المرأة وكفاءتها، والذهنية الذكوريّة السائدة فيه قد حاصرتها ونظرت إليها باعتبارها مجرد أداة لاستمتاع الرجل، وأُماً مرضعة لأولادها.. أمّا في زماننا هذا فحيث خرجت المرأة من قمقم الجهل وحصار التهميش واستطاعت أن تكتسب مهارات قيادية مختلفة، وغدا فيها نظام الحكم نظاماً قائماً على أساس المؤسسات والقوانين ومجالس الشورى، وغيرها من آليات الحكم التي لا تسمح للحاكم أن يستبد بالسلطة، فلا يكون تولي المرأة فيه للسلطة سبباً لعدم النجاح؛ وأعتقد أنّ الواقع يشهد لما نقول، فالكثير من الدول المعاصرة قد تسلّمت فيها المرأة الموقع القيادي الأول، فكانت الحاكم والمسؤول والوزير والنائب إلى غير ذلك من مواقع قيادية وإدارية داخل أجهزة الدولة أو خارجها، ونراها - في الأعم الأغلب - قد نجحت في أداء مهمتها على أفضل وجه، وربما فاقت الرجل في كثير من الأحيان.

وربّما يقال: إنّ المسألة ليست خاصة بزمن دون آخر، فالمرأة بطبيعتها لا تصلح لموقع القيادة، ولن يتسنى لها أن تقود البلاد إلى الفلاح والنجاح، وذلك «لأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها، فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة وجماعاتها، رجالاً ونساءً، في السِّلم والحرب، ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة، وما يتعلق بها من أحكام شُرِّعَتْ لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت»[104].

ولكن نلاحظ على ذلك:

أولاً: إنّ طريقة الحكم في زماننا - كما قلنا - قد تجاوزت الكثير من طقوس الحكم وأساليبه القديمة التي كانت تحتاج إلى جهد كبير واستثنائي لا بدّ أن يضطلع به شخص الحاكم، فنظام الحكم الحديث الذي يعتمد على المؤسسات قد سهّل الأمور بطريقة كبيرة، بحيث أصبح دور الرئيس في الكثير من الحالات هو دور المشرف على إدارة نظام الحكم، ولذا قد يَسْقُطُ الحاكم أو يستقيل ويظلُّ النظام مستقراً، ولا يحتاج الحاكم أن يكون حاضراً في الجبهات، وقد رأينا أنّ بعض الحكام في زماننا يديرون شؤون البلاد ويسوسون العباد وهم مقعدون[105] لا يستطيعون الحركة الاعتياديّة. 

ثانياً: إنّ حجاب المرأة وعفتها ونزاهتها لا تمنعها من السفر والتنقل، ولا الحضور لتوقيع الاتفاقيات ولا المشاركة في الاجتماعات الرسميّة ولا في الاحتفالات، ولا زيارة جبهات الحرب..ألم تكن المرأة تخرج مع النبي(ص) ومع أمير المؤمنين(ع) إلى ساحات الوغى ممرضةً ومشاركةً في التعبئة الروحيّة والمعنويّة والإعلاميّة، بل ومقاتلة في بعض الأحيان، كما أسلفنا في محور سابق؟ ألم تكن تخطب في الرجال وتُحَدِّثُهم بأحاديث النبي(ص) وتعاليمه، كما فعلت سيدتنا الزهراء(ع) في خطبتها الشهيرة؟ ألم تكن المرأة تسافر من بلد إلى آخر وتنتقل بين المدن والبلدان لمقابلة السلاطين، كما حصل مع الوافدات على معاوية أو غيره ممن قدَّمْنا الحديث عنهن في محور سابق؛ نعم من الطبيعي أن يكون خروجها وسفرها آمناً وبعيداً عن الشبهات.

أجل، قد تكون حركة الرجل في تنقلاته وأسفاره وغيرها من الأنشطة أسهل وأيسر من حركة المرأة المحجبة، بيد أنّ هذا في نفسه لا يمنع من تولِّيها لزمام الحكم ما دام ذلك لا يعيقها عن القيام بالمهام الضرورية التي تتطلبها إدارة السلطة.

 

هذا المقال من كتاب "المرأة في النص الديني"

 

[1]  كما قال رسول الله(ص) فيما روي عنه: «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب»، قال الحاكم النيسابوري بعد روايته لهذا الحديث: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، يقصد البخاري ومسلم»، انظر: المستدرك، ج 3 ص 126.

 

[2]  وهي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة 12]، فقد روي أنّ هذه الآية لم يعمل بها أحد إلّا الإمام علي(ع)، ففي المستدرك للحاكم بإسناده عن علي(ع) قال رسول الله(ص): «إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي: آية النجوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}، قال: كنت كلما ناجيت النبي (ص) قدمت بين يدي نجواي درهماً، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، فنزلت: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} [المجادلة 13]»، انظر المستدرك على الصحيحين، ج2 ص482.

 

[3]  صحيح البخاري، ج2 ص28، وصحيح مسلم، ج3 ص34، وانظر: مسند أحمد، ج1 ص234.

 

[4]  قوت القلوب لأبي طالب المكي، ج2 ص240.

 

[5]  المصنف لعبد الرازق الصنعاني، ج11 ص72، والاستيعاب، ج4 ص1886، وعلّق ابن حزم على هذا الحديث قائلاً: «وهذا مرسل لا حجّة فيه»، انظر: المحلى، ج10 ص83.

 

[6]  ويقال للذهب والزعفران الأصفران أيضاً، وللماء واللبن الأبيضان، وللتمر والماء الأسودان، وقد قيل: «أهلك الرجال الأحمران: اللحم والخمر، وأهلك النساء الأحمران: الذهب والزعفران»، انظر: البخلاء للجاحظ، ص147.

 

[7]  الكافي، ج5 ص514.

 

[8]  الكافي، ج 5 ص 514.

 

[9]  وقد أشار إلى ذلك العلامة المجلسي، انظر: مرآة العقول، ج 20 ص 320.

 

[10]  الحديث النبوي بين الرواية والدراية للشيخ السبحاني، ص250.

 

[11] سورة العصر، الآية 2.

 

[12] سورة القيامة، الآيتان 5-6.

 

[13] سورة العلق، الآيتان 6-7.

 

[14] سورة الطلاق، الآية 6.

 

[15] سورة البقرة، الآية 233.

 

[16] سورة النساء، الآية 19.

 

[17]  من لا يحضره الفقيه، ج 3 ص 468.

 

[18]  من لا يحضره الفقيه، ج 3 ص 468، ورواه الطبرسي في مكارم الأخلاق، ص 235.

 

[19]  رواه في مستدرك الوسائل، ج15 ص180، الحديث4 من الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، نقلها عن كتاب لب اللباب، للقطب الراوندي، وقد روي أنّ أحدهم جاء إلى النبي(ص) فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال(ص): هل لك أم؟ قال: نعم، قال(ص): فالزمها، فإنّ الجنة تحت رجليها»، انظر: سنن النسائي، ج6 ص11، وفي مجمع الزوائد، ج8 ص138: فالزمْ رجلها فثمَّ الجنة.

 

[20]  لاحظ كتاب: هل الجنة للمسلمين وحدهم؟، ص247.

 

[21] سورة النساء، الآية 75.

 

[22] المحاسن والأضداد للجاحظ، ص 159، والمجازات النبوية، ص202، وشرح النهج لابن أبي الحديد، ج 18 ص 200.

 

[23]  من لا يحضره الفقيه للصدوق، ج4 ص376، قال الشيخ الصدوق: «من ألفاظ رسول الله(ص) الموجزة التي لم يسبق إليها..».

 

[24]  المجازات النبوية، ص202.

 

[25]  مجمع البحرين، ج5 ص348.

 

[26]  أرسله الصدوق كما عرفت، وأرسله الشريف الرضي في المجازات النبوية، ص202، والكراجكي في كنز الفوائد، ص97، والطبرسي في مجمع البيان، ج2 ص252، وأما عند السُّنة فقد صرّح العجلوني برفعه، انظر: كشف الخفاء، ج2 ص4، ولاحظ: نصب الراية للزيلعي، ج2 ص45.

 

[27]  مسند الشهاب، ج 1 ص 66.

 

[28]  سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ج5 ص483.

 

[29]  المغازي للواقدي، ج2 ص1016، ودلائل النبوة للبيهقي، ج5 ص242.

 

[30]  المصنف لابن أبي شيبة، ج8 ص163، وإعجاز القرآن، ص147، والبيان والتبيين، ص241، وانظر: التذكرة الحمدونية، ج1 ص133.

 

[31]  منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 19 ص 160، نقلاً عن تذكرة ابن الجوزي.

 

[32]  الدر المنثور للسيوطي، ج 2 ص 27.

 

[33]  انظر: الأمثال في الحديث النبوي لعبد الله بن حبان (ت 369 هـ)، ج 1 ص 161.

 

[34] سورة النساء، الآية 76.

 

[35] سورة يوسف، الآية 28.

 

[36]  قال الشيخ محمد تقي المجلسي: «والأحوط أن لا يطيع الزوجة مطلقاً إلا في الطاعات، بل ولا في الطاعات أيضاً، لأنّ لها فيها مكراً خفياً كالشيطان، ولهذا قال الله تعالى حكاية مقررة: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف 28]،  وقال تعالى:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء 76] لا بمعنى أن يترك الطاعة بقولها، مثلاً إذا قالت: صلِّ في المسجد ينبغي في هذا الوقت أن يصلي في البيت، وبالعكس (أو) إن ذهب إلى المسجد لا يذهب بمجرد قولها بل بقول رسول الله (ص)، كما في إطاعة النفس والشيطان، أعاذنا الله وجميع المؤمنين من شر الثلاثة»، يقصد بالثلاثة: المرأة والشيطان والنفس الأمارة، انظر: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج1 ص297.

 

[37]  التفسير الكاشف، ج 4 ص 305.

 

[38] سورة إبراهيم، الآية 22.

 

[39] سورة إبراهيم، الآية 46.

 

[40] سورة الطارق، الآية 15.

 

[41] سورة يوسف، الآية 5.

 

[42] سورة نوح، الآية 22.

 

[43]  وهذا ما اعترف به الشيخ مغنية في مورد آخر، انظر: التفسير الكاشف، ج4 ص485.

 

[44] سورة آل عمران، الآية 73.

 

[45] سورة آل عمران، الآيتان 72-73.

 

[46]  قال الشيخ مغنية في تفسير هذه الآية: «كثيراً ما يُساء فهم هذه الآية، ويُستشهد بها على أنّها من كلام الله سبحانه، لا من كلام اليهود، بل سمعتُ أكثرَ من واحدٍ يتلفّظ بها (ولا تَأْمَنُوا) معتقداً أنّ اللَّه سبحانه أراد بهذه الآية أن لا نأتمن إلا من كان على ديننا. والصحيح أنّ الآية بقية من كلام المعاندين الماكرين من أهل الكتاب. وقد نقلها الله تعالى حكاية لكلامهم، أي إنّ بعض أهل الكتاب قالوا لبعضهم الآخر:=

=    آمنوا أول النهار، واكفروا في آخره، وقالوا أيضاً: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران 73]. والمراد من لا تؤمنوا، الاطمئنان، لا الأمانة ولا الاعتقاد، وإلا تعدّت بالباء لا باللام، والمعنى أنّ بعض أهل الكتاب قال لبعض: لا تطمئنوا لأحد إلا لمن اتبع دينكم، تماماً كقوله تعالى: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة 61]، أي يطمئن لهم»، انظر: التفسير الكاشف، ج2 ص87.

[47] سورة يوسف، الآية 28.

 

[48]  الأمالي، ص340.

 

[49] صحيح البخاري، ج6 ص124، وصحيح مسلم، ج8 ص89، وسنن ابن ماجه، ج2 ص1325.

 

[50] سورة التغابن، الآية 15.

 

[51] سورة التغابن، الآية 14.

 

[52]  الحديث النبوي بين الرواية والدراية، ص251.

 

[53]  صحيح مسلم، ج4 ص178، وانظر: صحيح البخاري، ج4 ص103، وروى الحاكم بإسناده عن أبي هريرة أنّ النبي (ص) قال: «المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإنّك إن أقمتها كسرتها، وإن تركتها تعش بها وفيها عوج». ثم قال: «وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، انظر: المستدرك، للحاكم ج 4 ص 174.

 

[54] البداية والنهاية، ج11 ص334، رواه عن ابن الأعرابي، وعيون الأخبار للدينوري، ج4 ص77، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج18 ص200.

 

[55]  فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ج4 ص 19، وهي بتوقيع بعض العلماء ومنهم: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.

 

[56]  سنن الدارمي، ج2 ص148.

 

[57]  نُقل هذا الكلام عن الشيخ شعيب الأرناؤوط.

 

[58]  اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ج17 ص8، والفتوى بإمضاء: صالح الفوزان، وعبد العزيز آل الشيخ، وعبد العزيز بن عبدالله بن باز.

 

[59]  من لا يحضره الفقيه، ج3 ص380. وعلل الشرائع، ج1 ص17.

 

[60]  تفسير العياشي، ج 1 ص 216.

 

[61]  الأمالي للشيخ الصدوق، ص 260، وعلل الشرائع، ج 2 ص 516.

 

[62]  من لا يحضره الفقيه، ج 4ص 327.

 

[63]  أقول: ولو صحّت الرواية المذكورة بما تضمنته من استهجان خلق حواء من ضلع آدم لما قد يتسببه ذلك من تشنيع على الدين وأهله، فهي قد تصلح دليلاً على حرمة زواج الشخص من البنت المتكونة من بعض خلاياه والتي قد يتمّ استيلادها بطريقة الاستنساخ مثلاً، كما تناولنا ذلك في مباحث فقه الطب في الإسلام.

 

[64]  ورد ذلك في بعض الأخبار، انظر: بحار الأنوار، ج11 ص227.

 

[65]  انظر: الميزان للطبطبائي، ج4 ص144-147.

 

[66] سورة النساء، الآية 1.

 

[67]  من وحي القرآن ج6 ص3.

 

[68]  ففي الخبر عن علي بن أبي طالب(ع)  قال: قال رسول الله (ص): «أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم»، انظر: مجمع الزوائد للهيثمي، ج5 ص37. وهو ضعيف السند، انظر: تذكرة الموضوعات للفتني، ص152، وروى الصدوق مرسلاً قال: قال النبي(ص) في النخلة: «استوصوا بعمتكم خيراً» انظر: من لا يحضره الفقيه، ج4 ص327، وفي المحاسن روى مرسلاً عن أبي عبدالله(ع): «استوصوا بعمتكم النخلة خيراً فإنّها خلقت من طينة آدم، ألا ترون أنّه ليس شيء من الشجر يُلقح غيرها»، انظر: المحاسن للبرقي، ج2 ص529.

 

[69] سورة النساء، الآية 1.

 

[70] سورة الأعراف، الآية 189.

 

[71] سورة الأنعام، الآية 93.

 

[72]  الصحاح للجوهري، ج 3 ص 984.

 

[73]  وانسجاماً مع المعنى الثاني تأتي كلمة النفس بمعنى التأكيد، حيث يقال: «نفس الشيء: عينه يؤكد به. يقال: رأيت فلاناً نفسه، وجاءني بنفسه» لسان العرب، ج 6 ص 233.

 

[74]  التفسير الكاشف، ج 2 ص 244.

 

[75] سورة الروم، الآية 20.

 

[76] سورة الروم، الآية 21.

 

[77] سورة النحل، الآية 72.

 

[78]  من وحي القرآن، ج 7 ص 25، الطبعة الثانية، 1998م، دار الملاك.

 

[79]  تفسير الميزان، ج 4 ص 136.

 

[80]  الكتاب المقدس، سفر التكوين: الإصحاح الثاني 21-23.

 

[81]  من مقال للباحث، حسني إبراهيم عبدالعظيم، منشور على بعض المواقع الإلكترونية.

 

[82]  يقول الشيخ محمد جواد مغنية: «من الشائع أنّ حواء خلقت من ضلع آدم، ولا مصدر صحيح لهذه الإشاعة. والخبر الذي جاء به غير معتمد، وعلى تقدير صحته فإنّ المراد منه الإشارة إلى المساواة وعدم الفرق بين الرجل والمرأة، وأنّها منه، وهو منها»، انظر: التفسير الكاشف، ج 1 ص 85. وقال الشهيد مطهري: «ولا تجد في القرآن أثراً لما تجده في كتب الأديان الأخرى من أنّ المرأة قد خُلقت من مادة أدنى من مادة الرجل، أو أنّ المرأة ناقصة الخلقة وأنّ حواء قد خُلقت من أحد أعضاء آدم(ع)؛ وعليه، نرى أنّه لا توجد في الإسلام نظرة احتقار تجاه المرأة في طبيعة خلقها وأصلها» انظر كتابه: نظام حقوق المرأة في الإسلام، ص 138.. وقال الشيخ ناصر مكارم: «وأمّا الروايات التي تقول بأنّها خلقت من ضلع آدم الأيسر، فإنّه كلام خاطئ مأخوذ من بعض الروايات الإسرائيلية، ومطابق في الوقت نفسه لما جاء في الفصل الثاني من كتاب التوراة (سفر التكوين) المحرف، إضافة إلى كونه مخالفاً للواقع والعقل، إذ إنّ تلك الروايات ذكرت أنّ أحد أضلاع آدم قد أخذ وخلقت منه حواء، ولهذا فإنّ الرجال ينقصهم ضلع في جانبهم الأيسر، في حين أنّنا نعلم بعدم وجود أي فارق بين عدد أضلع المرأة والرجل، وهذا الاختلاف ليس أكثر من خرافة»، انظر: الأمثل، ج15 ص23. أقول: مخالفته للواقع مفهومة، لكن لا وجه لدعوى مخالفته للعقل.

 

[83]  قال الفخر الرازي: «وفي كون حواء مخلوقة من آدم قولان:

الأول: وهو الذي عليه الأكثرون أنّه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، فلما استيقظ رآها ومال إليها وألفها، لأنّها كانت مخلوقة من جزء من أجزائه، واحتجوا عليه بقول النبي(ص): «إنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج فإنْ ذهبتَ تقيمُها كسرتها وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها».

والقول الثاني: وهو اختيار أبي مسلم الأصفهاني: أن المراد من قوله: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] أي من جنسها وهو كقوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] وكقوله: {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ} [آل عمران: 164] وقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128].

=    قال القاضي: والقول الأول أقوى، لكي يصح قوله: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] إذ لو كانت حواء مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين، لا من نفس واحدة، ويمكن أن يُجاب عنه بأن كلمة «من» لابتداء الغاية، فلما كان ابتداء التخليق والإيجاد وقع بآدم(ع) صح أن يقال: خلقكم من نفس واحدة، وأيضاً فلما ثبت أنّه تعالى قادر على خلق آدم من التراب كان قادراً أيضاً على خلق حواء من التراب، وإذا كان الأمر كذلك، فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضلاع آدم؟»، انظر: تفسير الفخر الرازي، ج9 ص161.

 

[84] سورة النساء، الآية 1.

 

[85]  من لا يحضره الفقيه، ج 3 ص 380.

 

[86]  تهذيب الأحكام، ج 9 ص 354.

 

[87]  من لا يحضره الفقيه، ج 44 ص 328.

 

[88]  قال محمد بن خلف وكيع في أخبار القضاة: «حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد اللهِ بْن معاوية، قال: حَدَّثَنِيْ أبي، عَن أبيه معاوية، عَن ميسرة، عَن شريح: قال: تقدمت إِلَى شريح امرأة، فقالت: إني امرأة لي إحليل، ولي فرج، قال: قد كان لأمير المؤمنين في هَذَا قضية، ورث من حَيْثُ يجيء البول، قالت: إنه يجيء منهما جميعاً، قَالَ: فانظري من أين يسبق، قالت: ليس شيء منهما يسبق صاحبه إنما يجيئان في وقت، وينقطعان في وقت. قال: إنك لتخبريني بعجيب،... وساق الخبر، وفيه أنّ علياً رضي الله عنه قال:=

=    خذوا هذه المرأة، إن كانت امرأة فأدخلوها بيتاً وألبسوها ثياباً، وعدوا أضلاع جنبيها. ففعلوا، فقال: عدد الجنب الأيمن أحد عشر، وعدد الأيسر اثنا عشر؛ فَقَالَ علي: الله أكبر. فأمر لها برداء وحذاء وألحقها بالرجال. فَقَالَ زوجها: يا أمير المؤمنين زوجتي وابنة عمي، فرقت بيني وبينها، فألحقتها بالرجال، عمن أخذت هذه القصة؟ قال: إنّي أخذتها عَن أبي آدم (ص). إنّ الله عز وجل خلق حواء، ضلعاً من أضلاع آدم، فأضلاع الرجال أقل من أضلاع النِّسَاء بضلع». انظر: أخبار القضاة، ج2 ص 197.

[89]  من لا يحضره الفقيه، ج 4ص 327.

 

[90]  الجرح والتعديل، ج 6 ص 193.

 

[91]  أما خبر الشيخ ففي سنده علي بن عبدالله بن معاوية بن ميسرة، ووالده عبدالله، وهذان لا توثيق لهما، وأمّا الخبر الآخر ففي سنده النوفلي وهو ممن لم تثبت وثاقته بنحو يعتد بخبره ولا سيما في مثل المقام.

 

[92]  من قبيل صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه(ع) قَالَ: قُلْتُ لَه: «الْمَوْلُودُ يُولَدُ لَه مَا لِلرِّجَالِ ولَه مَا لِلنِّسَاءِ؟ قَالَ: يُوَرَّثُ مِنْ حَيْثُ سَبَقَ بَوْلُه، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمَا سَوَاءً فَمِنْ حَيْثُ يَنْبَعِثُ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً وُرِّثَ مِيرَاثَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ»، انظر: الكافي، ج 7 ص 157. ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه(ع) أنّ علياً(ع) كان يقول: الخنثى يورث من حيث يبول، فان بال منهما جميعاً فمن أيهما سبق البول ورث منه فإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل»، انظر: تهذيب الأحكام، ج9 ص354.

 

[93]  من قبيل صحيح عبدالله بن مسكان قال: سئل أبو عبدالله(ع) وأنا عنده عن مولود ليس بذكر وأنثى ليس له إلا دبر كيف يورث؟ قال: يجلس الامام ويجلس عنده أناس من المسلمين فيدعون الله ويجيل السهام عليه على أي ميراث يورثه ثم قال: وأي قضية أعدل من قضية يُجال عليها بالسهام!! يقول الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141]»، انظر: تهذيب الأحكام، ج9 ص375.

 

[94]  ففي معتبرة محمد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر3 عن شيء؟ فقال لي: «كل مجهول ففيه القرعة»، انظر: من لا يحضره الفقيه، ج3 ص 9، وتهذيب الأحكام، ج6 ص240.

 

[95]  هذا الحديث ورد في بعض الكتب الاستدلالية الفقهية، انظر: المبسوط للسرخسي، ج14 ص44، وذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، ج18 ص199، وقال الفتني في تذكرة الموضوعات، ص128: «في المقاصد: «شاوروهن وخالفوهن»، لم أره مرفوعاً، ولكن روي عن عمر «خالفوا النساء فإنّ في خلافهن البركة»، بل روي عن أنس رفعه: «لا يفعلن أحدكم أمراً حتى يستشير فإن لم يجد من يستشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها، فإنّ في خلافها البركة». وفي سنده عيسى ضعيف جداً مع أنّه منقطع»، وقال المنّاوي: «وأما ما اشتهر على الألسنة من خبر: «شاوروهن وخالفوهن» فلا أصل له» انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج4 ص347، وربما يقال: إنّ الحديث لا أصل له في المصادر الحديثية الشيعية، ولكنه تسرّب إليها من مصادر أخرى، فالمصدر الشيعي الذي رواه هو نزهة الأبصار ومحاسن الآثار، ص 333، لكنه مرسل، ورواه أيضاً في «مكارم الأخلاق» للطبرسي، مرسلاً عن أنس قال: قال النبي(ص): «لا يفعلنّ أحدكم أمراً حتى يستشير، فإن لم يجد من يستشير فليستشر امرأته ثم يخالفها، فإنّ في خلافها بركة»، انظر: مكارم الأخلاق، ص239، وهذا السند لم يعهد في المصادر الشيعية، وقد تمّ نقل الخبر في بعض الكتب الحديثيّة المتأخرة، انظر: عوالي اللآلي، ج1 ص290، ونقله عنه في بحار الأنوار، ج74 ص165. ولم يذكره الشيخ الحر في «وسائل الشيعة»، ولكنْ أورده مرسلاً في هداية الأمة إلى أحكام الأئمة، ج5 ص142، وهكذا وجدناه مروياً على نحو الإرسال في الفوائد المدنية والشواهد المكيّة للمحدث الأخباري محمد أمين الإسترابادي، ص387، وقد سئل السيد السيستاني عن الحديث المذكور، فأجاب: «لم أجد هذا المضمون في حديث معتبر، وعلى كل حال، فلعل المقصود أنّهن ضعيفات في إدراك ما يلزم الرجال ملاحظته في المجتمع مع تأثرهن الشديد بالعواطف والأحاسيس وغلبة ذلك فيهن على التعقل والتدبر، وهذا هو الغالب كما نشاهده». انظر: استفتاءات ص577. هذا ولكنّ العلامة المجلسي قد رواه عن بعض المصادر بصيغة أخرى، عن كتاب الإمامة والتبصرة لعلي بن بابويه: عن هارون بن موسى، عن محمد بن علي، عن محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن ابن فضال، عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه(ع)، عن النبي (ص) قال: «شاوروا النساء وخالفوهن، فإنّ خلافهن بركة»، انظر: بحار الأنوار، ج100 ص262، وهذا السند من أسانيد الشيعة، كما الكتاب والمؤلف.

 

[96]  الفوائد المدنية والشواهد المكية، ص 387.

 

[97]  والسبب الثاني قد طرحه بعض الفقهاء كتفسير للروايات الواردة عن الأئمة(ع) والآمرة بالأخذ بما «خالف العامة»، ومن هؤلاء الفقهاء السيد عبدالحسين شرف الدين رحمه الله، انظر: كتابه: أجوبة مسائل موسى جار الله، ص75.

 

[98]  رسائل آل طوق، ج 3 ص 77.

 

[99]  رواها القضاعي في مسند الشهاب، ج 1 ص 160، ورواها في الجامع الصغير، ج 2 ص 129، وأورد عقيبها رواية أخرى وهي: « طاعة المرأة ندامة»، انظر: الجامع الصغير، ج 2 ص 129.

 

[100]  قال ابن الجوزي في الموضوعات، ج2 ص273 تعليقاً على الروايتين: «هذان حديثان لا يصحان».  ولكن البعض مع اعترافه بضعف حديث عائشة المذكور أنكر على ابن الجوزي عدّه في الموضوعات، قال الفتني: «وإدخال ابن الجوزي حديث عائشة في الموضوعات ليس بجيد»، انظر: تذكرة الموضوعات، ص129.

 

[101]  صحيح البخاري، ج 5 ص 135، وسنن الترمذي، ج 3 ص 360. وسنن النسائي، ج 8 ص 227.

 

[102]  أهلية المرأة لتولي السلطة للشيخ محمد مهدي شمس الدين، ص 82.

 

[103]  انظر: قراءة جديدة لفقه المرأة الحقوقي، ندوة حوارية مع السيد فضل الله ص 30، والملاحظة عينها أوردها الشيخ شمس الدين، انظر: أهلية المرأة لتولي السلطة، ص 83.

 

[104]  فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء، ج 17 ص 14.

 

[105]  ونموذج الجزائر ماثل أمامنا، حيث إنّ رئيس هذا البلد العربي الكبير وهو عبدالعزيز بوتفليقة، رجل مقعد وقد أُعيد انتخابه للمرة الثانية وهو على هذه الحالة، ولا يزال رئيساً إلى وقت كتابة هذه السطور في 1 أبريل/نيسان 2016م.

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon