حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول التفسير
الروايات التأويليّة -1
الشيخ حسين الخشن



ومن أصناف الأخبار الواردة في مجال تفسير القرآن الكريم: ما يمكن تسميته بالأخبار التأويليّة، ولا أقصد بالتأويل هنا معناه اللغوي[1] والذي يراد به كلّ جهد تفسيري يعمل على تفسير الآية بمآلاتها، وإنما أقصد به الشائع في كلمات الفقهاء والأصوليين، وهو حمل اللفظ على خلاف ظاهره العرفي، دون قرينة تساعد على ذلك  أو مبرر يفرضه[2].

وفي هذا المحور سوف نسلط الضوء على هذا الصنف الذي امتلأت بها كتب التفسير والحديث، وهو يضم مئات وربما آلاف الروايات التي تكاد تغطي معظم السور القرآنية، وثمّة كتب تفسيرية معظمها من هذا اللون التفسيري.  

وثمة ملاحظة أوليّة نسجلها هذا التراث التأويلي، وهي أنّ أصابع الغلاة قد امتدت إليه، فوضعوا أحاديث كثيرة في هذا المجال، وتلاعبوا بدلالات الآيات القرآنية، إما كيداً للدين وأهله، أو اعتقاداً منهم أنهم بذلك يخدمون الدين ويخففون من النزعة القشرية الجامدة في فهم النص القرآني وغيره.

إنّ الاتجاه المغالي إنْ لم يتسن له التلاعب في القرآن الكريم نفسه، لأنه مصون من التحريف زيادة ونقصاً، لكنه لم يأل جهداً في ممارسة تحريف من نوع آخر، وهو التحريف في تفسير القرآن وتأويله، حيث إنّهم عملوا على العبث بتفسير الآيات وأوغلوا في تأويلها وإخراجها عن معانيها دون ضوابط أو معايير واضحة ومقنعة.

باختصار: لقد شكّل هذا الحقل مجالاً خصباً للفرق الباطنيّة والتي تسللت تحت ستار نظريّة البطون لتعمل سيف التأويل في آيات القرآن بطريقة خارجة عن كل ضوابط قراءة النص، الأمر الذي يفرض علينا دراسة الأخبار التأويلية دراسة وافية ومعمقة، وهذا ما نتعرض له فيما يلي:

  1. تصنيف الروايات التأويليّة إلى صنفين

بداية علينا أن نشير إلى أنّ الروايات التأويليّة على صنفين:

الأول: الروايات الواردة في تفسير الحروف المقطعة الواردة في بدايات السور.

الثاني: الروايات الواردة في تفسير سائر الآيات القرآنية.

 وفيما يلي نتطرق إلى هذين الصنفين، ونذكر لكل صنف مهما نماذج معينة، مع تسجيل بعض الملاحظات النقدية بعد كل نموذج، على أن نعود في وقفة لاحقة لتسجيل الملاحظات العامة على مجمل التراث التأويلي. 

أولا: تأويل الحروف المقطعة

تعرضت الحروف المقطعة الواردة في مستهل السور القرآنية إلى الكثير من التأويل غير المعتمد على مقياس واضح، وفيما يلي نذكر بعض النماذج:

النموذج الأول: قوله تعالى: { كهيعص }

روى الصدوق بإسناده إلى سعد بن عبد الله حديثاً عن الإمام الحجة المنتظر(ع) - جاء في حديث - :" قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل " كهيعص " قال هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين سري عنه همه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة[3]، فقال ذات يوم : يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته ، وقال : " كهيعص " " فالكاف " اسم كربلاء . و " الهاء " هلاك العترة . و" الياء " يزيد ، وهو ظالم الحسين عليهما السلام . و " العين " عطشه . و " الصاد " صبره "[4].

ويلاحظ عليه:

أولاً: ضعف الحديث سنداً، لاشتماله على بعض المجاهيل الذين لم يذكروا في علم الرجال[5]، كما أنّ بعض رجاله وهو محمد بن بحر الشيباني متهم بالغلو[6]، وقد رجح بعض الرجاليين كون الخبر من الموضوعات، قال الشيخ محمّد جعفر بن محمّد طاهر الخراساني الكرباسي ( ت: 1175هـ) :" ومن الأمارات ( يقصد أمارات الوضع في هذا الحديث ) تفسيره "كهيعص" بأنّ الكاف من كربلا ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد ، والعين عطش الحسين ، والصاد صبره"[7].

 واعترض المازندراني في "منتهى المقال" على كلام الشيخ الكرباسي بأنّ: "للقرآن بطوناً ربما فسروا الآية الواحدة بتفاسير متعددة، بل ومتضادة متناقضة، ولم ينكر أحد ذلك، كما هو ظاهر لمن تتبع الأخبار وجاس خلال تلك الديار، وقد ورد في تفسير ({ حم عسق } أن حم[8] حتم، وعين عذاب، وسين سنين كسني يوسف عليه السلام، وقاف قذف وخسف يكون في آخر الزمان بالسفياني وأصحابه ، وورد في تفسير ( آلم غلبت الروم ) أنهم بنو أمية"، وأكثرَ من ذكر الأمثلة، وأضاف: " على أنّ { كهيعص} ليس محكماً نعرف تفسيره الظاهري حتى نحكم ببطلان ما يخالف ظاهره على فرض جواز الحكم بذلك ، ولم يصل إلينا أيضاً عنهم عليهم السلام في تفسيره ما يخالف هذا التفسير حتى نحكم بصحة ذاك وبظاهر هذا . نعم في تفسير القمي أنّ كهيعص}  أسماء الله مقطعة، أي: الله الكافي الهادي العالم الصادق ذي الآيات العظام"[9].

إلا أنّ اعتراضاته ليست في محلها وما يرد على تأويل { كهيعص} يرد على سائر التأويلات في نظائرها من الحروف المقطعة، التي لا تعدّ كثرتها دليلاً على صحتها ما لم ترو بالأسانيد المعتبرة والتي يعوّل عليها في هذا المقام، وسيأتي أنّها ضعيفة، وأما كون هذا النوع من الآيات غير محكم فصحيح، ولكن غير المحكم أو قل المتشابه، قد أعطى القرآن الكريم نفسه قاعدة في تفسيره، وهي الرجوع في أمره إلى المحكم، وأما تفسيره بمثل هذه التأويلات التي لا تبتني على قاعدة مفهومة فهو لا يحلّ المشكلة، لأنّ لكل أحد أن يذكر نظيرها، كما فعل الباطنية.

وهكذا فقد ضعّف العلامة التستري ( 1415هـ) الحديث المذكور سنداً ومتناً، قال: "كما أنّ متنه يشهد بعدم صحته، كذلك سنده، فإنّ الصدوق إنما يروي عن سعد بتوسط أبيه أو شيخه ابن الوليد، كما يعلم من مشيخة فقيهه، والخبر تضمن أربع وسائط منكرين، ومن الغريب أنّ صاحب الكتاب المعروف بالدلائل رواه بثلاث وسائط، مع أنه يروى كالشيخ عن الصدوق بواسطة .."[10].

ثانياً: إنّ التأويل المذكور ينافيه ما جاء في أخبار أخرى ذكرت تأويلات أخرى للآية، ففي "معاني الأخبار" للشيخ الصدوق بسند ينتهي إلى سفيان بن سعيد الثوري[11]، عن الإمام الصادق (ع): ".. و{ كهيعص } معناه: أنا الكافي الهادي الولي العالم الصادق الوعد"[12]. وفي رواية أخرى للصدوق في معاني الأخبار أيضاً، بسنده[13] إلى جعفر بن محمد ابن عمارة ، عن أبيه، قال: حضرت عند جعفر بن محمد الباقر عليهما السلام، فدخل عليه رجل فسأله عن "كهيعص"؟ فقال عليه السلام: "كاف" كاف لشيعتنا، "ها " هادي لهم " يا " ولي لهم، "عين" عالم بأهل طاعتنا، "صاد" صادق لهم وعدهم حتى يبلغ بهم المنزلة التي وعدها إياهم في بطن القرآن"[14].

وتعدد التأويلات الذي لا يعتمد على قاعدة واضحة ومفهومة يزيد الأمر إشكالاً، ولا يمكن أن نعدّ ذلك دليلاً على مصداقيّة الروايات، استناد إلى ما قدمنا ذكره فيما سبق من أن اشتمال الأخبار على عدة مصاديق هو دليل على المصداقيّة، والوجه في عدم قبول هذا الأمر هنا هو أنّ حمل ما ذكرته الأخبار على المصداقية، إنما يكون له وجه فيما لو كان لفظ الآية يتحّمل ذلك، بسبب سعة مفهومها وانطباقه على كل تلك المصاديق، وهذا الأمر مفقود في المقام.    

النموذج الثاني: قوله تعالى: { طه }

جاء في تفسير الثعلبي: "وقال جعفر بن محمد الصادق: {طه}: طهارة أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم، ثم [ قرأ] { إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}"[15]. وقد نقل الرواية عنه بعض علماء الشيعة، ومنهم السيد الزكي شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي، في كتابيه: "كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة"[16]. وفي تفسير الفخر الرازي: "يحكى عن جعفر الصادق عليه السلام: الطاء: طهارة أهل البيت، والهاء هدايتهم"[17]،

أقول يلاحظ على هذا التأويل:

أولاً: إنّ هذا الحديث لا يعوّل عليه سنداً، فالثعلبي والرازي أرسلاه إرسالاً، ولم نعرف مصدرهما ومستندهما.

ثانياً: قد وردت روايات أخرى في تفسير {طه} تذكر تأويلاً مختلفاً، جاء فيه أنّ المقصود بـ "طه" هو النبي (ص)، أو أنّ ذلك اسم من أسمائه (ص)، فقد روى الصدوق بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثوري عن الصادق (ع) قال: "وأما "طه" فاسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله ومعناه: يا طالب الحق الهادي إليه"[18].

وربما يقال: "ويظهر من هذا الحديث أنّ {طه} مركب من حرفين رمزيين، فالطاء إشارة إلى طالب الحق ، والهاء إلى الهادي إليه ، ونحن نعلم أن استعمال الحروف الرمزية وعلامات الاختصار فيما مضى وفي يومنا هذا أمر طبيعي وكثير الاستعمال، خاصة في عصرنا الحاضر، فإنه كثير التداول والاستعمال جدا"[19].

ويلاحظ عليه: إنّ القرآن لم ينزل بلغة الأسرار والرموز المشفرة بطريقة خاصة لا يفهمها إلا البعض، وإنما هو كتاب خوطب به عامة الناس، بلغة تمتاز بالبيان والوضوح كما وصف نفسه، وهذا وإن كان لا ينافي وجود أعماق لآياته، بيد أنّ هذا شيء ولغة الرموز والأسرار شيء آخر.

النموذج الثالث: قوله تعالى: { حمعسق }

 قال السيد شرف الديني الحسيني (توفي قريب من 965هـ): " تأويله: ما قال محمد بن العباس ( رحمه الله ) : حدثنا علي بن عبد الله بن أسد ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن يوسف بن كليب المسعودي ، عن عمرو ابن عبد الغفار الفقيمي ، عن محمد أبي الحكم  بن المختار ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : " حم " اسم من أسماء الله عز وجل. و " عسق " علم علي عليه السلام بفسق كل جماعة، ونفاق كل فرقة "[20].

والخبر مبتلى بما ابتلي به ما سبقه، من ضعف سنده[21]، بالإضافة إلى وجود تأويل آخر مغاير له، ففي المصدر نفسه يروي "بحذف الإسناد يرفعه إلى محمد بن جمهور عن السكوني عن أبي جعفر قال: ( حم ) حتم و ( عين ) عذاب و ( سين ) سنون كسني يوسف و ( قاف ) قذف وخسف ومسخ يكون في آخر الزمان بالسفياني وأصحابه وناس من كلب ثلاثون ألف ألف يخرجون معه وذلك حين يخرج القائم عليه السلام بمكة وهو مهدي هذه الأمة"[22].

وفي الخبر المتقدم عن "معاني الأخبار" بالإسناد عن سفيان الثوري عن الإمام الصادق (ع): "وأما {حمعسق} فمعناه الحليم المثيب العالم السميع القادر القوى، وأماق فهو الجبل المحيط بالأرض وخضرة السماء منه وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهله"[23].

وقصارى القول

إنّ هذه التفسيرات التأويلية ونظائرها لا يمكن التعويل عليها لعدة أسباب:

  1. : لضعفِ أسانيد الروايات الواردة فيها، على أنّ معظمها واردة في مصادر ثانوية.
  2. تضارب الأخبار في تأويل الآية الواحدة، ما يجعل هذا النوع من التأويل متفلتاً من الضوابط ولا يعتمد على قاعدة مفهومة، وهو الأمر الذي يفتح باب التأويل على مصرعيه، ويغدو هذا الحقل شُرعة لكل وارد، فيدلي كلٌ بدلوه، ويقول في تأويل الآيات ما شاء، مستدلاً على عقائده وأفكاره، وهذا يعدّ خير باب لأصحاب الميول الباطنيّة للعبث في تفسير القرآن الكريم للتفلت من ظواهر آياته تحت ستار التأويل.

رأي آخر أشد غرابة

وتجدر الإشارة إلى أنّ ثمة وجهاً أخر في تفسير الحروف المقطعة، وهو لا يقلُّ غرابة وبعداً عن الرأي التأويلي المذكور، وهو القول إنّ الحروف المقطعة: "هي حروف من حساب الجمل"[24]. ووجه الغرابة في ذلك أنّ هذا الرأي لا يستند إلى دليل يعتد به، وأضف إليه أنّ بناءَ تفسير الآيات المذكورة على أساس حساب الجُمَّل[25]، يجعلها حمالة أوجه ومحتملة لتفسيرات مخالفة، كما نبهت على ذلك الرواية عن الإمام العسكري عن أمير المؤمنين (ع) في محاججته مع بعض اليهود[26].

 وهناك وجوه أخرى طُرحت في تفسير الآيات المذكورة[27]، والأقرب إلى الصواب منها أنّها حروف: "جيء بها تنبيهاً للناس على أنّ القرآن الكريم الذي عجزوا عن مباراته والإتيان بمثله ليس إلا مؤلفاً من هذه الحروف ومركباً منها ، فلم يكن التحدي به لأنه يحتوي على مادة غريبة عنهم وإنما كان بشيء مركب من هذه الحروف التي يتكلمون ويتحادثون بها ، وقد عجز عن الإتيان بمثله أهل الفصاحة والبلاغة"،  أو يقال: " أن هذه الحروف إنما جاءت في أول السور ليفتح القرآن إسماع المشركين الذين تواصوا بعدم الإنصات إليه ، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى - على لسانهم - : { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} فكانت هذه الحروف - بطريقة عرضها وغموضها - سبباً للفت أنظار المشركين إلى استماع القرآن الكريم رجاء أن يتضح لهم منه هذا الغموض والإبهام عند استماعهم له"[28]. وهذا الرأي في تفسيرها مروي عن الإمام العسكري (ع): أنه قال: "كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا: سحر مبين تقوله ، فقال الله : {ألم ذلك الكتاب} أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو الحروف المقطعة التي منها " ألف ، لام ، ميم " وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم ، ثم بيّن أنّهم لا يقدرون عليه بقوله: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً }[الإسراء: 88].."[29]. ولعل هذا الوجه هو ما يفسِّر لنا سكوت النبي (ص) عن ذكر تفسير لها وكذلك سكوت الصحابة عن سؤاله (ص) عنها ما يعني أنها كانت واضحة في دلالتها على التحدي.

ثانياً: تأويل سائر الآيات القرآنية

إنّ التأويل الذي مورس في الحروف المقطعة - مع ضعفه - يبقى أقل خطراً وأخفّ وطأة من التأويل الذي مورس في سائر الآيات ذات المعاني الواضحة والظهورات العرفية البيّنة، فالحروف المقطعة يبقى ثمّة احتمال - ولو كان ضعيفاً - في تفسيرها بأنّها رموز تشير إلى معانٍ باطنيّة لا يملك علمها إلاّ الأوحدي من الناس، أما سائر الآيات القرآنية، فإنّ طرح مثل هذا الاحتمال فيها ضعيف للغاية، لأنّها تتضمن خطابات ذات دلالات واضحة.

 والملاحظ أنّ الغالب على هذا المنحى التأويلي الوارد في الأخبار هو ربط الآيات القرآنية بأهل البيت (ع) بطريقة أو بأخرى، مع عدم مساعدة الظهور ولا السياق على ذلك الربط في كثير من الأحيان.

 وفيما يلي نذكر بعض النماذج المنتشرة في كتب التفسير لهذا النحو من التأويل:

النموذج الأول: ما ورد في تفسير بعض الآيات من سورة الرحمان:

  1. في تفسير القمي، قال: "حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قوله: الرحمن علم القرآن قال عليه السلام: الله علم محمداً القرآن، قلت: خلق الإنسان؟ قال: ذلك أمير المؤمنين عليه السلام. قلت: علمه البيان؟ قال: علمه تبيان كل شئ يحتاج الناس إليه، قلت: الشمس والقمر بحسبان؟ قال هما يعذبان، قلت: الشمس والقمر يعذبان!؟ قال: سألت عن شيء فأتقنه، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان له، ضوؤهما من نور عرشه، وحرهما من جهنم، فإذا كانت القيامة عاد إلى العرش نورهما وعاد إلى النار حرهما فلا يكون شمس ولا قمر، وإنما عناهما لعنهما الله أوليس قد روى الناس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنّ الشمس والقمر نوران في النار؟ قلت بلى قال: أما سمعت قول الناس: فلان وفلان شمسا هذه الأمة ونورها، فهما في النار، والله ما عنى غيرهم. والنجم والشجر يسجدان ؟ قال: النجم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد سماه الله في غير موضع فقال: { والنجم إذا هوى}، وقال: { وعلامات وبالنجم هم يهتدون }، فالعلامات الأوصياء، والنجم رسول الله ، قلت: { يسجدان} ؟ قال يعبدان، قوله: { والسماء رفعها ووضع الميزان }؟ قال: السماء رسول الله صلى الله عليه وآله رفعه الله إليه والميزان أمير المؤمنين عليه السلام نصبه لخلقه ، قلت : { ألا تطغوا في الميزان} ؟ قال : لا تعصوا الإمام ، قلت: { وأقيموا الوزن بالقسط } ؟ قال أقيموا الإمام بالعدل قلت : { ولا تخسروا الميزان} ؟ قال : لا تبخسوا الإمام حقه ولا تظلموه"[30].

وهذه الرواية حتى لو قيل بصحة سندها[31]، فإنها مخالفة للظاهر جداً، بما في ذلك ما ورد فيها من تفسير قوله تعالى { الشمس والقمر بحسبان} برجلين، مع الاستعانة بما ورد في ذلك من طرق أهل السنة، من أنّ الشمس والقمر يعذبان في النار[32].

 

  1. في السورة نفسها وفي تفسير قوله تعالى: { مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان }، روى الصدوق قال : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله عز وجل: {مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان} [الرحمن: 19-20] قال : علي وفاطمة عليهما السلام بحران من العلم ، عميقان ، لا يبغي أحدهما على صاحبه. {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}، الحسن والحسين عليهما السلام"[33].

والرواية ضعيفة[34]، وذات مضمون غريب في مخالفته للظاهر، كما لا يخفى.

النموذج الثاني: ما ورد في تفسير بعض الآيات من سورة الفجر

فقد روى السيد شرف الدين الحسيني، قال: روي بالإسناد مرفوعاً، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قوله عز وجل {والفجر} هو القائم عليه السلام {وليال عشر} الأئمة عليهم السلام من الحسن إلى الحسن، { والشفع} أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام { والوتر} هو الله وحده لا شريك له { والليل إذا يسر} [] هي دولة حبتر، فهي تسري إلى قيام القائم عليه السلام"[35].

ويلاحظ على ذلك:

أولاً: ضعف السند، لأنّ الرواية كما صرح ناقلها مرفوعة، وأضف إليه أنّ في السند عمرو بن شمر، وقد قال النجاشي بشأنه: " ضعيف جداً، زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه، والأمر ملبس"[36].

ثانياً: في مقابل ما ذكر من تأويل، فقد ورد في الأخبار تأويلات أخرى عديدة مغايرة له، منها: ما رواه السيد شرف الدين الحسيني نفسه نقلاً عن كتاب محمد بن العباس ( رحمه الله ) ، عن الحسين بن أحمد ، عن محمد ابن عيسى ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال " الشفع " هو رسول الله وعلي ، صلوات الله عليهما ، " والوتر " هو الله الواحد عز وجل"[37].

 ومنها: روى ابن شهر آشوب مرسلاً عن جابر الجعفي عن الباقر ( ع ) في تفسير قوله: ( والفجر وليال عشر ) يا جابر "والفجر" جدي، "وليال عشر" عشرة أئمة ، "والشفع" أمير المؤمنين "والوتر" اسم القائم"[38].

ونقل في تفسير البرهان روايات أخرى تذكر تأويلات أخرى، منها: ما عن علي بن إبراهيم ، قال : ليس فيها ( واو ) وإنما هو ( الفجر وليال عشر ) قال : عشر ذي الحجة * ( والشَّفْعِ ) * قال : ركعتان * ( والْوَتْرِ ) * ركعة .

ومنها: قال: وفي حديث آخر قال: الشفع الحسن والحسين ، والوتر أمير المؤمنين ( عليهم السلام ).

ومنها: ما عن الشيباني في ( نهج البيان ) ، قال : روي عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) : « أن الشفع محمد وعلي ، والوتر الله تعالى » .

ومنها: ما رواه الطبرسي ، قال : الشفع يوم النحر ، والوتر [ يوم ] عرفة ، قال : وهي رواية جابر ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) . قال : والوجه فيه أن يوم النحر يشفع بيوم نفر بعده ، وينفرد يوم عرفة ، [وقيل : الشفع يوم التروية ، والوتر يوم عرفة ] وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام )[39].

إن تضارب التأويلات وتنافيها بالشكل الذي لاحظناه يؤشر إلى ما قلناه من أنّ هذا النحو من التأويل أو التفسير لا يمكن الاعتماد عليه، لأنه يجعل التفسير حقلاً خصباً لذوي الأهواء ليأخذوا بتأويل الآيات القرأنية على أهوائهم ووفق مزاجهم. وهذا دون شك من أبرز مصاديق التحريف المعنوي للقرآن. 

النموذج الثالث: ما ورد في تفسير آيات من سورة الشمس.

 فقد روى محمد بن يعقوب الكليني في الروضة عن جَمَاعَةٍ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيه عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ سَأَلْتُه عَنْ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ : * ( والشَّمْسِ وضُحاها ) * ( 3 ) قَالَ: الشَّمْسُ رَسُولُ اللَّه ص بِه أَوْضَحَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لِلنَّاسِ دِينَهُمْ قَالَ قُلْتُ * ( الْقَمَرِ إِذا تَلاها ) * قَالَ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع تَلَا رَسُولَ اللَّه ص ونَفَثَه بِالْعِلْمِ نَفْثاً قَالَ قُلْتُ * ( واللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ) * قَالَ ذَاكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ الَّذِينَ اسْتَبَدُّوا بِالأَمْرِ دُونَ آلِ الرَّسُولِ ص وجَلَسُوا مَجْلِساً كَانَ آلُ الرَّسُولِ أَوْلَى بِه مِنْهُمْ فَغَشُوا دِينَ اللَّه بِالظُّلْمِ والْجَوْرِ فَحَكَى اللَّه فِعْلَهُمْ فَقَالَ * ( واللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ) * قَالَ قُلْتُ * ( والنَّهارِ إِذا جَلَّاها ) * قَالَ ذَلِكَ الإِمَامُ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ ع يُسْأَلُ عَنْ دِينِ رَسُولِ اللَّه ص فَيُجَلِّيه لِمَنْ سَأَلَه فَحَكَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ قَوْلَه فَقَالَ * ( والنَّهارِ إِذا جَلَّاها} []"[40].

ويلاحظ عليه أنّه ضعيف السند[41]، ومعارض في بابه، ففي تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني النجفي ، قال : روى علي بن محمد ، عن أبي جميلة ، عن الحلبي ، ورواه أيضا علي ابن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل أبي العباس ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، أنه قال : * ( والشَّمْسِ وضُحاها ) * : « الشمس : أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وضحاها : قيام القائم ( عليه السلام ) ، لأن الله سبحانه قال : {وأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) * « 1 » ، * ( والْقَمَرِ إِذا تَلاها ) * الحسن والحسين ( عليهما السلام ) * ( والنَّهارِ إِذا جَلَّاها ) * هو قيام القائم ( عليه السلام ) * ( واللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ) * حبتر ودولته ، قد غشى عليه الحق » . وأما قوله : * ( والسَّماءِ وما بَناها ) * ، قال : « هو محمد ( عليه وآله السلام ) ، هو السماء الذي يسمو إليه الخلق في العلم » وقوله : * ( والأَرْضِ وما طَحاها ) * ، قال : « الأرض : الشيعة » * ( ونَفْسٍ وما سَوَّاها ) * ، قال : « هو المؤمن المستور وهو على الحق » وقوله : * ( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها ) * ، قال : « عرفت الحق من الباطل ، فذلك قوله : * ( ونَفْسٍ وما سَوَّاها ) * » * ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ) * ، قال: « قد أفلحت نفس زكاها الله * ( وقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) * الله » . وقوله : * ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها ) * ، قال : « ثمود : رهط من الشيعة ، فإن الله سبحانه يقول : {وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ ) * « 3 » وهو السيف إذا قام القائم ( عليه السلام ) ، وقوله تعالى : * ( فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه ) * [ هو النبي ( صلى الله عليه وآله ) ] » . * ( ناقَةَ اللَّه وسُقْياها ) * ، قال : « الناقة : الإمام الذي فهم عن الله [ وفهم عن رسوله ] ، وسقياها ، أي عنده مستقى العلم » . * ( فَكَذَّبُوه فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها ) * قال : « في الرجعة » * ( ولا يَخافُ عُقْباها ) * ، قال : « لا يخاف من مثلها إذا رجع"[42].

والغريب أنّ الشمس والقمر يؤولان هنا بالنبي والأئمة (ع)، مع أنّه قد تقدم أنهما يعذبان يوم القيامة؟!

النموذج الرابع: ما ورد في تفسير قوله تعالى: { وعلامات و بالنجم هم يهتدون }، فقد روى الكليني في الكافي ثلاث روايات تحت عنوان :" إنّ الأئمة عليهم السلام هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه"، والروايات هي:

  1. الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِّ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْجَصَّاصُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع يَقُول: ( وعَلاماتٍ وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ( 1 ) ) * قَالَ النَّجْمُ رَسُولُ اللَّه ص والْعَلَامَاتُ هُمُ الأَئِمَّةُ ع)
  2. الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَأَلَ الْهَيْثَمُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع وأَنَا عِنْدَه عَنْ قَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ : * ( وعَلاماتٍ وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) * فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ص النَّجْمُ والْعَلَامَاتُ هُمُ الأَئِمَّةُ ع)
  3.  الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا ع عَنْ قَوْلِ اللَّه تَعَالَى : * ( وعَلاماتٍ وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) * قَالَ نَحْنُ الْعَلَامَاتُ والنَّجْمُ رَسُولُ اللَّه ص)"[43].  

أقول: إنّ الروايات الثلاث ضعيفة السند كما لا يخفى[44]. لأنّ في سندها معلى بن محمد البصري ، وهو كما قال النجاشي: "مضطرب الحديث والمذهب ، وكتبه قريبة.."[45]. "وقال ابن الغضائري: المعلى بن محمد البصري ، أبو محمد ، يعرف حديثه وينكر ، يروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرّج شاهداً"[46].

قال السيد الخوئي: "الظاهر أن الرجل ثقة يعتمد على رواياته. وأمّا قول النجاشي من اضطرابه في الحديث والمذهب فلا يكون مانعاً عن وثاقته ، أمّا اضطرابه في المذهب فلم يثبت كما ذكره بعضهم ، وعلى تقدير الثبوت فهو لا ينافي الوثاقة ، وأما اضطرابه في الحديث فمعناه أنه قد يروي ما يعرف ، وقد يروي ما ينكر ، وهذا أيضا لا ينافي الوثاقة. ويؤكد ذلك قول النجاشي: وكتبه قريبة. وأمّا روايته عن الضعفاء على ما ذكره ابن الغضائري ، فهي على تقدير ثبوتها لا تضر بالعمل بما يرويه عن الثقات ، فالظاهر أن الرجل معتمد عليه"[47]

هذا ولكنّ السيد الخوئي قد وثقه معتمداً في توثيقه على كونه من رجال كامل الزيارات، كما صرح بذلك في بحث الطهارة[48]. وهذا المبنى قد تراجع نفسه عنه، ولا يوجد توثيق آخر للرجل، وأما عدم ثبوت اضطراب مذهبه عندنا فهذا لا يلغي شهادة النجاشي في اضطراب مذهبه، فالظاهر أنّه وجد ما يدل على الاضطراب، وعدم وجداننا ما يدل على ذلك لا يعني عدم الوجدان عنده.

 وأمّا من حيث المضمون، فقد علّق المجلسي على ما تضمنته الروايات: "وهذه المعاني بطون للآيات لا تنافي كون ظواهرها أيضاً مرادة، فإنّه كما أنّ لأهل الأرض جبالا وأنهاراً ونجوما وعلامات يهتدون بها إلى طرقهم الظاهرة ، وبها تصلح أمور معاشهم ، فكذا لهم رواسي من الأنبياء والأوصياء والعلماء بهم تستقر الأرض وتبقى ، ومنابع للعلوم والمعارف بها يحيون الحياة المعنوية وشمس وقمر ونجوم من الأنبياء والأئمة عليهم السلام بهم يهتدون إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية ، وقد تضمنت الآيات ظهرا وبطنا ، الوجهين جميعاً"[49]. وسيأتي تعليقنا على قضية البطون بعد عرض سائر النماذج.

النموذج الخامس: ما ورد في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (البقرة: 26)

 قال القمي: "وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام : إن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين عليه السلام، فالبعوضة أمير المؤمنين عليه السلام، وما فوقها رسول الله صلى الله عليه وآله، والدليل على ذلك قوله: {فأما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم}[البقرة: 26]، يعنى أمير المؤمنين، كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم له "وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيراً ويهدي به كثيرا"[50].

ويلاحظ على هذه الرواية:

أولاً: إنها ضعيفة السند أيضاً، وأمر المعلى بن خنيس معروف، قال النجاشي فيه: "ضعيف جدا لا يعوّل عليه"[51]. وقال ابن الغضائري: " كانَ أوّلَ أمْرِهِ مُغَيْرِيّاً ، ثمّ دعا إلى مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحَسَن ، وفي هذه الظِنّة أَخَذَهُ داوود بنُ عليّ فَقَتَلَهُ. والغُلاةُ يُضِيْفُون إليهِ كَثِيراً. ولا أرى الاعْتِمادَ على شيء من حديثِهِ"[52]، ومحاولة توثقه لا يعوّل عليها.

ثانياً: إنّ توصيف أمير المؤمنين (ع) بأنه بعوضة أمر منكر ولا وجه له، وقد أشارت بعض الأخبار إلى أنه حصل سوء فهم للحديث المذكور، ففي التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع): " قيل للباقر عليه السلام : فإنّ بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أن البعوضة علي عليه السلام وأن ما فوقها، وهو الذباب، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله . فقال الباقر عليه السلام: سمع هؤلاء شيئا [ و ] لم يضعوه على وجهه . إنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قاعدا ذات يوم هو وعلي عليه السلام إذ سمع قائلا يقول : ما شاء الله وشاء محمد ، وسمع آخر يقول : ما شاء الله، وشاء علي . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقرنوا محمدا و [ لا ] عليا بالله عز وجل ولكن قولوا : ما شاء الله ثم [ شاء محمد ما شاء الله ثم ] ( 2 ) شاء علي . إن مشية الله هي القاهرة التي لا تساوى ، ولا تكافأ ولا تدانى . وما محمد رسول الله في [ دين ] ( 3 ) الله وفي قدرته إلا كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة. وما علي عليه السلام في [ دين ] الله وفي قدرته إلا كبعوضة في جملة هذه الممالك. مع أنّ فضل الله تعالى على محمد وعلي هو الفضل الذي لا يفي به فضله على جميع خلقه من أول الدهر إلى آخره"[53].

النموذج السادس: ما ورد في تفسير قوله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} [الزخرف: 44]

فقد روي أنّ المراد بالذكر هو النبي (ص) وقومك هم الأئمة (ع). روى الكليني عن  عِدَّة مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع فِي قَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ : * ( وإِنَّه لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ وسَوْفَ تُسْئَلُونَ ) * فَرَسُولُ اللَّه ص الذِّكْرُ وأَهْلُ بَيْتِه ع الْمَسْؤُولُونَ وهُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ"[54].

فهذه الرواية - مع أنّها صحيحة السند - لا يمكن القبول بما تضمنته، فكيف يكون النبي هو الذكر والآية تخاطبه بأنّ القرآن ذكر لك؟! إنّ نسبة هذا الحديث إلى الأئمة (ع) هي نسبة كاذبة دون شك. وقد عدّ السيد الخزئي هذه الرواياة من جملة روايات الكافي التي "لا يسعنا التصديق بصدورها"[55].

النموذج السابع: ما ورد من أنّ المقصود بالمساجد الأوصياء، ففي الكافي عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع فِي قَوْلِه * ( وأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّه فَلا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَداً ( 3 ) ) * قَالَ هُمُ الأَوْصِيَاء"[56].

والرواية من حيث السند ضعيفة[57]. وهي معارضة في بابها، حيث إن بعض الأخبار تفسر المساجد في الآية بأعضاء السجود السبعة، وبعضها يفسرها بأماكن العبادة المعروفة، كما سيأتي في محور لاحق.

النموذج الثامن: ما رواه علي بن إبراهيم القمي في تفسير: {والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين} [التين: 1-3] قال: "التين" رسول الله صلى الله عليه وآله، "والزيتون " أمير المؤمنين عليه السلام " وطور سينين " الحسن والحسين " وهذا البلد الأمين " الأئمة عليهم السلام"[58].

وهذه لو كانت رواية عن أحد الأئمة (ع)، فهي مرسلة، وهي من الروايات التأويليّة التي لا يسعنا الأخذ بها، لما سيأتي.

وَينقل ابن تيمية متعجباً ومستغرباً عن بعضهم قوله: "{ وَالتِّينِ } أَبُو بَكْرٍ { وَالزَّيْتُونَ } عُمَرُ { وَطُورِ سِينِينَ } عُثْمَانُ { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } عَلِيٌّ"[59].

النموذج التاسع: ما ورد في تفسير قوله: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوم يتفكرون} [ النحل 68 - 69].

ففي الخبر عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : ( وأوحى ربك إلى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) إلى ( إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) فالنحل الأئمة والجبال العرب ، والشجر الموالي عتاقه، ومما يعرشون يعنى الأولاد والعبيد ممن لم يعتق . وهو يتولى الله ورسوله والأئمة ، والثمرات المختلف ألوانه فنون العلم الذي قد يعلم الأئمة شيعتهم ، ( فيه شفاء للناس ) يقول في العلم شفاء للناس ، والشيعة هم الناس ، وغيرهم الله أعلم بهم ما هم ؟ ولو كان كما يزعم أنه العسل الذي يأكله الناس إذا ما أكل منه ولا شرب ذو عاهة الا برأ لقول الله ( فيه شفاء للناس ) ولا خلف لقول الله ، وإنما الشفاء في علم القرآن لقوله ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة [ للمؤمنين ) فهو شفاء ورحمة ] لأهله لا شك فيه ولا مرية ( 1 ) . وأهله الأئمة الهدى الذين قال الله : {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا }[]"[60].

وفي تفسير القمي: حدثني أبي عن الحسن بن علي الوشاء عن رجل عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله وأوحى ربك إلى النحل قال نحن النحل التي أوحى الله إليها ( ان اتخذي من الجبال بيوتا ) أمرنا ان نتخذ من العرب شيعة ( ومن الشجر ) يقول من العجم ( ومما يعرشون ) يقول من الموالي والذي {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه} [] العلم الذي يخرج منا إليكم"[61].

واختلاف الأخبار وضعف أسانيدها متحقق هنا كما لاحظنا.

النموذج العاشر: ما ورد في تأويل الأيام بالأئمة (ع)

فقد روى الصدوق في الخصال حديثاً[62] تأويلياً ليس وارداً في تفسير آية من آيات الكتاب، وإنما هو وارد في تفسير الأيام بالأئمة (ع) قال: " حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد الموصلي، عن الصقر بن أبي دلف الكرخي قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري عليه السلام جئت أسأل عن خبره قال .. ثم قال لي: يا صقر ما أتى بك ؟ قلت: يا سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت ، فنظر إلي فقال : يا صقر لا عليك، لن يصلوا إلينا بسوء الآن ، فقلت : الحمد لله ، ثم قلت: يا سيدي حديث يروي عن النبي صلى الله عليه وآله لا أعرف معناه ، قال : وما هو ؟ فقلت : قوله : "لا تعادوا الأيام فتعاديكم" ما معناه ؟ فقال : نعم الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض فالسبت اسم رسول الله صلى الله عليه وآله ، والأحد كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام ، والإثنين الحسن والحسين والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد ابن علي وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا ، والخميس ابني الحسن بن علي ، والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق وهو الذي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً، فهذا معنى الأيام فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة، ثم قال عليه السلام: ودع واخرج فلا آمن عليك". [63].

الرواية ضعيفة السند، لجهالة عبد الله بن أحمد الموصلي والصقر بن أبي دلف.

 وسيأتي أنّ للصدوق محاولة توجيهية لهذا الخبر ونظائره.

النموذج الحادي عشر: ما ورد في تأويل قوله تعالى: { وكَرَّه إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ والْفُسُوقَ والْعِصْيانَ }[]. ففي الخبر الذي رواه الكليني عن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع فِي قَوْلِه تَعَالَى : * ( وهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ ( 2 ) ) * قَالَ: ذَاكَ حَمْزَةُ وجَعْفَرٌ وعُبَيْدَةُ وسَلْمَانُ وأَبُو ذَرٍّ والْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ وعَمَّارٌ هُدُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وقَوْلِه : * ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمانَ وزَيَّنَه فِي قُلُوبِكُمْ ) * يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ * ( وكَرَّه إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ والْفُسُوقَ والْعِصْيانَ ( 3 ) ) * الأَوَّلَ والثَّانِيَ والثَّالِثَ"[64].

 قال السيد هاشم معروف الحسني: بعد ذكر هذه الخبر وأخبار أخر: "وبعد التتبع والدراسة الواعية يطمئن الباحث إلى أنّ أكثر تلك الأحاديث لا ينسجم مع واقع أهل البيت ( ع ). بالإضافة إلى أنّها غير جامعة لشروط الاعتماد على الرواية، لأن رواة هذا النوع أكثرهم من الغلاة المعروفين بالكذب والانحراف"[65].

النموذج الثاني عشر: في تفسير قوله تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [ ]، قال السيوطي: "وأخرج ابن مردويه والقرظي وأحمد بن محمد الزهري في فضائل الخلفاء الأربعة والشيرازي في الألقاب عن ابن عباس رضي الله عنهما {محمد رسول الله والذين معه} أبو بكر، { أشداء على الكفار} عمر، { رحماء بينهم} عثمان، { تراهم ركعا سجدا} علي، {يبتغون فضلا من الله ورضوانا} طلحة والزبير، { سيماهم في وجوههم من أثر السجود} عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح و{ مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطاه فآزره } بأبي بكر، {فاستغلظ} بعمر {فاستوى على سوقه} بعثمان {يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار} بعلي {وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات} جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"[66]. وقد عدّ ابن تيمية (ت 728 هـ) والفتني (ت 986 هـ) هذه الرواية في عداد "الخرافات" التي لا يدل عليه اللفظ بحال[67].

  1. وقفات تقييميّة عامة مع الروايات التأويليّة

بالإضافة إلى الملاحظات الخاصة التي أوردناها على تلك الأخبار، فإنّ الذي يهمنا في هذه الوقفة هو أن نسجل بعض الوقفات النقدية العامة، التي ترد على الروايات التأويلية المتقدمة بصنفيها:

الملاحظة الأولى: أنّ الطابع العام والغالب على هذه الأخبار أنها ضعيفة السند كما أسلفنا، وقد نبّه عليه السيد هاشم معروف في كلامه الآنف، والملاحظ أنّ أسانيد هذه الأخبار تشتمل على رجال عدوا من ضمن الغلاة أو مضطربي العقيدة أو الحديث، وهو أمر مريب ويزيدها وهناً، كما أنّ الكثير منها واردة في المصادر غير المعتبرة أو المصادر الثانوية.

ومن المرجح أنّ هذه التأويلات قد تسربت من كتب بعض الغلاة، فقد ألف بعضهم كتباً في تفسير الباطن، يقول النجاشي في ترجمة علي بن حسان بن كثير الهاشمي: "مولى عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ضعيف جداً، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة ، فاسد الاعتقاد له كتاب تفسير الباطن، تخليط كله"[68]. وقال في ترجمة رجل آخر: "محمد بن أورمة[69] أبو جعفر القمي ذكره القميون وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك به ، فوجده يصلي من أول الليل إلى آخره فتوقفوا عنه . وحكى جماعة من شيوخ القميين عن ابن الوليد أنه قال : محمد بن أورمة طعن عليه بالغلو، وكل ( فكل ) ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به ، وما تفرد به فلا تعتمده ، وقال بعض أصحابنا : إنه رأى توقيعا من أبي الحسن الثالث عليه السلام إلى أهل قم في معنى محمد بن أورمة وبراءته مما قذف به. وكتبه صحاح، إلا كتابا ينسب إليه، ترجمته "تفسير الباطن"، فإنّه مخلط "[70]. وابن أورمة هذا روى الرواية الأخيرة المتقدمة. وقال فيه الشيخ الطوسي: " وفي رواياته تخليط ، أخبرنا بجميعها - إلا ما كان فيها من تخليط أو غلو - ابن أبي جيد .."[71].

الملاحظة الثانية: إنّ غالب التأويلات الواردة في هذه الأخبار معارضة بتأويلات أخرى منصوصة أيضاً، كما لاحظنا في العديد من الأمثلة المتقدمة، وكون ذلك من البطون هو أمر غير مقبول، كما سنشير. فالبطون هي أعماق النص وهي معانٍ متلائمة ومنسجمة مع بعضها البعض ولو على نحو طوليّ، وليست متنافية ومتنافرة.

الملاحظة الثالثة: إنّ ثمّة مجموعة من الأخبار تكّذب صدور هذا النحو من التفسير عنهم، منها: ما ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع)، قيل له: روي عنكم أنّ الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجال؟ فقال(ع): "ما كان الله ليخاطب خلقه بما لا يعقلون"[72]. وفي مختصر بصائر الدرجات بسنده عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد الله (ع): "لا تقولوا لكل آية هذا رجل وهذا رجل، من القرآن حلال ومنه حرام، ومنه نبأ ما قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبر ما بعدكم وهكذا هو"[73].

وفي خبر عن حفص المؤذن قال كتب أبو عبد الله (ع) إلى أبي الخطاب: بلغني أنك تزعم أن الخمر رجل وأنّ الزنا رجل وأنّ الصلاة رجل وأنّ الصوم رجل، وليس كما تقول، نحن أصل الخير، وفروعه: طاعة الله، وعدونا أصل الشر، وفروعه معصية الله، ثم كتب: كيف يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع!"[74]. وهذه الأخبار وسواها حتى لو لم يصح بعضها سنداً، بيد أنّ له مرجحاً على الطائفة التأويلية، وهو أنها منسجم مع النصوص القرآنية والتي تؤكد أنّ الله تعالى جعله بياناً للناس، كما سنذكر في الملاحظة الآتية. 

الملاحظة الرابعة: إنّ التفسيرات المذكورة مخالفة للظاهر جداً، والظاهر هو المقياس في الأخذ بالنصوص، فكلّ ما خالف الظاهر يُردّ، ولا يمكننا بوجهٍ أن نقبل دعوى أنّ القرآن كتاب غامض وأنه جاء على نحو الرمز والتعمية، كما يرى بعض الأخباريين[75]، وأنّ غير المعصوم لا يصل إلى مستوى فهمه، فهذه الدعوى تعني إبطال القرآن، وترك التدبر فيه، إذْ لماذا نُدعى إلى التدبر في كتاب لا نفقهه؟! يقول الشيخ الطوسي: "إنه لا يجوز أن يكون في كلام الله تعالى وكلام نبيّه تناقض وتضاد، وقد قال الله تعالى: { إنا جعلناه قرآنا عربياً } []، وقال : { بلسان عربي مبين}، وقال: { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} [إبراهيم: 4]، وقال: { فيه تبيان كل شيء} وقال: { ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: 38]، فكيف يجوز أن يصفه بأنه عربيٌ مبيّن ، وأنه بلسان قومه ، وأنه بيان للناس ولا يفهم بظاهره شيء؟! وهل ذلك إلا وصف له باللغز والمعمّى الذي لا يفهم المراد به إلا بعد تفسيره وبيانه؟!"[76].

الملاحظة الخامسة: اللافت أنّ أكثر التفسيرات الباطنية تتجه إلى الحديث عن أهل البيت (ع)، بما يشي أنها بصدد ذكر فضائلهم، ولا أعتقد أنّ مكانتهم (ع) وبيان فضلهم بحاجة إلى هذه التأويلات الباردة والضعيفة والسخيفة أحياناً، بل إنّ هذا الأمر قد يبعث على الريبة في أن تكون هذه الروايات من وضع خصومهم، بهدف تشويه صورتهم والنيل منهم، كما أشارت إلى ذلك رواية إبراهيم بن أبي محمود عن الإمام الرضا (ع)، وجاء فيها: ".. قلت للرضا : يا بن رسول الله إنّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وفضلكم أهل البيت، وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها ؟ فقال : يا ابن أبي محمود لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليه السلام أنّ رسول الله ( ص ) قال : من أصغي إلى ناطق فقد عبده، فإنْ كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس، ثم قال الرضا: يا ابن أبي محمود إنّ مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله عز وجل : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } [الأنعام: 108].."[77].

وما ذكرناه قبل قليل من تفسير البعوضة بعلي (ع) كما تضمنت بعض الأخبار هو من هذا الصنف الذي لا يستبعد أنه من وضع أعدائهم بغرض توهينهم، ولذا فإنّ مقتضى القاعدة الآمرة بردّ ما خالف كتاب الله يقتضي ردها.

على أنّ تأكيد إمامة أهل البيت (ع) وفضائلهم برموز خفيّة لا يلتفت إليها أحدٌ لا يجدي نفعاً، لأنّ من آمن بولايتهم فقد آمن ولا يزيده ذلك إيماناً، ومن لا يؤمن بإمامتهم لا يمكن أن تقنعه هذه التأويلات الباطنية التي تحتمل وجوهاً متعددة من التفسيرات الباردة.

الملاحظة السادسة: إنّ هذا النحو من التأويل المخالف للظاهر والذي تشتم منه رائحة الوضع لم تنفرد به كتب الشيعة، بل هو موجود في بعض مصادر السنة أيضاً، كما لاحظنا في النموذج الثاني عشر المتقدم، وعليه فلا وجه للطعن بذلك على الشيعة الإمامية والفلاسفة كما فعل ابن تيميّة[78]، ولا سيما أنه ملتفت إلى أنّ بعضها مذكور في مصادر غيرهم كما يظهر من ذكره للنموذج المشار إليه، وهو بالتأكيد ليس موجود في مصادر الشيعة، وذكر نماذج أخرى، منها: "مَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِن المُفَسِّرِينَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِين بِالْأَسْحَارِ } أَنَّ الصَّابِرِينَ رَسُولُ اللَّهِ وَالصَّادِقِينَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَانِتِينَ عُمَرُ وَالْمُنْفِقِينَ عُثْمَانُ وَالْمُسْتَغْفِرِين عَلِيٌّ". وأضاف: "وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: { وَالتِّينِ } أَبُو بَكْرٍ { وَالزَّيْتُونَ } عُمَرُ { وَطُورِ سِينِينَ } عُثْمَانُ { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } عَلِيٌّ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ تَارَةً تَفْسِيرَ اللَّفْظِ بِمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِحَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصِ"[79]. وتعليقه الأخير في سبب رفض هذه التفسيرات في محله، فما لا يساعد عليه اللفظ بوجه، لا مجال للأخذ به.

ولا يخفى أنّ فتح الباب أمام تأويل القرآن بطريقة لا تعتمد منهجاً صحيحاً، ولا يساعد عليه لغة ولا عرف ولا عقل، قد جرّ إلى التعامل مع القرآن على أساس حساب الجمل مما قدمنا عدم حجيته في التفسير وفي غيره من المعارف الدينية، مع أنّ من المعلوم أنّ القرآن الكريم لم يخاطب به "أصحاب علم الاعداد والأوفاق والحروف، ولا أنّ معارفه مبنية على أساس حساب الجمل الذي وضعه أهل التنجيم بعد نقل النجوم من اليونانية وغيرها إلى العربية"[80]. يقول السيد محسن الأمين ( 1371 هـ) : "وعلم الأعداد وأسرار الحروف لم يعرف له أثر ممن يدعيه، ولا يخرج عن الأوهام والظنون بل المخرقة والتمويه، وأي حاجة إلى استخراج أسمائهم (ع) من الآيات الذي يتطرق إليه الشك ممن يريد التشكيك وفيما جاء في فضلهم مما لا يمكن انكاره غنى عن ذلك"[81].

من كتاب: حاكمبة القرآن (دراسة تأصيلية حول علاقة السنة بالكتاب ودورها في تفسيره)


[1] التأويل من الأول ، أي : الرجوع إلى الأصل ، ومنه : المَوْئِلُ للموضع الذي يرجع إليه ، وذلك هو ردّ الشيء إلى الغاية المرادة منه ، علما كان أو فعلا ، ففي العلم نحو : * ( وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إِلَّا الله والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) * [ آل عمران / 7 ] ، وفي الفعل كقول الشاعر : وللنّوى قبل يوم البين تأويل. وقوله تعالى : * ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَه يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُه ) * [ الأعراف / 53 ] أي : بيانه الذي غايته المقصودة منه.."، المفردات في غريب القرآن، ص 99.

[2] قد تكلمنا في كتاب أصول الاجتهاد الكلامي، عن التأويل بمعناه اللغوي وكيف تطور المعنى، والتأويل المشروع وغير المشروع.

[3]  البهر: تتابع النفس وانقطاعه كما يحصل بعد الإعياء والعدو الشديد.

[4] كمال الدين للصدوق ص 461، ودلائل الإمامة ص 514، والاحتجاج للطبرسي ج2 ص 273.

[5] هذا سند الحديث: حدثنا محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال : حدثنا أحمد بن طاهر القمي قال : حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني قال : حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله القمي"، قال محقق الكتاب الشيخ علي أكبر الغفاري: " رجال السند بعضهم مجهول الحال وبعضهم مهمل ، والمتن متضمن لغرائب بعيد صدروها عن المعصوم عليه السلام ، ويشتمل على احكام تخالف ما صح عنهم عليهم السلام . مضافا إلى أن الواسطة بين الصدوق وسعد بن عبد الله في جميع كتبه واحدة أبوه أو محمد بن الحسن ابن أحمد بن الوليد كما هو المحقق عند من تتبع كتبه ومشيخته وهنا بين المؤلف وسعد خمس وسائط . وقد رواه الطبري في الدلائل بثلاث وسائط هم غير ما هنا"، هامش كتاب كمال الدين وإتمام النعمة، ص 454.

[6] قال الكشي: "محمد بن بحر هذا غال"، رجال الكشي، ج 1، ص 363، وقال الشيخ: "كان متكلما عالما بالأخبار فقيها ، إلا أنه متهم بالغلو"، الفهرست، ص 208، وقال في رجال : "  يرمي بالتفويض"، رجال الشيخ، ص 447. 

[7]  أكليل المنهج في تحقيق المطلب ص274.

[8] لعل الصحيح: الحاء: حتم.

[9] منتهى المقال في علم الرجال ج 2 ص 326

[10] الأخبار الدخيلة ج ص، وقد تكلف الشيخ الصافي الكلبيكاني كثيراً في الرد على المحقق التستري، أنظر: مجموعة الرسائل ج 2 ص 148.   

[11] قال الصدوق أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق : قال : حدثنا معاذ بن المثنى العنبري ، قال : حدثنا عبد الله بن أسماء ، قال : حدثنا جويرية ، عن سفيان بن السعيد الثوري"، وهذا السند ضعيف للغاية، بدءاً من محمد بن هارون الزنجاني، شيخ الصدوق روى عنه في معاني الأخبار، وهو مما لا توثيق له، ولم نلحظ ترضيه عنه، وكذلك تنسحب الجهالة على علي بن أحمد البغدادي الوراق، ومعاذ بن مثنى العنبري، وعبد الله بن أسماء. 

[12] معاني الأخبار ص 22.

[13] قال الدوق: "حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني - رضي الله عنه - قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : أخبرنا محمد بن زكريا ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ابن عمارة ، عن أبيه"،أقول: الطالقاني شيخه وقد ترضى عليه، والجلودي البصري وثقه الشيخ، ومحمد بن زكريا إن كان هو ابن دينار فقد قال فيه النجاشي: " .. وجهاً من وجوه أصحابنا في البصرة"، وأما جعفر بن محمد بن عمارة فهو مجهول، وكذلك أبوه، فالخبر ضعيف.

[14] معاني الأخبار ص 28.

[15] الكشف والبيان عن تفسير القرآن، ج 6، ص 236.

[16] كما نقل في بحار الأنوار ج 25 ص 209. ونقله النباطي العاملي في كتابه "الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم"، ج 1 ص 186عن تفسير الثعلبي.

[17] تفسير الفخر الرازي ج22 ص3.

[18] معاني الأخبار ص 22.

[19] تفسير الأمثل ج 9 ص 526.

[20] تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، ص 542، وعنه بحار الأنوار ج 24 ص 373.

[21] الخبر - كمعظم روايات تأويل الآيات الظاهرة - مأخوذ من تفسير محمّد بن العباس بن علي بن مروان بن الماهيار البزّاز، المعروف بـ "ابن الحجّام، والذي كان حيّاً إلى سنة 328هـ، والرجل لا شك في وثاقته، قال النجاشي فيه: " ثقة ثقة ، من أصحابنا ، عين ، سديد ، كثير الحديث "، رجال النجاشي، ص ، 379، إلا أن المشكلة في الوثوق بالنسخة التي وصلت السيد شرف الدين. كما أن علي بن عبد الله بن أسد لا ذكر له في كتب الرجال، وكذلك يوسف بن كليب المسعودي، أنظر: مستدركات علم الرجال، ج 8، ص 291، وأما عمرو بن عبد الغفار الفقيمي فلا وجود له في رجال الشيعة، وهو مذكور في الكتب الرجالية السنية، مع اتهامهم له بالرفض، قال الذهبي: " عمرو بن عبد الغفار الفقيمي . عن الأعمش ، وغيره . قال أبو حاتم : متروك الحديث . وقال ابن عدي : اتهم بوضع الحديث، وقال ابن المديني : رافضي تركته لأجل الرفض . وقال العقيلي وغيره : منكر الحديث "، ميزان الاعتدال، ج 3، ص 272.

[22] تأويل الآيات الظاهرة، 542، وعنه بحار الأنوار ج 24، ص 373.

[23] معاني الأخبار ص 22.

[24] التبيان، ج 1، ص 48، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 1، ص 132.

[25] حساب الجُمّل هي طريقة حسابية وضع فيها لكل حرف من حروف الأبجدية رقماً من الأرقام، فحرف أ = 1 ، وحرف ب = 2 ، وحرف ر = 200 وحرف ش = 300.. وهو يعتمد ترتيب حروف الهجاء على أساس طريق أبجد هوز ..، وقد اعتمده الشعراء لتأريخ بعض الأحداث أو ولادة أبنائهم أو وفاة بعض الشخصيات، فإذا قيل لك إن الحدث الفلاني وقع في سنة " جمر"، فهذا يعني أنه وقع في سنة 243، لأن حرف ( ج ) يقابله الرقم ( 4)، ووالحرف ( م )، يقابله الرقم ( 40 )، والحرف ( ر) يقابله الرقم ( 200 ). ومن طريف ما يحكى "أنه ورد في أيامه سفير من قبل سلطان الروم على السلطان المذكور فاجتمع يوما بالشيخ في مجلس الشاة فقال السفير للشيخ: ان تاريخ اختراع طريقتكم هذه هو مذهب نا حق [ نا بالفارسية حرف نفي ] أي مذهب غير حق فقال الشيخ نحن قوم من العرب وألسنتنا تجري على لغتهم لا على لغة العجم فتاريخه مذهبنا حق"، أعيان الشيعة، ج 8، ص 209. ومن طريف ما يذكر أنّ بعضهم أرخ دخول التدخين إلى بلدان الإسلامية بقوله:

سألوني عن الدخان فقالوا.                      هل له في كتابكم إيماء

قلت: ما فرط الكتاب بشيء                      ثم أرخت يوم تأتي السماء

[26]  فقد جاء في الخبر: " فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منهم جماعة ، فولى رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فخاطبهم ، فقال قائلهم : إن كان ما يقول محمد - صلى الله عليه وآله - حقا لقد علمنا كَمْ قدر ملك أمته ، هو إحدى وسبعون سنة "الألف " واحد ، و " اللام " ثلاثون ، و " الميم " أربعون ، فقال علي عليه السلام : فما تصنعون ب‍ " المص " وقد أنزل عليه ؟ قالوا : هذه إحدى وستون ومائة سنة . قال : فما ذا تصنعون ب‍ " ألر " وقد أنزلت عليه ؟ فقالوا : هذه أكثر ، هذه مائتان وإحدى وثلاثون سنة. فقال علي عليه السلام : فما تصنعون بما أنزل عليه " ألمر " ؟ قالوا : هذه مائتان وإحدى وسبعون سنة فقال علي عليه السلام : فواحدة من هذه له أو جميعها له ؟ فاختلط كلامهم فبعضهم قال له : واحدة منها وبعضهم قال : بل يجمع له كلها وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة ، ثم يرجع الملك إلينا يعني إلى اليهود . فقال علي عليه السلام : أكتاب من كتب الله نطق بها ، أم آراؤكم دلتكم عليه ؟ قال بعضهم : كتاب الله نطق به ، وقال آخرون منهم : بل آراؤنا دلت عليه ، فقال علي عليه السلام . فأتوا بالكتاب من عند الله ينطق بما تقولون . فعجزوا عن إيراد ذلك ، وقال للآخرين : فدلونا على صواب هذا الرأي . فقال: صواب رأينا دليله أن هذا حساب الجمل . فقال علي عليه السلام: كيف دل على ما تقولون وليس في هذه الحروف إلا ما اقترحتم بلا بيان!.."، معاني الأخبار، ص 26.

[27] ومنها ما رأى السيد المرتضى أنّه من أصح الوجوه وأبعدها من الفساد وهو أن "تكون هذه الحروف أسماء للسور وشعاراً لها ، والأسماء إذا كانت على سبيل التلقيب الذي ذكرناه والتمييز ، لأن الألقاب جارية مجرى الإشارة ، ولا يفيد في اللقب أكثر من الإشارة إليه ، وإمكان الإخبار عنه عند الغيبة باللقب ، كما أمكنت الإشارة مع الحضور.. رسائل الشريف المرتضى ج 3 ص، 299، وقد ردّ هذا الوجه محمد بن بحر الأصفهاني وناقشه المرتضى فراجع. والرأي الآخر هو" ما نسب إلى ابن عباس من أن هذه الحروف ترمز إلى بعض أسماء الله وصفاته وأفعاله".

[28] علوم القرآن للسيد الحكيم ص 444.

[29] معاني الأخبار، ص 24.

[30]  تفسير القمي ج 2 ص 343، ورواه في تأويل الآيات الظاهرة ص 633، عن تفسير محمّد بن العباس بن علي بن مروان بن الماهيار البزّاز.

[31] بناءً على أنّ انصراف الحسين بن خالد إلى الخفاف الثقة، انظر: معجم رحال الحديث، ج 6، ص 250.

[32] ففي الدر المنثور أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشمس والقمر مكوران يوم القيامة"، زاد البزار في مسنده: في النار" الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 6، ص 318.، وفي الخبر عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: "الشمس والقمر ثوران عقيران في النار"، مسند أبي يعلى، ج 7، ص 149.

وهذه الأخبار تشتمل على مضمون في غاية النكارة والغرابة، وهو الحكم على النيريّن بالعذاب في النار، وعذاب النيّرين سواء أكان مع تحويلهما إلى ثورين ثم معاقبتهما أو بدونه لا وجه له، لأنّنا نتساءل بأي ذنبٍ يعذبان؟! إن هذا ينافي قانون العدل القاضي بأنّ الذي يستحق العذاب إنما هو العاصي المختار دون الخلق المطيع لله، وقد ورد في بعض الأخبار أن علياً (ع) كذب هذا الخبر، فقد نقل إليه أحدهم " قال سمعت رجالا يتحدثون في الشمس والقمر فقال : وما كانوا يتحدثون ؟ فقال : زعموا أن الشمس والقمر يجاء بهما يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم ، فقال عليّ وابن عباس وحذيفة : كذبوا، الله أجل وأكرم من أن يعذب على طاعته" الموضوعات لابن الجوزي، ج 1، ص 139، وأضفْ إلى ذلك، أنّ ظاهر القرآن الكريم أنّ الشمس لا تبقى إلى يوم القيامة وإنما تكوّر في نهاية العالم، وأنّ النجوم - بما فيها القمر - تتكدر وينطفأ نورها، { وإذا الشمس كورت إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ } [].

ولو قيل: إنّ قوله الله تعالى: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98]، يدلّ على صحة هذا الحديث، ومعلوم أنّ الشمس والقمر قد عُبدا من دون الله تعالى، وإنطفاء نورهما لا يمنع من إعادتها يوم القيامة وإدخالهما النار.

 لقلنا: إننا لا نسلم بنظر الآية المباركة إلى كل من أو كل ما يُعبد من دون الله تعالى ولو بدون إرادته واختياره، وإلا لشملت بعض الأولياء الذين عُبدوا، كما هو الحال في عيسى بن مريم (ع)، أو الإمام علي (ع). ولو سلمنا بشمولها لغير العاقل، كالنيرين، فإنّ هذا لا يعني أنهما يعذبان كما افترض الحديث، فالعذاب عقوبة، وهي إنما تكون على الجرم، فأي جرم ارتكبه النيران ليعذبا؟! وإنما غايته أنّ الأوثان المعبودة من دون الله تعالى قد توقد في النار للإيحاء بوهنها وعجزها عن حماية نفسها.

[33] الخصال ص 65، ونحوه في تفسير القمي ج 2 ص 344.

[34] وسبب الضعف اشتمال السند على القاسم بن محمد الأصبهاني فإنه "مجهول ولم يوثق" كما يقول السيد الخوئي، وأمّا سليمان بن داوود المنقري فإن النجاشي وثقه لكنه قال فيه: "ليس بالمتحقق بنا"رجال النجاشي ص 184. وهي عبارة تدل على عدم ثبوت تشيعه، وأما ابن الغضائري فقال: ": إنه ضعيف جداً، لا يلتفت إليه، يوضع كثيرا على المهمات" خلاصة الأقوال ص 352. إلا أن السيد الخوئي وثقه اعتمادا على توثيق النجاشي وعدم اعتداده بتضعيف ابن الغضائري، معجم رجال الحديث ج 9 ص 269. وأما يحيى بن سعيد القطان أبو زكريا، فهو "عامي، ثقة"، كما يقول النجاشي ص 443. والغريب في المقام هو أنّ هذه الرواية ينقلها أشخاص ليسوا من الشيعة!

[35] أنظر: تأويل الآيات الظاهرة،792، وعنه البرهان في تفسير القرآن ج 5 ص 650.

[36] رجال النجاشي، ص 287.

[37] تأويل الآيات الظاهرة، ص 793.

[38] مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 241.

[39] البرهان مصدر متقدم.

[40] الكافي ج 8 ص 50، وتفسير القمي ج 2 ص 423)، والرواية ضعيفة السند كما صرّح المجلسي، أنظر: مرآة العقول ج 25 ص 108.

[41] أنظر: مرآة العقول، ج 25، ص 108.

[42] أنظر: تفسير البرهان ج5 ص 672.

[43]  الكافي ج 1 ص 206.

[44] واعترف بذلك العلامة المجلسي، أنظر: مرآة العقول ج 2 ص 413.

[45] رجال النجاشي ص 418.

[46] خلاصة الأقوال ص 409.

[47] معجم رجال الحديث ج 19 ص 280.

[48] قال في سند رواية: أن معلى بن محمد الواقع في سندها ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات فيكون موثقا بتوثيق ابن قولويه.

[49] المصدر نفسه.

[50] تفسير القمي ج 1 ص53.

[51] رجال النجاشي ص 417.

[52] رجال ابن الغضائري ص 87، ونقله في الخلاصة ص 409.

[53] تفسير الإمام العسكري، ص 210.

[54] الكافي ج 1 ص 211.

[55] معجم رجال الحديث، ج 1، ص 35، وأضاف بعد نقل الرواية: " لو كان المراد بالذكر في الآية المباركة رسول الله صلى الله عليه وآله فمن المخاطب؟ ومن المراد من الضمير في قوله تعالى : { لك ولقومك} ؟ وكيف يمكن الالتزام بصدور مثل هذا الكلام من المعصوم عليه السلام فضلا عن دعوى القطع بصدوره ؟!"، المصدر نفسه.

[56] الكافي، 1 ص 425.

[57] وصفها المجلسي بالمجهولة، انظر: مرآة العقول، ج 5، ص 81.

[58] تفسير القمي، ج 2، ص 429.

[59] مجموعة الفتاوى، ج 13، ص 360.

[60] تفسير العياشي، ج 2، ص 263.

[61]  تفسير القمي ج 1 ص 387. وروى العياشي عن أبي الربيع الشامي، نحوها، تفسير العياشي ج 2 ص 264،  

[62] وهو ضعيف السند، فعبد الله بن أحمد الموصلي، والصقر بن أبي دلف مجهولان.

[63] الخصال ص396.

[64] الكافي، ج

[65] دراسات في الحديث والمحدثين، ص 317.

[66] الدر المنثور، ج 6، ص 83.

[67] مجموعة الفتاوى، ج 13، ص 360، وتذكرة الموضوعات، ص 84.

[68] رجال النجاشي ص 251.

[69] في ضبط اسمه قال العلامة: " محمد بن أورمة، بضم الهمزة ، واسكان الواو ، وفتح الراء والميم ، وقد تقدم الراء على الواو "، خلاصة الأقوال، ص 397. وقد أدخلت الباء قبل الميم في طبعة جامعة المدرسين التي هي بنحقيق السيد موسى الشبيري الزنجاني.

[70] رجال النجاشي ص 329.

[71] الفهرست، ص 220.

[72] رواه العياشي عن هشام، رفعه عن أبي عبد الله(ع). انظر: العياشي، محمد بن مسعود (ت 320هـ)، تفسير العياشي، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران ـ إيران، لا.ط، لا.ت، ج1، ص341، ورواه أيضاً الكشي أيضاً عن جعفر بن أحمد عن الشجاعي عن الحمادي، رفعه إلى أبي عبد الله(ع)، انظر: الطوسي، محمد بن الحسن (ت 460هـ)، اختيار معرفة الرجال، الطبعة غير محددة، مؤسسة آل البيت(ع) لا.ط، لا.ت، ج2، ص578، وعنه: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج24، ص300.

[73] مختصر بصائر الدرجات، ص 78.

[74] مختصر بصائر الدرجات، ص 78.

[75] يقول محمد أمين الاستربادي: "القرآن في الأكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية ، وكذلك كثير من السنن النبوية ( صلى الله عليه وآله ) . وأنّه لا سبيل لنا فيما لا نعلمه من الأحكام الشرعية النظرية أصلية كانت أو فرعية إلاّ السماع من الصادقين ( عليهم السلام ) . وأنّه لا يجوز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر كتاب الله ولا من ظواهر السنن النبوية ما لم يعلم أحوالهما من جهة أهل الذكر ( عليهم السلام ) بل يجب التوقّف والاحتياط فيهما"، الفوائد المدنية والشواهد المكية ص 104.

[76] التبيان، ج 1، ص 4.

[77] غيون أخبار الرضا (ع)، ج 1، ص 272.

[78] مجموعة الفتاوى، ج 13، ص 359.

[79] مجموعة الفتاوى، ج 13، ص 360.

[80] تفسير الميزان، ج 1، ص 7.

[81] أعيان الشيعة، ج 6، ص 466.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon