حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول فقه
البعد البشري في شخصية النبي (ص) -2
الشيخ حسين الخشن



رابعاً: نماذج من أفعاله البشريّة التي لا يستفاد منه تشريع

   وفيما يلي نذكر بعض النماذج من أفعاله وتصرفاته البشرية التي يعتقد أو يظن أنها أفعال تتصل بالجبلّة ولا علاقة لها بالتشريع:

  1. نماذج من طعامه (ص)

إننا نلاحظ أنّ الناس تختلف أذواقهم وأمزجتهم في تناول بعض الأطعمة والأشربة الثابتة الحلية شرعاً، فمنهم من يعجبه غذاءٌ معين، ومنهم من لا يعجبه هذا الغذاء ويأنف منه لا من موقع التكبر، فقد يكون طعاماً غالي الثمن، ومع ذلك فهو لا يستطيبه، والمعصوم كما قلنا ليس مجرداً من الذوق البشري، وعليه، فإذا ثبت أنّه عزف عن تناول طعام أو أعجبه طعام من ناحية المزاج فهذا لا يستفاد منه حكم شرعي بكراهة تناول الطعام الأول، واستحباب الثاني، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:

  • أكله من الذراع وتركه الأكل من الورك: ورد في بعض الأخبار أنه (ص) كان يعجبه الذراع والكتف ويكره أكل الورك لقربها من المبال[1]، والفهم السائد لهذه الأخبار أنّها تدل - كما ذكر الحر العاملي - على استحباب اختيار الذراع والكتف وكراهة اختيار الورك، مع أنّه يمكن القول بعدم دلالتها على الاستحباب أو الكراهة المولويّة، وإنّما هي تحكي طبيعة رسول الله البشرية وخصوصيته الجبليّة، وأنه كان يعجبه من اللحم ما بُعد عن المبال، فهو  إعجاب بشري وليس إعجاباً تشريعياً، والتعبير في الرواية بـ "كان يعجبه هو أقرب إلى الإعجاب الجبلي منه إلى الإعجاب الشرعي، نعم لو كان الإعجاب في أمر عبادي أو في قضايا العلاقات مع الآخرين أو نحوها وليس في القضايا الشخصيّة لكان أقرب إلى الإعجاب الشرعي[2]، وهكذا فإنّ التعليل بقرب الورك من المبال يشهد أيضاً لعدم الكراهة المولوية، لأنه لو أراد الناس العمل بهذا المكروه اقتداء برسول الله (ص)، للزم منه إلقاء لحم الورك والفخذيْن وإتلافه مع ما فيه من تضييع المال المبغوض شرعاً، لأنّه تعالى قد نهى عن التبذير وإضاعة المال[3]. نعم هذا الفعل يستفاد منه أنّ العمل ليس محرماً لأنّ النبي (ص) لا يفعل الحرام. والتعبير بأنه يعجبه طعام معين قد ورد له نظائر أخرى[4].
  • أكل الرؤوس: يحكى أنّ سيرة زين العابدين (ع) جرت على عدم الأكل من رأس الذبيحة بعد استشهاد أبيه الحسين (ع)، ولو خلينا نحن وهذه السيرة فقد يستفاد منها كراهية أكل الرؤوس، إلاّ أنّ دراسة ملابسات هذه السيرة توضح أنّ التزامه بذلك كان التزاماً بشرياً ولا علاقة له بالتشريع والكراهة المولوية، فقد ذكر غير واحد من أرباب المقاتل في سياق الحديث عمّا جرى على السبايا: "ثم وَضَعَ [ يزيد ] رأس الحسين (ع) بين يديه، وأجلس النساء خلفه، لئلا ينظرن إليه، فرآه علي بن الحسين (ع) فلم يأكل بعد ذلك الرأس"[5].

إنّ من الراجح أنّ مشهداً كهذا حيث يوضع رأس الحسين (ع) في طشت أمام يزيد وهو يتلاعب بخيزرانته على ثنايا أبي عبد الله (ع) ترك أثراً بالغاً في نفس الإمام زين العابدين (ع)، وعلى أثره ترك الأكل من الرؤوس لأنّ منظر الرأس بين يديه كان يستدعي إلى ذهنه مشهد رأس أبيه في الطشت أمام يزيد، فتعزف نفسه عن الأكل، دون أن يكون لترك أكله علاقة بالكراهة المولوية، ولذا جاء في بعض النصوص ما يرغب في أكل رأس الشاة[6].

  • كراهته (ص) أكل لحم الأرنب، ومن الأمثلة التي قد تذكر في هذا السياق، ما ورد في الحديث عن أكل لحم الأرنب، فقد ورد في الصحيح عن الإمام الصادق (ع) قال: "كان رسول الله عزوف النفس، وكان يكره الشيء ولا يحرمه، فأتى بالأرنب فكرهها ولم يحرمها"[7]، فإنّ المشهور حرمة أكل لحم الأرنب، ولكن بعض الفقهاء ناقش في الحرمة لعدم تمامية الدليل عليها، وحمل الأخبار الظاهرة في الحرمة على الكراهة، جمعاً[8]، ولا وجه لحمل هذا الحديث على التقيّة[9]، لأنّه مع إمكان الجمع العرفي فلا تصل النوبة إلى المرجحات، على أنه - لو فرض استقرار التعارض - مع وجود المرجح الكتابي في المقام، وهو الآيات الدالة على الحلّ، فلا تصل النوبة إلى المرجح الكتابي، ناهيك عن أنّ التقية هنا مستبعدة، لأنّها لا تحتّم نقل الإمام (ع) لمثل هذا الكلام المفصّل عن رسول الله (ص)، بما يعطي الآخر حجة. بل يمكن القول: إنه لو كنا وهذا الحديث فقط فهو ليس صريحاً في عدم الحرمة فحسب، بل ويمكن أن يقال بظهورها بعدم الكراهة المولوية أيضاً، وأنّ كراهة النبي (ص) لأكل لحم الأرنب ناشئة من أنه (ص) كان عزوف النفس، ويعاف لحمه، فهو عافه بشكل شخصي لا شرعي.
  • كراهته (ص) أكل الضبّ، فإنّنا لو أخذنا الروايات الواردة من طرق السنة وتمّ التوثق من صحتها، فهي تشي بالكراهة الجبليّة، ولا تدل لا على الحرمة ولا على الكراهة المولوية، ففي مجمع الزوائد: "وعن ميمونة فإنّها أهدى لها ضب فأتاها رجلان من قومها فأمرت به فصنع ثم قربته إليهما فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يأكلان فرحب بهما ثم أخذ ليأكل فلما أخذ اللقمة إلى فيه قال ما هذا؟ قال: ضبٌّ أهدي لنا، قال: فوضع اللقمة وأراد الرجلان أن يطرحا ما في أفواههما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلا، إنكم أهل نجد تأكلونها وإنا أهل تهامة نعافها. رواه الطبراني في الكبير وفيه يزيد بن أبي زياد وهو ممن يكتب حديثه مع ضعفه. وعن الشعبي قال جلست إلى ابن عمر سنتين أو سنة ونصفا ما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا غير أنه حدث مرة عن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بضب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلوه لا بأس به ولكنه ليس من طعام قومي. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. وعن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أضب عليها تمر وسمن، فقال: كلوا فإني أعافها. رواه أحمد وفيه أبو المهزم وهو ضعيف، وقال أحمد ما أقرب حديثه"[10].

والتعبير بـ "عافه" أو "إني أعافه" ليس ظاهراً في أنه عافه أو يعافه من منطلق شرعي، فلا مجال لدعوى ظهوره في الكراهة الشرعية كما في لفظ "كره" مثلاً، الذي قد يدعى حمله على الكراهة الشرعية بسبب كثرة استخدامه في النصوص فيها، ما لم تقم قرينة على غيرها، وهذه القرينة غير موجودة في تعبير "عاف"، فلربما عاف الشيء من منطلق بشري، ولذا يتوقف حمله على الإعافة الشرعية أو الشخصية البشرية على قيام القرينة، وقوله (ص) في الخبر الأول: "إنكم أهل نجد تأكلونها وإنا أهل تهامة نعافها"، ظاهر في الإعافة البشرية المتصلة بالعادة[11]، وهو نظير ما نراه اليوم من أنّ أهل الشام يأكلون اللحم النيء بينما أهل العراق أو الحجاز وغيرهم يعافونه، وعليه، فإذا ورد في الخبر أنّ النبي (ص): "عاف أمراً" فحمله على الكراهة الشرعيّة يحتاج إلى قرينة، وقد نجد في الأخبار استخدام الإعافة في الكراهة الشرعية[12].

بالعودة إلى موضوع أكل الضب، فإنه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الفتوى لدى فقهاء الشيعة هي بتحريم أكل الضب، والمستند في الحرمة هو أنه من المسوخ، ففي صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ؟ فَقَالَ: "إِنَّ الضَّبَّ والْفَأْرَةَ والْقِرَدَةَ والْخَنَازِيرَ مُسُوخٌ"[13]. وقضية المسوخ وتحريم أكل ما عدّ منها تحتاج إلى بحث مستقل، وثمة رواية تدل على كراهة أكل الضب، فعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان يكره أن يؤكل من الدواب لحم الأرنب والضب والخيل والبغال وليس بحرام كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير"[14].  والتفصيل في ذلك موكول إلى محله.

  1. أنس المعصوم بالأشياء والأمكنة والحيوانات

تحدثنا سابقاً أنّ من مقتضيات البشرية أن يعجب المعصوم ببعض الناس أو ببعض الأطعمة، ومن هذا الباب أنسه ببعض الأشياء من الحيوانات أو الأمكنة، أو غيرها،  من قبيل ما ورد من أنس الإمام الصادق(ع) بنوع من الحمام وهو الحمام الراعبي[15]، فقد روى الكليني يإسناده عن عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عُثْمَانَ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: اسْتَهْدَانِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع)، فَأَهْدَيْتُ لَه طَيْراً رَاعِبِيّاً، فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) فَقَالَ: اجْعَلُوا هَذَا الطَّيْرَ الرَّاعِبِيَّ مَعِي فِي الْبَيْتِ يُؤْنِسُنِي"[16]. والرواية - لو صحت وكانت هي الأساس  في الباب - فربما يقال: إنه لا يستفاد منها استحباب الاقتناء شرعاً لكل مكلف، حتى لو لم يكن يأنس بذلك، فإنّ أنسه (ع) ربما كان تعبيراً عن حالة مزاج شخصي، وهي تختلف من شخص لآخر. نعم، إنّ ذلك يدل على الإباحة، لأنّه لا يمكن أن يأنس بأمر محرم، لكن الإباحة لا تتوقف استفادتها على ذلك الحديث. ونظيرها رواية أخرى رواها الكليني أيضاً عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله ( عليه السلام) قال: "إنّ أصل حمام الحرم بقيّة حمام كانت لإسماعيل بن إبراهيم اتخذها كان يأنس بها"[17]. أجل، قد يستفاد الاستحباب من روايات أخرى واردة في هذا المقام فلتراجع.

  1. نماذج من أفعاله (ص) ذات البعد العاطفي

من الطبيعي أن للنبي (ص) بصفته بشراً جملة من المشاعر الجبلية، وهذه المشاعر مع أن أصولها جبلية ولكن يمكن تنميتها بالتربية، فهو يحب ويبغض ويبكي ويضحك ويفرح ويحزن، ويحن إلى وطنه وأرضه، إلى غير ذلك من هذه المشاعر، وربما تخرج هذه المشاعر عن أن تكون موضع تكليف لأنها قد تفرض نفسه على المعصوم كما تفرض نفسه على سائر البشر دون ارداته واختياره، وهذه بعض الأمثلة:  

  • البكاء والحزن، لا يخفى أنّ البكاء تارة يكون اختيارياً ويملك الإنسان أمره، فيدفع نفسه أو يحفزها على البكاء من خلال أسبابه ومقدماته، كأن يضع نفسه في أجواء عاطفية خاصة تستدعي البكاء، وأخرى يكون أمراً غير اختياري، كما لو فاجأته بعض المواقف المؤثرة فانهمرت منه الدمعة حزناً أو فرحاً بشكل عفوي وتلقائي، وربما تأثر نفسياً في حالة الصدمة العاطفية إلى درجة الإغماء مثلاً. ولا يخفى أيضاً أنّ الأجر على البكاء، إنما تكون في الصنف الأول دون الثاني. وكذلك المؤاخذة على البكاء، فلو فرض أننا حكمنا بحرمة البكاء مثلاً في مورد معين كالبكاء على الميت المشرك، أو البكاء لأمر دنيوي في الصلاة فهذا إنما يكون في الاختياري منه، نعم الحكم ببطلان الصلاة بالبكاء غير الاختياري لا محذور فيه إنْ ساعد عليه الدليل، لأن من الممكن الحكم بإعادة الصلاة لأمور غير اختيارية كخروج الريح أو البول بدون إرادة ، وبناءً عليه، فلو ذرف النبي (ص) أو الإمام (ع) دمعة على ابنه الفقيد فقد تكون دمعة ترقرت وانسابت منه لا عن اختيار، وإنما بسبب تأثره العاطفي البشري على ولده، وهنا لا مجال للحديث عن استحباب ذلك، فالحكم بالاستحباب فرع إحراز أنه فعل ذلك عن اختيار، نعم، لا ريب أنه يستفاد من بكائه عدم الحرمة، لأنه لو كان محرّماً لما صدر من النبي (ص) ولجنبّه الله تعالى الوقوع فيه، لكنْ لا مجال لتوهم التحريم أصلاً في أمر جبلِّي، ولا للذم على فعله، وعليه، فالحديث عن استحباب البكاء لأنّ المعصوم بكى لا وجه له في غير الاختياري منه، وأمّا البكاء الاختياري فثمة مجال فيه للحديث عن استحباب التأسي به (ع)، وذلك فيما إذا اقترن بقرينة تدل على الاستحباب، أو بكلام يحثّ على البكاء بلسان بيان الأجر عليه أو غيره، كما في البكاء على الإمام الحسين (ع)، حيث دلت الأخبار على الاستحباب، وإذا لم تقم قرينة على الاستحباب فغاية ما يستفاد من بكائه (ع) هو الإباحة،.
  •  لوازم الحزن والبكاء، يقول السيد محسن الأمين رداً على ما استدل به بعضهم على شرعية التطبير من تقريح الرضا لجفون عينيه من بكائه على جده الحسين (ع):" أمّا بكاء علي بن الحسين (ع) على أبيه المؤدي إلى الإغماء وامتناعه عن الطعام والشراب، فهو أجنبي عن المقام، فإنّ هذه الأمور قهريّة لا يتعلّق بها تكليف، وما كان منها اختيارياً فحاله حال ما مرّ.. وأما استشهاده بتقريح الرضا (ع) جفون عينيه من البكاء فإنْ صحّ فلا بدّ أن يكون حصل ذلك قهراً واضطراراً لا قصداً واختياراً. ومن يعلم أو يظن أنّ البكاء يقرح عينيه فلا يجوز له البكاء إن قدر على تركه، لوجوب دفع الضرر بالإجماع وحكم العقل"[18]. وقد تطرقنا لهذا الأمر أعني ما يتصلّ بتقريح الرضا (ع) لجفون عينيه بشكل أكثر تفصيلاً وتهميقاً في كتاب فقه الشعائر والطقوس - التطبير أنموذجاً، فقليراجع.
  1. نموذج ذو صلة بلسان المعصوم

عرفنا سابقاً أنّ الخصائص البشرية لدى الأنبياء(ع) تمتد حتى إلى ألسنتهم وبيانهم، وربما كان له نبي أفصح من آخر كما يدل عليه بصراحة قوله تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 27] شريطة أن لا تصل العقدة إلى عدم عدم القدرة على البيان وإيصال الرسالة أو تكون عيباً منفراً، وفي هذا السياق يمكن أن نذكر نموذجاً على صلة باللسان، وهو تكلم المعصوم بلغة معينة أو لهجة خاصة أو كيفية خاصة في أداء الجمل والكلمات فهذا لا يدل على استحباب الكلام بتلك اللغة أو اللهجة أو الكيفية، إنّها انسياق مع الحالة البشريّة في أنّ الإنسان الذي يعيش في مجتمع معين فإنه يتكلم بلغة قومه التي تعلمها منذ صغره، وهذا أمر لا علاقة له بالشرع، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم 4].     

إنشاء العقود بالعربية

 ومنه تعرف التأمل فيما ذهب إليه جمعٌ من العلماء من اعتبار العربيّة شرطاً في إنشاء عقد البيع وغيره من العقود والإيقاعات، وذلك تأسياً برسول الله (ص) الذي كان يجري عقوده بالعربية، فيتمسك بدليل التأسي ويثبت شرطية العربية في العقود،[19] وقد اعترض بعض الفقهاء على هذا الاستدلال بأنّه " أنّه لا دليل على وجوب التأسّي بالنبي ( صلّى الله عليه وآله ) بل ولا على استحبابه في غير الأحكام، وإلاّ فلازم ذلك أن يقال بحرمة التكلّم بغير العربي في المحاورات العرفية عند التمكّن من العربي ، لأنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) كان يتكلّم في جميع محاوراته بالعربية ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ، لأنّه ( صلّى الله عليه وآله ) إنّما كان يتكلّم بالعربي لكونه عربياً لا من جهة وجوبه ولزومه"[20]، فالنبي (ص) لما كان عربياً ويعيش في بيئة عربية، فيكون تكلمه وإنشاؤه للعقود بالعربية، جرياً على سجيته الإنسانية الطبيعية لا من جهة استحباب أو لزوم العربية شرعاً في إنشاء العقود والإيقاعات.

والأمثلة في هذا المجال كثيرة جداً لا يسعنا استقصاؤها في هذه البحوث[21]، ولكنا نقول على نحو الإجمال: إنّ في كتبنا الحديثية مجموعة كبيرة من الروايات تحكي تصرفات وأفعال رسول الله (ص) وأئمة آل البيت البشرية، من قبيل ما يرتبط بأكلهم وشربهم ونومهم. فهذه الأخبار لا بدّ من إعادة النظر في الفهم السائد لها، وهو حملها على بيان الحكم الشرعي بشكل كلي ومطلق، مع أنّ بعضها يعكس الطبيعة البشرية للمعصوم، ولو رجعنا إلى "وسائل الشيعة" للحر العاملي لوجدناه قد عقد عشرات الأبواب تحت عناوين استحباب أكل كذا وكذا.. أو كراهة شرب كذا.. ويدرج ضمن هذه الأبوب روايات هي من قبيل الروايات المتقدمة،

وقريب من هذا حثّهم لبعض الأشخاص على تخيّر بعض الأطعمة والأشربة ونحو ذلك، فقد يكون إرشاداً لبعض منافع الأطعمة أو ملاءمتها لبعض الأفراد

  1. موارد أخرى وقع فيها الخلاف

   ما ذكرناه كان أمثلة ونماذج لبعض أفعاله وتصرفاته التي قلنا أنّ من الممكن حملها على البعد البشري الذي لا مجال لا صلة له بالشريعة، وثمة موارد عديدة وقع النزاع في حمل فعله وتصرفه فيها على الشرعي أو على الجبلي البشري أشار الشهيدان إلى عدة موارد، وهي أمثلة يدور الأمر فيها بين الجبلي أو العبادي، أو بين العبادي والعادي، وهي:

  • "جلسة الاستراحة، وهي ثابتة من فعله (ص)، وزعم بعض العامة أنه إنما فعلها بعد أن بدن[22] وحمل اللحم، فجَعَلَها للجبلة، وقد ثبت عندنا أنّها عبادة"[23].
  • دخوله (ص) مكة من "ثنية كَدَاء" وهي الثنية العليا بها، مما يلي المقابر، وهي "المعلى"، وخروجه من "ثنية كُدَا" الثنية السفلى مما يلي باب العمرة[24]، فهل ذلك لأنه صادف طريقه أو لأنّه سنة؟ وتظهر الفائدة في استحبابه لكل داخل".
  • نزوله "بالمحصب"[25] لمّا نفر في الأخير[26].
  •  وتعريسه لما بلغ "ذا الحليفة"[27].
  •  وذهابه بطريق في العيد وعوده بآخر"[28].

وبعد ذكرهذه الأمثلة يقول الشهيد: "وعندنا ذلك كله محمول على الشرعي لعموم أدلة التأسي"[29].

  ونحن لا يسع المقام تحقيق هذه الموارد وبيان الوجه الصحيح فيها، فيرجئ ذلك إلى محله من البحوث الفقهية.

خامساً: ما هو الأصل؟

 لو أحرز الفقيه أنّ فعل النبي (ص) جبلِّي بشري (داخل في الطبيعيات) أو أنه عبادي وشرعي (داخل في الشرعيات) فلا تواجهه أية مشكلة، ولكن ماذا لو دار أمرُ فعلٍ من أفعاله بين أن يكون مولوياً تشريعياً أو يكون جبلياً بشرياً، فهل من أصل يرجع إليه لتحديد الموقف؟

 يوجد خلاف في هذه المسألة[30]، كما قال الشهيد الثاني، دون تحديد موقف فيها[31]. ويبدو أنّ صاحب الميرزا القمي من المتوقفين ، قال: " أما الأفعال الطبيعية كالأكل والشرب والنوم والاستيقاظ فالكل مباح له ولنا بلا إشكال، وذلك إذا لم يلحقه حيثية واعتبار وخصوصية كالاستمرار على القيلولة وأكل الزبيب على الريق مثلاً، فإنها بذلك تندرج في الأقسام الآتية، وأمّا ما يتردد بين كونه من أفعال الطبايع أو من الشرع، ففي حمله على أيّهما وجهان نظراً إلى أصالة عدم التشريع، وإلى أنه صلى الله عليه وآله بعث لبيان الشرعيات"[32]. أجل، نقله لكلام الشهيد الأول قد يبدو أنه يميل إلى ما إليه الشهيد، وهو أصالة التشريع، قال ( الشهيد الأول): " أفعال النبي صلى الله عليه وآله حجة ، كما أنّ أقواله حجة. ولو تردد الفعل بين الجبلي والشرعي، فهل يحمل على الجبلي، لأصالة عدم التشريع أو على الشرعي، لأنّه صلى الله عليه وآله بعث لبيان الشرعيات؟ وقد وقع ذلك في مواضع ) "وذكر الأمثلة المتقدمة) ثم أضاف: "وعندنا ذلك كله محمول على الشرعي لعموم أدلة التأسي"[33]. وتبعه بعض الفقهاء على ذلك، كابن أبي جمهور الأحسائي[34].  ونقل القزويني في تعليقته على المعالم قولاً لبعض الأصحاب رجح صاحبه أنه من الشرعيات "استناداً إلى ظاهر حاله (ص) من حيث إنه بُعث لبيان الشرع"[35].

   والظاهر أنّ حملَ فعله في موارد التردد بين العادي والعبادي أو قل بين الجبلي والشرعي على العبادة والتشريع مع فقد قرينة حالية أو مقالية تعيّن ذلك وتساعد عليه مما لا دليل عليه، ولا مجال لاستفادة الحكم الشرعي من مجرد تصرفه وفعله، لعدم تماميّة ما استدل به على الشرعيّة أو العباديّة، وهو أحد الوجوه التالية:

أولاً: أنّه بعث لبيان الشرعيات. وهذا صحيح، ولكنّ ذلك لا يلغي شخصيته البشريّة وأن بعض أفعاله تصدر منه انسياقاً مع جبلته، فلا نستطيع ترجيح الشرعية على الجبلية عند احتمال الحبليّة.  

ثانياً: ما دلّ على التأسي به (ص) واتباعه وإطاعته، من قبيل قوله تعالى: {وكان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21]، وقوله تعالى: {فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31]، وقوله تعالى: {ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].  وهذا لا يصلح دليلاً في المقام، لأنّ عمومات التأسي والاتباع لا شمول لها لهذا النوع من الأفعال، لكونها - أقصد العمومات - ناظرة إلى ما أتى به النبي (ص) بصفته رسولاً، والأفعال البشرية لم يأتِ بها بصفته الرسوليّة، وإنّما هي أعمال وأفعال يفعلها كل الناس من المؤمنين بالله تعالى أو غير المؤمنين به، ومن الأنبياء وغيرهم، وقد كانت تصدر منه قبل النبوة، ولم يختلف الحال فيها بعد النبوّة، فإثبات الرساليّة والشرعيّة فيها من دليل التأسي نفسه هو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ونحوها أدلة إطاعة الرسول (ص) كما في قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [النساء: 59] فالإطاعة هي فرع كونه قد أتى بالعمل من موقع التكليف الشرعي والوحي لا بدافع البشرية.

وهكذا يتضح أنّه لا دليل على أصالة الشرعية، وهذا يكفي في المقام، دون حاجة لإثبات أصالة عدم الشرعية، فقد لا تتم دعوى أصالة البشريّة والجبلية في فعله، لعدم الدليل على ذلك، ولكن ما لا شك فيه أنّ أصالة الشرعيّة لا أصل لها.

من كتاب: أبعاد الشخصية النبوية (دراسة أصولية في تصرفات الرسول صلى الله عليه وآله التشريعية والتدبيرية والخبروية والبشرية).

 


[1] ففي موثقة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّه (ص) يُعْجِبُه الذِّرَاعُ "، انظر: الكافي ج 6 ص 315، والمحاسن ج 2 ص 470، وفي خبر ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: "سَمَّتِ الْيَهُودِيَّةُ النَّبِيَّ (ص) فِي ذِرَاعٍ وكَانَ النَّبِيُّ ص يُحِبُّ الذِّرَاعَ والْكَتِفَ ويَكْرَه الْوَرِكَ لِقُرْبِهَا مِنَ الْمَبَالِ" الكافي ح 6 ص 315، والمحاسن ج 2 ص 470، ولاحظ: الوسائل ب 24 من أبواب الأطعمة المباحة ح 1 و2.

[2] من قبيل خبر رفاعة ابن موسى قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يطوف بالبيت ويسعى أيتطوع بالطواف قبل أن يقصر ؟ قال : ما يعجبني"، انظر الكافي ج 4 ص 439، وخبر أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ شَعْرِه وهُوَ حَاجٌّ حَتَّى ارْتَحَلَ مِنْ مِنًى قَالَ مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلْقِيَ شَعْرَه إِلَّا بِمِنًى"، انظر: 4 ص 503، وما روي عن ابن مسكان عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن المحرم يركب في القبة قال : ما يعجبني إلا أن يكون مريضاً"، انظر:  تهذيب الأحكام ج 5 ص 309. وفي خبر مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه ع أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ تَقْرَأَه فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ"، انظر: الكافي ج 2 ص 617،

[3] ورد في الأحاديث " إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يُبْغِضُ الْقِيلَ والْقَالَ وإِضَاعَةَ الْمَالِ وكَثْرَةَ السُّؤَالِ"، وفي بعضها فساد المال، انظر: الكافي ج 1 ص 60، وج 5 ص 300، وتهذيب الأحكام ج 7 ص 231،

[4] منها ما ورد في الفالوذج، فقد ورد في بعض الروايات "كان أبو عبد الله (ع) يعجبه الفالوذج (نوع من الحلوى تعمل من الدقيق والعسل والماء) وكان إذا أراده قال: "اتخذوا لنا وأقلوا"، انظر: أنظر: المحاسن ج 2 ص 409، وعنه الوسائل ب 35 من الأطعمة المباحة ح 6. وقد استدلّ الحرّ العاملي وغيره من العلماء بهذا الحديث على استحباب أكل الفالوذج، مع أنّه يجري فيه نفس الكلام المتقدم من أنّه لا دلالة فيه على الاستحباب المولوي الشرعي، وإنّما يحكي لنا عن طبيعة الإمام الصادق (ع) البشرية.

ومنها: ما ورد في الجبن، ففي صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: "كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يُعْجِبُه الْعِنَبُ"، انظر: الكافي ج 6 ص 350.

 ومنها ما ورد في الجبن، فقد ورد في أكثر من خبر عن الإمام أبي جعفر الباقر أنه كان يعجبه الجبن، ففي الخبر عبد الله بن سنان، عن عبد الله ابن سليمان قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن ؟ فقال : لقد سألتني عن طعام يعجبني، ثم أعطى الغلام درهما فقال: يا غلام ابتع لنا جبنا ، ثم دعا بالغداء فتغدينا معه فأتي بالجبن فأكل وأكلنا"، انظر: وسائل وسائل الشيعة ج 25 ص 118، الباب 61 من أبواب بقية الأطعمة الحديث 1، و7، فهذه الرواية تدل على أنه يعجبه وأنه أكله في الغداء، بينما في رواية أخرى، عن محمد بن الفضل النيسابوري ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سأله رجل عن الجبن ؟ فقال : داء لا دواء فيه ، فلما كان بالعشي دخل الرجل على أبي عبد الله عليه السلام ونظر إلى الجبن على الخوان فقال : سألتك بالغداة عن الجبن فقلت لي: هو الداء الذي لا دواء فيه، والساعة أراه على الخوان فقال له: ضار بالغداة نافع بالعشي ويزيد في ماء الظهر"، انظر: المصدر نفسه، ج 25 ص 120، الباب 26، الحديث 1. فهذه تدل على أنه داء ويكره عند الغداة كما ذكر الحر في عنوان الباب. فإذا حمل الإعجاب في الرواية السابقة على الاستحباب فهذا يعني حصول التعارض بين الخبرين، بخلاف ما إذا حمل على الشخصي، وعلى فعله لمرة. هذا لو صحت الأخبار من الجانبين. مع أن الرواية الثانية مرسلة.

[5] مثير الأحزان ص 79.الملهوف على قتلى الطفوف ص213.

[6] ففي خبر درست ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكرنا الرؤوس من الشاة، فقال : الرأس موضع الذكاة وأقرب من المرعى ، وأبعد من الأذى"، انظر: الكافي ج 6 ص 319، وعنه وسائل الشيعة ج 25 ص 68، الباب 31 من أبواب بقية الأطعمة الحديث 1..باب أكل الرؤوس.

[7] تهذيب الأحكام ج 9 ص 43، وعنه وسائل الشيعة ب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة ح 21.

[8] قال المحقق الأردبيلي: " وتدل على كراهة الأرنب صحيحة حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله عزوف ( 5 ) النفس ، وكان يكره الشئ ولا يحرمه ، فأتى بالأرنب فكرهها ولم يحرمها. وهذه مع ما تقدم من الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرمات ، دليل حل أكثر الأشياء خصوصا الأرنب إلا أن يثبت التحريم بدليل شرعي ، وليس بواضح هنا إلا كلامهم ، مع ما تقدم ، مع أنه يمكن الجمع بينها وبين ما دل على التحريم بحمله على الكراهة ، فتأمل وتذكر واحتط "، أنظر: مجمع الفائدة والبرهان ج 11 ص 171.

[9] كما فعل في روضة المتقين ج 7 ص 449.

[10] مجمع الزوائد ج 4 ص 38.

[11] ولعل منه ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجري والمارماهي والزمير وما [ ليس ] له قشر من السمك حرام هو؟ فقال لي: يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الانعام {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} [الأنعام: 145] قال : فقرأتها حتى فرغت منها فقال : إنما الحرام ما حرم الله ورسوله في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء، فنحن نعافها". تهذيب الأحكام، ج 9، ص 6.

[12] وذلك ما ورد في معتبرة فضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع): "، وعَافَ رَسُولُ اللَّه ص أَشْيَاءَ وكَرِهَهَا ولَمْ يَنْه عَنْهَا نَهْيَ حَرَامٍ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا نَهْيَ إِعَافَةٍ وكَرَاهَةٍ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا فَصَارَ الأَخْذُ بِرُخَصِه.."، الكافي، ج 1، ص 267.

[13] الكليني ج 6 ص 245،

[14] تهذيب الأحكام ج 9 ص 42.

[15] [15] قيل: الراعبي طائر مولد بين الورشان والحمام ، وهو شكل عجيب، أنظر: مرآة العقول ج 22 ص 469.

[16] الكافي ج 6 ص 458.

[17] الكافي ج 6 ص 546، وعنه وسائل الشيعة ج 11 ص 515، الباب 31 من أبواب أحكام الدواب الحديث 2.

[18] رسالة التنزيه، ص 61 - 67، رسائل الشعائر الحسينية ج 2 ص 227 – 223.

[19] قال الشيخ الأنصاري: " المحكي عن جماعة ، منهم : السيد عميد الدين والفاضل المقداد والمحقق والشهيد الثانيان: اعتبار العربية في العقد ، للتأسي - كما في جامع المقاصد - ولأن عدم صحته بالعربي الغير الماضي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطريق أولى . وفي الوجهين ما لا يخفى"، انظر: كتاب المكاسب ج 3 ص 135.

[20] موسوعة الإمام الخوئي ج 36 ص 196. وقال تليذه السيد تقي القمي: "لا دليل على وجوب التأسي به (ص) على الإطلاق"، إلا فيما علم فعله بعنوان التشريع وبيان الحكم، ولم يعلم منه ذلك في المقام بل علم عدمه"، عمدة المطالب ج2 ص115.

[21] لعل من ذلك ما ذكره الشيخ النوري: "باب استحباب التمندل من الغسل بعد الطعام ، وتركه قبله"، ثم روى عن الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الأخلاق الرواية التالية: عن صفوان الجمال قال: كنا عند أبي عبد الله ( عليه السلام )، فحضرت المائدة ، فأتى الخادم بالوضوء، فناوله المنديل فعافه، ثم قال: منه غسلنا"، انظر: مستدرك الوسائل ج 16 ص 270.

[22] قال في الرواشح: " ثمّ ممّا يَهْفُو فيه المصحّفون "بَدَّن" و "جَمَل ". فاعلم أنّ الصحيح في الأوّل التشديد من التبدين بمعنى الكِبَر في السنّ ، يقال : بَدَّنت ، أي كَبرتُ وأسننتُ ، لا بالتخفيف من البدانة وهي السِمَن والضخامة ؛ لأنّ ذلك خلاف صفته ( صلى الله عليه وآله ) . وفي الثاني الجيمُ - من الجَمْل بمعنى الإذابة يقال : جَمَل الشحمَ يجمُله جَمْلاً من باب طَلَبَ ، أي أذابه واستخرج دُهنه ، وكذلك أجمله ، ومنه يقال الجميلُ للشحم المُذاب - لا بالحاء المهملة كنايةً عن كثرة اللحم وضخامة الجثّة"، انظر: الرواشح السماوية ص 226. أقول: تفسيره بعيد، والنبي (ص) على ما تذكر بعض الأخبار قد بدن عندما أسن، ففي خبر أم قيس بنت محصن أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه" انظر: سنن أبي داوود ج 1 ص 215، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 265. وفي رواية عائشة تشرح قيام الليل عند رسول الله (ص) :" .. فلما أسن وحمل اللحم صلى سبع ركعات لا يجلس الا في السادسة فيحمد الله ويدعو ربه ثم يقوم ولا يسلم.."، بينما تنقل أنه كان قبل ذلك لا يجلس إلا في الثامنة، انظر: سنن أبي داوود ج 1 ص 345. والبدانة في الجسم تنقل عن الإمام الباقر (ع)، ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع) متحدثاً عما فعله عند دفن أبيه (ع): " .. وعَصَّبْنَاه بَعْدَ ذَلِكَ بِعِمَامَةٍ وشَقَقْنَا لَه الأَرْضَ مِنْ أَجْلِ أَنَّه كَانَ بَادِناً"، الكافي ج 3 ص 140، وتهذيب الأحكام ج 1 ص 300، قال المجلسي: " أي تركنا اللحد، لأنه كان جسيم البدن وكان لا يمكن تهيئة اللحد بقدر بدنه لرخاوة الأرض"، مرآة العقول ج 1 ص 305.

[23]  إن فقهاء الشيعة – كما قال الشهيد - ينفون الجبلة فيها، وإنما وقع الكلام بينهم في الوجوب أو الاستحباب والمشهور هو الاستحباب، انظر: مستمسك العروة الوثقى، ج 6، ص 410، والمسألة فيها روايات عديدة فلتراجع، وسائل الشيعة، ج 6، ص 346، الباب 5 من أبواب السجود.

[24] الثنية "معناها العقبة، سمّيت بها ؛ لأنّها تتقدّم الطريقَ وتعرض له ، أو لأنّها تَثني سالكها وتَصرفه ، ومنه قولهم : فلان طلاّع الثنايا ، إذا كان سامياً لمعالي الأمور"، انظر: الرواشح السماوية ص 225،، وأما كداء وكدا، فهما جبلان بمكة، قال المطرزي في المغرب كما نقله عنه في الرواشح: " كَداء - بالفتح والمدّ - هو جبل بمكّة ، وكُدَيٌّ - على تصغيره - جبل بها آخَرُ "، وقال الشهيد: " ويستحبّ عندنا دخوله من ثنية كداء بالفتح والمدّ ، وهي التي ينحدر منها إلى الحجون مقبرة مكَّة ، ويخرج من ثنية كدي بالضمّ والقصر منوّنا وهي بأسفل مكَّة"، الدروس الشرعية ج 1 ص 392. وقد وقع تصحيف في كداء وكدا كما أشار إليه المحقق الداماد في الرواشح السماوية ص 224 – 225.

[25] قيل: " المحصب هو : الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى"، والمحصب هو المكان الذي يكثر حصاه، قال الدسوقي: " وهو ما بين الجبلين منتهيا للمقبرة ، سمي بالمحصب لكثرة الحصباء فيه من السيل"، حاشية الدسوقي ج 2 ص 50، والتحصيب هو من المستحبات قال الكركي:" ( والتحصيب ). المراد به: النزول بمسجد الحصباء بالأبطح ، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وآله. ويقال: إنه ليس للمسجد أثر في هذه الأزمنة كلها فتتأدى هذه السنة بالنزول بالأبطح"، جامع المقاصد ج 3 ص 271. وقال الشهيد الثاني: "( ومن المستَحَب التحْصِيبُ ) * المرادُ به النُّزُولُ بمسجدِ الحَصباءِ بالأبْطَحِ تأسّياً بالنبي. ويقال: إنّه ليس للمسجدِ أَثَرٌ في هذه الأزمِنَةِ ، فَتَتَأدّى السنّةُ بالنزولِ بالأبْطَحِ"، انظر: حاشية المختصر النافع ص 80. وأما الخلاف في عبادية التحصيب وعدمه فقد نقله الكحلاني في " سبل السلام" قال: "واختلف السلف والخلف هل التحصيب سنة أم لا ؟ فقيل: سنة . وقيل: لا، إنما هو منزل نزله النبي ( ص ) وقد فعله الخلفاء بعده تأسيا به ( ص ) . وذهب ابن عباس إلى أنه ليس من المناسك المستحبة، وإلى مثله ذهبت عائشة كما دل له الحديث وهو قوله. وعن عائشة رضي الله عنها أنها لم تكن تفعل ذلك: أي النزول بالأبطح، وتقول: إنما نزله رسول الله ( ص ) لأنه كان منزلا أسمح لخروجه"، رواه مسلم. أي أسهل لخروجه من مكة راجعاً إلى المدينة، قيل: والحكمة في نزوله فيه إظهار نعمة الله باعتزاز دينه، وإظهار كلمته ، وظهوره على الدين كله ، فإنّ هذا المحلّ هو الذي تقاسمت فيه قريش على قطيعة بني هاشم وكتبوا صحيفة القطيعة في القصة المعروفة. وإذا كانت الحكمة هي هذه فهي نعمة عل الأمة أجمعين فينبغي نزوله لمن حج من الأمة إلى يوم الدين" سبل السلام ج 2 ص 215. وفي رواياتنا ما يدل على استحباب التحصيب، في َصحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْفِرَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَنْفِرَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وإِنْ تَأَخَّرْتَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الأَخِيرِ فَلَا عَلَيْكَ أَيَّ سَاعَةٍ نَفَرْتَ ورَمَيْتَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَه فَإِذَا نَفَرْتَ وانْتَهَيْتَ إِلَى الْحَصْبَةِ وهِيَ الْبَطْحَاءُ فَشِئْتَ أَنْ تَنْزِلَ قَلِيلاً فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع قَالَ كَانَ أَبِي يَنْزِلُهَا ثُمَّ يَحْمِلُ فَيَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَامَ بِهَا"، انظر: الكافي ج 4 ص 520، وتهذيب الأحكام ج 5 ص 271، 

[26] الظاهر أنه يقصد في النفر الأخير، قال ابن إدريس: " والثالث عشر: يوم النفر الثاني ، وليلته تسمى ليلة التحصيب ، لأنه النفر الأخير . والتحصيب يستحب لمن نفر في النفر الثاني ، دون الأول على ما قدمناه "، السرائر ج 1 ص 611.

[27] قال الشهيد الثاني: " قوله : "ويستحب النزول بالمعرس على طريق المدينة والصلاة ركعتين به " . هو - بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة - اسم مفعول من التعريس ، وهو النزول آخر الليل للاستراحة إذا كان سائرا ليلا . ويقال بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء . والمعرس بذي الحليفة بقرب مسجد الشجرة بإزائه مما يلي القبلة ، يستحب النزول به ، والصلاة فيه ، والاضطجاع ، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله. ولا فرق بين النزول فيه ليلا أو نهارا . "، انظر: مسالك الأفهام ج 2 ص 381.وقد دلت الأخبار الواردة عن الأئمة (ع) على استحباب النول به، ففي صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه ع إِذَا انْصَرَفْتَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وانْتَهَيْتَ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وأَنْتَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ مَكَّةَ فَائْتِ مُعَرَّسَ النَّبِيِّ ص ( 2 ) فَإِنْ كُنْتَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَصَلِّ فِيه وإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَانْزِلْ فِيه قَلِيلاً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه ص قَدْ كَانَ يُعَرِّسُ فِيه ويُصَلِّي"، انظر: الكافي ج 4 ص 565.

[28] روى ابن شبة بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد في طريق لم يرجع فيه"، انظر: تاريخ المدينة ج 1 ص 137. وقال في المغني: " ( مسألة ) قال ( وإذا غدا من طريق رجع من غيره ) وجملته ان الرجوع في غير الطريق التي غدا منها سنة وبهذا قال مالك والشافعي والأصل فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله قال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره قال الترمذي هذا حديث حسن وقال بعض أهل العلم إنما فعل هذا قصدا لسلوك الابعد في الذهاب ليكثر ثوابه وخطواته إلى الصلاة ويعود في الأقرب لأنه أسهل وهو راجع إلى منزله وقيل كان يحب أن يشهد له الطريقان وقيل كان يحب المساواة بين أهل الطريقين في التبرك بمروره بهم وسرورهم برؤيته وينتفعون بمسئلته وقيل لتحصل الصدقة ممن صحبه على أهل الطريقين من الفقراء وقيل لتبرك الطريقين بوطئه عليها وفي الجملة الاقتداء به سنة لاحتمال بقاء المعنى الذي فعله من أجله ولأنه قد يفعل الشئ لمعنى ويبقى في حق سنة مع زوال المعنى كالرمل والاضطباع في طواف القدوم فعله هو وأصحابه لاظهار الجلد للكفار وبقي سنة بعد زوالهم ولهذا روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال فيهم الرملان الآن ولمن نبدي مناكبنا وقد نفى الله المشركين ؟ ثم قال ذلك لا ندع شيئا فعلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، المغني ج 2 ص 249.

[29] تمهيد القواعد ص 236، القواعد والفوائد ج 1 ص 211. بتصرف.

[30] ويوجد بينهم خلاف آخر وكبير بعد إحراز أن فعله ليس من الطبيعيات والخلاف ينصب حول وجه الفعل ,انه للوجوب أو الاستحباب أو الإباحة، فهل يجب التأسي أم يستحب أم لا هذا ولاذاك؟ إنّ هذا النزاع - كما قلنا  هو بعد الفراغ من كون الفعل ليس جبلياً، كما يظهر من صاحب الفصول، قال رحمه الله:" اختلفوا في التأسي بفعل النبي صلى الله عليه وآله فذهبوا فيه إلى مذاهب فقيل بالوجوب وقيل بالاستحباب وقيل بالإباحة وقيل بالوقف وموضع النزاع ما لو فعل في غير مقام البيان ولم يعلم وجهه ولم يكن في نفسه من الافعال العادية كالأكل والشرب والنوم أو كان ولكن أوقعه على وجه غير عادي كمداومة الافطار بالحلو والقيلولة والمختار عندي هو القول بالاستحباب"، الفصول الغروية ص 313.

[31] قال رحمه الله: "إذا أمكن حمل فعله على العبادة أو العادة، ففي حمله على العادة لأصالة عدم التشريع، أو العبادة لأنه (ص) بعث لبيان الشرعيات، خلاف"، أنظر: تمهيد القواعد ص236.

[32] القوانين ج 3 ص 550.

[33] القواعد والفوائد ج 1 ص 211.

[34] قال ابن أبي جمهور: "والفعل المتردد بين الجبلي والشرعي، هل يحمل على الأول أو الثاني؟ قولان، الأقرب الثاني"، انظر: الأقطاب الفقهية ص66.

[35] تعليقة على معالم الأصول ج 5 ص 436.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon