حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> تاريخية
حكم قذف زوجات الأنبياء(ع)
الشيخ حسين الخشن



حكم القذف والقاذف

 

ما هو الموقف الشرعي تجاه الشخص الذي يتهم زوجة نبي من الأنبياء R بارتكاب ما ينافي العفّة والشرف )الزنا(؟ هل له عقوبة مقررة ؟ أم يُترك أمره إلى الحاكم الشرعي ليؤدّبه ويعزّره حسبما يراه من المصلحة؟

 

والإجابة عن هذه الأسئلة نبينها ضمن النقاط التالية:

 

 

 

  1. حكم قذف المحصنات

 

لا يخفى أنّ التشريع الإسلامي اهتمّ اهتماماً بالغاً بحفظ أعراض الناس وحرماتهم، ولا سيّما عرض المرأة، ودعا إلى صونه من كل ما يشين، وحذّر من تناول الآخرين بالهمز والطعن، أو إساءة الظن بهم، أو التفكّه بأعراضهم، معتبراً ذلك من كبائر المعاصي والذنوب، ومشدّداً النكير عليه، وأقرّ عقوبة بدنية دنيوية قاسية على من يقذف المرأة المحصنة العفيفة أو الرجل المحصن بالزنا، ما لم يُحضر القاذف أربعة شهود عدول تثبت دعواه، على أن يشهدوا برؤيتهم  بالعين المجردة  لتمام العمليّة الجنسية، وهذه عقوبتهم الدنيوية، وتبقى العقوبة الأخروية موكولة إلى الله تعالى.

 

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 4-5].

 

فقد أقرّت هاتان الآيتان المباركتان عدة أنواع من العقوبة على كلِّ من يتجرّأ على رمي النساء المحصنات ويقذفهن بالزنا دون بيّنة والعقوبات هي:

 

  1. العقوبة البدنية، وهي الجلد ثمانون جلدة.

 

  1. إسقاط الأهلية القانونية عن القاذف، ويتمثّل ذلك بعدم قبول شهادته أبداً.

 

  1. الحكم عليه بالفسق، وهذا نوع من العقوبة المعنوية، حيث تلاحقه وصمة الفسق أنّى سار أو تحرّك. وهذا دليل على أنّ قذف المحصنة بالزنا هو من كبائر الذنوب.

 

هذا ناهيك عن العقوبة الأُخروية الموكولة إلى الله تعالى.

 

أجل إنّ الحكم عليه بالفسق وكذا الحكم بعدم قبول توبته تبقى فاعليتهما مستمرة، ما لم يتب إلى الله تعالى، ويُصلح، والتوبة معروفة، فهي الندم على ما صدر منه والتصميم على عدم العود؛ وأمّا الإصلاح فيراد به أن يعمل القاذف على ترميم صورة المقذوف في الوسط الاجتماعي بعد أن خدشها بالتهمة التي رماه بها.

 

وفي آية أخرى يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23]، ونلاحظ هذا التشديد في أمر القذف حيث جَعَلَ الله القاذفين ملعونين في الدنيا والآخرة وتوعّدهم بالعذاب العظيم.

 

وفي آية ثالثة نلاحظ أنّ الله سبحانه تعالى قد اعتبر أنّ من اتهم أحداً بالفاحشة إن لم يُحضر الشهود الأربعة، فإنّهُ يعدّ من الكاذبين، قال تعالى: {لَّوْلَا جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ} [النور: 13]،وهذا يدلّ على الاهتمام البالغ والحرص الشديد بحفظ أعراض الناس .

 

  1. الحُرُمات لا تتجزّأ

 

والنقطة الثانية التي تجدر الإشارة إليها هي أنّ الحرمات في الإسلام لا تقبل التجزئة، ولا يُفرَّق فيها بين مسلم أو غيره، فلكلّ إنسان حرمته التي لا بدّ من رعايتها، ومن هنا نهى الأئمة من أهل البيت (ع) عن قذف غير المسلم، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(ع): "أنّه نهى عن قذف من ليس على الإسلام إلاّ أن يطّلع على ذلك منهم، وقال: أيسر ما يكون أن يكون قد كذب".

 

وفي حديث آخر رواه الكليني أيضاً بإسناده عن عمرو بن نعمان الجعفي قال: "كان لأبي عبد الله(ع) صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي في الحذائين ومعه غلام له سندي يمشي خلفهما إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلما نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟! قال: فرفع أبو عبد الله(ع) يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله تقذف أمه! قد كنت أرى لك ورعاً فإذا ليس لك ورع، فقال: جعلت فداك إنَّ أمه سندية مشركة قال: "أما علمت أن لكلّ أُمّة نكاحاً، تَنحَّ عني"، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما".

 

وفي رواية ثالثة: إنّ لكل أمة نكاحاً يحتجزون به عن الزنا".

 

وفي الحديث عن أبي جعفر(ع): "عن الرجل يقذف بعض جاهلية العرب؟ قال: يُضرب الحدّ، إنّ ذلك يدخل على رسول الله".

 

والمقصود بدخوله على رسول الله(ص) هو أنّ من يقذف العرب فهو قد يصيب باتهامه رسول الله(ص) أو يشمله بذلك، لأنّ آباءه وأجداده من العرب، وقد عاشوا في تلك الجاهلية.

 

الجرأة على رسول الله(ص)!

 

هذا هو موقف الإسلام وحرصه على حماية الأعراض وحفظ الحرمات والكرامات بشكل عام، وفي ضوء ذلك نقول: إذا كان رمي المرأة المسلمة واتهامها بالزنا هو من كبائر المعاصي ويستوجب غضب الله، فكيف إذا كانت هذه المرأة زوجة نبي من الأنبياء(ع) ولا سيما خاتمهم سيدنا محمد(ص)! إنّها بالتأكيد لجرأة كبيرة على رسول الله(ص) أن يعمد بعض السفهاء إلى تناول عرضه وشرفه وناموسه بهذه الخفة والوقاحة التي إن دلت على شيء فإنّما تدل على عدم توقيرهم ولا احترامهم لهذا النبي الكريم! لأنّ "الغالب أنّ قذف امرأة يكون سباً وهتكاً لزوجها".

 

وهل هناك إيذاء لرسول الله P أعظم من إيذائه باتهام زوجه بممارسة الفاحشة ؟! وقد نهى الله تعالى عن إيذائه، فقال عزّ من قائل: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].

 

وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب: 53].

 

وقد نقل الطبري في جامع البيان بإسناده إلى زيد: «ربما بلغ النبي(ص) أنّ الرجل يقول: لو أنّ النبي(ص) توفي تزوّجتُ فلانة من بعده! قال: فكان ذلك يؤذي النبي(ص) فنزل القرآن: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ}.

 

فإذا كان حديث بعض الصحابة بأنّه إذا توفي رسول الله(ص) سوف نتزوج من بعض نسائه يؤذي النبي(ص) ويؤلمه، فما بالك بالحديث عن ارتكاب بعض نسائه لفاحشة الزنا، إنّه بكل تأكيد أكثر إيلاماً وإيذاءً لرسول الله(ص) من مجرد الحديث العابر عن نية البعض الزواج بهنّ!

 

وإذا كان الإسلام يتشدّد في أمر القذف إلى الحدِّ الذي يَحْرُم معه قذف المرأة المشركة أو المرأة الجاهلية كما تقدّم، فما بالك بالمرأة المسلمة؟! وكيف إذا كانت هذه المرأة هي زوجة الرسول الأكرم(ص)؟!

 

وقد قدّمنا سابقاً أنّ بعض المصادر التاريخية نصّت على أنّ الإمام عليّاً(ع) وبعد الفراغ من معركة البصرة أمر بجلد اثنين من أصحابه لا لشيء سوى أنّهما نالا من أم المؤمنين عائشة بغير القذف، فكيف إذا كان التعرّض لها هو باتهامها بارتكاب الفاحشة !

 

  1. عقوبة القاذف

 

والنقطة الثالثة في هذا المحور هي أنّ حرمة قذف المحصنات هي من بديهيات الشريعة الإسلامية، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23]، أمّا عقوبة الشخص القاذف الذي يتجرّأ على رمي المرأة المحصنة بالزنا إن لم يُقم على دعواه أربعة شهود عدول يشهدون بالمعاينة ورؤية العمليّة الجنسيّة الكاملة فهي  أي العقوبة  الجلدُ ثمانون جلدة، كما نصّت على ذلك الآية السابقة، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4].

 

ودلّت بعض الروايات المتقدمة على حرمة تناول نساء الجاهلية وتدعو إلى معاقبة القاذف، وإقامة الحدّ عليه، فعن أبي جعفر(ع) قال: "قلت له: ما تقول في الرجل يقذف بعض جاهلية العرب؟ قال: يضرب الحد، إنّ ذلك يدخل على رسول الله(ص)".

 

وحرمة القذف، وكذا عقوبة القاذف وهي الجلد ثمانون جلدة لا تختصّان بقذف الأشخاص الأحياء، بل إنّ الحرمة تتضاعف في قذف الميت - رجلاً كان أو امرأة - لأنّ الميت لا لسان له ليدافع عن نفسه ويكذّب الشهود، فإذا كان قذف الحي مُحرَّماً فقذف الميت سيكون أشدّ حرمة.

 

وممّا يوجب تضاعف عقوبة القذف، وتأكّد حرمته أن تكون المقذوفة زوجة نبي(ع) أو إمام(ع)، فإنّ قذفها سوف يطال بشظاياه زوجها وهو النبي(ص) أو الإمام(ع).

 

هل يُقتل من قذف زوجة النبي(ص)؟

 

وثمة رأي فقهي مطروح في المقام يذهب ليس إلى جلد من سبّ أو قذف زوجة النبي(ص) فحسب بل إلى قتله، كما يحكم أيضاً بقتل من قذف أم النبي(ص) أو ابنته، والوجه في قتله هو أحد أمرين:

 

الأمر الأول: هو ارتداده بذلك.

 

وقد سجلّ الفقيه النجفي )الشيخ محمد حسن( ملاحظةً على هذا الوجه مفادها: أنّه يصعب إقامة الدليل عليه "خصوصاً بعد عدم الحكم بالارتداد بما وقع من قذف عائشة وهي زوجة النبي(ص)".

 

ومقصوده أنّ النبي(ص) لم يحكم بقتل من قذف عائشة، وإنّما أمر بجلدهم كما هو معروف.

 

وأمّا تبرير ابن تيميّة لعدم قتل النبي(ص) لهم بأنهم "تكلموا بذلك قبل أن يعلم ببراءتها وأنّها من أمهات المؤمنين اللاّتي لم يفارقهن عليه، إذ كان يمكن أن يطلقها فتخرج بذلك عن هذه الأمومة في أظهر قولي العلماء"، فهو غير صحيح، لأنه مبني على أنّ الحكم بقتل الشخص القاذف لزوجة النبي(ص) يتوقف على ثبوت مجموع أمرين:

 

أحدهما: العلم ببراءتها مما رميت به، وهذا لم يكن ثابتاً  بزعمه  حين القذف، إلى أن نزل الوحي بعد ذلك ببراءتها.

 

ثانيهما: إحراز أنّها من أمهات المؤمنين، وهذا لم يكن متحققاً ذلك الوقت، إذ من الممكن أن يطلّق النبي(ص) عائشة فتخرج عن أمومة المؤمنين.

 

ولكن نلاحظ على كلامه:

 

أنّه حتى مع ثبوت الأمرين المذكورين والتسليم بهما فلا دليل على قتل القاذف لزوجة النبي(ص)، لأنّ قذف مَنْ أُحرزت أمومتها للمؤمنين وأُحرزت براءتها ممّا اتهمت به ليس من موجبات القتل ولا يستوجب الحكم بالارتداد على من اتهمها، إلاّ إذا كان اتهامها مستلزماً لتكذيب القرآن أو النبي(ص) مع التفات المتهِّم لهذه الملازمة وتبنيّه لها، أي إنّ الحكم في المقام هو الحكم في منكر الضروري بعينه، فإن رجع إنكاره إلى تكذيب النبي(ص) أو القرآن الكريم ومع ذلك أصرّ المنكر على إنكاره فيحكم بكفره، وأمّا إن لم يكن ملتفتاً إلى لازم إنكاره فلا يحكم بكفره، كما هو محقق في محله في مسألة إنكار الضروري.

 

الأمر الثاني: وربما يذكر وجه آخر للحكم بقتل مَنْ قذف زوجة النبي(ص) أياً كانت هذه الزوجة، وهو أنّ قذفها هو سبّ لها، وسبُّ المرأة  في الغالب  سبّ لزوجها وهتك لحرمته.

 

ويلاحظ عليه بما ذكره بعض الفقهاء M من أنّه: «فرقٌ بين ما إذا ذُكرت المرأة بقصد سبّ الرجل وشتمه، وبين ما إذا كان المقصود هو الزوجة دون النظر إلى الزوج ليعيّره أو يشتمه، وربما يكون حين سبّها غافلاً عن زوجها، فلا يرجع سبّها إلى سبّه مع عدم كونه ملتفتاً إلى الزوج، بل ومع كونه ملتفتاً إذا كان المقصود هو ذم الزوجة فقط.. .(((»

 

  1. لمن الولاية على إقامة الحدّ؟

 

ويبقى السؤال: من الذي يملك الحق في المطالبة بإقامة الحد؟

 

والجواب: إنّ المقذوف إذا كان حياً فهو الذي يطالب السلطة القضائية بتحصيل حقه وحماية كرامته المنتهكة من قبل القاذف، وأمّا إذا كان المقذوف ميتاً  رجلاً كان أو امرأة  فإنّ الحق بمقاضاة القاذف وإقامة الحد عليه هو لورثته، ففي الحديث عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله(ع): "في رجل قال لرجل يا ابن الفاعلة يعني الزنا، فقال: إنّ كانت أمه حيّة شاهدة ثم جاءت تطلب حقها ضُرِب ثمانين جلدة، وإن كانت غائبة انتظر بها حتى تقدم فتطلب حقها، وإن كانت قد ماتت ولم يعلم منها إلاّ خيراً ضُرِب المفتري عليها الحد ثمانين جلدة".

وفي صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(ع) قال: "..وإن قال لابنه يا ابن الزانية وأمه ميتة ولم يكن لها من يأخذ بحقها منه إلاّ ولدها منه، فإنّه لا يقام عليه الحد، لأنّ حق الحدّ قد صار لولده منها )والولد لا يحدّ أباه(، وإن كان لها ولد من غيره فهو وليّها ويُجلد له، وإن لم يكن لها ولد من غيره وكان له قرابة يقومون بأخذ الحد جُلد لهم".

 

ولكن ماذا لو كانت المقذوفة هي زوجة النبي(ص)الميتة ولا ولي لها، فمن الذي يطالب بإقامة حدّ القذف على من اتهمها بالزنا؟

 

في ذلك وجهان:

 

أحدهما: إنّ المطالَب بذلك هم عامة المؤمنين، لقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]

 

وثانيها: إنّ المطالَب بذلك هو الحاكم الشرعي، باعتباره وليَّ من لا وليَّ له.

وفي ضوء ما تقدّم، يتضح أنّ كل من يتجرأ على رمي زوجة النبي P بالزنا دون بيّنة شرعيّة فإنّه يكون شخصاً فاسقاً بنصّ القرآن الكريم، ولا بدّ أن يُجلد حدّ القذف، وأن تغلظ عليه العقوبة تعزيراً، لانتهاكه حرمة الرسول الأكرم .P

 

وربما يقال: إنّ القاذف في المقام جازم بصدور الفاحشة من زوجة النبي(ص)، والقاطع لا يؤاخذ على قطعه ولا يعاقب عليه، لما ذكره علماء الأصول والكلام من أنّ القطع معذّر لصاحبه كما هو منجز للتكليف عليه.

 

ولكن هذا الكلام مردود ومرفوض:

 

أولاً: لأنّ القطع المزعوم لا مبرر له من الناحية العقلائية والمنطقية، وإنّما هو مجرد أوهام وتخرصات ورجم بالغيب وسوء ظن بالعباد، وليس في كل ما استند إليه أصحاب الزعم المذكور لإثبات مزاعمهم سوى الوهم والإفك المبين، ومن الطبيعي أنّ العاقل لا يستند في بناء أفكاره ومعتقداته ولا في أحكامه على الأوهام والظنون، فذاك كمن يبني بنيانه على جُرُفٍ هَارٍ.

 

ثانياً: لو سلّمنا جدلاً بأن تلك الأوهام أوجبت يقيناً لبعض الناس، فيقينه هذا إنما يصلح معذراً له في محكمة العدل الإلهي ولكنه لا يسقط الحد عنه في دار الدنيا، بإجماع الفقهاء وعليه جرت سيرة العقلاء والمقنّنين الوضعيّين، أرأيت لو أنّ شخصاً اعتقد اعتقاداً جازماً أنّ فلاناً هو قاتل أبيه مثلاً، فقتله دون أن يكون لديه دليل على كونه القاتل سوى أنّه رأى في المنام  مثلاً  من يخبره بأنّ فلاناً قاتل أبيك أو قامت لديه بينة ناقصة على ذلك، فهنا حتى لو فرضنا أنّ القاتل كان

صادقاً في اعتقاده وكان الرجل قاتل أبيه حقاً دون وجود أدلة حسية تثبت الجريمة فعلاً، فإن ذلك لا يبرّر له قتله، ولو قتله فلا تسقط العقوبة الدنيوية عنه، فيحق لولي المقتول الاقتصاص منه، أجل إنّ قطعه هذا ربما نفعه عند الله تعالى، لأنّ القاطع بحليّة عمل مع كونه محرماً عليه لا يعاقب على ارتكابه.

 

وهكذا الحال في المقام، فلو أنّ شخصاً جزم بأن امرأته ترتكب الزنا مثلاً فلا يحق له الإقدام بنفسه على معاقبتها أو معاقبة الفاعل، ولو أخذته الغيرة فقتلها دون أن يحضر الشهود العدول الذي عاينوا ارتكابها الفاحشة، فيحق لأوليائها أن يطالبوا بالقصاص، مع أنّه قد يكون معذوراً عند الله تعالى، وهذا ما نصّت عليه روايات))) الأئمة من أهل البيت R، وهذا حكم منطقي يهدف إلى حماية المرأة من التعديات والظلم التي قد تتعرّض له، فقد يقتلها زوجها ويزعم أنّه رآها في وضع مشين مع رجل أجنبي عنها يمارسان الدعارة، على أنّ جعل هذه القضايا التي هي من شأن السلطة القضائية بيد أفراد الناس يلزم منه الإخلال بالنظام والهرج والمرج.

 

والحكم عينه جارٍ في حق من قذف امرأة معينة بالزنا سواء كانت زوجة النبي(ص) أو أية امرأة أخرى، ميتة كانت أو حية، دون أن يحضر الشهود الأربعة على ارتكابها للفاحشة، فإنّه يستحق العقوبة على إساءته المعنوية إليها، فيجلد حد القذف حتى لو كان قاطعاً بذلك من خلال بعض المعطيات لديه التي لا تنهض إلى مستوى الحجية القضائية، أجل لو أنه لم يظهر قطعه للناس ولم يجاهر به فليس عليه سبيل، وأمره إلى الله تعالى. قال تعالى: {لَّوْلَا جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ} [النور: 13].

 

وبالإضافة إلى ذلك فإنّ ثمة سبباً آخر يوجب في المقام تحريم التفوّه بالاتهامغير المقرون بالشهود وهو أنّ ذلك من أجلى مصاديق إشاعة الفاحشة، واللهتعالى قد نهى عنه، قال عزّ من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].



 

نُشر في تاريخ 21-8-2019 م

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon