حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول التفسير
حجيّة أخبار الآحاد في التفسير
الشيخ حسين الخشن



  1. الاتجاهات في حجيّة أخبار التفسير
  2. روايات التفسير وضرورة الغربلة والتدقيق  
  3. الإسرائيليات في التفسير

إنّ حجيّة السنة الواقعية في تفسير القرآن وفي غيره من المعارف الدينية هو أمر لا شك فيه، وهذا ما أقمنا الدليل عليه في المحور الأول، بيد أنّ الكلام في السنة المحكيّة والواصلة إلينا من خلال الأخبار، وهذا ما يتكفل هذا المحور بإيضاحه من خلال النقاط التالية:

  1. الاتجاهات في حجية أخبار التفسير

إنّ السّنة إذا وصلت إلينا عن طريق الأخبار المتواترة فلا شك في حجيتها في التفسير، كما في غيره من العلوم والمعارف الدينية، بيد أنّ الأخبار المتواترة نادرة قليلة جداً. ولهذا يقع الكلام عن حجية الخبر إذا وصل إلينا عن طريق الآحاد.

ولا ريب أنّ أخبار الآحاد إذا كانت ضعيفة السند فهي ليست حجة لا في مجال الاعتقاد والعلم ولا في مجال العمل، فلا يصح اعتمادها لا في العقيدة ولا في الفقه ولا في التفسير ولا في غيره. وإنما الكلام في الأخبار المعتبرة والصحيحة، فهل يمكن اعتمادها في التفسير بقول مطلق؟

 يوجد في المقام عدة اتجاهات:

الإتجاه الأول: حجيّة الخبر القطعي

وهو الذي يذهب إليه بعض الفقهاء والمفسرين من عدم التعويل على أخبار الآحاد في التفسير ولو كانت صحيحة، وإنما الحجة فيها هو الخبر القطعي، يقول الشيخ الطوسي: "بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلة الصحيحة: إما العقلية ، أو الشرعية ، من إجماع عليه ، أو نقل متواتر به ، عمن يجب اتباع قوله ، ولا يقبل في ذلك خبر واحد ، خاصة إذا كان مما طريقه العلم "[1].

ويصر العلامة الطباطبائي على هذا الاتجاه، مؤكداً أنه لا معنى لجعل الحجيّة التعبدية في غير الأحكام الشرعية، يقول:" لا معنى لجعل حجية أخبار الآحاد في غير الأحكام الشرعية، فإنّ حقيقة الجعل التشريعي إيجاب ترتيب أثر الواقع على الحجة الظاهرية وهو متوقف على وجود أثر عملي للحجة كما في الأحكام ، وأمّا غيرها فلا أثر فيه حتى يترتب على جعل الحجية، مثلاً إذا وردت الرواية بكون البسملة جزء من السورة كان معنى جعل حجيتها وجوب الإتيان بالبسملة في القراءة في الصلاة، وأما إذا ورد مثلاً أنّ السامري كان رجلاً من كرمان وهو خبر واحد ظني كان معنى جعل حجيته أن يجعل الظن بمضمونه قطعاً وهو حكم تكويني ممتنع وليس من التشريع في شيء"[2].

أجل، لو أنّ خبر الواحد الثقة كان بصدد بيان بعض الأحكام الشرعية التي تناولها الكتاب بشكل أو بآخر، فلا مفرّ من القول بحجيته وفقاً لرأي الطباطبائي المشار إليه.  

الاتجاه الثاني: حجية الخبر الصحيح

إنّ الاعتماد على الأخبار الصحيحة في التفسير ولو كانت أخبار آحاد ظنية، هو الاتجاه الذي تبناه جمع من الأعلام، يقول السيد الخوئي عن منهجه في التفسير: "وسيجد القارئ أنّي لا أحيد في تفسيري هذا عن ظواهر الكتاب ومحكماته وما ثبت بالتواتر أو بالطرق الصحيحة من الآثار الواردة عن أهل بيت العصمة ، من ذرية الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وما استقل به العقل الفطري .."[3].

ودفع السيد الخوئي رحمه الله ما قد يُعترض به على ذلك من أنّ الحجيّة تحتاج إلى أثر شرعي ليكون مصححاً للعمل به، قال: " قد يُشكل : في حجية خبر الواحد الثقة إذا ورد عن المعصومين عليهم السلام في تفسير الكتاب ، ووجه الاشكال في ذلك أن معنى الحجية التي ثبتت لخبر الواحد ، أو لغيره من الأدلة الظنية هو وجوب ترتيب الآثار عليه عملا في حال الجهل بالواقع ، كما تترتب على الواقع لو قطع به ، وهذا المعنى لا يتحقق إلا إذا كان مؤدى الخبر حكما شرعيا ، أو موضوعا قد رتب الشارع عليه حكما شرعيا، وهذا الشرط قد لا يوجد في خبر الواحد الذي يروى عن المعصومين في التفسير".

ثم يعلّق قائلاً: "وهذا الاشكال: خلاف التحقيق، فإنا قد أوضحنا في مباحث " علم الأصول " أن معنى الحجية في الأمارة الناظرة إلى الواقع هو جعلها علما تعبديا في حكم الشارع ، فيكون الطريق المعتبر فردا من أفراد العلم ، ولكنه فرد تعبدي لا وجداني فيترتب عليه كلما يترتب على القطع من الآثار، فيصح الإخبار على طبقه كما يصح أن يخبر على طبق العلم الوجداني ، ولا يكون من القول بغير علم. ويدلنا على ذلك سيرة العقلاء، فإنهم يعاملون الطريق المعتبر معاملة العلم الوجداني من غير فرق بين الآثار"[4].

وتعليقاً على ذلك نقول:

أولاً: إنّ مسلك جعل العلميّة هو محل كلام بين الأصوليين، فلا يتم الأمر إلى على مبنى مدرسة المحقق النائيني التي تتبنى هذا الرأي.

ثانياً: إنّ غاية ما يقتضيه المسلك المذكور هو ترتيب الأثر الشرعي على الرواية الواردة في التفسير، كالإخبار عن المسألة من قبل المكلف، ولكن ذلك لا يبرر إثبات الحقيقة التاريخية أو التكوينية به، فضلاً عن الاعتقاد به، وذلك لأنّ دليل حجية الأمارة وإن جعلها علماً ولكنه علم تعبدي جعلي، والعلم التعبدي يتقدر بمقدار الجعل، فيكون ناظراً إلى ما يتصل بعمل المكلف، دون غيره كالاعتقاد، ولهذا وجدنا أنّ السيد الخوئي نفسه رفض حجية لوازم الأمارة، كما رفض هو وغيره حجية لوازم الأصل، ولم يكترث بدعوى أن العلم بالمؤدى يستدعي العلم بلوازمه، لأنّ ذلك إنما يصح ويصدق في العلم الوجداني دون العلم الجعلي التعبدي.

وبناءً عليه، يكون الاتجاه الأول هو الأقرب إلى الصواب، إلا إذا تمّ الاتجاه الثالث التالي.

الاتجاه الثالث: حجية الخبر الموثوق

هذا كلّه لو بنينا على الرأي المشهور في حجيّة خبر الثقة في الأحكام، بيد أنّ هناك اتجاهاً آخر اختاره جمعٌ من الأعلام، وهو يرى أنّ الحجيّة ثابتة للخبر الموثوق لا لخبر الثقة[5]، والفرق بين الاتجاهين: أنّ الأوّل ـ حجية خبر الثقة  ـ يعتمد وثاقة الراوي أساساً في الحجيّة، فإذا أحرزت وثاقته، أُخذ بالرواية، سواء حصل الوثوق بصدورها أو لم يحصل، وأمّا الاتجاه الثاني ( حجية الخبر الموثوق ) فيرى أنّ العبرة بحصول الوثاقة بالمروي لا بالراوي، فكلّما حصل وثوقٌ نوعي بصدور الرواية، كان ذلك كافياً للأخذ بها، ولو لم تحرز وثاقة الرواة، وإذا لم يحصل الوثوق بها، كان ذلك كافياً لرفضها حتّى لو كان رواتها ثقاةً عدولاً.

بناءً على هذا الاتجاه الذي رجحناه في بعض ما كتبناه[6]، قد يقال: إنه لا يبقى ثمّة مجال للتفصيل المشار إليه بين (أخبار الفروع) و(أخبار الأصول والتفسير وغيرها)، لأنّ الوثوق الاطمئناني ـ إذا ما حصل ـ فهو علم عرفي، ولا تشمله الآيات الناهية عن اتّباع الظنّ، وهو طريقٌ جرى عامّة العقلاء على الاعتماد عليه في شتّى المجالات، سواء العقدية أو التشريعية أو القضائية أو غيرها. أجل، الشأن كلّ الشأن، في تحصيل الاطمئنان بصدور الخبر وبمضمونه، فإنّ ذلك رهن توفّر عناصر موضوعية تساعد على حصوله، ومن أهمّها: وثاقة الرواة، وموافقة الخبر للكتاب وثوابت السنة، وكذلك موافقته للمرتكزات العقلائيّة، وموافقته وعدم منافاته لأحكام العقل...، فإذا توفرت هذه القرائن أو العناصر، وأوجبت الوثوق الاطمئناني، فهو المطلوب، وإلا فلا يمكن التعويل على الخبر في الفروع فضلاً عن الأصول.

  1. روايات التفسير وضرورة الغربلة والتدقيق  

ثم إنه وبصرف النظر عن المبنى الذي يُعتمد في تحديد الحجة من أخبار التفسير، فإنّ علينا التدقيق التام في تلك الأخبار، بدرجة عالية، أكثر من تدقيقنا في سائر الأخبار، وذلك لسببين:

السبب الأول: تعرضها للدس والتزوير

وهذه آفة التفسير بالمأثور، أي أنّ حقل التفسير هو حقل خصب للوضع، فقد روي أنّه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن الكريم سورة سورة؟ قال: إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن اسحاق، فوضعتُ هذه الأحاديث حسبة![7]

ولما قيل لبعضهم: "إنّ رسول الله (ص) يقول: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"، قال: إنما كذبت له لا عليه!![8]

وينقل عن أحد الخوارج: "إنّ هذه الأحاديث دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فإنّا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً"[9].

وقد تنبه غير واحد من الأعلام إلى انتشار ظاهرة الوضع في أخبار التفسير، يقول الزركشي ( 794هـ) بعد أن يشير إلى أنّ النقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم هو من أمهات مآخذ التفسير،: "لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع ، فإنه كثير "،  ثم ينقل عن الميموني، قال: "سمعت أحمد بن حنبل يقول : ثلاث كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير . قال المحققون من أصحابه : ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة ، وإلا فقد صح من ذلك كثير. فمن ذلك تفسير الظلم بالشرك في قوله تعالى: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } [الأنعام: 82].."[10]،

 ويقول العلامة الطباطبائي: "ما ذكرنا من شيوع الدس والوضع في الروايات فلا يرتاب فيه من راجع الروايات المنقولة في الصنع والايجاد وقصص الأنبياء والأمم والأخبار الواردة في تفاسير الآيات والحوادث الواقعة في صدر الإسلام. وأعظمُ ما يهم أمره لأعداء الدين ولا يألون جهداً في إطفاء نوره وإخماد ناره وإعفاء أثره هو القرآن الكريم"[11].

السبب الثاني: دخول الإسرائيليات

وهذا أخطر ما تعرض له التفسير بالمأثور. والإسرائيليات هي ما دسّه مسلمة أهل الكتاب، وعلى رأسهم كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام، وتميم الداري، وغيرهم من الذين دخلوا الإسلام بعد انتشاره وقوته، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ باب التفسير هو من أكثر المجالات التي عبثت فيها أيدي هؤلاء.

وتفصيلاً للكلام في الإسرائيليات التي اجتاحت أخبار التفسير، فقد عقدنا محوراً خاصاً لذلك وهو المحور التالي.

وبناءً على ذلك، فمن المهم إلفات النظر إلى أنّ حصول الوثوق بأخبار التفسير ليس بالأمر اليسير، بل تعترضه صعوبات جمة، ليس بسبب كثرة الإسرائليات فيها فحسب، ولا بسبب كثرة الدس والوضع فيها، ولا سيما ما سنتحدث عنه لاحقاً من اشتمالها على الأخبار التأويلية التي تفوح منها رائحة الغلاة والباطنية، ( كما سيأتي في محاور لاحقة)، ناهيك عن الأخبار التي تحمل في تفسيرها لآيات القرآن دلالات أو مؤشرات على تحريف الكتاب، إنّ كل هذا يعدّ عنصراً سلبياً يبطئ ويضعف - بحساب الاحتمال - من عمليّة الوثوق والاطمئنان بهذه الأخبار.

  1. الإسرائيليات في التفسير:
  • الإسرائليات: البدايات والغطاء "الشرعي"!
  • نماذج من الإسرائيليات في كتب التفسير
  • تسرب الإسرائليات إلى بعض تفاسير الشيعة
  • دور الأئمة (ع) في مواجهة الإسرائيليات
  • مؤشرات وأمارات على كون الرواية إسرائيلية

عرفت للتو أنّ أخطر ما تعرض له التفسير بالمأثور هو دخول الإسرائيليات عليه، من خلال الشروح والتفاسير ذات المنشأ غير الإسلامي والتي أدخلها بعض الذين أسلموا من أهل الكتاب في آخر البعثة وبعد انتشار الإسلام وظهور غلبته في الجزيرة العربية، فدخل هؤلاء في الدين محمّلين بموروث ديني ثقيل، وأخذوا يلقون بأفكارهم في فضاء الإسلامي تحت ستار تفسير الآيات القرآنية، ما أصاب التفسير بالكثير من الملوثات التي لا نزال نعاني منها إلى يومنا هذا.

  1. الإسرائليات: البدايات والغطاء "الشرعي"!

وهذا الأمر يعود إلى صدر الإسلام حيث سمح في ذلك الزمن "لأمثال تميم الداري الراهب النصراني وكعب أحبار اليهود. وكانا قد أظهرا الاسلام بعد انتشار الاسلام، وتقرباً إلى الخلفاء بعد الرسول، ففسحت مدرسة الخلفاء لهما ولأمثالهما المجال أن يبثوا الأحاديث الإسرائيلية بين المسلمين كما يشاؤن، وقد خصص الخليفة عمر للأول ساعة في كل أسبوع يتحدث فيها قبل صلاة الجمعة بمسجد الرسول، وجعلها عثمان على عهده ساعتين في يومين. أما كعب أحبار اليهود فكان الخلفاء: عمر وعثمان ومعاوية يسألونه عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد ، وتفسير القرآن ، إلى غير ذلك. وروى عنهما ( تميم الداري وكعب ) صحابةٌ أمثال أنس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ومعاوية ونظرائهم من الصحابة والتابعين. ولم يقتصر نقل الإسرائيليات بهذين العالمين من علماء أهل الكتاب وتلاميذهما فحسب، بل قام به ثلة معهما ومن بعدهما كذلك، وامتد حتى عهد الخلافة العباسية، ما عدا فترة حكم الإمام علي الذي طردهم من مساجد المسلمين، وسمي هؤلاء بالقصاصين"[12].

وإدخال الإسرائيليات عبر منابر الثقافة الإسلامية قد تم إعطاؤه غطاءً "شرعياً"، من خلال ما روي عن رسول الله (ص): " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ"، وقد رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ؛ وَلِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَدْ أَصَابَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ زَامِلَتَيْنِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْهُمَا بِمَا فَهِمَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِن الإِذْنِ فِي ذَلِكَ"[13].

ولا يسعنا بوجه التصديق بأنّ رسول الله (ص) قد أباح التحديث عن بني إسرائيل دون حرج، وذلك لأكثر من سبب:

الأول: إنّه كيف يسمح الرسول بالحديث عنهم وبث ثقافتهم بين المسلمين، والحال أن القرآن الكريم صريح في اتهامهم بتحريف الكتب المقدسة التي أنزلت على أنبيائهم، قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79]، فما الذي يستفيده المسلمون من نقل أخبار بني إسرائيل وهي مأخوذة عن كتبهم المحرفة؟! وهل يعقل أن يسمح النبي بنقل الأخبار المحرفة وتداولها؟!

وقد كان ابن عباس يقول: " كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرؤنه محضاً لم يشب، وقد حدّثكم أنّ أهل الكتاب بدّلوا كتاب الله وغيّروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند الله، ليشتروا به ثمناً قليلاً .."[14].

الثاني: إنّ حديث: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"، معارض[15] بما رواه خالد بن عرفطة عن عمر بن الخطاب في قصة، يقول عمر: " .. انطلقتُ أنا، فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب، ثم جئت به في أديم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الذي في يدك يا عمر؟ فقلت: يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد علما إلى علمنا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار: أُغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم، السلاح السلاح! فجاؤوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي اختصارا ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون"[16]. وفي خبر آخر عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق، فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أنّ موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه الا أن يتبعني"[17].

وفي ظل هذا التعارض بين الخبرين فإننا نرجح الخبر الثاني الرافض لأخذ الحديث منهم، وذلك لموافقته لظاهر الكتاب حول تعرّض الكتب السماوية السابقة للتحريف، ولو قيل باستقرار التعارض وتساقط الطائفتين، فالمرجع أيضاً هو ما جاء في الكتاب.

الثالث: اختلاف الأراء المنقولة عن أهل الكتاب إلى حد التضارب والتباين، وعليه، فبأي أقوالهم نأخذ ونحدث؟! وقد اعترف ابن كثير بتضارب منقولاتهم فيما يتصل بقصص الماضين، قال: "ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيراً. ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم ، وعددهم . وعصا موسى من أي الشجر كانت. وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم ، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى ، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم.."[18].

أقول: إذا لم يكن هناك فائدة في أخبارهم لا في أمور الدين ولا أمور الدنيا، فلماذا يبيح النبي (ص) - بحسب زعم البعض - نقلها، مع ما أوجبته من إرباك وتشويه لتراث المسلمين؟! والحال أن في قرآنهم غنى وكفاية، قال تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[العنكبوت: 51].

الرابع: لو كان النبي (ص) أباح الحديث عن بني إسرائيل وبث ثقافتهم التوارتية في أوساط المسلمين، لكان أهل البيت (ع) وعلى رأسهم الإمام علي (ع) أولى الناس باتباع تعاليم رسول الله (ص)، ولسمحوا لمسلمة أهل الكتاب بنشر أفكارهم، مع أنه (ع) كما سيأتي كان يرفض ذلك ويمنع منه، وأضف إلى ذلك أنه لو كان النبي (ص) سمح بنقل أخبار أهل الكتاب وأعطاها شرعية، فهل كان حبر الأمة عبد ابن عباس يمنع من ذلك وينهى عنه، كما تقدم في كلامه، وهل كان عبد الله بن مسعود يمحو ما وصل إليه من كتب أهل الكتاب، فقد روى الدارمي بسنده عن أبا مرة الكندي جاء " بكتاب من الشام، فحمله، فدفعه إلى عبد الله بن مسعود، فنظر فيه فدعا بطست ثم دعا بماء فمرسه فيه، وقال: إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتابهم قال حصين فقال مرة اما انه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحه ولكن كان من كتب أهل الكتاب"[19]

  1. نماذج من الإسرائيليات في كتب التفسير

إنّ الإسرائيليات موجودة ومنتشرة في كتب التفسير، من أمثال "الدر المنثور" و"تفسير جامع الطبري"، ولم تسلم تفاسير الشيعة منها، كما في "تفسير القمي" ولا سيما في قصص الأنبياء السابقين، وهذه بعض النماذج من ذلك:

النموذج الأول: قصة داوود مع زوجة أوريا.

حول قصة داوود جاء في القرآن قوله تعالى: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ( 21 ) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ( 22 ) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ( 23 ) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ( 24 ) } [ص 21-24].

وقد روى المسلمون في تفسير هذه الآيات قصة غريبة لا يقبلها صاحب عقل ولا دين في حق نبي عظيم وهو داوود، وهي من بنات أفكار مسلمة أهل الكتاب الذين ثنيت لهم الوسادة ليحدثوا في مسجد رسول الله (ص) ومن على منبره بمثل هذه الترهات، وخلاصة القصة أنّ داوود قد امتحن بابتلاء عظيم حيث دخل عليه الشيطان وهو في محرابه على صورة حمامة في غاية الروعة فأهوى إليها ليأخذها فطارت، فتبعها وما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة جميلة تغتسل فأعجب بها وعشقها، ولما عرف أنّها متزوجة احتال في قتل زوجها، فجعله في مقدمة الجيش ليقتل، وكان له ما أراد، بعد ذلك بعث الله له ملكين في صورة إنسيين، فتسورا عليه المحراب، فما شعر وهو يصلى إذ هما بين يديه جالسين ففزع منهما، فقالا: لا تخف انما نحن خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط، فطلب منهما أن يقصا عليه قصتهما، فقال أحدهما ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، ومع ذلك طمع بها أخي وأراد أخذها مني وهو مصر على ذلك وقادر عليه، فقال داوود للآخر: لا ندعك وذاك، وإنْ ذهبت تروم ذلك ضربنا منك أنفك وجبهتك، فقال ذاك الشخص مخاطباً داوود: أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا، حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن لأوريا الا امرأة واحدة، فلم تزل تعرّضه للقتل حتى قتلته، وتزوجت امرأته، هنا نظر داوود فلم ير الشخصين، فعرف ما قد وقع فيه وما قد ابتلى به فخر ساجدا وبكى.

 والرواية مروية في بعض المصادر، منها تاريخ الطبري[20]. وقد تسربت إلى بعض مصادر الشيعة التفسيرية[21].

وتعليقاً على ذلك نقول:

أولاً: إنّ القصة المذكورة ذات جذر توراتي[22]، ومن هناك انتقلت إلى مصادر المسلمين، وإنْ كان مضمونها في التوراة أشد فظاعة، لأنها تنسب إليه (ع) أنه ارتكب جريمتين وهما: القتل، والفاحشة، وهذه المرأة هي التي أصبحت فيما بعد أم سليمان[23].

ثانياً: لقد نصت أكثر من رواية عن أهل البيت (ص) على تكذيب قصة أوريا المذكورة، فعن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: "لا أوتى برجل يزعم أنّ داوود تزوّج امرأة أوريا ، إلَّا جلدته حدّين: حدّا للنبوّة ، وحدّا للإسلام"[24].

 وروى سعيد بن المسيب والحارث الأعور عن علي بن أبي طالب (ع) أنه قال: "من حدثكم بحديث داوود على ما يروونه القصاص، جلدته مائة وستين جلدة وهو حد الفرية على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين"[25].

وفي حديث الإمام الرضا (ع): "وأما داود، فما يقول من قبلكم فيه؟ فقال علي بن الجهم: يقولون : إن داود كان في محرابه يصلي ، إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور ، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير ، فخرج الطير إلى الدار ، فخرج في أثره ، فطار الطير إلى السطح ، فصعد في طلبه ، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان، فاطلع داود في أثر الطير ، فإذا بامرأة أوريا تغتسل ، فلما نظر إليها هواها ، وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته ، فكتب إلى صاحبه: أن قدم أوريا أمام الحرب ، فقدم فظفر أوريا بالمشركين ، فصعب ذلك على داود ، فكتب إليه ثانية : أن قدمه أمام التابوت ، فقتل أوريا ( رحمه الله ) ، وتزوج داود بامرأته . قال : فضرب الرضا ( عليه السلام ) بيده على جبهته، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته ، حتى خرج في أثر الطير ، ثم بالفاحشة ، ثم بالقتل!"[26].

ثالثاً: إنّ هذه القصة التي تسربت إلى مصادر الفريقين من الأصول التوراتية، قد تمّ رفضها من علماء الفريقين، أمّا علماء الشيعة فإجماعهم قائم على تنزيه داوود عن ذلك[27]، لأنّ داوود نبي (ع) من الأنبياء (ع) وهم منزهون عن ذلك بمقتضى عصمتهم، وأما علماء السنة فكثيرٌ منهم كذبوها، وعلى رأسهم الفخر الرازي[28]، وذلك للاعتبار عينه، وهو أن هذا الفعل لا يليق بالأنبياء (ع)، بل لو فعله ملك من الملوك لكان الأمر منكراً ومداناً وغير مقبول ولشكّل لطخة ووصمة عار تجلله إلى يوم القيامة، فكيف إذا كان الفاعل نبياً!

النموذج الثاني: ما ورد في تفسير قوله تعالى بشأن أيوب النبي (ع): { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ( 41 ) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ( 42 ) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 43 ) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 41-44].

فقد أورد الطبري[29] في تفسيرهذه الآيات خبراً عن وهب بن منبه، ومضمونه أن أيوب الرجل المؤمن العابد صاحب المكانة عند الله تعالى، قد حسده إبليس وطلب من الله تعالى قائلاً: "يا إلهي ، نظرت في أمر عبدك أيوب ، فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك ، وعافيته فحمدك ، ثم لم تجربه بشدة ولم تجربه ببلاء ، وأنا لك زعيم لئن ضربته بالبلاء ليكفرن بك ولينسينك وليعبدن غيرك قال الله تبارك وتعالى له : انطلق ، فقد سلطتك على ماله ، فإنه الامر الذي تزعم أنه من أجله يشكرني ، ليس لك سلطان على جسده ولا على عقله فانقض عدو الله"، وهكذا كان، فقد سلط الله إبليس على مال أيوب من غنم ومزارع، فأتلفها وأحرقها من خلال أعوانه من العفاريت، وجاء إلى أيوب ليفتنه، فأخبره، فوجده صابراً شاكراً، فالله أعطى وهو أخذ ما أعطى. قال أيوب : "الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني ، عريانا خرجت من بطن أمي ، وعريانا أعود في التراب ، وعريانا أحشر إلى الله"[30]. وتضيف رواية وهب: " فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله ولم ينجح منه، صعد سريعا ، حتى وقف من الله الموقف الذي كان يقفه فقال : يا إلهي ، إنّ أيوب يرى أنك ما متعته بنفسه وولده ، فأنت معطيه المال ، فهل أنت مسلطي على ولده ؟ فإنها الفتنة المضلة ، والمصيبة التي لا تقوم لها قلوب الرجال ، ولا يقوى عليها صبرهم. فقال الله تعالى له: انطلق، فقد سلطتك على ولده ، ولا سلطان لك على قلبه ولا جسده ولا على عقله فانقض عدو الله جوادا ، حتى جاء بني أيوب وهم في قصرهم، فلم يزل يزلزل بهم حتى تداعى من قواعده.."[31]. وعند هذا الموقف بكى أيوب وحثى التراب على وجهه وجزع، فصعد إبليس مسروراً لما رأى من جزع أيوب. ولكن " لم يلبث أيوب أن فاء وأبصر ، فاستغفر ، وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبة منه ، فبدروا إبليس إلى الله ، فوجدوه قد علم بالذي رفع إليه من توبة أيوب ، فوقف إبليس خازيا ذليلا ، فقال : يا إلهي ، إنما هون على أيوب خطر المال والولد أنه يرى أنك ما متعته بنفسه فأنت تعيد له المال والولد ، فهل أنت مسلطي على جسده ؟ فأنا لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك ، وليكفرن بك ، وليجحدنك نعمتك قال الله : انطلق فقد سلطتك على جسده ، ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله، فانقض عدو الله جوادا ، فوجد أيوب ساجدا ، فعجل قبل أن يرفع رأسه ، فأتاه من قبل الأرض في موضع وجهه ، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده ، فترهل ، ونبتت ثآليل مثل أليات الغنم ، ووقعت فيه حكة لا يملكها ، فحك بأظفاره حتى سقطت كلها ، ثم حك بالعظام ، وحك بالحجارة الخشنة وبقطع المسوح الخشنة، فلم يزل يحكه حتى نفد لحمه وتقطع . ولما نغل جلد أيوب وتغير وأنتن ، أخرجه أهل القرية ، فجعلوه على تل وجعلوا له عريشا . ورفضه خلق الله غير امرأته ، فكانت تختلف إليه بما يصلحه ويلزمه . وكان ثلاثة من أصحابه اتبعوه على دينه فلما رأوا ما ابتلاه الله به رفضوه من غير أن يتركوا دينه واتهموه ، يقال لأحدهم يلدد ، وأليفر ، وصافر . قال : فانطلق إليه الثلاثة وهو في بلائه ، فبكتّوه فلما سمع منهم أقبل على ربه ، فقال أيوب ( ص ) : رب لأي شيء خلقتني؟ لو كنت إذ كرهتني في الخير تركتني فلم تخلقني يا ليتني كنت حيضة ألقتني أمي! ويا ليتني مت في بطنها فلم أعرف شيئا ولم تعرفني! ما الذنب الذي أذنبت لم يذنبه أحد غيري"[32]. وقد روي هذا المعنى في تفسير القمي بتفاوت غير يسير[33].

وهذه الرواية مأخوذة من التوراة في مجمل تفاصيلها، من تسليط الشيطان على مال أيوب ثم على ولده ثم على جسده، ثم إخراجه من قريته، إلى أن جاء تلامذته الثلاثة لتعزيته وتسليته، كما في التوراة، وفي رواية وهب بن منبه أنهم نفروا عنه لما رأوا ما به من ابتلاءات، وأسماؤهم في التوراة " أليفاز التيماني وبلدد الشوحي وصوفر النعماني "[34].

وقد يقال: ما المانع من صحة الرواية حتى لو كان أصلها توراتياً؟ فصحيح أنّ التوراة فيها تحريف، ولكنْ ليس كل ما فيها كذب وافتراء، وما ورود من طرق المسلمين حول القضية هو شاهد صدق على صحتها.

وتعليقاً على ذلك نقول:

أولاً: إن القرآن الكريم أجمل الكلام في قضية ابتلاء أيوب، ولم يتضمن شيئاً مما اشتملت عليه الرواية التوارتية التي لا يسعنا التصديق بها ولا الوثوق بصحتها لأننا نقطع بأن التوراة الموجودة بين أيدي اليهود مما لا يمكن نسبتها إلى الله وإلى أنبيائه (ع)، أما الروايات الواردة في كتب المسلمين فهي غير صحيحة من حيث السند، ناهيك عن أنّها تضمنت أموراً مريبة وغريبة، كما سنشير، ولذا لا يمكن التعويل عليها، قال النووي: "ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية مذهب الإسرائيليات التي تغفل السياق ومواقع الكلم. وحكموا في ذلك أحاديث بعضها موقوف وبعضها مرفوع"[35].

ثانياً: إن ما تعرض له أيوب من مرض في جسده جعل الناس تنفر وتشمئز منه ولا تطيق الاجتماع به هو أمر مستبعد حصوله مع الأنبياء (ع)، ومرفوض وفق ما برهن عليه في علم الكلام، فإنّ الرسل والأنبياء (ع) ومهما أصابهم من ابتلاءات عظيمة وجليلة تهدف إلى تربيتهم وصقل شخصيتهم إلا أنهم لا يصابون بما يوجب نفوراً عاماً منهم، لأن ذلك يسيء إلى دورهم الرسالي، ويحول دون وثوق الناس بهم وانقيادهم إليهم، ولهذا لم يعهد أن نبياً من الأنبياء كان قزماً على سبيل المثال، لا لأن القزم ليس مؤهلاً لبلوغ أعلى مراتب الكمال الروحي والمعنوي، وإنما لتنفر الناس من الانقياد إليه، وكذلك الحال لو كان خنثى. وما ذكرناه هو ما تبناه علماؤنا[36]، وتشهد له بعض الأخبار، ففي الخبر عن الإمام جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهم السلام قال : إنّ أيوب عليه السلام ابتلى من غير ذنب ، وإنّ الأنبياء لا يذنبون، لأنهم معصومون مطهرون ، لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنباً ، صغيراً ولا كبيراً . وقال عليه السلام: إنّ أيوب عليه السلام مع جميع ما ابتلى به لم ينتن له رائحة، ولا قبحت له صورة ، ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا يدود شئ من جسده ، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه ، وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بماله عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج"[37]. وجاء في الخبر عن الإمام الصادق (ع)، قَدِ اشْتَكَى رَسُولُ اللَّه (ص) فَقَالَتْ لَه عَائِشَةُ: بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ، فَقَالَ أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّه عَزَّ وجَلّ، مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَنِي بِذَاتِ الْجَنْبِ، قَالَ: فَأَمَرَ فَلُدَّ بِصَبِرٍ"[38].

لكن قد يقال: إنّه لا بدّ من تنزيه الأنبياء (ع) عما يوجب النفور، في حال كان ذلك إرادياً لهم أو كان غير إرادياً بيد أنه يبقى ملازماً لهم إلى آخر العمر، كما في حالة القزم، أمّا إذا كان ظرفياً ومؤقتاً وكان ابتلاؤه به بهدف تربوي له وللأمة، ليشفى بعد هذه المدة ويعود إلى ساحة جهاده معافى سليماً فهذا لا يؤثر سلباً على دوره الرسالي، بل ربما أعلى من مكانته في النفوس لما رأى الناس من صبره على الأذى ونجاحه في الامتحان.

ثالثاً: وقد استشكل الزمخشري في الخبر، من جهة أنّ الله تعالى لا يسلط الشيطان على أنبيائه (ع)، قال: " ولا يجوز أن يسلطه الله على أنبيائه ليقضى من إتعابهم وتعذيبهم وطره ، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحا إلا وقد نكبه وأهلكه ، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب"[39].

 ويرد عليه: أن الله تعالى لا يسلط الشيطان على عقل النبي (ع)، لينطق بغير الحق[40]، ولا يسلطه على إرادته، ليغدو أداة طيعة بيد الشيطان فاقداً للإرادة، كيف وهو تعالى لم يسلطه على المؤمنين من عباده، { إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان }[الحجر: 42]، وأيوب (ع) لم يتسلط الشيطان لا على عقله ولا على إرادته، وإنما سُلِّط على جسده، وهذا لا دليل على استحالته[41]، إلا إذا وصل حد نفور الناس منه وعدم استماعهم ولا انقيادهم إليه بشكل كلي ودائم، فالأمراض المنفرة لا يبتلى بها الأنبياء (ع) حفظاً لدورهم الرسالي.

الهم اليوسفي

ويؤسفني القول: إنّ بعض الروايات الواردة في كتب المسلمين تنسب إلى بعض الأنبياء عملاً قبيحاً لم يذكر حتى في التوراة نفسها، وعنيت بذلك ما جاء في قصة يوسف (ع) وما جرى له مع امرأة العزيز، فبينما يحدثنا القرآن الكريم عما جرى معه، فيقول: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24]، أي إنّ الأمر - بحسب الآية - لم يتجازو الهم منه (ع) وهو أمر طبعي لا يؤاخذ الإنسان عليه، كما يرى بعض المفسرين، ويرى مفسرون آخرون أنّ الهم من يوسف لم يحصل أصلاً، لأن "لولا" في الآية حرف امتناع، فتدل على عدم حصول الهمّ بالمعصية بسبب رؤية برهان ربه، فالأمر واضح في عدم ارتكاب يوسف (ع) ما يشين. هذا ولكن بعض الأخبار تنسب إلى يوسف (ع) أنه وقع في الإراء وباشر بفعل المقدمات المحرمة، فحلّ إزاره وكاد أن يقع في المعصية لولا أن رأى والده عاضاً على إصبعه[42]، فعندها ترك التمادي وعاد إلى رشده، وهذا المعنى لم نجده حتى في التوارة، فإنها نزهت يوسف (ع) عن ذلك[43].

  1. تسرب الإسرائليات إلى بعض تفاسير الشيعة

وإذا كان اشتمال بعض المصادر ومنها: تفسير الطبري على هذه الأخبار طبيعياً لأنّ أصحابها لا يتحرجون في الرواية عن مسلمة أهل الكتاب كوهب بن منبه أو كعب الأحبار إلا أنّ المستغرب حقاً تسرب هذه الإسرائيليات إلى بعض المصادر الشيعية كتفسير علي بن إبراهيم القمي، ولا يستبعد أن تكون هذه الروايات هي من دس الغلاة والوضاعين الذين أدخلوا أكاذيبهم في الكتب الصحيحة لكبار أصحاب الأئمة (ع) ثم انتقلت إلى سائر المصادر المتأخرة، وذلك من أمثال المغيرة بن سعيد الذي كذب على الإمام الباقر (ع)، ففي الرواية عن الإمام الصادق(ع): "كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه، فكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس فيها الكفر والزندقة"[44]، وهكذا الحال في أبي الخطاب.

ولو كان لأمثال هذه الروايات أصل في كلام الأئمة (ع) لما تفرد بنقلها وروايتها القمي في تفسيره، هذا إن كان هو من أوردها ولم يتم إقحامها على كتابه. 

إلى غير ذلك من القصص القرآني التي دخلتها الإسرائيليات، كما في قصة هاروت وماروت، وفي قضية المسوخ، وفي إخراج آدم من الجنة ودور الحيّة التي تمثّل بها  الشيطان وأغوت حواء وكذا ما يتعلق ببعض الظواهر الكونية، ولهذا نحن معنيون بأن نطهر كتب التفسير من هذه الأكاذيب.

  1. دور الأئمة (ع) في مواجهة الإسرائيليات

وقد عرف عن الإمام علي (ع) مواقفه المتشددة في مواجهة رموز الإسرائيليات، وغيرهم من القصاصين الذين كانوا يعتلون منابر المسلمين ويبثون أفكارهم، ففي صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) رَأَى قَاصّاً فِي الْمَسْجِدِ فَضَرَبَه بِالدِّرَّةِ وطَرَدَه"[45].

وكان له (ع) دور في وضع الأسس والضوابط المعيارية لعلاج حالات اختلاف الحديث مع القرآن، وبيان وجوه وعلل ومناشء الوضع والاختلاف في الأحاديث ، فقد روى الكليني،عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيه عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ قُلْتُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ سَلْمَانَ والْمِقْدَادِ وأَبِي ذَرٍّ شَيْئاً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وأَحَادِيثَ عَنْ نَبِيِّ اللَّه ص غَيْرَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْكَ تَصْدِيقَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ ورَأَيْتُ فِي أَيْدِي النَّاسِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ومِنَ الأَحَادِيثِ عَنْ نَبِيِّ اللَّه ص أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُمْ فِيهَا وتَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّه بَاطِلٌ أفَتَرَى النَّاسَ يَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص مُتَعَمِّدِينَ ويُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وبَاطِلاً وصِدْقاً وكَذِباً ونَاسِخاً ومَنْسُوخاً وعَامّاً وخَاصّاً ومُحْكَماً ومُتَشَابِهاً وحِفْظاً ووَهَماً وقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص عَلَى عَهْدِه حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكَذَّابَةُ ( 2 ) فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْه مِنْ بَعْدِه وإِنَّمَا أَتَاكُمُ الْحَدِيثُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ رَجُلٍ مُنَافِقٍ يُظْهِرُ الإِيمَانَ مُتَصَنِّعٍ بِالإِسْلَامِ ( 3 ) لَا يَتَأَثَّمُ ولَا يَتَحَرَّجُ ( 1 ) أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّه مُنَافِقٌ كَذَّابٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْه ولَمْ يُصَدِّقُوه ولَكِنَّهُمْ قَالُوا هَذَا قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّه ص ورَآه وسَمِعَ مِنْه وأَخَذُوا عَنْه وهُمْ لَا يَعْرِفُونَ حَالَه - وقَدْ أَخْبَرَه اللَّه عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَه ( 2 ) ووَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ فَقَالَ عَزَّ وجَلَّ * ( وإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) * ( 3 ) ثُمَّ بَقُوا بَعْدَه فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ والدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ والْكَذِبِ والْبُهْتَانِ فَوَلَّوْهُمُ الأَعْمَالَ ( 4 ) وحَمَلُوهُمْ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ وأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا وإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ والدُّنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّه فَهَذَا أَحَدُ الأَرْبَعَةِ ورَجُلٍ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّه شَيْئاً لَمْ يَحْمِلْه عَلَى وَجْهِه ووَهِمَ فِيه ولَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً فَهُوَ فِي يَدِه يَقُولُ بِه ويَعْمَلُ بِه ويَرْوِيه فَيَقُولُ أَنَا سَمِعْتُه مِنْ رَسُولِ اللَّه ص فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّه وَهِمَ لَمْ يَقْبَلُوه ولَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّه وَهِمَ لَرَفَضَه ورَجُلٍ ثَالِثٍ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّه ص شَيْئاً أَمَرَ بِه ثُمَّ نَهَى عَنْه وهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ سَمِعَه يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِه وهُوَ لَا يَعْلَمُ فَحَفِظَ مَنْسُوخَه ولَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ ولَوْ عَلِمَ أَنَّه مَنْسُوخٌ لَرَفَضَه ولَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوه مِنْه أَنَّه مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوه - وآخَرَ رَابِعٍ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص مُبْغِضٍ لِلْكَذِبِ خَوْفاً مِنَ اللَّه وتَعْظِيماً لِرَسُولِ اللَّه ص لَمْ يَنْسَه ( 5 ) بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِه فَجَاءَ بِه كَمَا سَمِعَ - لَمْ يَزِدْ فِيه ولَمْ يَنْقُصْ مِنْه وعَلِمَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ فَعَمِلَ بِالنَّاسِخِ ورَفَضَ الْمَنْسُوخَ فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ ص مِثْلُ الْقُرْآنِ نَاسِخٌ ومَنْسُوخٌ وخَاصٌّ وعَامٌّ ومُحْكَمٌ ومُتَشَابِه قَدْ كَانَ يَكُونُ ( 6 ) مِنْ رَسُولِ اللَّه ص الْكَلَامُ لَه وَجْهَانِ كَلَامٌ عَامٌّ وكَلَامٌ خَاصٌّ مِثْلُ الْقُرْآنِ وقَالَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ فِي كِتَابِه : * ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وما نَهاكُمْ عَنْه فَانْتَهُوا ) * ( 1 ) فَيَشْتَبِه عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ولَمْ يَدْرِ مَا عَنَى اللَّه بِه ورَسُولُه ص ولَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه ص كَانَ يَسْأَلُه عَنِ الشَّيْءِ فَيَفْهَمُ وكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُه ولَا يَسْتَفْهِمُه حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الأَعْرَابِيُّ والطَّارِئُ ( 2 ) فَيَسْأَلَ رَسُولَ اللَّه ص حَتَّى يَسْمَعُوا وقَدْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص كُلَّ يَوْمٍ دَخْلَةً وكُلَّ لَيْلَةٍ دَخْلَةً فَيُخَلِّينِي فِيهَا أَدُورُ مَعَه حَيْثُ دَارَ وقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه ص أَنَّه لَمْ يَصْنَعْ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي فَرُبَّمَا كَانَ فِي بَيْتِي يَأْتِينِي - رَسُولُ اللَّه ص أَكْثَرُ ذَلِكَ فِي بَيْتِي وكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْه بَعْضَ مَنَازِلِه أَخْلَانِي وأَقَامَ عَنِّي نِسَاءَه فَلَا يَبْقَى عِنْدَه غَيْرِي وإِذَا أَتَانِي لِلْخَلْوَةِ مَعِي فِي مَنْزِلِي لَمْ تَقُمْ عَنِّي فَاطِمَةُ ولَا أَحَدٌ مِنْ بَنِيَّ وكُنْتُ إِذَا سَأَلْتُه أَجَابَنِي وإِذَا سَكَتُّ عَنْه وفَنِيَتْ مَسَائِلِي ابْتَدَأَنِي فَمَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا أَقْرَأَنِيهَا وأَمْلَاهَا عَلَيَّ فَكَتَبْتُهَا بِخَطِّي وعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وتَفْسِيرَهَا ونَاسِخَهَا ومَنْسُوخَهَا ومُحْكَمَهَا ومُتَشَابِهَهَا وخَاصَّهَا وعَامَّهَا ودَعَا اللَّه أَنْ يُعْطِيَنِي فَهْمَهَا وحِفْظَهَا فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّه ولَا عِلْماً أَمْلَاه عَلَيَّ وكَتَبْتُه مُنْذُ دَعَا اللَّه لِي بِمَا دَعَا ومَا تَرَكَ شَيْئاً عَلَّمَه اللَّه مِنْ حَلَالٍ ولَا حَرَامٍ ولَا أَمْرٍ ولَا نَهْيٍ كَانَ أَوْ يَكُونُ ولَا كِتَابٍ مُنْزَلٍ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَه مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا عَلَّمَنِيه وحَفِظْتُه فَلَمْ أَنْسَ حَرْفاً وَاحِداً ثُمَّ وَضَعَ يَدَه عَلَى صَدْرِي ودَعَا اللَّه لِي أَنْ يَمْلأَ قَلْبِي عِلْماً وفَهْماً وحُكْماً ونُوراً فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّه بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي مُنْذُ دَعَوْتَ اللَّه لِي بِمَا دَعَوْتَ لَمْ أَنْسَ شَيْئاً ولَمْ يَفُتْنِي شَيْءٌ لَمْ أَكْتُبْه أفَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ فِيمَا بَعْدُ فَقَالَ لَا لَسْتُ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ النِّسْيَانَ والْجَهْلَ"[46].

يهودية يريد إدخالها في الإسلام

وكذلك كان تلميذه ابن عباس، فقد كان له بعض المواقف المشهودة في مواجهة الإسرائيليات التي دخلت على الفكر وغزت التراث الإسلامي، فقد روى الطبري عن عكرمة قال بينا ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل فقال يا ابن عباس سمعت العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس و القمر قال: وكان متكئاً فاحتفز ثم قال: وما ذاك ؟ قال زعم أنه يجاء بالشمس و القمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم! قال عكرمة: فطارت من ابن عباس شفة ووقعت أخرى غضباً، ثم قال: كذب كعب! كذب كعب! كذب كعب! (ثلاث مرات) بل هذه يهودية يريد إدخالها في الاسلام ، الله أجل وأكرم من أن يعذب على طاعته، ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} [إبراهيم: 33]، إنما يعنى دؤوبهما في الطاعة، فكيف يُعَذِّبُ عبدين يثني عليهما إنهما دائبان في طاعته؟! قاتل الله هذا الحبر وقبّح حبريته ، ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين لله"[47].

  1. مؤشرات وأمارات على كون الرواية إسرائيلية

ويمكن أن يذكر معياران لمعرفة كون الخبر ذا مصدر إسرائيلي:

الأول: أن يقع في سنده بعض مسلمة أهل الكتاب، من أمثال كعب القرضي، ووهب بن منبه وكعب الأحبار، وغيرهم. وقد عُرف عن أبي هريرة أخذه من الإسرائيليات، ومن الصحابة الذين رووا الإسرائيليات أيضاً، عبد الله بن عمرو بن العاص[48].

الثاني: ملاحظة المضمون، فإن ما ينقل عن قصص الأمم السابقة وما جرى عليها مما لا طريق له إلا من خلال الوحي، إذا لم يكن موجوداً في القرآن ولا ثبت عن رسول الله (ص) ولا عن الأئمة من أهل بيته (ع) فهذا يظن بكونه من الإسرائيليات أو القصص الموضوعة، ومع فرض كونه مخالفاً لقطعيات العقول فلا يصح التواني في رفضه ورميه عرض الحائط.

من كتاب: حاكمبة القرآن (دراسة تأصيلية حول علاقة السنة بالكتاب ودورها في تفسيره)


[1] التبيان ج 1 ص 7.

[2] الميزان، ج 14 ص 206.

[3] البيان ص 13.

[4] البيان ج 398.

[5] إن بين المسلكين عموماً من وجه، لاجتماعهما في خبر الثقة الذي يحصل الوثوق به مضموناً وصدوراً، وافتراق مسلك حجيّة خبر الثقة الذي لا يكون مضمونه موثوقاً، لقيام الظن على خلافه، وافتراق الثاني عن الأول في الخبر الضعيف من ناحية الراوي الموثوق من ناحية مضمونه لقيام الظن على وفقه (انظر: آل راضي، الشيخ محمد طاهر، (ت 1400هـ)، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول، الطبعة الأولى، أسرة آل الشيخ راضي، قم ـ إيران، ط1، 1425هـ، ج6، ص78). وحول مَنْ تبنى هذا الرأي انظر: السيستاني: السيد محمد رضا، قاعدة لا ضرر ولا ضرار، تقريراً لدروس السيد علي السيستاني، مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني، قم ـ إيران، ط1، 1414هـ، ص87.

[6] أصول الاجتهاد الكلامي – دراسة في المنهج، ص

[7] مقدمة ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، ( الوفاة : 643 هـ) ، تعليق وشرح وتخريج: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، الطبعة : الأولى، سنة الطبع : 1416 - 1995 م الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت – لبنان.

 تفسير القرطبي ج1 ص78.

[8] الغدير ج5 ص276.

[9] تفسير القرطبي ج1 ص78.

[10] البرهان، ج 1، ص 156.

[11] تفسير الميزان، ج 12، ص 114.

[12] معالم المدرستين ج 2 ص 50.

[13] مجموعة الفتاوى، ج 13، ص 366.

[14] أنظر: صحيح البخاري ج8 ص160.

[15] وقد اعترف بالتعارض ابن باز وسائر أعضاء لجنة الإفتاء في السعودية، انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

4، ص 324.

[16] مجمع الزوائد للهيثمي، ج 1، ص 182. والمتهوكون: المتحيرون، قال الفراهيدي: " الهوك: الحمق ، ورجل متهوك ، هواك : يقع في الأشياء بحمق. والتهوك : السقوط في هوة الردى . وقول النبي صلى الله عليه و [ على ] آله وسلم : أمتهوكون أنتم في الإسلام، لا تعرفون دينكم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية"، أي أمتحيرون أنتم في الإسلام!"، كتاب العين، ج 4، ص 65،

[17] مسند أحمد، 3، ص 387، والمصنف لابن أبي شيبة، ج 6، ص 228، وفي مجمع الزوائد عن أبي الدرداء

قال" جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن زيد الذي أرى الاذان أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين". قال: "رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون "، مجمع الزوائد، ج 1، ص 174. والمضمون المذكور مروي من عدة طرق، وله مؤيدات، أشار إليها الألباني، ووصف الحديث بأنه حسن على أقل تقدير، إرواء الغليل، ج 6، ص 37، ورواه الصدوق مرسلاً قال: "وأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا فترى أن نكتب بعضها ؟ فقال : أمتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي"، في معاني الأخبار ص 282، 

[18] تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص 5.

[19] سنن الدارمي، ج 1، ص 124.

[20] جاء فيه :" ..قال فأوحى إليه إنك مبتلى فاحترس قال فمكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب حتى وقع عند رجليه وهو قائم يصلى قال فمد يده ليأخذه فتنحى فتبعه فتباعد حتى وقع في كوة فذهب ليأخذه فطار من الكوة فنظر أين يقع فيبعث في أثره قال فابصر امرأة تغتسل على سطح لها فرأى امرأة من أجمل النساء خلقا فحانت منها التفاتة فأبصرته فألقت شعرها فاستترت به قال فزاده ذلك فيها رغبة قال فسأل عنها فأخبر أن لها زوجا وأن زوجها غائب بمسلحة كذا وكذا قال فبعث إلى صاحب المسلحة يأمره أن يبعث أوريا إلى عدو كذا وكذا قال فبعثه ففتح له قال وكتب إليه بذلك فكتب إليه أيضا أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا أشد منهم بأسا قال فبعثه ففتح له أيضا قال فكتب إلى داود بذلك قال فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا قال فبعثه قال فقتل المرة الثالثة قال وتزوج داود امرأته فلما دخلت عليه لم تلبث عنده الا يسيرا حتى بعث الله ملكين في صورة انسيين.. قال يا رب كيف أعلم أنك قد غفرت لي وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء إذا جاء أوريا يوم القيامة آخذا رأسه بيمينه أو بشماله يشخب أوداجه دما في قبل عرشك يقول يا رب سل هذا فيم قتلني قال فأوحى الله إليه إذا كان ذلك دعوت أوريا فأستوهبك منه فيهبك لي فأثيبه بذلك الجنة قال رب الآن علمت أنك قد غفرت لي"، انظر: تاريخ الطيري ج 1 ص 339، والدر المنثور، ج 5، ص 302.

[21] فقد روى القمي قال: " حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام ( الظاهر صحة السند) عن الصادق عليه السلام قال : ".. وكان داود عليه السلام يفرغ نفسه لعبادته يوما ويقعد في محرابه يوما ويقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم ، فلما كان اليوم الذي وعده الله عز وجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي فإذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبر جد أخضر ورجلاه من ياقوت أحمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد فأعجبه جدا ونسي ما كان فيه ، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على حائط بين داود وبين أوريا بن حنان وكان داود قد بعث أوريا في بعث فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة أوريا جالسة تغتسل فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها ، فنظر إليها داود فافتتن بها ورجع إلى محرابه ، ونسي ما كان فيه، وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث لما ان يصيروا إلى موضع كيت وكيت يوضع التابوت بينهم وبين عدوهم ، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عز وجل : { فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة} [البقرة: 248]، وقد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي ، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكا يقاتل في سبيل الله بعث إليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل . فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه ان ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم أوريا بن حنان بين يدي التابوت فقدمه وقتل ، فلما قتل أوريا دخل عليه الملكان وقعدا ولم يكن تزوج امرأة أوريا وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم عبادته فدخلا عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما فقالا : {لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط} [ص: 22] "تفسير القمي ج 2 ص 229

[22] جاء في صموئيل الثاني: " .. وأما داود فأقام في أورشليم .2 وكان في وقت المساء أن داود قام من سريره وتمشي على سطح بيت الملك فرأى من على السطح المرأة تستحم . وكانت المرأة جميلة المنظر جدا . 3 فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي 4 فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها . ثم رجعت إلى بيتها . 5 وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت إني حبلى 6 فأرسل داود إلى يوآب يقول أرسل إلي أوريا الحثي . فأرسل يوآب أوريا إلى داود .7 فأتى أوريا إليه فسأل داود عن سلامة يوآب وسلامة الشعب ونجاح الحرب. 8 وقال داود لأوريا انزل إلى بيتك واغسل رجليك . فخرج أوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك . 9 ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته . 10 فأخبروا داود قائلين لم ينزل أوريا إلى بيته . فقال داود لأوريا أما جئت من السفر . فلماذا لم تنزل إلى بيتك . 11 فقال أوريا لداود إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي . وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر . 12 فقال داود لأوريا أقم هنا اليوم أيضا وغدا أطلقك . فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وشده . 13 ودعاه داود فأكل أمامه وشرب وأسكره . وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده وإلى بيته لم ينزل 14 وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب وأرسله بيد أوريا . 15 وكتب في المكتوب يقول . اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت . 16 وكان في محاصرة يوآب المدينة أنه جعل أوريا في الموضع الذي علم أن رجال البأس فيه . 17 فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات أوريا الحثي أيضا"، العهد القديم ( التوراة) / صموئيل الثاني.

[23] روى ذلك ابن سعد في طبقاته ج 8 ص 202، عن كعب القرظي، والمعارف لابن قتبة الدينوري 46..

[24] تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى ص 132، ومجمع البيان ج 8 ص 354،

[25] تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج 3 ص 189، تفسير النسفي ج 4 ص 36، والكشاف ج 3 ص 366. وتفسير الفخر الرازي ج 26 ص 192، وعصمة الأنبياء له أيضاً ص 76، وزبدة التفاسير للكاشاني ج 6 ص 17.

[26] الأمالي للصدوق ص 152، وعيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 172.

[27] يقول الطبرسي: تعليقاً على الخبر المذكور " لا شبهة في فساده ، فإن ذلك مما يقدح في العدالة ، فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله الذين هم أمناؤه على وحيه ، وسفراؤه بينه وبين خلقه ، بصفة من لا تقبل شهادته ، وعلى حالة تنفر عن الاستماع إليه ، والقبول منه ؟ جل أنبياء الله عن ذلك ."، مجمع البيان ج 8 354،

[28] قال في تفسير قوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم }  الآيات " فاعلم أن الذي أقطع به عدم دلالة هذه الآية على صدور الكبيرة من داود عليه السلام . وبيانه من وجوه:

الأول: أن الذي حكاه المفسرون عن داود وهو أنه عشق امرأة أوريا فاحتال حتى قتل زوجها فتزوجها لا يليق بالأنبياء بل لو وصف به أفسق الملوك لكان منكرا.

الثاني: أن الدخول في دم أوريا أعظم من التزوج بامرأته فكيف ترك الله الذنب الأعظم واقتصر على ذكر الأخف ؟!

الثالث: أن السورة من أولها إلى آخرها في محاجة منكري النبوة فكيف يلائمها القدح في بعض أكابر الأنبياء بهذا الفسق القبيح ؟ !

الرابع: أن الله تعالى وصف داود عليه السلام في ابتداء القصة بأوصاف حميدة . وذلك ينافي ما ذكروه في الحكاية بيان وصفه تعالى بأوصاف حميدة من وجوه .."، ثم ذكر اثنتي عشر وجها من القرآن الكريم دلّت على جلالة داوود ما يجعل صدور هذه الفاحشة وجريمة القتل غير معقولة. ثم قال: " فإن قلت  إن كثيرا من المحدثين روى هذه الحكاية قلت: هذه الدلائل الباهرة لما أبطلت قولهم وجب القطع بفسادها . فالعجب اتفاق الناس على أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن ، والظن إنما ينتفع به في العمليات وهذه المسألة ليست من العمليات ، فصارت روايتهم ساقطة العبرة من كل الوجوه "، عصمة الأنبياء ص 72. وقال النحاس: " قد جاءت أخبار وقصص في أمر ( داود ) صلى الله عليه وسلم و ( أوريا ) وأكثرها لا يصح ، ولا يتصل إسناده ، ولا ينبغي ان يجترأ على مثلها ، إلا بعد المعرفة بصحتها . "، معاني القرآن، ج 6 ص 98.

[29] جامع التأويل 17، ص 75، وما بعدها.

[30] المصدر نفسه ج 17 ص 77،

[31] المصدر نفسه ج 17 ص 78.

[32] المصدر نفسه ج 17 ص 78.

[33] روى بسنده عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ( ع ) قال سألته عن بلية أيوب ( ع ) التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت ؟ قال لنعمة أنعم الله عليه بها في الدنيا وأدى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس من دون العرش فلما صعد ورأي شكر نعمة أيوب حسده إبليس، وقال: يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدى إليك شكر نعمة أبداً، فقيل له: قد سلطتك على ماله وولده، قال فانحدر إبليس فلم يُبقِ له مالا وولدا إلا أعطبه، فازداد أيوب شكرا لله وحمداً، قال: فسلطني على زرعه ، قال: قد فعلت، فجاء مع شياطينه، فنفخ فيه فاحترق، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا، فقال: يا رب ! سلطني على غنمه ، فسلطه على غنمه فأهلكها فازداد أيوب لله شكرا وحمدا، وقال: يا رب سلطني على بدنه، فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه، فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود وكانت تخرج من بدنه فيردها ويقول لها: ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية، وكانت امرأته رحيمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين وعليها تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده ، قال: فلما طال عليه البلاء ورأي إبليس صبره أتى أصحاباً له كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم : مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى ونسأله عن بليته فركبوا بغالا شهبا وجاؤا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فقرنوا بعضا إلى بعض، ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه ، فقالوا : يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه، وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره ؟ فقال أيوب: وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاماً إلا ويتيمٌ أو ضيفٌ يأكل معي، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله إلا أخذت بأشدهما على بدني، فقال الشاب: سوأة لكم عمدتم إلى نبي الله فعيرتموه حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها ، فقال أيوب : يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي فبعث الله إليه غمامة، فقال : أيوب أدلني بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أنا ذا قريب ولم أزل فقال يا رب انك لتعلم انه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي ألم أحمدك ألم أشكرك ألم أسبحك ؟.."، تفسير القمي ج 2 ص 241.

[34] العهد القديم / أيوب

[35] المجموع ج 18 ص 81.

[36] قال السيد المرتضى: "فإن قيل ، أفتصححون ما روي أن الجذام أصابه حتى تساقطت أعضاؤه ؟ .

قلنا : إن العلل المستقذرة التي ينفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام فلا يجوز شئ منها على الأنبياء عليهم السلام .. لأن النفور ليس بواقف على الأمور القبيحة ، بل قد يكون من الحسن والقبيح معا . وليس ينكر أن يكون أمراض أيوب عليه السلام وأوجاعه . ومحنته في جسمه ثم في أهله وماله بلغت مبلغا عظيما يزيد في الغم والألم على ما ينال المجذوم ، وليس ننكر تزايد الألم فيه ( عليه السلام ) ، وإنما ننكر ما اقتضى التنفير"، تنزيه الأنبياء، ص 93.

[37] الخصال ص 400.

[38] الكافي ج 8 ص 194. بيان: "قوله عليه السلام: " قد اشتكى" لعلّه استشهاد للتداوي بالدواء المر. قوله صلى الله عليه وآله : " أنا أكرم على الله " لعله لاستلزام ذلك المرض اختلال العقل وتشويش الدماغ غالباً. قوله عليه السلام: " فلد بصبر " قال الفيروزآبادي : اللدود كصبور : ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم، وقد لده لدا ولدودا ولده إياه وألده ولده فهو ملدود"، مرآة العقول ج 26 ص 92.

[39] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ج 3، ص 376.

[40] في الخبر عن أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: ".. أمَا تَرَى أَيُّوبَ كَيْفَ سُلِّطَ إِبْلِيسُ عَلَى مَالِه وعَلَى وُلْدِه وعَلَى أَهْلِه وعَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْه ولَمْ يُسَلَّطْ عَلَى عَقْلِه تُرِكَ لَه لِيُوَحِّدَ اللَّه بِه" الكافي، ج .

[41] يقول السيد الطباطبائي: "وأما مطلقُ إيذاء الشيطان فيما لا يرجع إلى معصية فلا دليل يمنعه قال تعالى: {وأذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب}[] الميزان ج 13 ص 341. وقال رحمه الله تعليقاً على كلام الزمخشري المذكور أعلاه: "وفيه: أن الذي يخصّ الأنبياء وأهل العصمة أنهم لمكان عصمتهم في أمن من تأثير الشيطان في نفوسهم بالوسوسة ، وأما تأثيره في أبدانهم وسائر ما ينسب إليهم بإيذاء أو إتعاب أو نحو ذلك من غير إضلال فلا دليل يدل على امتناعه ، وقد حكى الله سبحانه عن فتى موسى وهو يوشع النبي عليه السلام : { فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} [ الكهف : 63 ]. ولا يلزم من تسلطه على نبي بالإيذاء والإتعاب لمصلحة تقتضيه كظهور صبره في الله سبحانه وأوبته إليه أن يقدر على ما يشاء فيمن يشاء من عباد الله تعالى"، تفسير الميزان، ج 17 ص 209.

[42] هذه الرواية رواها غير واحد، فقد روى الطبري بسنده عن ابن أبي مليكة ، قال : بلغني أن يوسف لما جلس بين رجلي المرأة فهو يحل هميانه . نودي : يا يوسف بن يعقوب لا تزن ، فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه فأعرض . ثم نودي فأعرض. فتمثل له يعقوب عاضا على أصبعه ، فقام"، جامع البيان، ج 12، ص 243. وعن السدي : {ولقد همت به وهم بها}  قال : قالت له : يا يوسف ما أحسن شعرك! قال : هو أول ما ينتثر من جسدي . قالت : يا يوسف ما أحسن وجهك قال : هو للتراب يأكله . فلم تزل حتى أطمعته ، فهمت به وهم بها . فدخلا البيت ، وغلقت الأبواب ، وذهب ليحل سراويله ، فإذا هو بصورة يعقوب قائما في البيت قد عض على أصبعه يقول : يا يوسف تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه.."، انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج 12 ص 239.  وقد تسرب هذا المضمون إلى بعض تفاسير الشيعة، ففي تفسير العياشي، عن محمد بن قيس عن أبي عبد الله قال : سمعته يقول : إن يوسف لما حل سراويله رأى مثال يعقوب قائما عاضا على إصبعه وهو يقول له : يا يوسف قال : فهرب.."، انظر: تفسير العياشي ج 2 ص 174، ولكن العياشي نفسه روى بعده خبر آخر ينفي ما نسبوه إليه (ع)، والخبر مروي عن أبي جعفر عليه السلام قال : أي شئ يقول الناس في قول الله عز وجل : ( لولا أن رأى برهان ربه ) ؟ قلت : يقولون رأى يعقوب عاضا على إصبعه فقال : لا ليس كما يقولون ، فقلت : فأي شئ رأى ؟ قال : لما همت به وهم بها قامت إلى صنم معها في البيت ، فألقت عليه ثوبا فقال لها يوسف : ما صنعت ؟ قال : طرحت عليه ثوبا استحيى أن يرانا ، قال : فقال يوسف : فأنت تستحيي من صنمك وهو لا يسمع ولا يبصر ولا أستحي أنا من ربى!"، تفسير العياشي، ج 2، ص 174.

[43] جاء في سفر التكوين :" وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت اضطجع معي . 8 فأبى وقال لامرأة سيده هو ذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت وكل ماله قد دفعه إلى يدي . 9 ليس هو في هذا البيت أعظم مني . ولم يمسك عني شيئا غيرك لأنك امرأته . فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله . 10 وكان إذ كلمت يوسف يوما فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها 11 ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك في البيت، 12 فأمسكته بثوبه قائلة اضطجع معي . فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج . 13 وكان لما رأت أنه ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارج 14 أنها نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة انظروا . قد جاء إلينا برجل عبراني ليداعبنا. دخل إلي ليضطجع معي فصرخت بصوت عظيم".

[44] اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي ج2 ص491.

[45] الكافي ج 7 ص 263.

[46] الكافي ج 1 ص 64.

[47] تاريخ الطبري ج 1 ص 44 ورواها اليعقوبي في تاريخه دون ذكر الدخول بها ولكن مع ذكر إعجابه بها وتآمره على قتل زوجها، تاريخ اليعقوبي ج 1 ص 52، .

[48] فقد روى عنه موقوفا: "لا تقتلوا الضفادع فإنّ نقيقها تسبيح، ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال: يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم". قال البيهقي: إسناده صحيح. قال الحافظ: وإن كان إسناده صحيحا لكن عبد الله بن عمرو كان يأخذ عن الإسرائيليات. ومن جملة ما نهى عن قتله الخطاف"، انظر: نيل الأوطار للشوكاني، ج 8 ص 295،

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon