حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول التفسير
سلامة القرآن من التحريف -1
الشيخ حسين الخشن



معنى التحريف وصوره

لا يمكن لأي باحث إسلامي في أي مجال من مجالات الثقافة الإسلامية، ولا سيما الباحث في قضايا القرآن وعلومه وتفسيره أن يشيح النظر عن دعوى تحريف القرآن، لأن كافة جهوده وبحوثه ستنهار برمتها وفي الحد الأدنى سيشوبها عيب كبير إنْ كان القرآن الكريم قد نالته يد التحريف. كما أنّه لا يمكننا أن نتحدث عن دور السنة في تفسير القرآن إلا بعد الفراغ من حجيّة القرآن نفسه. وهذه الحجيّة قد تعرضت لشيء من الاهتزاز لدى البعض، استناداً إلى دعوى التحريف.

 ولذا كان لزاماً علينا ونحن نتحدث عن دور السنة في التفسير، أن نتطرق إلى دعوى التحريف هذه، تثيبتاً لمرجعية القرآن، ورفعاً للوهم، وإزالة للشكوك، وسوف يتبيّن لنا في محصلة هذا المحور أنّ مرجعيّة القرآن الكريم لا يتطرق إليها الشك، ولا يعتريها الريب، سواء بلحاظ مزاعم من يدعي أنّ القرآن الكريم قد تعرّض للتحريف، أو بلحاظ مزاعم من يعتقد أنّه لا يفهم القرآن إلّا من خوطب به وهم النبي (ص) والأئمة (ع)، أو غير ذلك من التلفيقات والتخرصات.

والكلام عن تحريف الكتاب يحتاج إلى بحثٍ مفصل في المصادر والنسخ الأولى لتدوين القرآن، للتعرف على كيفية جمع القرآن، كما أنّه بحاجة إلى دراسة موسعة في الأخبار التي تزعم حصول النقص أو الزيادة فيه، وهذا أمر لا يسعنا استيعابه في هذه الدراسة، بيد أننا سوف نشير إلى المعالم الأساسية التي توضح الحقيقة وترفع اللبس حول هذا الموضوع.

في هذه النقطة نسلط الضوء بشكل إجمالي على بيان معنى التحريف لغة واصطلاحاً، ثم نبين أنحاء التحريف وما هو المنفي منها عن القرآن الكريم، ومن أراد التوسع في هذا الأمر فبإمكانه مراجعة الدراسات الموسعة في هذا المجال.

  • في اللغة:

حرفُ الشي هو "طرفه وشفيره وحدّه"[1]، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (175 هـ): "وكلّ كلمةٍ تُقرأ على وجوهٍ من القرآن تُسمّى حرفاً، يقال: يقرأ هذا الحرف في حرف ابن مسعود، أي في قراءته"[2]، فالقراءة سميت حرفاً بمعنى اللغة أو اللهجة[3]، وأما قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } [الحج 11]، فعبادة الله تعالى على حرف تعني أنّ الشخص يظلّ على طرف الدين وهامشه لا في قلبه ووسطه، وبقاؤه على الطرف يجعله يتقلب من حرف إلى حرف، وينتقل من ضفة إلى أخرى، تبعاً لأهوائه ومصالحه، وهذا قد يكون نتيجة الاضطراب الذي يعيشه ويلاحقه، أو نتيجة الهوى الذي يفرض عليه هذه التقلبات التي تجعله يتلون ويتبدل ويغير مواقعه.

 وبناءً عليه، فالتحريف في الكلام حمله على حروفه وإبعاده عن صلب المعنى المراد به، أو قل: هو إمالة الشيء عن موضعه إلى جانبه وطرفه، قال الفراهيدي في تتمة كلامه الآنف: "والتحريف في القرآن تغيير الكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه، كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشباه، فوصفهم الله بفعلهم فقال: {يحرفون الكلم عن مواضعه} []. وتحرف فلان عن فلان وانحرف، واحرورف واحد، أي: مال. والإنسان يكون على حرف من أمره كأنه ينتظر ويتوقع فإن رأى من ناحية ما يحبّ، وإلا مال إلى غيرها"[4].

  • وفي الاصطلاح:

 التحريف في اصطلاح أهل الفن هو التصرف في آيات الله وحرفها عن معناها أو عن الكيفية التي نزلت بها، أو تغييرها بالزيادة عليها أو النقيصة منها، وعليه، فالتحريف المفترض للكتاب على معنيين:

المعنى الأول: التحريف المعنوي، بمعنى تفسير الكلام تفسيراً بعيداً كل البعد عن ظاهره، من دون دليل أو قرينة على ذلك، وهذا المعنى هو الذي ورد فيه الذم لبعض اليهود، قال تعالى: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ..} [النساء 46].

 والتحريف المعنوي مع بقاء الآيات على لفظها النازل من عند الله تعالى، واقع في القرآن الكريم حتماً، ولم يسلم منه، كما لم تسلم منه كافة الكتب السماوية من قبل، حيث عمد أهل الأهواء وأصحاب المصالح والأغراض الخاصة إلى ارتكاب هذا المحذور بتأويل آيات الله تعالى، بما يخدم مصالحهم وينسجم مع أهوائهم وآرائهم المبتدعة[5]. وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع) ".. وكَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ أَقَامُوا حُرُوفَه وحَرَّفُوا حُدُودَه، فَهُمْ يَرْوُونَه ولَا يَرْعَوْنَه، والْجُهَّالُ يُعْجِبُهُمْ حِفْظُهُمْ لِلرِّوَايَةِ والْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُهُمْ لِلرِّعَايَةِ.."[6]. وسوف نعقد محوراً كاملاً نتحدث فيه عن الروايات التأويلية، ونذكر هناك أنّ التأويل الذي لا شاهد يعضده ولا موجب يقتضيه هو من أبرز مصاديق التحريف المعنوي لكتاب الله تعالى.

المعنى الثاني: التحريف المادي، وهذا له أنحاء، أهمها:

  1.  تحريف الحروف والحركات، وهو في الأغلب ناشئ عن اختلاف القراءات[7]، وهذا النوع حاصل في القرآن. يقول السيد الخوئي: "والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعاً، فقد أثبتنا لك فيما تقدم (في كتابه البيان) عدم تواتر القراءات، ومعنى هذا أن القرآن المنزل إنما هو مطابق لاحدى القراءات، وأما غيرها فهو إما زيادة في القرآن وإما نقيصة فيه"[8].

وهذا التحريف قد لا يؤدي إلى اختلاف جذري أو جوهري في المعنى، وذلك من قبيل تعدد القراءات في كلمة "كفواً"، أو "الصراط" أو "مالك"، وربما أدى اختلاف القراءة إلى اختلاف المعنى، والمثال الذي يذكر عادة لذلك هو اختلاف الحركة في قوله: "وأرجلكم" في آية الوضوء، فإنّها إن كانت بالكسر فهي معطوفة على "رؤوسكم" فيكون الحكم هو المسح، وأمّا إن كانت هي الفتح، فيمكن أن تكون معطوفة على "وجوهكم"، ويكون حكمها هو الغسل. ويمكن المناقشة في ثمرة هذا الاختلاف، فإن للقائلين بالمسح أن يوجهوا ذلك حتى بناءً على الفتح، بالقول إنها معطوفة على محلِّ "رؤوسكم"، وهو النصب، كما أن القائلين بالجر يوجهون ذلك بأنها جُرّت مع أنّ محلها النصب للمجاورة، إلا أنّ هذا محل تأمل وإشكال، والصحيح هو العطف على المحل، وتحقيق ذلك موكول في محله.  

  1. التصرف بالزيادة أو النقيصة في الكلمات، أو في الآيات أو السور، وهذا النحو باطل في القرآن الذي بين أيدينا[9]، وبيان ذلك:
  • إنّ التحريف بالزيادة مجمع على عدم وقوعه في القرآن إجماعاً محصلاً ومنقولاً، باستثناء رأي شاذ ينقل عن ابن مسعود حول زيادة المعوذتين وأنّهما ليستا من القرآن، ولذا روي عنه أنه كان يحكّهما من مصحفه[10]، لكونهما - باعتقاده - من كلام النبي (ص) وإنشائه، وقد كان يعوّذ بهما الحسن والحسين (ع). لكنّ هذا الرأي شاذ ومخالف لإجماع المسلمين، ولا يصغى إليه، قال البزار تعليقاً على رأي ابن مسعود: "لم يتابع عبد الله أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما الصلاة وأثبتتا في المصحف"[11]، فهذا الإجماع الإسلامي المتوارث جيلاً بعد جيلهو الدليل القطعي على قرآنية هاتين السورتين.
  • وأمّا التحريف بالنقيصة، فالمشهور بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم عدم وقوعه، وإنّما قال به بعض الحشويّة من أهل السنة وبعض الشيعة، حيث زعموا وقوع نقيصة في القرآن الكريم. ومع الأسف، فإنّ العصبية تعمي وتصم فقد دفعت الطرفين إلى التقاذف بينهم بهذا النحو من التحريف، حيث أقدم كل فريق على اتهام الفريق الآخر بأنه يقول به. والذي نعتقده جازمين أنّ القرآن الكريم مصونٌ عن هذا النحو من التحريف، وسيأتي ذكر الدليل على ذلك.
  1. وهناك نوع من التحريف يسميه البعض بنسخ التلاوة مع بقاء الحكم ساري المفعول، فالنسخ المعروف والمقبول هو نسخ الحكم مع بقاء الآية المنسوخة في لفظها وتلاوتها في القرآن، أمّا نسخ التلاوة دون الحكم والذي يعني إزالة متن الآية كلياً من القرآن الكريم مع بقاء حكمها ساري المفعول، من قبيل ما قيل في آية "رجم الشيخ والشيخة"[12]، فهو مرفوضٌ كما سيأتي في الباب الثالث، ومستنده أخبار آحاد لا يعوّل عليها، والأخذ بها هو التزام بتحريف القرآن ونقصه، ومن أسهل ما يكون أن يدعي شخص نقيصة آية من الكتاب، بدعوى أنها منسوخة التلاوة. على أنّ الأمر المستغرب في هذا الادعاء هو عدم تفهم الوجه في إزالة التلاوة مع بقاء الحكم. فإنه قد يمكن تفهم نسخ الحكم والتلاوة معاً، وإن لم نجد له مصداق، وأمّا نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فهذا مستغرب، لأنه إذا كان اللفظ نازلاً من الله وحكمه باقِ فلمَ ينسخ اللفظ ويرفع من الكتاب ويبقى الحكم نافذ المفعول؟!

 الأدلة على صيانة القرآن من التحريف

 ما هي الأدلة المعتبرة على سلامة القرآن من التحريف؟

طبيعي أن التحريف بالزيادة غير وارد، ولم يقل بها أحد، باستثناء ما تقدم عن ابن مسعود بشأن المعوذتين، وهو رأي شاذ وغير معمول به، ولذا سيكون التركيز على إثبات صيانة القرآن من التحريف بالنقيصة، وإن كانت الطرق الآتية أو بعضها تثبت صيانته من التحريف بالنقيصة وبالزيادة معاً، وإليك أهم الطرق على ذلك:

الطريق الأول: دلالة القرآن نفسه على سلامته من التحريف

إنّ بالإمكان الاستدلال بالقرآن الكريم نفسه على صيانته من التحريف، وذلك من خلال الوجهين التاليين:

الأول: تعهد الله بحفظه

إنّ القرآن الكريم نفسه، قد أكد على أنّه مصونٌ من التحريف، وقد ورد ذلك في العديد من الآيات، نكتفي منها بالآية التالية، وهي قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر 9] فحفظ الذكر يعني أنّ الأيدي لم ولن تناله بالتلاعب والتحريف.

وربما أشكل على ذلك:

أولاً: أنّ المقصود بالذكر ليس القرآن بل الرسول، كما زعم البعض لا سيما من القائلين بالتحريف، واستند في ذلك إلى قول تعالى: { قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولا يتلو عليكم آيات الله} [][13].

 ويردّه: إنّه في العديد من الآيات قد عُبّر عن القرآن بالذكر: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر 6]، وقال تعالى: { وأنزلنا إليك الذكر } [ ] وقال تعالى: { فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك } [ ]. وإن كان ليس ثمة محذور في إطلاقه على الرسول (ص)، لكن ثمة قرينة في المقام على إرادة القرآن من الذكر، وهي أن إرادة الرسول (ص) ينافي التعبير بالإنزال، فإنه لو كان المراد به الرسول لقال: أرسلنا، وليس أنزلنا. وأما الآية التي أشار إليها المستدل، فلا تدل على المدعى لأنّ الذكر فيها على بعض الوجوه يراد به القرآن الكريم أيضاً[14]، وقوله: "رسولاً" يكون منصوباً بتقدير فعل محذوف، أي: أرسل رسولاً[15].

ثانياً: دعوى "أنّ الآية دلت على حفظ القرآن في الجملة، ولم تدل على حفظ كل فرد من أفراد القرآن، فإنّ هذا غير مراد من الآية بالضرورة، وإذا كان المراد حفظه في الجملة، كفى في ذلك حفظه عند الامام الغائب عليه السلام".

ولكن هذا الاحتمال كما قال السيد الخوئي من "أوهن الاحتمالات: لأنّ حفظ القرآن يجب أن يكون عند من أنزل إليهم وهم عامة البشر، أما حفظه عند الإمام عليه السلام فهو نظير حفظه في اللوح المحفوظ ، أو عند ملك من الملائكة، وهو معنى تافه يشبه قول القائل: إني أرسلت إليك بهدية وأنا حافظ لها عندي، أو عند بعض خاصتي"[16].

 ثالثاً: وهو الاعتراض الأقوى في المقام هو أنّه كيف يُستدل على أنّ القرآن غير محرّف بآية من القرآن نفسه، فلعلّ هذه الآية محرّفة أو مقحمة عليه؟! يقول الفخر الرازي: إنّ "الذين يقولون إنّ القرآن قد دخله التغيير والزيادة والنقصان، لعلّهم يقولون إنّ هذه الآية من جملة الزوائد التي ألحقت بالقرآن، فثبت أنّ إثبات هذا المطلوب بهذه الآية يجري مجرى إثبات الشيء نفسه وأنه باطل"[17].

ويمكن دفع هذا الاعتراض ببعض الأجوبة، منها:

  1. أنّ للقرآن عدلاً، وهم الأئمة (ع)، كما جاء في حديث الثقلين[18]، وهذا العدل معصوم ولا يقول إلا ما هو حقّ وصدق، وهم (ع) قد نصوا على أنّ القرآن سليم من التحريف، وعليه، فتندفع هذه الشبهة[19].  

ولكن مردّ هذه الإجابة إلى الاستدلال على حجيّة الكتاب وصيانته من التحريف من خلال السنة، وليس بالاستناد إلى القرآن نفسه، فقولهم (ع) هو الذي يثبت صيانة القرآن عن التحريف بصرف النظر عن الآية المذكورة، وهذا يعني أنه لولا العترة لما أمكن الاستدلال بالكتاب. ولا بدّ أن نفرض أنّ حجية قول العترة ثابتٌة من غير طريق الكتاب، حذراً من الوقوع بالدور. وقد يقال: إنّه لا مجال لحجيّة السنّة إلا بعد إثبات النبوّة، والنبوّة ثابتة من خلال الإعجاز الكتابي.

إنّ احتمال التحريف في هذه الآية بالخصوص غير محتمل، لأنّ الشخص الذي يريد التلاعب بالقرآن إن قصد التلاعب به بالنقيصة، فالأنسب له إنقاص هذه الآية التي تثبت صيانة القرآن من التحريف، وإن قصد التلاعب به بالزيادة فمن غير المنطقي أن يضع فيه آية على خلاف مقصوده ومرامه، أي تثبت عدم تحريف القرآن. فإذا ثبت أنّ هذه الآية لم تنلها يد التحريف وليست مزيدة على القرآن، ثبت بالاستناد إليها أن القرآن سليم من التحريف فلم يبق إلا أن يقال في الإجابة على الاعتراض المذكور: إنّ التحريف بالزيادة غير وارد من الأصل ولم يقل به أحد. فتأمل. فقد يقال: إنّ المتلاعب في القرآن بزيادة آية قد يكون من الخبث بحيث إنه يريد للمسلمين أن يعملوا بهذا الكتاب بعد أن أضاف إليه من عنده ما لا يتلاءم معه، وأراد أن يغطي تلاعبه بوضع آية تثبت حفظ القرآن وخلوه من الزيادة.

الثاني: نظم القرآن

إنّ كل منصف أمعن ويمعن النظر والتأمل والتدبر في آيات القرآن وابتعد ويبتعد عن التعسف في القول والجور في الحكم، لا مفر له من الاذعان أنّه أمام نصٍّ عظيم ومتميّز في تماسكه وتناسق موضوعاته وعلو مضامينه، وعمق معانيه، والقوة في حججه وبراهينه، والبلاغة العالية في أسلوبه المتميز عن النثر والشعر، وفي ألفاظه وجمله وتراكيبه مما يأخذ بالألباب والعقول. وسوف لن يتوانى عن الإقرار بأنّ هذا الكتاب هو - كما وصف نفسه - قول فصل: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق 13- 14] خالٍ من التناقض والاختلاف، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء 82]. وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

باختصار: إنّ في آيات القرآن الكريم كيمياءً خاصة وروحاً عجيبة وعذوبة فائقة الجمال وقوة بيانية ومضمونية لا تضاهى، ولا شك أنّ وطن النفس على اتباع الحق وأصغى إلى آيات الكتاب بمدارك العقل ومسامع القلب سوف يرى فيها جاذبية ونورانيّة مميزة وروحانية عالية، كما أنّ فيها نُظماً راقية ومتقدمة لا يمكن أن تبلغ قوّتها وعمق مضامينها وتدفق معانيها أي نصوص أخرى. وهذا في الوقت الذي يدل على إعجاز القرآن فهو يدل أيضاً على عدم تعرضه للتحريف.

وإنّ الجاذبيّة المذكورة لآيات القرآن الكريم هي مما اعترف بها البلاغاء العرب وكثير من الحكماء من المسلمين وغيرهم، ولم يجرؤ فطاحلة الشعراء والأدباء من العرب أن يعارضوه بطريقة جديّة ذات قيمة رغم تحديه لهم ودعوتهم إلى معارضته، قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء 88] وما هذ إلا دليل على قوة القرآن وعدم وجود أية ثغرة فيه أو زيادة أو نقيصة.

 ولو أنّك جردت نفسك من الهوى والعصبية وقمت بعمليّة مقايسة موضوعية بين القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية السابقة الموجودة بين أيدينا، لوجدت الفرق الشاسع بينهما، فتلك الكتب اشتملت على العديد من المضامين الغريبة التي تحكي وتنطق بنفسها أنّ يد البشر قد امتدت إليها وتلاعبت وعبثت بها، بينما لا يكاد يعثر الناقد المنصف الناظر في القرآن الكريم على ركاكة في أسلوبه، أو ضعف في بيانه وبلاغته، ولا يجد فيه مضامين غير لائقة بجلال الله تعالى أو طهارة أنبيائه (ع)، أو معانٍ منافية للعقل والمنطق، ومن هنا لم نجد أحداً قد زعم أنّ القرآن الكريم هو كتاب محرّف بالاستناد إلى آيات القرآن نفسه، وإنما استندوا إلى مقولات ومرويات خارجية.

ويرى بعض الأعلام[20] أنّ الأوصاف التي وصف القرآن الكريم بها نفسه من أنه هدى للناس وأنه لا تضاد ولا اختلاف بين آياته وأنه إرشاد إلى الحق والحقيقة وأنه يتفق مع الفطرة السليمة، وأنه لو اجتمع الإنس والجن على الاتيان بمثله لما استطاعوا أن يأتوا بمثل هذا الكتاب الذي جاء به شخص أمي..إن هذه الأوصاف لا تزال باقية وموجودة في القرآن الذي بين أيدينا ما يعني أنه القرآن نفسه الذي أنزل على نبينا محمد (ص).

كل ما تقدّم يجعلنا أمام حقيقة ناصعة، وهي أنّ القرآن الكريم نصٌ استثنائي متميز عما سواه في قوة بلاغتة وعمق مضامينه وسحر جاذبيته، وكل ذلك ينفي ما يقال عن تعرضه للتحريف، أكان بالزيادة أو بالنقصية:

أما الزيادة: فهي لا يمكن أن تدخل على نصٍ كهذا وتبقى خافية على الناقد والمتأمل، بل إنها بكل تأكيد ستظهر بجلاء، لأنّ من المعلوم أنّ لكل متكلم أسلوبه البياني المتميز، ولكلّ متحدثٍ بصمته الخاصة، فأي زيادة تدخل على النص، لا يمكنُ أن تخفى على الخبير، لأنّ اختلاف الأسلوب البياني لا يمكن إخفاؤه. ولقد استطاع الأدباء البارعون أن يكتشفوا بعض الدسّ الذي تعرّض له الشعر الجاهلي، وميزوا الشعر المولَّد من غيره، وهكذا فإنّ الخبير ومن له إلمام بلغة النصوص الدينية يدرك وجود فارق كبير بين كلام النبي (ص) الذي نقلته إلينا الأخبار، وبين الآيات القرآنية.

وأما النقيصة: فهي أيضاً لن تخفى في حال وقوعها، حيث إن النقص سوف يظهر للقارى ويتجلى تفككاً في أوصال النص، وتضعضعاً في معانيه، وهذا ما لا نلحظه في القرآن، بل إننا نجد التناسق والانسجام التام بين آياته

الطريق الثاني: الدليل العقلي

وتقريبه أنّ القرآن الكريم هو سندُ النبوة ودليلُها المعجز، وعليه، فإذا فُرض تعرّضه للتحريف فقدت النبوة سندها ومعناها وجدواها، وتحريفٌ كهذا - مما تتحمل الناس مسؤوليته ولا يجب على الله دفعه أو رفعه - ليس محالاً لو كنا نتحدث عن نبوّة عاديّة لم ينقطع بعدها تواصل النبوات، بحيث تتلافى النبوّة اللاحقة الخللَ الناشئ عن تحريف الناس لنصوص النبوة السابقة، ولكننا نتحدث عن كتاب هو سند لخاتمة الكتب السماوية والرسالات، ما يعني أن مقتضى الحكمة واللطف أن لا يتعرض للتلاعب والتحريف. وإلا لو فقدت خاتمة الرسالات سندها، ولما كانت كذلك، واحتاجت إلى استدراك وتصحيح، لما كانت هي الخاتمة.

وهذا الاستدلال يتوقف على إثبات نبوته (ص) من طريق آخر غير القرآن الكريم[21]، وغير معتمدٍ في حجيته على القرآن، إذ المفروض عدم ثبوت خلو القرآن من التحريف إلى الآن، فلا يصلح للإثبات، والطريق الآخر هو العقل نفسه، وما يمكن أن يذكر كوجهٍ عقلي لإثبات النبوة من غير طريق القرآن هو إثبات وجود معاجز أخرى واصلة إلينا بطريق قطعي، فعندها تثبت نبوته (ص) من خارج القرآن، ويتم الاستدلال على الخاتمية وإثباتها ولو من طريق النبوة نفسها وهو أمر متحقق فعلاً، فإنّ الخاتمية قد دل عليها - بالإضافة إلى التسالم - والحديث الشريف والمعروف والمقطوع بصدوره، وهو قوله (ص) "لا نبي بعدي"[22]، والمروي في مصادر المسلمين جميعاً، وحصول اليقين بصدوره عنه (ص) ليس مستغرباً. وعليه فالسؤال: هل بالإمكان إقامة معاجز أخرى غير القرآن لإثبات النبوة؟

ذكر في علم الكلام بعض الطرق لإثبات النبوة من غير طريق الإعجاز القرآني، وهذه الطرق هي حصول معاجز حسيّة على يديه (ص)، أو صدور إخبارات غيبية صادقة، ولكن هذه المعجزات أو الإخبارات تعوزها مؤونة الإثبات القطعي، من خلال التواتر، إلا أن يكتفى في ذلك بالاطمئنان[23]، أو يقال بحصول التواتر المعنوي في هذه المعاجز الحسية أو الإخبارات الغيبية.  وثمّة طريق آخر لاختبار صدقيّة النبي (ص)، دون الاعتماد على القرآن ولا المعجزات الحسية وال الإخبارات الغيبية،، وهو طريق عقلائي يعتمد على تجميع القرائن المختلفة المورثة لليقين بحساب الاحتمال، وأهم هذه القرائن هي ملاحظة صفاته الشخصية (ص) وأنه شخص أمي لم يدرس عند أحد ومع ذلك أتى بهذه القرآن بكل ما يتضمنه من تناسق مبدع ومضمون روحي ومعرفي غير مسبوق، وكذلك ملاحظة سيرته وأقواله وسلوكه الشخصي وخصائصه الذاتية التي تؤكد على تمتعه بأعلى درجات النزاهة والصدقية والطهارة، ومعلوم أنّ حياة الإنسان هي أهم مختبر لصدقية طروحاته ومقولاته، ويلي ذلك دراسة مشروعه الثقافي والحضاري وما تتضمنه رسالته من معارف ومفاهيم لم يعرف الأإنسان عنها إلا القليل، ويلي ذلك ملاحظة إنجازاته وحجم التأثير والتغيير الذي أحدثه في المجتمع، والمقارنة بين ما جاء به وبين الموروث الثقافي في السائد في مجتمعه أو الذي جاءت به الكتب الأخرى، فإنّ البشر مهما كان عبقرياً لا يتسنى له أن يخرج عن الموروث الثقافي الذي يحكم بيئته الاجتماعية، فعندما ترى شخاص قد أوجد انقلاباً حضارياً معتمداً على منظومة فكرية وثقافية لا تمت بصلة إلى المستوى الثقافي لمجتمعه، فهذه القرائن وسواها قد تورث اليقين بصدقيته، أأسميتها معجزة أم لم تسمها.

 هذا، وربما قيل: إنّ بالإمكان إثبات النبوة من خلال القرآن نفسه حتى قبل التثبت من عدم تحريفه، وذلك استناداً إلى ما نراه ونشعر به من إعجاز القرآن الذي بين أيدينا، كما أسلفنا في الطريق الأول.

الطريق الثالث: الدليل التاريخي وتواتر القرآن

إنّ الدليل التاريخي هو أهمّ الأدلة التي يمكن أن تُذكر في هذا السياق لإثبات صيانة القرآن وسلامته من التحريف، حيث إنّ العديد من الشواهد والقرائن التاريخيّة المتصلة بجمع القرآن وعناية النبي (ص) وصحابته وسائر المسلمين به ثتبت وبحساب الاحتمال بما لا يدع مجالاً للوهم بأنّ هذا القرآن الموجود بين أيدينا قد بلغنا عن رسول الله (ص) بطريق متواتر وبأعلى درجات التواتر، وأنّه قد حُفظ من التلاعب بالزيادة والنقيصة، وهذا بيان ذلك:

أولأً: سيرة النبي (ص) في العناية بالقرآن

  1. يلاحظ أنّ النبي (ص) ومنذ بدأت آيات القرآن تتنزل على قلب النبي الأكرم كان مهتماً بحفظ آياته وتدوينها، وقد اتخذ واختار لهذه الغاية جمعاً من الأصحاب عرفوا بكتّاب الوحي وعلى رأسهم الإمام علي (ع)[24]، ومهمتهم أن يكتبوا كل ما يمليه النبي (ص) عليهم مما أنزله الله عليه من آيات الكتاب في رقاع خاصة[25]، ثم تنتشر السور النازلة بين المسلمين، ويتداولونها حفظاً وترتيلاً وكتابة.
  2. وامتثالاً لأمر ربه بتبليغ الكتاب للناس وإنذارهم به، كما جاء في قول الحق تعالى: {  وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [الأنعام 19]، نهض النبي (ص) بهذه المهمة العظيمة منذ الأيام الأولى للبعثة، فاتخذ (ص) دار الأرقم مركزاً لإقراء الناس كتاب ربهم وتعليمهم مبادئ الإسلام، وتفرع عن هذه الدار دور أخرى، منها دار سعيد بن زيد زوج فاطمة بنت الخطاب، وفي هذه الدار تعرف عمر بن الخطاب على الإسلام، يقول: "وقد كان رسول الله (ص) يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة فيكونان معه ويصيبان من طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين، قال: فجئت حتى قرعت الباب. فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وكان القوم جلوسا يقرؤن القرآن في صحيفة معهم.."[26]. ولاحظ قوله: "في صحيفة معهم"، فإنه صريح في أنّ كتابة القرآن في الصحف قد بدأت في المرحلة المكية.
  3.  وكان (ص) يأمر أصحابه بتعليم الآخرين القرآن، وتبليغ آياته ونقلها إلى الناس، قال (ص): " إن خيركم من علم القرآن أو تعلمه"[27]. ويروي عبادة بن الصامت أنّه كان " إذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن"[28]، ولقد كانت الدعوة إلى الإسلام آنذاك متمثلة في تعليم القرآن وتحفيظه للناس، وقد أرسل (ص) مصعب بن عمير "إلى الأنصار يقرئهم القرآن بالمدينة قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلم معه خلق كثير"[29].
  4. وكان (ص) يأمر المسلمين بتلاوة آيات الكتاب ويبين لهم الفضل والثواب الكبير على تلاوتهم له وحفظهم لآياته، وجعل حفظه أحد معايير التفاضل بين أصحابه في الدنيا والآخرة، فالأقرأ للقرآن يتقدم على غيره في إمامة الجماعة، وقد ورد عنه (ص): "يؤمكم أقرؤكم "[30]. وهكذا ترتفع منزلة العبد يوم القيامة بقدر قراءته للقرآن. في الحديث عنه (ص) قال: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرأ بها"[31]. والمقصود - والله أعلم - بالقراءة الموجبة لارتفاع الدرجات عند الله تعالى هي القراءة الواعية والمقترنة بالعمل.
  5. وكان (ص) إذا أتاه (ص) الرجلَ الراغب في الزواج وهو لا يملك مالاً يمهر به زوجته، يجعل مهرها أن يقوم زوجها بتعليمها سورة أو أكثر من القرآن، روي أنه جاءته امرأة فوهبته نفسها، ولم يكن (ص) راغباً بالزواج منها، فقال له بعض أصحابه: " زوجنيها، قال: أعطها ثوبا، قال: لا أجد، قال: أعطها ولو خاتماً من حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسورٍ يسميها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن"[32].
  6. وكان (ص) - كما تنقل لنا المصادر - ولشدة حرصه وعنايته واهتمامه بالقرآن وخشيته من ضياع بعض آياته أو نسيانها يعيش حالة قلق دائم، فيعمد إلى تكرير تلاوة الآيات ويحرك بها شفتيه، حتى نزل عليه الوحي مطمئناً ومخففاً، ومبيناً له بأنّ الله تعالى متكفل بحفظ القرآن[33]، قال تعالى: { لا تحرك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه} [ ]. وقال تعالى: { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً } []. وحرص النبي (ص) على حفظ القرآن لم تكشف عنه هذه الآيات فحسب ليقال: إنّها من القرآن فلا تصلح للاستدلال إلا بعد نفي التحريف عنه، وإنما هي ثابتة من خلال السنة، فراجع الأحاديث الواردة بشأن نزول تلك الآيات[34].
  7.  وكان (ص) يباشر بنفسه في وضع الآية عند نزولها في مكان معين من المصحف، ويقول: أمرني جيرائيل أن أضعها في موضعها من السورة، فقد روي عنه: " أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة، { إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} []"[35].
  8. وكان جبريلُ - كما تذكر الروايات - يعارضه بالقرآن الكريم في كل عام مرّة، وقد عارضه به في العام الأخير من حياته مرتين، فأحسّ (ص) بدنو الأجل[36]، ومعارضته (ص) بالقرآن ربما كانت تهدف إلى بث الاطمئنان في قلبه (ص)، ونقل النبي (ص) لهذه المعارضة لأصحابه يرمي إلى تطمينهم بأن كتاب ربهم هو بعين الله فلا يعتريه خلل أو نقص أو تلاعب.

إنّ ذلك كلّه مع غيره من الشواهد والدلائل والتي سيأتي بعضها في سياق الكلام يؤكد بوضوح أنّ النبي (ص) - بإرشاد من الله تعالى - كان مهتماً اهتماماً بالغاً بجمع القرآن وتنسيقه قبل أن يغادر الدنيا، ما يجعلنا نجزم بصحة الرأي القائل: أنّ النبي (ص) هو الذي جمع القرآن بنفسه، ولا سيما بملاحظة أنّ العديد من الروايات تتحدث عن كتاب موجود في أيدي المسلمين[37]، وفي بعضها أنه كان عند النبي (ص) مصحف وربما أخذه بعض الصحابة منه[38].

يقول السيد علي بن الحسين الموسوي المعروف بالمرتضى ( ): "أنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وإن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويتلى عليه ، وإن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وغيرهما ، ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث"[39].

والرأي المشار إليه حول إقدام النبي (ص) على جمع القرآن شيئاً فشيئاً إلى أن اكتمل التنزيل، لا ينافي النظريّة القائلة أنّ القرآن الكريم قد جمع في عهد الخليفة الأول بل يمكن تفسير هذه النظرية بأنّ الذي فعله الخليفة والصحابة أنّهم جمعوا الجلود والرقاع التي كتب عليها القرآن الكريم والتي كانت موزعة في أيدي أجلاء الصحابة، فجمعوها في هذا المصحف، ثم إنّ الخليفة الثالث عثمان بن عفان عمل على توحيد القراءات، ومن هنا عرف المصحف بمصحف عثمان.

 ثانياً: اهتمام الصحابة

وهكذا فقد رأينا أنّ الجيل الطليعي الأول وهو جيل الصحابة البررة كانوا مدركين لأهميّة القرآن وحريصين كل الحرص على كتابته وحفظه ونشره، وقد أدرك هؤلاء بحسّهم  ووعيهم الرسالي موقعيّة القرآن ومكانته، وعلموا من خلال تربية رسول الله (ص) لهم أنّ القرآن يعدّ المرجع الأساسي لدينهم، عقيدة وشريعة، وأنه الدستور الذي ينظم شؤون حياتهم، في قوانينه العامة والخاصة، وأنهم ببركته اهتدوا وانتقلوا من الظلمات إلى النور، وأنه هو الذي أحياهم وصنع منهم أمة ذات قيمة، ولذا تداولوه ونسخوه وحفظوه، وتعاملوا معه بقدسيّة، وحرصوا على ضبط حروفه وألفاظه وآياته، وسغوا في تلاوته وحفظه.

والشواهد التاريخية على عناية الصحابة بالقرآن الكريم وحفظه وجمعه وتلاوته كثيرة جداً، فقد ورد أنّ بعض الصحابة قد جمعوا القرآن على عهد النبي (ص). في الخبر عن قتادة عن أنس قال: "جَمعَ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد ابن ثابت"[40]. وتشير مصادر أخرى إلى أنّ بعضهم قد ختموا القرآن في عهده (ص)، فعن محمد بن كعب القرظي قال: "كان ممن ختم القرآن ورسول الله ( ص ) حي: عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود"[41].

وأما الصحابة الذين حفظوا القرآن فعددهم كبير، وقد سطرت كتب التاريخ والحديث بعض أسمائهم[42]، ولا يسعنا هنا إحصاؤها، ويكفيك شاهداً على ذلك أن سبعين صحابياً من قراء القرآن استشهدوا في زمن رسول الله (ص) بعد أن انتدبهم (ص) في مهمة تبليغية، يقول أنس بن مالك - فيما روي عنه -: "جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام، يقرؤن القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا.."[43]، إن ذلك يكشف ليس فقط عن عناية الصحابة بالقرآن بل وعن كثرة الذين كانوا يحفظونه منهم. واللافت للنظر أن سبعين صحابياً آخر من حفظة القرآن الكريم قد قتلوا في يوم اليمامة، في الحرب ضد مسيلمة الكذاب على ما ذكرت كتب التاريخ[44].

وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الصحابة قد ارتبط اسمه بالقرآن واشتهر بكونه معلماً له، ونكتفي بذكر صحابيين فحسب من باب التنويه بدورهما:

الأول: الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قال السيوطي: "وأخرج ابن النجار في تاريخه عن رزين بن حصين رضي الله عنه قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره على علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، فلما بلغت الحواميم قال لي: قد بلغت عرائس القرآن، فلما بلغت اثنتين وعشرين آية من حم عسق بكى، ثم قال: اللهم إني أسألك إخبات المخبتين وإخلاص الموقنين ومرافقة الأبرار واستحقاق حقائق الإيمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ورجوت رحمتك والفوز بالجنة والنجاة من النار، ثم قال: يا رزين إذا ختمت فادع بهذه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن"[45].

الثاني: الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، في الخبر أنه كان "إذا أصبح خرج، أتاه الناس إلى داره، فيقول: على مكانكم، ثم يمر بالذين يقرئهم القرآن ، فيقول : يا فلان! بأي سورة أنت؟ فيخبرونه، فيقول: بأي آية؟ فيفتح عليه الآية التي تليها، ثم يقول: تعلمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض، قال: فيظن الرجل أنها ليست في القرآن آية خير منها ، ثم يمر بالآخر فيقول له مثل ذلك حتى يقول لذلك كلهم"[46]. وابن مسعود هو أول من جهر في مكة بقراءة القرآن حتى ضرب على وجهه[47].

إنّ الدواعي - عند جيل الصحابة - لحفظ القرآن ونقله وصيانته من التلاعب كثيرة ومتوفرة جداً، ولم تكن خافية عليهم، وهذا ما أوجب شهرته بينهم، بحيث إنّ أدنى تلاعبٍ أو تغيير فيه كان سيرصد بسرعة، وسوف يفتضح أمر صاحبه.

ثالثاً: الجيل الثالث

وأمّا بعد عصر الصحابة فقد اشتدت عناية التابعين وتابعيهم بالقرآن، وبلغ اهتمامهم به حداً لا يضارع فنسخوه ونشروه، وحفظوه، وفسروه وشرحوه، وقد دارت رحى معارفهم وعلومهم عليه، فبرز في حقل القرآن العديد من العلوم، والتخصصات، من علم التفسير بعنوانه العريض، إلى علم الناسخ والمنسوخ، إلى علم القراءة والتجويد، إلى علوم أخرى اعتمدت على القرآن، ومنها العلوم الشرعية وعلم التاريخ وصولاً إلى علوم اللغة كالنحو والصرف والبلاغة، إلى غير ذلك من العلوم نشأت في فضاء القرآن. ولن تجد علماً من العلوم الإسلامية إلا وآيات القرآن هي المستند الأساس فيه ولا سيما علوم العقيدة والأخلاق والفقه.

وهكذا فقد نُقل إلينا القرآن الكريم بالتواتر وروته وحفظته الأجيال جيلاً بعد جيل، من عهد الصحابة، وصولاً إلى زماننا وكان يحفظه الصغير والكبير، وتقرأه الرجال والنساء، وتتفق المصاحف على سوره وآياته على اختلاف الأزمان وتعدد الأقطار، ولذا كان من الطبيعي أن يحصل القطع بحفظه وسلامته من التحريف وصيانته من التلاعب، وإننا لا نعتقد ولا نظنّ أن ثمة كتاباً في تاريخ البشرية لقي من الاهتمام ما لقيه القرآن الكريم، وهذه إحدى مزايا هذا الكتاب وخصائصه.

كلام رائع للسيد المرتضى

ومن اللطيف أن ننقل هنا كلاماً للسيد المرتضى نقله عنه الطبرسي في مقدمة مجمع البيان، يقول فيه: "إن العلم بصحة نقل القرآن، كالعلم بالبلدان. والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت، والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه، لأن القرآن معجزة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية، والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه، وقراءته، وحروفه، وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً، مع العناية الصادقة، والضبط الشديد".

وقال أيضاً، قدس الله روحه: "إن العلم بتفسير القرآن وأبعاضه في صحة نقله، كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني، فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما، حتى لو أن مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب، لعرف وميز وعلم أنه ملحق، وليس من أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني. ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه، أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء"[48].
 

من كتاب: حاكمبة القرآن (دراسة تأصيلية حول علاقة السنة بالكتاب ودورها في تفسيره)

 


[1] الصحاح للجوهري، ج 4، ص 1342.

[2] العين، ج 3، ص 211.

[3] قال ابن الأثير: "أراد بالحرف اللغة، يعني على سبع لغات من لغات العرب: أي إنها مفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه"، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 1، ص 369.

[4] العين، ج 3، ص 211.

[5] انظر: البيان للسيد الخوئي، ص 198.

[6] الكافي، ج 8، ص 53.

[7] اختلاف القراءات موجود وحاصل، ولكن دعوى أن القراءات القرآنية هي في الواقع كانت متعددة وأن القرآن نزل على عدة حروف لا صحة له. 

[8] البيان، ص 198.

[9] إنما أقول في القرآن الذي بين أيدينا، لأن السيد الخوئي يعتقد أن التحريف بنقص أو زيادة كلمة أو كلمتين، "مع التحفظ على نفس القرآن المنزل"، حاصل في بداية جمع القرآن، لكنه ارتفع بعد انتشار ما عرف بمصحف عثمان، وهو "القرآن المعروف بين المسلمين، الذي تداولوه على النبي (ص) يدا بيد. فالتحريف بالزيادة والنقيصة إنما وقع في تلك المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان ، وأما القرآن الموجود فليس فيه زيادة ولا نقيصة. وجملة القول: إن من يقول بعدم تواتر تلك المصاحف - كما هو الصحيح - فالتحريف بهذا المعنى وإن كان قد وقع عنده في الصدر الأول إلا أنه قد انقطع في زمان عثمان، وانحصر المصحف بما ثبت تواتره عن النبي (ص)"، البيان، ص 199.

[10] فقد روى أحمد في بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله : "يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى"، مسند أحمد، ج 5، ص 129. وفيه أيضاً: "وليسا في مصحف ابن مسعود، كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شئ من صلاته فظن أنهما عوذتان وأصر على ظنه وتحقق الباقون كونهما من القرآن فأودعوهما إياه"، مسند أحمد، ج 5، ص 130.

[11] مجمع الزوائد للهيثمي، 7، ص 150، وفي كتاب الأم للشافعي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد قال رأيت عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول: لا تخلطوا به ما ليس منه، وهم يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في صلاة الصبح وهما مكتوبتان في المصحف الذي جمع على عهد أبي بكر ثم كان عند عمر ثم عند حفصة ثم جمع عثمان عليه الناس وهما من كتاب الله عز وجل وأنا أحب أن أقرأ بهما في صلاتي"، كتاب الأم، ج 7، ص 199.

[12] أخرج البخاري عن ابن عباس قال خطب عمر خطبته بعد مرجعه من آخر حجة حجها قال فيها: "..إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى ان طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف . ثم انا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم.."، انظر: البخاري ج 8 ص 26). وفي مسند أحمد بالإسناد عن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: ما أجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله. ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة، أو كان حمل أو اعتراف. وقد قرأتها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده"، انظر: مسند أحمد ج 2 ص 853. والخبر مروي في مصادر الشيعة، ففي الكافي بسنده عن عبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه ع الرَّجْمُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِذَا زَنَى الشَّيْخُ والشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهْوَةَ" الكافي، ج 7، ص 177. ونظير ذلك الحديث عن آية مزعومة في قضية الرضاع تقول: "عشر رضعات معلومات يحرمن"، أو غير لك مما تمت الإشارة إليه في المصادر المختلفة.

 

[13] أشار إلى رأيهم السيد الخوئي في البيان، ص 208.

[14] اختاره الطبرسي، مجمع البيان، ج 10، ص 49، والخوئي، البيان، ص 207.

[15] قال الطبرسي في إعراب "رسولا": "(رسولاً): ينتصب على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون بدلاً من (ذكراً) بدل الكل من الكل. فعلى هذا يجوز أن يكون الرسول جبرائيل عليه السلام، ويجوز أن يكون محمداً صلى الله عليه وآله وسلم. والثاني: أن يكون مفعول فعل محذوف تقديره أرسل رسولاً، ويدل على إضماره قوله: (قد أنزل الله إليكم ذكراً). فعلى هذا يكون الرسول معناه محمداً. والثالث: أن يكون مفعول قوله (ذكراً) ويكون تقديره أنزل الله إليكم أنْ ذكر رسولاً، ويكون الرسول يحتمل الوجهين"، مجمع البيان، ج 10، ص 50.

[16] البيان، ص 208.

[17] تفسير الفخر الرازي، ج 19، ص 161.

[18] وهو حديث يكاد يكون متواتراً بل هو متواتر فعلاً، إذا لوحظ مجموع رواته من السنة والشيعة في مختلف الطبقات، واختلاف بعض الرواة في زيادة النقل ونقيصته تقتضيه طبيعة تعدد الواقعة التي صدر فيها، ونقل بعضهم له بالمعنى، وموضع الالتقاء بين الرواة متواتراً قطعياً... وحسب الحديث لئن يكون موضع اعتماد الباحثين أن يكون من رواته كل من صحيح مسلم، وسنن الدارمي، وخصائص النسائي، وسنن أبي داوود، وابن ماجة، ومسند أحمد، ومستدرك الحاكم، وذخائر الطبري، وحلية الأولياء، وكنز العمال، وغيرهم، وأن تعنى بروايته كتب المفسرين أمثال الرازي، والثعلبي، والنيسابوري، والخازن، وابن كثير وغيرهم، بالإضافة إلى كتب التاريخ، واللغة، والسِّير والتراجم..." (الأصول العامة للفقه المقارن ص 164- 165)، ولسان الحديث كما في رواية زيد بن أرقم: "إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما"، انظر: سنن الترمذي ج5 ص 329، مسند أحمد، ج 3، ص 14، و17، 26، 59.

[19] وللسيد الخوئي بيان آخر، قال: " ذه شبهة تدل على عزل العترة الطاهرة عن الخلافة الإلهية، ولم يعتمد على أقوالهم وأفعالهم، فإنه لا يسعه دفع هذه الشبهة ، وأما من يرى أنهم حجج الله على خلقه ، وأنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسك فلا ترد عليه هذه الشبهة، لأن استدلال العترة بالكتاب، وتقرير أصحابهم عليه يكشف عن حجية الكتاب الموجود، وإن قيل بتحريفه، غاية الأمر أن حجية الكتاب على القول بالتحريف تكون متوقفة على إمضائهم ". البيان، ص 209. وهذا البيان يرد عليه - بالإضافة إلى ما طرحناه في المتن من أنّ هذا استدلال بالسنة وليس الكتاب – أن حجية الكتاب من باب إمضاء العترة له، وهذا لا ينفي حصول التحريف فيه.

[20] الشيعة في القرآن، ص 139.

[21] لأنه لو أريد إثبات ذلك من طريق القرآن فهذا لا يصح إلا بعد إثبات نفي التحريف عنه، وهو أول الكلام.

[22] هو حديث مشهور عنه (ص) ومروي من طرق شتى، ووارد في مصادر الفريقين (السنة والشيعة) الحديثية والتاريخية، ونصّ فيه على الخاتمية بعبارة لا تحتمل التأويل، قائلاً: "لَا نَبِيَّ بَعْدِي"، انظر من مصادر الشيعة: الكافي ج 8 ص 26، المحاسن للبرقي ج 1 ص 159، وعيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 13، ومن مصادر السنة: صحيح البخاري ج 4 ص 144، وصحيح مسلم ج 6 ص 17، وج 7 ص 120، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 45، وسنن أبي داوود ج 2 ص 302، إلى عشرات المصادر الأخرى.

[23] ثمة رأي يكتفي في بناء العقيدة بما يورث الاطمئنان، وهو علم عرفي، وليس يقيناً رياضياَ.

[24] ذكروا الكثير من كتاب الوحي، ومنهم معاوية، ولكنّ ابن أبي الحديد يقول: ".. فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أن الوحي كان يكتبه علي عليه السلام وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأن حنظلة بن الربيع التيمي ومعاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك وإلى رؤساء القبائل، ويكتبان حوائجه بين يديه، ويكتبان ما يجبى من أموال الصدقات وما يقسم في أربابها"، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 338.

[25] روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله نؤلف القرآن من الرقاع.."المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 229.

[26] أسد الغابة، 4، ص 54.

[27] سنن الدارمي، ج 2، ص 437. والسنن الكبرى للبيهقي، ج 2، ص 17، وفي حديث آخر عنه (ص): "ان أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه"، صحيح البخاري، ج 6، ص 108.

[28] مسند أحمد، ج 5، 324.

[29] المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 628.

[30] من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 285.

[31] سنن الترمذي، ج 4، ص 250، قال: "هذا حديث حسن صحيح".

[32] مسند أحمد، ج 5، ص 336، وصحيح البخاري، ج 6، ص 108. وفي مصادر الشيعة، روى الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ ص فَقَالَتْ زَوِّجْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ص مَنْ لِهَذِه فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ مَا تُعْطِيهَا فَقَالَ مَا لِي شَيْءٌ فَقَالَ لَا قَالَ فَأَعَادَتْ فَأَعَادَ رَسُولُ اللَّه ص الْكَلَامَ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ غَيْرُ الرَّجُلِ ثُمَّ أَعَادَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ص فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ أتُحْسِنُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئاً قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا تُحْسِنُ مِنَ الْقُرْآنِ فَعَلِّمْهَا إِيَّاه"، الكافي، ج 5، ص 380.

[33] في الخبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه يريد

أن يحفظه فأنزل الله تبارك وتعالى : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) . قال فكان يحرك به شفتيه وحرك سفيان شفتيه"، سنن الترمذي، ج 5، ص 102، وصحيح البخاري، ج 6، ص 76.

[34] انظر: تفسير القمي، ج 2، ص 65، وصحيح البخاري، ج 1، ص 4، وج 6، ص 76، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 16، ص 272.

[35] مسند أحمد، ج 4، ص 218.

[36] عن عائشة قالت أقبلت فاطمة تمشى كأن مشيتها مشى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا يا بنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها: لم تبكين ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها فقالت: أسر إليّ أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلى وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك". صحيح البخاري، ج 4، ص 183.

[37] يقول الزركشي: "وذكر الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب " معرفة القراء " ما يبين ذلك ، وأن هذا العدد هم الذين عرضوه على النبي صلى الله عليه ، وسلم ، واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمعه منهم ، ولم يتصل بنا فكثير فقال: ذكر الذين عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وهم سبعة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب.."، البرهان، ج 1، ص 242

[38] ففي الخبر عن عثمان بن أبي العاص وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ناس من ثقيف فدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لها حفظ علينا متاعنا أو ركابنا فقال على أنكم إذا خرجتم انتظرتموني حتى أخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته مصحفا كان عنده فأعطانيه واستعملني عليهم وجعلني إمامهم وأنا أصغرهم"، المعجم الكبير للطبراني، ج 9، ص 61.

[39] نقلاً عن مجمع البيان، ج 1، ص 43.

[40] صحيح البخاري، ج 4، ص 229، وصحيح مسلم، ج 7، ص 150.

[41] تاريخ مدينة دمشق، ج 33، ص 129.

[42] تحدث السيد مرتضى العسكري بإسهاب عن دور الصحابة في جمع القرآن وحفظه وتدارسه، وذكر أسماء العشرات منهم، راجع: القرآن الكريم وروايات المدرستين، ج 1 ، ص 177 وما بعدها.

[43] صحيح مسلم، ج 6، ص 45، ومسند أحمد، ج 3، ص 270.

[44] وقد كان هذا دافعاً - بحسب ما جاء في بعض الأخبار - إلى قيام الصحابة بجمع القرآن، عن زيد بن ثابت قال: بعث إلي أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر ان عمر اتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن واني أخشى ان يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير واني أرى ان تأمر بجمع القرآن.."، صحيح البخاري، ج 8، ص 119.

[45] الدر المنثور في في التفسير بالمأثور، ج 6، ص 5، وكنز العمال، ج 2، ص 351، والحبر مروي بتفاوت بسيط في مصادر الشيعة، راجع، المناقب للموفق الخوارزمي، ص 31.

[46] المصتف للصنعاني، ج 3، ص 367، والمعجم الكبير للطبراني، ج 9، ص 135.

[47] تاريخ الطبري، ج 2، ص 73، وأسد الغابة، ج 3، ص 257.

[48] مجمع البيان، ج 1، ص 43.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon