حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول فقه
البعد التدبيري في شخصية النبي (ص) -7
الشيخ حسين الخشن



النطاق الثامن: في مجال التنميّة الزراعيّة

غير خافٍ أنّ عمران الأرض هو من أبرز المسؤوليات الملقاة على عاتق السلطة في الإسلام، يقول الإمام علي (ع) لمالك الأشتر لما ولاه مصر: "وليكنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ، أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ، لأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ، ومَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ، وأَهْلَكَ الْعِبَادَ ولَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُه إِلَّا قَلِيلًا"[1]. والحركة العمرانية هي بطبيعتها متحركة وتحتاج إلى قوانين مرنة، ومن هنا تعطى السلطة التشريعية صلاحيات واسعة في هذا المجال، بهدف تنمية الحياة الزراعية والإقتصادية.

وبمراجعة السيرة النبوية وكذلك سيرة الإمام علي (ع) نلحظ أنه قد صدرت جملة من التعليمات في المجال التنموي الزراعي ويرجح أنّها تدابير ولايتية، وإليك أهمها:

التدبير الأول: "لا يمنع فضل ماء".

ورد في الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "قَضَى رَسُولُ اللَّه (ص) بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مَشَارِبِ النَّخْلِ أَنَّه لَا يُمْنَعُ نَفْعُ الشَّيْءِ، وقَضَى (ص) بَيْنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنَّه لَا يُمْنَعُ فَضْلُ مَاءٍ لِيُمْنَعَ بِه فَضْلُ كَلأٍ وقَالَ: لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ"[2]. وقد حمل الفقهاء المنع من فضل الماء على الكراهة[3]، لأنّ الناس مسلطون على أموالهم. وهذا مبني على أنّ مورد النهي ليس هو الماء المباح للجميع، وإلا لكان النهي تحريمياً لأنّ الناس شركاء في الماء ولا يحق لأحد منعه.

إلا أنّ الحمل على الكراهة لا يناسب كون ذلك قضاءً من أقضيته، ولذا يمكن تقريب كون النهي نهي تحريم. لكنّه ليس تحريماً تشريعياً لينافي ما دلّ على حق الإنسان في الامتناع عن بذل فضل مائه للآخرين، وإنما هو نهي تدبيري، يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر: "هذا النهي نهي تحريم كما يقتضيه لفظ النهي عرفاً. وإذا جمعنا إلى ذلك رأي جمهور الفقهاء القائل: بأن منع الانسان غيره من فضل ما يملكه من ماء وكلاء، ليس من المحرمات الأصيلة في الشريعة، كمنع الزوجة نفقتها وشرب الخمر . . أمكننا أن نستنتج: أن النهي من النبي صدر عنه، بوصفه ولي الأمر. فهو ممارسة لصلاحياته في ملء منطقة الفراغ حسب مقتضيات الظروف، لأن مجتمع المدينة كان بحاجة شديدة إلى إنماء الثروة الزراعية والحيوانيّة، فألزمت الدولة الأفراد ببذل ما يفضل من مائهم وكلأهم للآخرين، تشجيعاً للثروات الزراعية والحيوانية. وهكذا نرى أن بذل فضل الماء والكلاء فعل مباح بطبيعته وقد ألزمت به الدولة إلزاماً تكليفياً، تحقيقاً لمصلحة واجبة"[4].

ولا يبتعد عن هذا ما ورد من النهي عن منع الملح أو النار، ففي خبر أبي البختري، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): " لا يحل منع الملح والنار".[5]، فإنه لو لم يحمل على النظر إلى اعتبار المذكورين ( الملح والماء)  من المباحات أو المشتركات العامة[6]، فإنه لا يبعد كونه نهياً تدبيرياً.

التدبير الثاني: التشجيع على إحياء الأرض الموات

 وتشجيعاً للناس على إحياء الأرض بزراعتها وغرسها، فقد صدر عنه (ص) إذن  بإباحة تملّك الإنسان للأرض الموات التي يعمل على إحيائها، وهو قوله (ص): "من أحيا أرضاً ميتةً فهي له"[7]، ويرجِّح غير واحد من الفقهاء أنّه إذن ولايتي صادر عنه (ص) بصفته حاكماً للمجتمع وللدولة، وليس مفاده حكماً شرعياً مولوياً دائمياً. ويتفرع على ذلك، أنّ سريان هذا الإذن واستمراره يكون مراعى بعدم تجميده أو تغييره من قبل الحاكم الجديد. وطبيعي أن الحاكم الشرعي يفترض به وقبل إصدار الإذن لأحد من الناس، دراسة المصلحة العامة في الإذن العام، أو الإذن لبعض الأفراد والجهات الخاصة. قال القرافي: " قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحيا أرضا ميتة فهي له"،  اختلف العلماء رضي الله عنهم في هذا القول: هل تصرف بالفتوى؟ فيجوز لكل أحد أن يحيي أذن الإمام في ذلك الإحياء أم لا؟ وهو مذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما[8]، أو هو تصرف منه عليه السلام بالإمامة فلا يجوز لأحد أن يحيي إلا بإذن الإمام وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله... ومذهب مالك والشافعي في الإحياء أرجح"[9].

وقد قال الشهيد الأول تعليقاً على الحديث المذكور: ".. فقيل: تبليغ وإفتاء، فيجوز الإحياء لكل أحد، أذن الإمام فيه أم لا، وهو اختيار بعض الأصحاب، وقيل تصرف بالإمامة فلا يجوز الإحياء إلا بإذن الإمام، وهو قول الأكثر"[10].

وربما يقال: إنه حتى لو كان ذلك الإذن الصادر عنه (ص) يمثل إباحة شرعية، فمع ذلك لا يتسنى للمكلف أن يبادر بنفسه إلى الإحياء، بل يحتاج إلى إذن من الحاكم الشرعي، وذلك تنظيماً للأمور، ومنعاً من الهرج والمرج، وقد بحث ذلك بعض الأعلام فليراجع[11].

وقد يستشهد للرأي الأول، أعني أن الإذن بالإحياء هو إذن سلطاني: بصحيحة عمر بن يزيد قال: سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها، فعمرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتاً وغرس فيها نخلاً وشجراً، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤديه إلى الامام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم عليه السلام فليوطِّن نفسه على أن تؤخذ منه"[12]. وذلك بتقريب أنّ انتزاعها منه هو شاهدٌ على تدبيرية الإذن بتملكها.

اللهم إلا أن يقال: إنّ انتزاعها منه عند قيام القائم، قد يجعل شاهداً على أن الإذن بإحيائها لا يعطيه حقاً بالتملك، وإنما إباحة التصرف، وتستمر الإباحة إلى حين ظهور دولة العدل.

النطاق التاسع: تنظيم حركة السوق الاقتصاديّة

إنّ استقرار حركة السوق الزراعيّة والتجاريّة تستدعي إصدار العديد من المقررات التدبيرية، ضبطاً لبعض التداعيات والأوضاع المتغيرة التي تخلق نزاعات أو إرباكات معينة، ويمكن رصد العديد من التدبيرات النبوية الصادرة في هذا المجال:

التدبير الأوّل: التسعير والمنع من الاحتكار

غير خافٍ أنّ المذهب الاقتصادي الإسلامي يرفض تدخل السلطة المباشر والصارم في حركة السوق التجارية، لجهة تحديد الأسعار وإلزام التجار بها، ويعطي التجار فسحة كبيرة من الحرية الاقتصاديّة، تاركاً لهم خيارات شتى في هذا المجال، لأنّ ذلك أصلح لعامة الناس، بمن فيهم التجار، وأدعى لانتظام حركة الاقتصاد، ومن هنا، فقد ورد في بعض الأخبار رفض النبي (ص) التدخل لفرض تسعير خاص على التجار، في خبر حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: نَفِدَ الطَّعَامُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه ص فَأَتَاه الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ نَفِدَ الطَّعَامُ ولَمْ يَبْقَ مِنْه شَيْءٌ إِلَّا عِنْدَ فُلَانٍ فَمُرْه يَبِيعُه النَّاسَ، قَال:َ فَحَمِدَ اللَّه وأَثْنَى عَلَيْه ثُمَّ قَالَ: يَا فُلَانُ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرُوا أَنَّ الطَّعَامَ قَدْ نَفِدَ إِلَّا شَيْئاً عِنْدَكَ فَأَخْرِجْه وبِعْه كَيْفَ شِئْتَ ولَا تَحْبِسْه"[13]. إلى غير ذلك من الأخبار[14].

هذا ولكنّ بعض الظروف الطارئة التي تخرج معها الأمور عن الحالة الطبيعية في قانون العرض والطلب ويتحكم الشجع ببعض الناس فيرفعون الأسعار بشكل جنوني يضر بالعامة، أو يحتكرون السلع مع الحاجة الماسة إليها، إنّ في هذه الحالات، يتاح بل قد يتعين على السلطة الشرعيّة أن تتدخل لمنع الاحتكار ورفع الأذى الناشئ عن الشجع، وهذا ما أشار أمير المؤمنين (ع) في عهده إلى مالك الأشتر عندما ولاه مصر، وهو عهد صدر عنه وهو في موقع السطة وإدارة شؤون الدولة إلى والٍ من ولاته، وفي هذا العهد الكثير من الأحكام التدبيرية، وقد مرّ الاستشهاد ببعضها، قال (ع) - بعد أن أوصاه بالتجار خيراً[15] وبيّن أهميتهم في استقرار شؤون العباد والبلاد وبعد أن بيّن (ع) حقوقهم - : "واعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً، وشُحّاً قَبِيحاً، واحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ، وذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ، وعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه ( ص ) مَنَعَ مِنْه، ولْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ والْمُبْتَاعِ - فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاه فَنَكِّلْ بِه، وعَاقِبْه فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ"[16].

قال الشهيد الصدر: "ومن الواضح فقهياً: أن البائع يباح له البيع بأي سعر أحبّ، ولا تمنع الشريعة منعاً عاماً عن بيع المالك للسلعة بسعر مجحف. فأمر الإمام بتحديد السعر، ومنع الاتجار عن البيع بثمن أكبر .. صادر منه بوصفه ولي الأمر، فهو استعمال لصلاحياته في ملء منطقة الفراغ، وفقاً لمقتضيات العدالة الاجتماعية التي يتبناها الإسلام"[17].

التدبير الثاني: المنع من تلقي الركبان، أو بيع الخاضر للبادي

ومن جملة التدبيرات المحتملة في هذا المجال: ما ورد من النهى عن تلقي الركبان، أو أن يبع حاضر لباد، ففي الخبر عن مِنْهَالٍ الْقَصَّابِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): "لَا تَلَقَّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) نَهَى عَنِ التَّلَقِّي"[18]. وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق"[19]. وفي خبر عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): لَا يَتَلَقَّى أَحَدُكُمْ تِجَارَةً خَارِجاً مِنَ الْمِصْرِ، ولَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، والْمُسْلِمُونَ يَرْزُقُ اللَّه بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ"[20]، وعَنْ مِنْهَالٍ الْقَصَّابِ أيضاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ: "لَا تَلَقَّ ولَا تَشْتَرِ مَا تُلُقِّيَ ولَا تَأْكُلْ مِنْه"[21].

وتذكر بعض الأخبار أنّه لو اشترى منه خارج البلد، فإنّ لصاحب السلعة خيار الفسخ إذا دخل البلد واكتشف كونه مغبوناً[22]، والظاهر أنّ هذا الخيار هو لأجل الغبن[23].

وقد رأى بعض الفقهاء أنّ ظاهر نهيه (ص) عن تلقي الركبان لا يعكس حكماً شرعياً، وإنّما هو في الحقيقة حكم تدبيري[24].

ومع أنّ هذه الأخبار ظاهرة في التحريم، بل فساد البيع، كما ذكر العلّامة المجلسي[25]، - ولا سيما أنّ خبر منهال القصاب الثاني تضمن إتخاذ إجراء عقابي في حقّ الذين يصرون على تلّقي الركبان، وهو مقاطعتهم في الشراء والنهي عن الأكل من طعامهم - بيد أنّ مشهور الفقهاء[26] حملوا النهي على الكراهة!

ويمكن القول: إنّ النهي عن التلقي أو أن يبيع حاضر لبادٍ يعكس في روحه نهي الشريعة عن الغبن والاستغلال، فإنّ القادم من خارج المدينة ولا سيما القادم من البوادي، كان يجهل حقيقة الأسعار فيها، فيعمد بعض التجار على تلقيه خارج البلد، وأخذ السلعة منه بأقل من سعرها، وقد يعمل هؤلاء على احتكارها فيما بعد، ولو ترك أولئك القادمون من خارج البلد حتى يدخلوا بسلعهم إلى السوق، فهذا سيرفع الغبن الفاحش عنهم ويقطع الطريق على من يسعى لاحتكار السلع وسوف يسهم ذلك في خلق حالة استقرار في السوق التجاري، لأنّ الناس عندما ترى السلع متوفرة، فلن يتملكها خوف فقدان السلع، وما قد يتركه ذلك من هلع، ومن ثمّ إقبالٍ مبالغ فيه وغير مبرر على شراء السلع مما هو فوق الحاجة، الأمر الذي يخلق أزمة في السوق ويربك حركته.

 والأمر عينه ينطبق على نهيه عن بيع الحاضر للبادي، وهو عملٌ يُراد به تولي الحاضر عمل السمسرة بين البائع الآتي من خارج المصر وبين المشتري، كما يفهم مما روي عن ابن عباس، فقد روي عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد قال: قلت لابن عباس: ما قوله: لا يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً"[27]. فإنّ نهيه عن تولّي الحاضر البيع للبادي، ليس نهياً تعبدياً، فيما نرجح، وإنما هو نهي هدفه الحيلولة دون استغلال بعض السماسرة لجهل البادي بالأسعار في البلد وشرائهم السلع منهم بأسعار زهيدة، وقد يكون في ذلك غبن للبادي، وربما كان هدف النهي المذكور هو "منع السماسرة من إقحام أنفسهم بين البائع والمشتري وحصولهم على المال ، من دون تقديم أي عمل أو خدمة تذكر ، سوى أنهم يستفيدون من جهل البادي ، فيقومون بعملية المبادلة ويحصلون على المال عن هذا الطريق"[28].

وفي ضوء ذلك، يتضح أنّ نهي النبي (ص) كان نهياً تدبيرياً، سدّاً لباب الغبن والظلم والشجع واستغلال جهل الكثيرين أو حاجتاتهم، وحفظاً لاستقرار حركة السوق التجارية.

 ولا يخفى أنّ التلقي - بصورته السابقة - لم يعد وارداً في زماننا، فالقادم يمكنه أن يعرف الأسعار حتى قبل قدومه إلى البلد، ولذا لا يبقى ثمّة موضوع لهذا النهي. ويمكن أن نعدّ هذا الحالة من حالات تغير الحكم بتغير متعلقه، كما سيأتي لاحقاً.

التدبير الثالث: تضمين القصّار

إنّ مقتضى القاعدة الفقهيّة أنّ الأجير أمين فلا يضمن إلا مع التفريط أو التعدي، وهذا عام في كل الأجراء، ومنهم القصّار الذي يبيّض الثياب، وكذا الصباغ والصائغ، وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك إلا أن يكونوا متهمين.."[29]. وفي صحيحة معاوية ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الصباغ والقصار ؟ فقال: ليس يضمنان"[30].

وفي المقابل، فقد ورد في بعض الأخبار أنّ أمير المؤمنين (ع) كان يضمّن هؤلاء، ففي معتبرة السكوني عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ والصَّبَّاغَ والصَّائِغَ احْتِيَاطاً عَلَى أَمْتِعَةِ النَّاسِ وكَانَ لَا يُضَمِّنُ (ع) مِنَ الْغَرَقِ والْحَرَقِ والشَّيْءِ الْغَالِبِ.."[31].

والمعروف بين الفقهاء حمل روايات التضمين على صورة كونه متهماً أو غير مأمون، وعدم التضمين على صورة الأمانة[32]، ويشهد له صحيحة الحلبي قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): "وكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ والصَّائِغَ، احْتِيَاطاً لِلنَّاسِ، وكَانَ أَبِي يَتَطَوَّلُ عَلَيْه إِذَا كَانَ مَأْمُوناً"[33].

 هذا، ولكنْ ربما لوحظ على هذا التفصيل بأنه يفترض أنّ عامة القصّارين والصبّاغين والصاغة كانوا في زمن علي (ع) متهمين ولذا كان يضمّنهم، وهذا مستبعد، الأمر الذي قد يجعل من القريب أن يطرح توجيه ىخر في المقام، وهو أنّ التضمين كان صادراً عنه بصفته ولياً للأمر، لمصلحة شخصها، قال بعض الفقهاء المعاصرين: "ولكنْ لا يبعد أن يكون هذا من قبيل الأحكام السلطانية التي أمرها بيد حاكم الشرع، فقد يرى المصلحة في حفظ نظام المجتمع على أن يضمن أرباب الحرف بالنسبة إلى أموال الناس، بعد ما رأى منهم قلة المبالاة في حفظ أمتعة الناس، ووقوع الفوضى من هذه الناحية"[34]

وسوف يأتينا لاحقاً ذكر تدبير رابع على صلة بهذا النطاق، وهو ما صدر عن النبي (ص) من النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، ولكنه أكثر صلة بموضوع النزاع والخصومة، ولذلك أجلنا ذكره.

النطاق العاشر: العقوبات والتعزيرات

لا يخفى أنّ مجال العقوبات والتأديبات يعدّ من أبرز المجالات التي تتبدى فيها حركة الأحكام التدبيريّة ويظهر دور النبي (ص) أو الإمام (ع) بصفته ولياً للأمر، فيقدم على اتخاذ بعض الإجراءات العقابية بحقِّ كل من يرتكب مخالفة للنظام أو يتجاوز الضوابط الشرعية والقانونية، وإليك التفصيل في ذلك:

أولاً: التدبيريّة في التعزيرات

من المعروف لدى الفقهاء أنّ ثمة نوعين من العقوبات الشرعية:

النوع الأول: عقوبة الحدّ، وهي عقوبة منصوص عليها من قبل المشرع وليست منوطة بنظر الحاكم الشرعي، ولذا فهي تتسم بالثبات، وما على الحاكم سوى تطبيقها في حال ثبوت موجبها لديه.

 هذا ولكن بعض العقوبات التي أدرجها الفقهاء تحت عنوان الحدود، هي محتملة للتعزيرية، واحتمال التدبيرية فيها مطروح، وحدّ الردة - على فرض ثبوت عقوبة القتل فيه - هو من الحدود الي يمكن طرح السؤال إزاءها لمعرفة ما إذا كانت العقوبة فيها تدبيرية أم تشريعية، بمعنى أنّ نوعيّة العقوبة فيها هل هي ثابتة أو أنها قابلة للتبديل، وقد بحثنا هذا الأمر في كتاب " في الفقه الجنائي في الإسلام - الردة نموذجاً "، ولاحظنا هناك وجود شواهد وقرائن تصلح لتأييد احتمال التدبيرية، فلتراجع.

النوع الثاني: العقوبات التعزيرية، وهي العقوبات غير المحددة من قبل الشرع نفسه، وإنّما أناطت الشريعة أمرها بيد الحاكم الشرعي، ليرى ما هو المناسب والأصلح في النوعية والكمية والكيفية.

ثمّ إذا كان الطابع العام للتعزيرات هو التأديب الجسدي، فإنّ الباب مفتوح أمام إحداث تغيير في الوسيلة، وإمكان اللجوء إلى الغرامات المالية، وذلك فيما إذا كان التعزير المالي يحقق الردع أكثر من التعزير الجسدي.

ثانياً: إجراءات عقابيّة تأديبيّة

وفي رصدنا لسيرة الإمام علي (ع) نجدُ أنه قد وردت عنه العديد من الأخبار التي تشير إلى اعتماده بعض العقوبات التأديبية للمنع من بعض الممارسات والسلوكيات والانتهاكات المخالفة للقوانين، وهي عقوبات تعزيريّة موكولة إلى الحاكم الشرعي، وما ورد في هذا الصدد على نحوين:

  1. تارة يكون إقراراً لعقوبة تعزيرية جسدية، تأديباً للمكلف بسبب ارتكابه مخالفة معينة، بما يستفاد منه أنّ الحكم الشرعي في المسألة هو التعزير، دون أن تقتضي العقوبة اجتناب أمور محللة، أو مصادرة مال أو إتلافه، وهذا النحو له أمثلةٌ كثيرة مذكورة في باب التعزيرات، ومنها: ما اختاره المحقق الحلّي (رحمه الله) بخصوص تعزير مروي عن أمير المؤمنين (ع)، لرجلٍ مارس العادة السريّة، قال المحقق: "من استمنى بيده عزر، وتقديره منوط بنظر الإمام. وفي رواية: أنّ علياً عليه السلام، ضرب يده حتى احمرت، وزوجه من بيت المال[35]، وهو تدبير استصلحه لا أنّه من اللوازم"[36].
  2. وتارة أخرى تكون العقوبة التعزيرية غير جسدية، وإنما إلزام تدبيري باجتناب أمر محلل، أو مصادرة مال أو إتلافه أو تقييد حرية الشخص.

ثالثاً: أنواع من العقوبات التعزيرية

 والنحو الثاني من العقوبات التعزيرية هي عقوبات تهدف إلى تأديب الجاني وردع غيره، وأمرها بيد الحاكم الشرعي وما يشخصه من المصلحة، التي قد تتغير من زمان إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى، وهذا النحو على عدة أنواع:

النوع الأول: تدبيرات تقتضي منع بعض ما أحلّه الله

وهذا النوع له أمثلة عديدة من أبرز ما عثرنا عليه منها النماذج التالية:

النموذج الأول: تحريم لحوم الإبل المذبوحة للمفاخرة

الظاهر أنّ ما ورد في تحريم علي (ع) أكل لحوم النياق المذبوحة لأجل المفاخرة، ليس تحريماً تشريعياً، وإنما هو تحريم تدبيري، هدف (ع) من خلاله إلى الردع عن حالة المفاخرة في مثل ذلك، ذكر ابن خلكان في ترجمة غالب أبو الفرزدق أنه كان له "مناقب مشهورة ومحامد مأثورة، فمن ذلك أنّه أصاب أهل الكوفة مجاعة وهو بها فخرج أكثر الناس إلى البوادي فكان هو رئيس قومه. وكان سحيم بن وثيل الرياحي رئيس قومه واجتمعوا بمكان يقال له صوأر في أطراف السماوة من بلاد كلب على مسيرة يوم من الكوفة، وهو بفتح الصاد المهملة وسكون الواو وفتح الهمزة وبعدها راء، فعقر غالبٌ لأهله ناقة وصنع منها طعاماً، وأهدى إلى قوم من بني تميم لهم جلالة جفانا من ثريد، ووجّه إلى سحيم جفنة فكفأها، وضرب الذي أتاه بها، وقال: أنا مفتقر إلى طعام غالب إذا نحر هو ناقة نحرت أنا أخرى! فوقعت المنافرة بينهما، وعقر سحيم لأهله ناقة، فلمّا كان من الغد عقر لهم غالب ناقتين فعقر سحيم لأهله ناقتين، فلما كان اليوم الثالث عقر غالب ثلاثاً، فعقر سحيم ثلاثاً، فلمّا كان اليوم الرابع عقر غالب مائة ناقة، فلم يكن عند سحيم هذا القدر، فلم يعقر شيئاً وأسرّها في نفسه، فلما انقضت المجاعة، ودخل الناس الكوفة قال بنو رياح لسحيم: جررت علينا عار الدهر! هلا نحرت مثل ما نحر، وكنا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين، فاعتذر بأنّ إبله كانت غائبة، وعقر ثلاثمائة ناقة، وقال للناس: شأنكم والأكل، وكان ذلك في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فاستفتي في حلّ الأكل منها، فقضى بحرمتها، وقال: هذه ذبحت لغير مأكلة، ولم يكن المقصود منها إلا المفاخرة والمباهاة، فألقيت لحومها على كناسة الكوفة فأكلتها الكلاب والعقبان والرخم، وهي قصة مشهورة وعمل فيها الشعراء أشعاراً كثيرة"[37].

وروى هذه القصة الشيخ النجاشي في ترجمة ربعي بن عبد الله، قال: "وهو الذي روى حديث الإبل. أخبرني أحمد بن علي بن نوح قال: حدثنا فهد بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال: حدثنا ربعي بن عبد الله بن الجارود قال: سمعت الجارود يحدث قال: كان رجل من بني رياح يقال له سحيم بن أثيل نافر غالباً أبا الفرزدق بظهر الكوفة على أن يعقر هذا من إبله مائة وهذا من إبله مائة إذا وردت الماء ، فلما وردت الماء قاموا إليها بالسيوف فجعلوا يضربون عراقيبها، فخرج الناس على الحميرات والبغال يريدون اللحم، قال: وعلي عليه السلام بالكوفة، قال : فجاء على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله إلينا وهو ينادي : "يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنما أُهِلّ بها لغير الله"[38].

قال السيد محسن الأمين:" ما جاء من نهي أمير المؤمنين (ع) عن أكل لحومها معللاً بأنه أهلّ بها لغير الله ينبغي حمله على المبالغة في النهي عن المنكر من إتلاف المال والتبذير لغير مصلحة، بل لمجرد المفاخرة والمنافرة واتباع أفعال الجاهلية مما يؤدي إلى مفاسد عظيمة والى الحروب وإراقة الدماء المحتدمة، فأراد أمير المؤمنين ع من النهي عن أكل لحومها المبالغة في الزجر عن مثل ذلك أن لحمها صار محرماً بمنزلة لحم الميتة فإنّ الإهلال لغير الله هو ذبحها للأوثان والأصنام وذكر أسمائها عليها عند الذبح دون اسم الله تعالى، أما مجرد ذبحها للمفاخرة لا لوجه الله تعالى مع ذكر اسم الله عليها عند الذبح فلا يجعلها لحمها حراماً. والحاصل أنّ أمير المؤمنين ع نهى عن أكل لحومها وإن كان أكلها مباحاً لمصلحة في هذا النهي وهي التشديد في النهي عن مثل هذا الفعل وإن لزم من ذلك إتلاف مالٍ مباح، لكون المصلحة في النهي أهمّ من المفسدة في إتلاف المال المباح والله أعلم"[39].

وثمّة عادة أخرى كانت عند العرب قريبة من التفاخر وقد نهى عنها رسول الله (ص)، ففي الخبر عن ابن عباس، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الاعراب"[40].  ومعاقرة الأعراب أن يتبارى الرجلان، كل واحد منهما يجادل صاحبه فيعقر هذا عدداً من إبله، ويعقر صاحبه، فأيهما كان أكثر عقراً غلب صاحبه"[41].

النموذج الثاني: تحريم أكل الذبيحة من القفا مع تعمد الذابح لذلك

ورد في الحديث عن أبي عبد الله (ع): "أنّه سئل عن الذبيحة إنْ ذبحت من القفا؟ قال: إن لم يتعمد ذلك فلا بأس، وإن يتعمده وهو يعرف سنة النبي (ص) لم تؤكل ذبيحته ويحسن أدبه"[42].

 إنّ النهي عن أكل الذبيحة - بناءً على ما هو الأقرب من عدم حرمة أكل الحيوان المذبوح من القفا، كما ذهب إليه غير واحد من أعلام العصر[43]، - هو نهي تدبير، تأديباً للذابح، لتعمده رتكاب عمل فيه مخالفة لسنة النبي (ص) ووصاياه في ذبح الحيوان، ومخالفة سنته (ص) تعبر عن حالة من اللامبالاة المذمومة بالدين، وليست تلك المخالفة – فيما يبدو - عناداً أو جحوداً ينجر إلى إنكار نبوته، ليكون مرتداً ويحكم بحرمة أكل ذبيحته بسبب ذلك فيما يرى مشهور الفقهاء.

النموذج الثالث: النهي عن أكل الحيوان المُتلَقَّى

 في سياق النهي عن تلقي الركبان، ورد المنع من أكل الحيوانات المتلقاة، فعَنْ مِنْهَالٍ الْقَصَّابِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَا تَلَقَّ ولَا تَشْتَرِ مَا تُلُقِّيَ ولَا تَأْكُلْ مِنْه"[44]. ونرجح أنه نهي تدبيري وليس تشريعياً، وهدفه محاصرة ظاهرة التلقي وتأديب المتلقين كي لا يعودوا إلى مثل ذلك.

النموذج الرابع: منع المرأة الزانية بعبدها من تملك العبيد

 في صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي امْرَأَةٍ أَمْكَنَتْ نَفْسَهَا مِنْ عَبْدٍ لَهَا فَنَكَحَهَا: أَنْ تُضْرَبَ مِائَةً ويُضْرَبَ الْعَبْدُ خَمْسِينَ جَلْدَةً ويُبَاعَ بِصُغْرٍ مِنْهَا قَال: ويَحْرُمُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَبِيعَهَا عَبْداً مُدْرِكاً بَعْدَ ذَلِكَ"[45].

إنّ جلد المرأة الحرة ماءة جلدة مبني على ما هو معروف لدى الفقهاء من اعتبارها زانية، لأنّ المرأة لا يحل لها وطء العبد إلا بالعقد، وأمّا العبد فيجلد خمسين جلدة، لتنصيف الحدود بلحاظ العبيد. ولكنْ ماذا عن بيع العبد رغماً عنها وتحريم بيعها العبيد؟ هل هو حكم شرعي واجب الاتباع أم هو إجراء تدبيري احترازي لمزيد من الردع في النفوس، أو للخشية من عودتها إلى تكرار الفعل؟

 لا يبعد الثاني، ولا أقل من احتماله.

النوع الثاني: تدبيرات تقتضي إتلاف المال ردعاً وتأديباً

وهذا النوع نجد له بعض النماذج:

النموذج الأول: حرق علي (ع) لدور المنشقين عن الجماعة

ورد في بعض المصادر التاريخيّة أنّ أمير المؤمنين (ع) هدم وحرق دور بعض الذين فارقوه وانشقوا عنه، ففي كتابيْ "وقعة صفين" وأنساب الأشراف" بعد أن ذكرا اعتراض مالك الأشتر على جرير بعد رجوعه من الشام ، قال: " فلمّا سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا ، ولحق به أناس من قسر ( قيس خ . ل ) من قومه.. وخرج على ( عليه السلام ) إلى دار جرير فشعّث منها، وحرّق مجلسه، وخرج أبو زرعة بن عمر بن جرير فقال: أصلحك اللّه إِنّ فيها أرضاً لغير جرير ، فخرج منها إِلى دار ثوير بن عامر فحرّقها وهدم منها . وكان ثوير رجلا شريفاً ، وكان قد لحق بجرير"[46].

وفي وقعة صفيّن عن النضر بن صالح : بعث عليّ ( عليه السلام ) إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب - وهو من الصحابة - فقال : يا حنظلة ، أعليَّ أم لي ؟ قال : لا عليك ولا لك ، قال : فما تريد ؟ قال : أشخصُ إلى الرُّها فإنّه فَرْج من

الفروج ، أصمِد له حتى ينقضي هذا الأمر ... فدخل منزله وأغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية ... وهربَ ابن المعتمّ أيضاً حتى أتى معاوية... ولكنّهما لم يقاتلا مع معاوية ، واعتزلا الفريقين جميعاً ... فلمّا هرب حنظلة أمر عليّ بداره فهدّمت"[47].

وفي شرح ابن أبي الحديد : " ويذكر أهل السير أن عليا عليه السلام هدم دار جرير ودور قوم ممن خرج معه ، حيث فارق عليا عليه السلام ، منهم أبو أراكة بن مالك بن عامر القسري ، كان ختنه على ابنته ، وموضع داره بالكوفة كان يعرف بدار أبي أراكة قديماً، ولعلّه اليوم نسي ذلك الاسم"[48].

وجاء في قصة مصقلة بن هبيرة الشيباني بعد ما فرّ ولحق بمعاوية أن علياً (ع) "سار إِلى داره فهدمها"[49]. وورد أيضاً أنه (ع) هدم دار عمرو بن العشبة[50].

إنّ هدمه (ع) لدور هؤلاء لو صحّ وأمكن الوثوق بالأخبار الرواية له، ليس تطبيقاً لحكم شرعي أو تنفيذاً لحد من حدود الله تعالى، في معاقبة الفارين من الإمام (ع)، وإنما هو على الأرجح تدبير ارتأه صلاحاً في سبيل الحد من ظاهرة التمرد على الإمام العادل، وهي ظاهرة خطيرة وفي حال استفحالها، فإنها تهدد المجتمع بالتفكك من داخله، وربما كان إحراق تلك الدور أو بسبب خشية لديه (ع( من اتخاذها أوكاراً لأعدائه. 

النموذج الثاني: إحراق رحل أو متاع من غلَّ من الغنيمة

مستند هذا الأمر هو ما روي عن "عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه "[51].

قال العلامة الحلي: " من غل من الغنيمة شيئاً، رده إلى المغنم ، ولا يُحرق رحله - وبه قال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي - لأن النبي ( صلى الله عليه وآله )

لم يحرق رحل الغال. ولأنّ فيه إضاعة المال ، ولم يثبت لها نظير في الشرع. وقال الحسن البصري وفقهاء الشام منهم : مكحول والأوزاعي : إنه يحرق رحله ، إلا المصحف وما فيه روح ، لما رواه عمر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه ". ونمنع صحة السند. قال أحمد: ولا تحرق آلة الدابة ، كالسرج وغيره ، لأنه يحتاج إليه للانتفاع وقال الأوزاعي : يحرق سرجه . ولا تحرق ثياب الغال التي عليه إجماعا ، لأنه لا يجوز تركه عريانا ، ولا ما غل من الغنيمة إجماعا ، لأنه مال المسلمين ، ولا يحرق سلاحه ، لأنه يحتاج إليه للقتال ، وهو منفعة للمسلمين عامة ، ولا نفقته . ولو أبقت النار شيئا - كالحديد - فهو لمالكه ، للاستصحاب . ولا تحرق كتب العلم والأحاديث، لأنه نفع يرجع إلى الدين ، وليس القصد بالإحراق إضراره في دينه"[52].

وقد اعترض على الحديث المذكور الآمر بإحراق مال الغالِّ:

أولاً: إنّ الحديث ضعيف، كما ذكر العلامة الحلي، وغيره من العلماء[53] وفي سنده صالح بن زائدة وهو منكر الحديث[54].

ثانياً: أنه ورد عنه (ص) روايات أخرى لم يأمر فيها بإحراق متاع الغال[55].

ثالثاً: إنْ أريد إحراق ماله الخاص، فالإحراق إتلاف وتضييع للمال بلا موجب، وإن أريد إحراق ما غلّه، فالأمر أشكل لأنّ هذا المال ملك للمسلمين فبأيٍ وجه يحرق؟! والظاهر إرادة الأول، أي إحراق ماله الخاص، بقرينة إضافة المتاع إليه، بقوله: "متاعه".

أقول: العمدة هو الملاحظة الأولى، إذ لو صح أنه (ص) أمر بالإحراق، فهو لا ينافي عدم إحراقه في موارد أخرى أو عدم أمره به، وذلك لأنّ الظاهر أن الإحراق كان تدبيراً ارتآه (ص)، تأديباً وردعاً، واختلاف فعله ( تارة يحرق وأخرى لا يحرق ) مرده إلى اختلاف المصلحة بين مورد وآخر، ففي مورد قد تقتضي المصلجة الإحراق وفي آخر اقتضت تركه، فاختلاف فعله (ص) لا ينافي التدبيرية بل هو شاهد عليها، ومنه يتضح ضعف الاعتراض الثالث، فإنّ الموجب لإفساد ماله هو التأديب والردع. وما ذكرناه استقربه بعض العلماء[56].

النوع الثالث: تدبيرات للمنع من التعسف في استخدام الحق

ومن التدبيرات العقابية: الإجراءات التأديبية التي يتخذها الحاكم عند التعسف في استخدام الحق الذي يرتكبه بعض المكلفين بما يلحق الضرر بالآخرين، ومن نماذجه:

النموذج الأول: إمضاء الطلاق ثلاثاً استخفافاً.

في صحيحة عبد الأعلى عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سألته عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً؟ قال: إنّ كان مستخفاً بالطلاق ألزمته ذلك"[57].

 أقول: يظهر من الفقهاء إدراج الرواية في الاستدلال على قاعدة الإلزام، وهذا يعني أنّ المطلِّق هو من المذهب الآخر، مع أنّ الرواية لا دلالة فيها على ذلك، على أنّ مناط قاعدة الإلزام هو كون المطلِّق معتقداً بصحة الطلاق ثلاثاً، وأما لو كان مستخفاً بالطلاق دون أن يكون ذلك من عقيدته فلا محل لقاعدة الإلزام، ولذا فالأظهر أنّ الرواية ناظرة إلى إنفاذ الطلاق ثلاثاً إذا كان الزوج يستخف به، حتى لو كان من الشيعة، وهذا المعنى - لو أمكن الأخذ به - يتلاقى مع ما يرويه أهل السنة عن عمر من إمضائه الطلاق ثلاثاً، فربما كان ذلك حكماً تدبيريا صدر منه، بهدف الحدّ من ظاهرة إقدام الأزواج على الطلاق ثلاثاً، هذا بصرف النظرعن النقاش في تحديد الخليفة الشرعي المؤهل لذلك، وهذا النموذج ككثير مما تقدم لا نطرحه اعتقاداً وإنما نورده إيراداً، وبحثه التفصيلي في مكانه المناسب.

النموذج الثاني: الحد من تصرفات الإنسان في ملكه

للحاكم الشرعي أن يمنع المكلف من التصرف في ملكه تصرفاً مستلزماً إيذاء الآخرين مع إصراره على عدم مراعاة حقهم عدواناً، كما فعل سمرة بن جندب، الذي كان يملك نخلةً في فناء بيت رجل من الأنصار، ورفض ما طلبه النبي (ص) من الاستئذان في الدخول على الأنصاري، وأصرّ على إيذائه وإيقاعه وأهله في الضيق والحرج، فعندها أمر (ص) الرجل الأنصاري بقلع تلك الشجرة ورميها. فقد روى الصدوق بسنده إلى الحسن الصيقل، عن أبي عبيدة الحذاء قال : قال أبو جعفر عليه السلام : " كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان ، فكان إذا جاء إلى نخلته نظر إلى شئ من أهل الرجل يكرهه الرجل ، قال : فذهب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكاه ، فقال : يا رسول الله إن سمرة يدخل علي بغير إذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فدعاه فقال : يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول : يدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك ، يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك ؟ قال : لا ، قال : لك ثلاثة ؟ قال : لا ، قال : ما أراك يا سمرة إلا مضاراً، اذهب يا فلان فاقطعها واضربْ بها وجهه"[58].

إنّ من القريب أنّ أمره بقلعِها صدر عنه بصفته سلطاناً وقد كان ذلك منه إجراءً تدبيرياً اتخذه (ص) لما وجده من تعسفِ سمرة في استخدام حقه في الدخول إلى نخلته. وترجيح التدبيريّة في أمره (ص) بقلع الشجرة قائم، بصرف النظر عن الرأي في كبرى "لا ضرر ولا ضرار"، وهل أنّها بصدد نفي الحكم الضرري، أو بصدد النهي عن الإضرار، أكان نهياً مولوياً كما يرى شيخ الشريعة الأصفهاني أو نهياً سلطانياً، كما يرى السيد الخميني[59]؟ فإنّه على كل هذه الآراء يمكن القول أنّ الأمر بالقلع كان أمراً سلطانياً يرمي إلى تطبيق أحكام الشريعة التي تنص على حرمة الإضرار بالآخرين، ورفع الأذى عنهم، والوجه في ترجيح ذلك أنّ الأنصاري لمّا أصرّ سَمُرة بن جُندَب على عدم الاستئذان في الدخول عليه، إنّما تقدم بالشكوى "إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله - بما أنّه سلطان ورئيس على الملّة، حتى يدفع الظلم عنه ، فأرسل رسول اللّه إليه فأحضره ، وكلّمه بما هو في الأخبار ، فلمّا تأبّى حكم بالقلع ودفع الفساد ، وحكم بأنه لا يضر أحد أخاه في حمى سلطاني وحوزة حكومتي"[60].

النوع الرابع: إجراءات لحسم مادة الفساد

ويمكن للحاكم أن يتخذ الإجراءات الملائمة لرفع أسباب الفساد، من قبيل الأمر بإتلاف المال أو تحريقه أو هدم البنيان، وقد صدر عن النبي (ص) بعض الأوامر على هذا الصعيد وهي أوامر نرجح تدبيريتها، ومنها:

النموذج الأول: تكسير أواني الخمر

إن ما نزل في القرآن الكريم بشأن الخمر هو ضرورة اجتنابه، كما في قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا ، إِنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90]، ولكن ورد في الأخبار أن النبي (ص) أمر بكسر دنان الخمر وشق ظروفها، ففي خبر عن أبي طلحة ، أنه قال : يا نبي الله ! إني اشتريت خمراً لأيتامٍ في حجري، قال: أهرق الخمر واكسر الدنان"[61].

وفي بعض الروايات أنّ النبي (ص) تولى شق دنان الخمر بنفسه، ففي خبر ضمرة بن حبيب قال: قال عبد الله بن عمر: أمرني رسول الله (ص) أن آتيه بمدية وهي الشفرة، فأتيته بها، فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال: أغد عليّ بها، ففعلت فحرج بأصحابه إلى أسواق المدينة، وفيها زقاق خمر قد جلبت من الشام، فأخذ المدية منيّ فشقّ ما كان من تلك الزقاق بحضرته، ثم أعطانيها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر الا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقاً إلا شققته"[62].

وفي نصب الراية قال: "وفي سنن الدارقطني عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: كان عبد الله يحلف بالله أن التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ان تكسر دنانه حين حرمت الخمر لمن التمر والزبيب"[63].

 ومن المرجح أنّ يكون أمره (ص) بتكسير أواني الخمر ولايتياً، لأنّ حرمة شربها لا تقتضي تكسيرها، وهي أوانٍ ذات ماليّة ومملوكة لأصحابها، وبالإمكان الإستفادة منها في أعمال أخرى. ويؤيد ذلك ما ورد في صحسي البخاري بسنده عن سلمة بن الأكوع قال: لما أمسوا يوم فتحوا خيبر أوقدوا النيران قال النبي صلى الله عليه وسلم على ما أوقدتم هذه النيران؟ قالوا: لحوم الحمر الانسية؟ قال: أهريقوا ما فيها واكسروا قدورها، فقام رجل من القوم فقال: نهريق ما فيها ونغسلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو ذاك"[64]. فتبين من قوله " أو ذاك" أنّ الكسر ليست مطلوباً في ذاته. ومبادرة بعض الصحابة[65] إلى تكسير أواني الخمر كانت فيما يبدو إعلاناً واضحاً وصريحاً منهم بامتثال الأمر الإلهي بتحريمها، أو لأنّ أواني الخمر لا تصلخ لغيرها.

النموذج الثاني: تهديم وتحريق مسجد الضرار

 إنّ الذي نزل في القرآن بشأن مسجد ضرار هو قوله تعالى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ(108)} [التوبة]، فالآيات القرآنية إنما وسمت المسجد بأنه مسجد ضرار ونهت النبي (ص) عن القيام فيه، ولكنها لم تدع إلى إحراقه، بيد أنّ النبي (ص) أمر بإحراقه، وهذا أمر ولايتي هدفه حسم مادة الفساد، فقد روى محمد بن جرير الطبري ( 310 هـ) بسنده عن الزهري ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر ، عاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم ، قالوا: أقبل رسول الله ( ص ) يعني من تبوك حتى نزل بذي أوان ، بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار . وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحبّ أن تأتينا فتصلى لنا فيه فقال: إنّي على جناح سفر وحال شغل أو كما قال رسول الله ( ص ) ولو قد قدمنا أتيناكم إنْ شاء الله فصلّينا لكم فيه. فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله ( ص ) مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخاه عاصم بن عدي أخا بني العجلان ، فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه"[66]. وفي مجمع البيان: "وروي أنّه بعث عمار بن ياسر ووحشياً، فحرقاه، وأمر بأن يتخذ كناسة يلقى فيها الجيف"[67].

النموذج الثالث: إتلاف الأصنام وكسرها

 فقد يقال: إنّ ذلك حكم شرعي، ويستدل على ذلك بسيرة النبي (ص) وما فعله يوم فتح مكة[68]، وبأوامره الداعية إلى محو كل صورة وتمثال، ومنها تماثيل الأصنام[69]. وقد حكى الله تعالى عن نبي الله موسى (ع) أنّه حرّق العِجْل الذي اتخذه قومه إِلهاً يعبد من دون الله، قال تعالى: {وانظر إِلى إِلهك الّذي ظلت عليه عاكفاً لنُحرقنّه ثم لَنَنسفنّه في اليمّ نسفاً}[طه: 97].

وقد يطرح احتمال في المقام وهو، أنّ الأصنام إذا أمكن إخراجها عن هيئة الصنمية بغير حرق وإتلاف لمادتها، فلا موجب لذلك، لأنّ الغرض هو الحؤول دون عبادتها، وذلك يتحقق بإتلاف الهيئة ولا موجب لإتلاف المادة معها ما دام أن لها مالية معينة[70]، فيكون إتلافها الصادر عنه (ص) تصرفاً ولايتياً، وذلك بهدف حسم مادة الفساد، حيث إن الناس لا زالوا على الشرك، ويمكن أن يعيدوا المادة المتبقية إلى هيئتها السابقة.

  وقد استدل السيد الخوئي رحمه الله على عدم جواز بيع هياكل العبادة بأنّ النبي (ص) أتلف الأصنام، فإنّه لو كان يجوز بيعه لما جاز إتلافها[71]، ورده بعض تلاميذه[72] بأنّ النبي (ص) كان له الولاية على جميع الأموال.

وقد يحسن أن يدرج في المقام ما تقدم من هدم علي (ع) البيوت التي بنيت في بعض الأسواق، فقد روي: ".. أنه مرّ بدور بنى البكاء، فقال: هذه من سوق المسلمين، قال: فأمرهم أن يتحولوا وهدمها.."[73].

 إلا أن يقال: إنّ جواز هدمها هو حكم شرعي، لأن البناء يمثّل تعدياً على مال الأمة فيجوز هدمه. أجل، الذي ينفذ ذلك هو السلطة.

النطاق الحادي عشر: القضاء وفضّ النزاعات

إنّ نظم الحياة الاجتماعية هو من أهم مقاصد التشريع، وفي هذا الإطار قد صدرت أحكام شرعية تمنع كل أشكال النزاع والخصومة، ومن الطبيعي أن هذا العنوان يستدعي جعل صلاحية واسعة للحاكم من أجل تحقيق المقصد المذكور، ويلاحظ المتأمل للأخبار والمتابع للسيرة أنّ بعض الأحكام الصادرة عنه (ص) التي هدف من خلالها إلى فض النزاعات بين الناس هي أحكامٌ تدبيرية، أو يحتمل ذلك فيها. وسيأتينا في محورٍ خاص الحديث عن البعد القضائي في شخصه (ص)، والقضاء كما لا يخفى هو شعبة من شعب الولاية، وعليه فإنّ كثيراً من الأقضية هي تدبيرية.

النموذج الأول: المنع من بعض أنواع التجارات درءاً للمفاسد الطارئة

من جملة هذه التدبيرات: ما صدر عن النبي (ص) من النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، واللافت أنّ كثيراً من فقهاء المسلمين قد التزموا بظاهر النهي في الحرمة، يقول العلامة الحلي: "ومنع جماعة من علمائنا هذا البيع وهو مذهب الفقهاء الأربعة"[74]، والمستند كما قلنا هو الأحاديث التي رويت عنه (ص) في ذلك، منها ما روته السيدة عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تبيعوا ثماركم حتى يبدو صلاحها وتنجو من العاهة"[75].

في المقابلّ، فإنّ بعض الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) ظاهرة في حلية البيع المذكور شرعاً، منها: صحيح الْحَلَبِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الثَّمَرَةَ الْمُسَمَّاةَ مِنْ أَرْضٍ فَهَلَكَ ثَمَرَةُ تِلْكَ الأَرْضِ كُلُّهَا؟ فَقَالَ: قَدِ اخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّه (ص) فَكَانُوا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يَدَعُونَ الْخُصُومَةَ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ حَتَّى تَبْلُغَ الثَّمَرَةُ ولَمْ يُحَرِّمْه، ولَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ خُصُومَتِهِمْ"[76].

 واستناداً إلى هذه الصحيحة ونظائرها فقد حمل بعض فقهاء الشيعة[77] نهي النبي (ص) عن بيعها على الكراهة، فأفتوا بكراهة بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.

ولكنّ هذا التعاطي مع الطائفتين من الأخبار مبني على إغفال البعد التدبيري في شخصية النبي (ص)، وأمّا مع الإلتفات إليه وأخذه بنظر الاعتبار، فإنّه يمكن عندها استبعاد فتوى الكراهة الشرعية، وترجيح القول بأنّه نهيه (ص) عن بيعها كان نهياً تدبيرياً، بسبب ما نشب بينهم من شجار وخلافات. إنّ ترجيح التدبيرية يفرض علينا استبعاد كل من الحرمة والكراهة التشريعيتين، أما استبعاد الكراهة التشريعيّة، فلأنّ ظاهر النهي هو الحرمة، مضافاً إلى أنّ الحكم بالكراهة لا يرفع النزاع الناشب بين الصحابة كما لا يخفى، وأما استبعاد الحرمة التشريعية، فلأن ذلك هو ما يستفاد من الروايات الواردة عن الأئمة (ع) والظاهرة في نفي البأس عن هذا البيع[78]، على أنّ قوله: "نهاهم عن ذلك البيع ولم يحرمه" هو دليل واضح على عدم الحرمة شرعاً. فقوله "نهاهم عن ذلك"، أي بصفته حاكماً، "ولم يحرمه"، أي بصفته رسولاً مبلغاً لشرع الله تعالى. ويمكن عدّ أمثال هذا التعبير "نهى عنه ولم يحرمه" من جملة التعبيرات التي تستخدم لتمييز الحكم التدبيري عن غيره.

النموذج الثاني: منع المرأة من أن ترث من الأرض، هذا حكم مشهور وأفتى به فقهاؤنا إلا ابن الجنيد من المتقدمين، واستندوا في ذلك إلى الأخبار الواردة عن الأئمة (ع)، ومنها صحيح زُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "لَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ عَقَارِ الأَرْضِ شَيْئاً"[79]، وهذا الحكم تذكر بعض الروايات في توجيهه تبريره تفسيراً مفاده أن منعها من الميراث من العقار إنما هو لئلا تدخل على أقاربها داخل، ففي صحيحة زُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: لَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ عَقَارِ الدُّورِ شَيْئاً ولَكِنْ يُقَوَّمُ الْبِنَاءُ والطُّوبُ وتُعْطَى ثُمُنَهَا أَوْ رُبُعَهَا، قَالَ: وإِنَّمَا ذَاكَ لِئَلَّا يَتَزَوَّجْنَ النِّسَاءُ فَيُفْسِدْنَ عَلَى أَهْلِ الْمَوَارِيثِ مَوَارِيثَهُمْ"[80]. وفي خبر مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه ع تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنَ الطُّوبِ ولَا تَرِثُ مِنَ الرِّبَاعِ شَيْئاً قَالَ قُلْتُ كَيْفَ تَرِثُ مِنَ الْفَرْعِ ولَا تَرِثُ مِنَ الأَصْلِ شَيْئاً فَقَالَ لِي لَيْسَ لَهَا مِنْهُمْ نَسَبٌ تَرِثُ بِه وإِنَّمَا هِيَ دَخِيلٌ عَلَيْهِمْ فَتَرِثُ مِنَ الْفَرْعِ ولَا تَرِثُ مِنَ الأَصْلِ ولَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ دَاخِلٌ بِسَبَبِهَا"[81]. وقوله: "لِئَلَّا يَتَزَوَّجْنَ النِّسَاءُ فَيُفْسِدْنَ عَلَى أَهْلِ الْمَوَارِيثِ مَوَارِيثَهُمْ"، ناظر - في الظاهر - إلى أن زواجه من شخص أجنبي عن العائلة قد يكون سبباً لنشوب نزاع مع أقاربها، وكذا ما جاء في الرواية الأخيرة من تعليله بأن ذلك هو لأجل أن "لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ دَاخِلٌ بِسَبَبِهَا".

 وفي ضوء ذلك قد يقال في المقام: إنّ هذا التبرير لمنع توريثها من عين الأرض قد يعدّ شاهداً على تدبيريته، لأنّه أقرب إلى أن يكون علاجاً لحالة اجتماعية خاصة يحكمها نظام عائلي أو عشائري، يعيش أبناؤه في أماكن سكنية متجاورة، ما قد يؤدي في حال توريثها من العين إلى خلق مشكلة مع عشيرة زوجها السابق أو أبنائه، وهذا ما لا ينطبق على الكثير من المجتمعات المعاصرة، التي تجازوت هذه الحالة، ولا سيما في المدينة، حيث لم يعدْ هناك تجمعات سكنيّة من أسرة أو عشيرة واحدة، الأمر الذي لا يخلق مثل هذه الحساسيات في حالة ورثت المرأة من رقبة الأرض والعقار. وما جاء في بعض الأخبار من تعليق الإمام (ع) على قول الراوي إن الناس لا يرضون بذلك: "إِذَا وُلِّينَا فَلَمْ يَرْضَوْا ضَرَبْنَاهُمْ بِالسَّوْطِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا ضَرَبْنَاهُمْ بِالسَّيْفِ"[82]، لا ينافي التدبيريّة، لأنّ الحكم التدبيري لا يجوز التخلف عن تنفيذه، ومن حق الإمام أن يعاقب على مخالفته.

وتجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة موقفاً فقهياً يتنظّر في مسألة المنع من توريثها من العقار من جهات أخرى[83].

النطاق الثاني عشر: دور الحاكم في إقامة شعائر الدين وحدوده

إنّ حفظ شعائر الدين وأعلامه هي من المجالات التي يكون للحاكم الشرعي دور محوري فيها، فقد يتخذ إجراءات معينة لحثّ الناس وإلزامهم على إقامتها حتى لا يندرس الدين وتذوي معالمه. وإننا نرصد جملة من الأحكام التدبيرية الصادرة عن النبي (ص) أو عن بعض الأئمة (ع):

النموذج الأول: إلزام المسلمين بأداء فريضة الخج

ورد في الأخبار الصحيحة أنّ للحاكم إلزام الناس بأداء فريضة الحج، وله أن يدفع لهم من بيت مال المسلمين، كي لا يخلو البيت المعظم من وجود الحجيج والمعتمرين والعابدين، ففي صحيح الفضلاء عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع ) قَالَ : "لَوْ أَنَّ النَّاسَ تَرَكُوا الْحَجَّ لَكَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وعَلَى الْمُقَامِ عِنْدَه، ولَوْ تَرَكُوا زِيَارَةَ النَّبِيِّ (ص) لَكَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وعَلَى الْمُقَامِ عِنْدَه فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ"[84]، وفي صحيح عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَوْ عَطَّلَ النَّاسُ الْحَجَّ لَوَجَبَ عَلَى الإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى الْحَجِّ إِنْ شَاؤُوا وإِنْ أَبَوْا فَإِنَّ هَذَا الْبَيْتَ إِنَّمَا وُضِعَ لِلْحَجِّ"[85]. ومن الواضح أنّه لا خصوصية للإمام المعصوم في الروايات، بل إن لفظ الإمام الوارد في انصوص في مثل هذه الموارد لا يراد به خصوص المعصوم[86]. ولذا أفتى بعض الفقهاء بتسرية الحكم إلى المجتهدين[87]. وقد وقع بحث بينهم في أنه كيف يلزم الحاكم المسلمين على الزيارة مع كونها مستحبة عليهم؟! وأجيب على ذلك بعدة إجابات[88].

النموذج الثاني: ما ورد حول إلزام الناس برفع الأذان.

 قال الشهيد الثاني في المسالك: "وقد اتفقوا على إجبار أهل البلد على الأذان، بل على قتالهم إذا أطبقوا على تركه"[89].

ولم نجد دليلاً خاصاً على هذا الرأي، وإنما مستنده - بحسب الظاهر - أنّ رفع الأذان في البلدان الإسلامية هو من شعائر الدين، وبه تُعرف هوية البلد وانتماء أهلها إلى الإسلام، وهو السبيل الأمثل في الزمن السابق ليتعرف عامة المسلمين على أوقات صلواتهم وفطرهم وإمساكهم. ولكنّ دلالة ما ذكر على إلزام المسلمين برفع الأذان - فضلاً عن قتال التاركين له - لا يخلو من تأمل، وهو يتوقف على قيام دليل على وجوب إعلاء الشعائر وتعظيمها، وهذا محل كلام بين الفقهاء، وقد بحثناه بالتفصيل في محل آخر[90].   

النموذج الثالث: المنع من كلّ ما يُسهم في الترويج لفكر الشرك

 وعلى الحاكم المسلم إذا رأى أنّ بعض الأمور قد تعيدُ إنتاج الوثنيّة والشرك أن يمنع منها، وفي هذا السياق يمكن إدراج ما ورد عنه (ص) من توجيه الإمام علي (ع) بإزالة ومحو كلّ صورة من المدينة، ففي خبر السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه (ص) إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَدَعْ صُورَةً إِلَّا مَحَوْتَهَا ولَا قَبْراً إِلَّا سَوَّيْتَه ولَا كَلْباً إِلَّا قَتَلْتَه"[91]. فقد يفسّر محو الصور وتسوية القبور على أنّه حكم تدبيري وإجراء احترازي هدف إلى القضاء على بقايا الشرك الجاهلي، على اعتبار أنّ الناس آنذاك كانت لا تزال قريبة العهد بعبادة الأصنام، وبحسب العادة لا يمكن زوال العادات المتأصلة إلا بمضي أجيال على الثقافة الجديدة، وهي ثقافة التوحيد، فليس ذاك حكماً تشريعياً بلزوم القضاء على كل صورة في كل زمان ومكان، وأما بالنسبة لقتل الكلب، فهو أيضاً محمول - على الأرجح - على واقعة خاصة استدعت قتل الكلاب في المدينة، وقد حمله الشيخ الأنصاري على "على إرادة الكلب الهراش المؤذي ، الذي يحرم اقتناؤه"[92]، ورجح بعض الفقهاء قراءة الكلمة الكَلِب، بكسر اللام[93]. فتكون الكلاب المأمور بقتلها آنذاك مصابة بداء الكلب، ولذا أمر بقتلها.

النموذج الرابع: التهديد بتحريق بيوت من لا يشاركون في جماعة المسلمين.

 ورد في خبر صحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول: إن أناساً كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ابطئوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم"[94]. إلى غير ذلك من الروايات في هذا المجال[95]، وهذا المعنى مروي في مصادر أهل السنة أيضاً، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذّن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم. والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء"[96].

وروي هذا المعنى عن أمير المؤمنين(ع) حيث دعا إلى مقاطعة هؤلاء وترك مجاورتهم، روى الشيخ محمد بن الحسن في ( المجالس والاخبار ) بإسناده عن زريق قال: سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) ، يقول: إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بلغه أن قوماً لا يحضرون الصلاة في المسجد ، فخطب فقال : إنّ قوماً لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا ، فلا يؤاكلونا ، ولا يشاربونا ، ولا يشاورونا ، ولا يناكحونا، ولا يأخذوا من فيئنا شيئا ، أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة ، وإني لأوشك أن آمر لهم بنارٍ تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون. قال : فامتنع المسلمون عن مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتى حضروا الجماعة مع المسلمين"[97].

وقد وضع الشيخ الحر ( 1104 هـ) بعض هذه الروايات تحت عنوان" كراهة تأخر جيران المسجد عنه وصلاتهم الفرائض في غيره لغير علة كالمطر، واستحباب ترك مؤاكلة من لا يحضر المسجد وترك مشاربته ومشاورته ومناكحته ومجاورته"[98]. ويبدو أنه أدرك بحسه الفقهي صعوبة الالتزام بكون ذلك حكماً شرعياً إلزامياً، فهل رأيت فقيهاً يفتي بوجوب إحراق بيوت من لا يحضرون جماعة المسلمين؟!

بيد أنّ ملاحظتنا على كلامه هي أنّ الروايات المشار إليها لا تتحمل ولا تساعد الحمل على الكراهة، لأنّ من يفعل المكروه لا موجب لإحراق داره، ولا لنفيه أو إبعاده، ولذا يكون الأقرب هو حمل تلك الروايات على البعد التدبيري الخاص، فهو (ص) قد همّ بأن يفعل ذلك بصفته حاكماً، لأنّه (ص) ومن موقع قيادته للمجتمع رأى أنّ ثمّة جماعات يقاطعون جماعة المسلمين، وهذا قد يشكل خطراً على وحدة الجماعة المسلمة آنذاك، والتي تقوم وحدتها الاجتماعية على أساس ديني، فدعا (ص) إلى محاصرتهم وهدد بإحراق منازلهم إنْ هم استمروا على سلوكهم، لأنه سلوك يشي بالانشقاق والتمرد عليه (ص)، وغير بعيد أنه (ص) رام التهديد والتوبيخ فقط دون التنفيذ، وذلك في محاولة لردعهم.

النموذج الخامس: إعلان الأعياد والمناسبات الإسلامية

إنّ مسألة دخول الشهر القمري وما يترتب عليها من شعائر وأحكام هي من القضايا العامة وليس من القضايا الشخصيّة، وهي تمتلك أهميّة خاصة كونها تتصل بمناسبات إسلامية عظيمة الشأن، كبدء شهر الصيام أو حلول عيدي الأضحى والفطر، وقد كان الولاة على امتداد التاريخ الإسلامي يتولون إعلان ذلك، وأمير الحاج هو الذي يتولى إعلان بداية شهر ذي الحجة، وكذلك إعلان يوم العيد، وكان المسلمون على اختلاف مذاهبهم يتابعونه على ذلك، ولم يُعهد أن ينفرد كلّ مكلف بصومه أو عيده، ما جعل العيد مظهراً من مظاهر وحدة الأمة، وهذا ما يمكن عدّه شاهداً على حجية قول الحاكم الشرعي في إعلان هذه المناسبات، وأضف إلى ذلك أنّ بعض الأخبار دلّت على ذلك. ومن أهمها، صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ:" إِذَا شَهِدَ عِنْدَ الإِمَامِ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْهِلَالَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ يَوْماً أَمَرَ الإِمَامُ بِالإِفْطَارِ وصَلَّى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِذَا كَانَا شَهِدَا قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَمَرَ الإِمَامُ بِإِفْطَارِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وأَخَّرَ الصَّلَاةَ إِلَى الْغَدِ فَصَلَّى بِهِمْ"[99]. "بتقريب أن المراد من الامام مطلق من بيده الأمر لا الإمام المعصوم ( عليه السلام ) كما هو مقتضى سياق الصحيحة ، وعليه فتشمل الصحيحة الحاكم الشرعي باعتبار انه أحد مصاديقه"[100]. ويشهد لذلك أيضاً رِفَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بِالْحِيرَةِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه مَا تَقُولُ فِي الصِّيَامِ الْيَوْمَ؟ فَقُلْتُ: ذَاكَ إِلَى الإِمَامِ إِنْ صُمْتَ صُمْنَا وإِنْ أَفْطَرْتَ أَفْطَرْنَا، فَقَالَ: يَا غُلَامُ عَلَيَّ بِالْمَائِدَةِ فَأَكَلْتُ مَعَه وأَنَا أَعْلَمُ واللَّه أَنَّه يَوْمٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَكَانَ إِفْطَارِي يَوْماً وقَضَاؤُه أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقِي ولَا يُعْبَدَ اللَّه"[101]. وذلك بتقريب أن قوله " ذلك إلى الإمام " هي كبرى صادرة على سبيل الجد، ولا موجب للتقيّة فيها، وإنّما التقيّة في تطبيقها على أبي العباس وجعل الأمر بيده ومن ثم اضطرار الإمام (ع) للأكل معه، ولكن الرواية ضعيفة السند بالإرسال.

من كتاب: أبعاد الشخصية النبوية (دراسة أصولية في تصرفات الرسول صلى الله عليه وآله التشريعية والتدبيرية والخبروية والبشرية)



[1] نهج البلاغة، ج 3، ص 96.

[2] الكافي، ج 5، ص 294،

[3] مسالك الأفهام، ج 12، ص 446. ومفاتيح الشرائع، ج 3، ص 26.

[4] اقتصادنا، ص 690.

[5] الكافي ج 5 ص 308.

[6] ويؤيده أنه ورد في خبر محمد بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام قال : " سألته عن ماء الوادي فقال: إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلاء"، من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 239، وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 146.

[7] الكافي ج5 ص279.

[8] وقد نقل رأي الحنفية والمالكية هذا في الخصائص العامة للإسلام، للقرضاوي ص 240.

[9] الفروق، ج 1، ص 208.

[10] القواعد والفوائد، ج 1، ص 215، وعنه نضد القواعد الفقهية 158.

[11] أنظر: اقتصادنا ص ودراسات في ولاية الفقيه ج4 ص162.

[12] تهذيب الأحكام، 4، ص 145.

[13] الكافي، ج 5، ص 164.

[14] فعن عن أنس ، قال : قال الناس : يا رسول الله ، غلا السعر فسعر لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال"، سنن أبي داوود، ج 2، ص 135،

[15] ومما جاء في الوصية بهم: "ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وذَوِي الصِّنَاعَاتِ وأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً - الْمُقِيمِ مِنْهُمْ والْمُضْطَرِبِ بِمَالِه والْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِه، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ والْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ وبَحْرِكَ وسَهْلِكَ وجَبَلِكَ، وحَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، ولَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُه، وصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُه، وتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ"، نهج البلاغة، ج 3، ص 100.

[16] نهج البلاغة، ج 3، ص 100.

[17] اقتصادنا، ص 692.

[18] المصدر نفسه.

[19] صحيح مسلم، ج 5، ص 5.

[20] الكافي، ج 5، ص 168، ومن لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 273، وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 158.

[21] الكافي، ج 5، ص 168، ومن لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 273.

[22] عن أبي هريرة: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا اتى سيده السوق فهو بالخيار"، صحيح مسلم، ج 5، ص 5.

[23] قال العلامة: " النبي (ص) أثبت الخيار في تلقّي الركبان ، وإنّما أثبته للغبن"، تذكرة الفقهاء، ج 11، ص 69.

[24] ذكره الشيخ شمس الدين باعتباره نموذجاً للحكم التدبيري انظر: الاجتهاد والتجديد ص 205.

[25] مرآة العقول، ج 19، ص 160.

[26] قال العلامة الحلي في التذكرة:" تلقّي الركبان منهيّ عنه إجماعاً. وهل هو حرام أو مكروه؟ الأقرب: الثاني؛ لأنّ العامّة روت أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قال : " لا تتلقّوا الركبان للبيع "، انظر: سنن أبي داوود، ج 2، ص 133. ومن طريق الخاصّة: قول الباقر ( عليه السلام ) قال : " قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجاً من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض"، وصورته أن ترد طائفة إلى بلد بقماش ليبيعوا فيه ، فيخرج الإنسان يتلقّاهم فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره . فإن اشترى منهم من غير معرفة منهم بسعر البلد، صحّ البيع ؛ لأنّ النهي لا يعود إلى معنى في البيع ، وإنّما يعود إلى ضرب من الخديعة والإضرار ؛ لأنّ في الحديث " فإن تلقّاه متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق "، فأثبت البيع مع ذلك . إذا ثبت هذا، فإنّه لا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا السعر، وبعده يثبت لهم الخيار مع الغبن، سواء أخبر كاذباً أو لم يخبر . ولو انتفى الغبن، فلا خيار ..". انظر: تذكرة الفقهاء ج 12 ص 170. وقال في المختلف: "قال الشيخان : التلقي مكروه وقال ابن البراج : إنه محرم ، وتابعه ابن إدريس ، وهو قول أبي الصلاح ونقل عن الشيخ في المبسوط تحريم ذلك ، والشيخ - رحمه الله - لم يصرح فيه بالتحريم ، بل قال : لا يجوز تلقي الجلب، وكذا قال في الخلاف. وكثيرا ما يستعمل لفظة ( لا يجوز ) في المكروه ، مع أنه قد صرح به في النهاية بالكراهة. والوجه الأول"، مختلف الشيعة، ج 5، ص 43. والخلاف موجود في الفقه السني، قال ابن قدامة: "وكرهه أكثر أهل العلم منهم عمر بن عبد العزيز ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق ، وحكي عن أبي حنيفة أنه لم ير بذلك بأسا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع"، المغني، ج 4، ص 281. وقال الشوكاني: " الجمهور قالوا: لا يجوز تلقي الركبان ، واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط ؟ "، نيل الأوطار، ج 5، ص 26.

[27] صحيح البخاري، ج 3، ص 27.

[28] السوق في ظل الدولة الإسلاميّة، ص 52.

[29] من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 257، وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 218.

[30] تهذيب الأحكام، ج 7، ص 220.

[31]الكافي ج 5 ص 242، ونحوه في التهذيب ج 7 ص 219، وانظر: من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 257، مستطرفات السرائر ص 116.

[32] تهذيب الأحكام، ج 7، ص 220، موسوعة الإمام الخوئي ( المضاربة والمساقاة ) 31، ص 132.

[33] الكافي، ج 5، ص 242. وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 220.

[34] القواعد الفقهية ج 2 ص 261.

[35] هي خبر طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ:"إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع أُتِيَ بِرَجُلٍ عَبِثَ بِذَكَرِه فَضَرَبَ يَدَه حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ زَوَّجَه مِنْ بَيْتِ الْمَالِ"، الكافي، ج 7، ص 265، وتهذيب الأحكام، ج 10، ص 63، ونحوه خبر أبي جميلة عن زرارة عن أبي جعفر (ع)، تهذيب الأحكام، ج 10، ص 64.

[36] شرائع الإسلام ج 4 ص 967، والحدود والتعزيرات للسيد الكلبيكاني ج2 ص171 نسخة المعجم الفقهي.

[37] وفيات الأعيان ووأنباء أبناء الزمان ج 6 ص 87، وحياة الحيوان للحميري ج 2 ص 302، ناقلاً لها عن "الإمام العلامة أبو الفرج الأصبهاني وغيره". وذكر ابن عماد الحنبلي هذه المفاخرة وأشار إلى نهي علي (ع) عن أكل لحومها في شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج 1 ص 141،

[38] رجال النجاشي، ص 167.

[39] أعيان الشيعة ج 6 ص 451، وذكر قريباً منه في ج 1 ص 562.

[40] سنن أبي داوود ، ج 1، ص 644، ونقله في مستدرك الوسائل، ج 16، ص 160، عن مجموعة الشهيد.

[41] السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 314.

[42] دعائم الإسلام ج 2 ص 180.

[43] انظر: أحكام الشريعة، للسيد فضل الله، ص 277، ومنهاج الصالحين للسيد السيستاني، ج 3، ص 280، ومنهاج الصالحين للسيد محمد صادق الروحاني ج 2، ص 369.

[44] الكافي، ج 5، ص 168.

[45] الكافي ج 5، ص 493، وتهذيب الأحكام، ج 8 ص 206، ومن لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 454. هي بحسب سند الصدوق صحيحة.

[46] أنساب الأشراف، 2، ص 277، وقعة صفين ص 61،

[47] وقعة صفين، ص 98. ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 177.

[48] شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 118.

[49] الغارات 1، ص 366، وتاريخ مدينة دمشق، ج 58، ص 272، وشرح نهج البلاغة، ج 3، ص 146.

[50] الغارات ج 2، ص 464.

[51] سنن أبي داوود، ج 1، ص 615، والمستدرك للحاكم، ج 2، ص 128.

[52] تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 138 – 139.

[53] شرح صحيح مسلم للنووي، ج 2، ص 130، والسنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 103.

[54] سنن الترمذي، ج 3، ص11.

[55] في سنن الترمذي: " وقد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال ولم يأمر فيه بحرق متاعه"، سنن الترمذي، ج 3، ص 11.

[56] وقال ابن القيم الجوزية ( 751 هـ): " وأمر بتحريق متاع الغالِّ وضربه، وحرقه الخليفتان الراشدان بعده، فقيل: هذا منسوخ بسائر الأحاديث التي ذكرت، فإنه لم يجئ التحريق في شيء منها، وقيل – وهو الصواب – : إنّ هذا من باب التعزيرات والعقوبات المالية، الراجعة إلى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة، فإنه حرق وترك، وكذلك خلفاؤه من بعده"، زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر بن أيوب المشتهر بابن قيّم الجوزية، ( 751 هـ)، تحقيق وتعليق: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 2018م، ج 3، ص 98 – 99. وقال سيد سابق بعد أن روى اختلاف فعله (ص) في الغلول: " فهم من هذا ان للحاكم أن يتصرف حسب ما يرى من المصلحة، فإن كانت المصلحة تقتضي التحريق والضرب حرق وضرب ، وإن كانت المصلحة غير ذلك فعل ما فيه المصلحة"، فقه السنة، ج 2، ص 682.

[57] تهذيب الأحكام ج 8 ص 59. والرواية وصفت بالموثقة في كلام السيد محمد العاملي ج 2 ص 35.

[58] من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 103.

[59] بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ص 115.

[60] المصدر نفسه، ص 115.

[61] سنن الترمذي، ج 2، ص 380، والمعجم الكبير للطبراني، ج 5، ص 99.

[62] مسند أحمد، ج 2، ص 132، وقد صححه الأباني في إرواء الغليل، ج 5، ص 365.

[63] نصب الراية، ج 6، ص 227.

[64] صحيح البخاري، ج 6، ص 224، وج 7، ص 152.

[65] روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبا عبيدة الجراح وأبي بن كعب من فضيخ وهو تمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها قال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت"، صحيح البخاري، ج 8، ص 134.

[66] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 11، ص 31.

[67] تفسير مجمع البيان، ج 5، ص 126.

[68] روى البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود في يده وجعل يقول: {جاء الحق وزهق الباطل}[]" صحيح البخاري، ج 3، ص 108، وصحيح مسلم، ج 5، ص 173،وسنن الترمذي، ج 4، ص 365، وفي المصنف لابن أبي شيبة بالإسناد عن جابر قال : دخلنا مع النبي ( ص ) مكة في البيت وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما تعبد من دون الله ، قال : فأمر بها رسول الله ( ص ) فكبت كلها لوجوهها ، ثم قال * ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}[]"، المصنف، ج 8، ص 534، وفيه بالإسناد عن أبي مريم عن علي (ع) قال : انطلق بي رسول الله ( ص ) حتى أتى بي الكعبة ، فقال : اجلس ، فجلست إلى جنب الكعبة ، وصعد رسول الله ( ص ) على منكبي ، ثم قال لي: إنهض بي ، فنهضت به ، فلما رأى ضعفي تحته قال : اجلس ، فجلست فنزل عني وجلس لي فقال : يا علي ، اصعد على منكبي، فصعدت على منكبه ، ثم نهض بي رسول الله ( ص ) ، فلما نهض بي خيل إلي أني لو شئت نلت أفق السماء ، فصعدت على الكعبة ، وتنحى رسول الله ( ص ) فقال لي : ( ألق صنمهم ) لأكبر صنم قريش ، وكان من نحاس ، وكان موتودا بأوتاد من حديد في الأرض،

فقال لي رسول الله ( ص ) : ( عالجه ) فجعلت أعالجه ورسول الله ( ص ) : يقول : إيه ، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه ، فقال : اقذفه فقذفته ونزلت"، المصنف، ج 8، ص 543.

[69] منها: خبر السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه (ص) إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَدَعْ صُورَةً إِلَّا مَحَوْتَهَا.."، المحاسن ج 2 ص 614، والكافي ج 6 ص 528. وهو مروي في مصادر السنة، ففي صحيح مسلم بسنده عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته"، انظر: صحيح مسلم ج 3 ص 61.

[70] هذا الفرع مطروح في مكاسب الشيخ الأنصاري، فليراجع.

[71] مصباح الفقاهة ج1 ص149.

[72] عمدة المطالب ج 1 ص 126.

[73] السنن الكبرى، ج 6، ص 151.

[74] تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 348.

[75] مسند أحمد، ج 6، ص 70، ومجمع الزوائد للهيثمي، ج 4، ص 102.

[76] الكافي ج 5 ص 175.

[77] يقول العلامة: "حمل النهي على الكراهة، جمعاً بين الأدلة خصوصاً وقد نص الإمام ( عليه السلام ) على ذلك "، تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 349.

[78] في صحيحة برَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنِ الرَّطْبَةِ تُبَاعُ قِطْعَةً أَوْ قِطْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ قِطَعَاتٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ قَالَ وأَكْثَرْتُ السُّؤَالَ عَنْ أَشْبَاه هَذِه فَجَعَلَ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِه فَقُلْتُ لَه أَصْلَحَكَ اللَّه - اسْتِحْيَاءً مِنْ كَثْرَةِ مَا سَأَلْتُه وقَوْلِه لَا بَأْسَ بِه - إِنَّ مَنْ يَلِينَا يُفْسِدُونَ عَلَيْنَا هَذَا كُلَّه فَقَالَ: أَظُنُّهُمْ سَمِعُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّه ص فِي النَّخْلِ ثُمَّ حَالَ بَيْنِي وبَيْنَه رَجُلٌ فَسَكَتَ فَأَمَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ ع - عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّه ص فِي النَّخْلِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع خَرَجَ رَسُولُ اللَّه ص فَسَمِعَ ضَوْضَاءً فَقَالَ مَا هَذَا فَقِيلَ لَه تَبَايَعَ النَّاسُ بِالنَّخْلِ فَقَعَدَ النَّخْلُ الْعَامَ فَقَالَ ص أَمَّا إِذَا فَعَلُوا فَلَا يَشْتَرُوا النَّخْلَ الْعَامَ حَتَّى يَطْلُعَ فِيه شَيْءٌ ولَمْ يُحَرِّمْه"، الكافي، ج 5، ص 175، وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 86.

[79] الكافي، ج 7، ص 128.

[80] الكافي، ج 7، ص 129.

[81] الكافي، ج 7، ص 129.

[82] الكافي، ج 7، ص 129، جاء ذلك في عدّة أخبار، فراجع.

[84] الكافي، المصدر نفسه.

[85] الكافي ج4 ص272.

[86] كما بيّنا ذلك في كتاب الفقه الجنائي في الإسلام – الردة نموذجاً ص

[87] قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: "ويمكن تمشيته إلى المُجتهدين، ثمّ عدول المؤمنين"، أنظر: كشف الغطاء ج 4 ص 469.

[88] وقد أجاب الشهيد الثاني: بـ "استلزام ترك الجميع زيارته صلى الله عليه وآله وسلم التهاون بأعظم السنن وأجلها ، فيجبرون عليها إلى أن يقوموا بما يدفع ذلك. والجبر - وإن كان عقاباً - لا يدلّ على الوجوب، لأنه دنيوي ، وإنّما يستحق بترك الواجب العقاب الأخروي على وجه"، مسالك الأفهام، ج 2 ص 374. وأجاب بعضهم بأنّ ترك زيارته يعبر عن جفائه، وهو منهي عنه، قال الشهيد الأول: " ويجبر الإمامُ الناسَ على ذلك ( زيارته ) لو تركوه. لما فيه من الجفاء المحرّم ، كما يجبرون على الأذان "، الدروس الشرعية في فقه الإمامية، ج 2، ص 5، ومما دل على أن ترك زيارته هو جفاء له ، ما ورد في خبر أَبِي حَجَرٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه ص مَنْ أَتَى مَكَّةَ حَاجّاً ولَمْ يَزُرْنِي إِلَى الْمَدِينَةِ جَفَوْتُه يَوْمَ الْقِيَامَةِ.."، الكافي/ ج 4، ص 548، وكامل الزيارات، ص 44، ومن لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 565، وتهذيب الأحكام، ج 6، ص 4، ولكن قال عن " أبي يحيي الأسلمي"، بينما أجاب السيد علي الطباطبائي بجواب آخر، وهو أن المسألة تتبع النص، وقد دلّ على الإلزام، قال: " ولا بعد في الجبر على عدم ترك الكل المندوب ، بعد ورود النص الصحيح المعتضد بالعمل ، سيما بعد وجود النظير ، وهو ما ذكره الشهيدان

من الأذان"، رياض المسائل، ج 7، ص 161.

[89] مسالك الأفهام، ج 2 ص 374.

[90] انظر فقه الشعائر والطقوس، ص

[91] المحاسن ج 2 ص 614، والكافي ج 6 ص 528. وهو مروي في مصادر السنة، ففي صحيح مسلم بسنده عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته"، انظر: صحيح مسلم ج 3 ص 61.

[92] المكاسب المحرمة للشيخ الأنصاري، ج 1، ص 192.

[93] قال الإمام الخميني: " ولا يبعد أن يكون الكلب في الرواية الثانية بكسر اللام وهو الكلب الذي عرضه داء الكلب وهو داء شبه الجنون يعرضه فإذا عقر انسانا عرضه ذلك الداء"، المكاسب المحرمة، ج 1، ص 170.

[94] تهذيب الأحكام ج3 ص 35، وعنه وسائل الشيعة ج 5 ص 195، الحديث 2 الباب 2 من أبواب أحكام المساجد.

[95] وسائل الشيعة، ج 5، ص 293، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة.

[96] صحيح البخاري، ج 1، ص 158، وج 8 ، ص 127، وفي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم انظر من لم يشهد الصلاة فأحرق عليه بيته: المعجم الأوسط للطبراني، ج 6، ص 26.

[97] الأمالي ص 697، ولاحظ أيضاً سائر روايات الباب المتقدم من الوسائل.

[98] وسائل الشيعة، ج 5، ص 194، الباب 2 من أبواب أحكام المساجد.

[99] الكافي، ج 4، ص 169، ومن لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 168.

[100] تعاليق مبسوطة، ج 5، ص 188.

[101] الكافي، ج 4، ص 83، وعنه وسائل الشيعة، الباب 57 من أبواب ما يمسك عن الصائم الحديث 5.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon