حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول التفسير
الروايات التأويليّة -2
الشيخ حسين الخشن



  1. محاولات دفاعية

هذا ولكنْ ثمّة محاولات دفاعية تحاول توجيه التراث التأويلي المشار إليه، وهذه النقطة مخصصة لبيان تلك المحاولات التوجيهيّة ومناقشتها، ونقتصر على ذكر محاولتين:

المحاولة الأولى: التأويل نحوٌ من أنحاء الكناية

إنّ هذه التأويلات واردة على نحو الكناية، كما تقدم عن الشيخ الصدوق، فقد علّق على الخبر المتقدم في النموذج العاشر قائلاً: "الأيام ليست بأئمة، ولكن كَنّى بها عليه السلام عن الأئمة لئلا يُدرِك معناه غير أهل الحق، كما كَنى الله عز وجل بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين عن النبي صلى الله عليه وآله وعلي والحسن والحسين عليهم السلام، وكما كَنّى عز وجل بالنعاج عن النساء على قول من روى ذلك في قصة داود والخصمين، وكما كَنى بالسير في الأرض عن النظر في القرآن، سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: { أو لم يسيروا في الأرض }[الروم: 9] قال: معناه أو لم ينظروا في القرآن. وكما كنى عز وجل بالسِّر عن النكاح في قوله عز وجل: { ولكن لا تواعدوهن سرا }. وكما كَنى عز وجل بأكل الطعام عن التغوط، فقال في عيسى وأمه: { كانا يأكلان الطعام } ومعناه أنهما كانا يتغوطان، وكما كنى بالنحل عن رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله: { وأوحى ربك إلى النحل } [النحل: 68] ومثل هذا كثير"[1].

ويلاحظ على كلامه: إنّ إدراج التأويل تحت عنوان الكناية غير دقيق، ولو أريد تسميته كناية فهو لا يغير من الأمور شيئاً، وذلك لأنّ الكناية هي أحد أساليب البلاغة، حيث يُستخدم اللفظ ويراد به لازم معناه، ولا يخرج الكلام في الكناية عن كونه تخاطباً بالظاهر، وأمّا الولوج إلى عالم البطون التي لا يشعر أبناء اللغة بأي رابط بينها وبين ظاهر اللفظ، فليس من الكناية في شيء، ولو اصطلح عليه أحدهم بالكناية، فيكون من الكنايات المرفوضة، وسوف نشير إلى أنّ الرأي الأقرب في نظريّة البطون أنّها أعماقُ النصّ التي لا تجعله أجنبياً عن الظاهر. وإنّ معظم ما ذكره الصدوق هو من البطون التي لا ربط لها بالظاهر وليس من الكناية البلاغية في شيء، وعليه فهي محل نقاش بل ورفض، أجل بعضه لا يبعد عن الكناية.

المحاولة الثانية: الروايات التأويليّة هي من سنخ البطون

أن يقال: إنّ الأخبار المذكورة هي من روايات البطون، كما تقدم عن المجلسي وغيره، ومسألة البطون القرآنيّة لا مجال لإنكارها، فقد ورد في الأخبار "أنّ للقرآن ظهراً وبطناً"[2]، وإذا ثبت أنّ للقرآن باطناً فلا مجال بعدها لرد شيء من الأخبار التأويلية، لأنّها والحال هذه، تذكر أحد بطون النص القرآني.

والسؤال: هل يوجد للقرآن فعلاً باطن؟ وما الدليل على ذلك؟ وإذا وجد دليل أن للقرآن باطناً فما المراد بالباطن؟ ومن يملك علم الباطن؟ وما هي علاقة الباطن بالظاهر؟

 هذه الأسئلة وغيرها قد أجبنا عليها في كتاب "أصول الاجتهاد الكلام"، ولن نكرر ما ذكرناه هناك، بيد أننا نكتفي هنا ببيان رؤيتنا حول المراد بفكرة الباطن، وخلاصتها: أنّنا قد رجحنا في تفسير البطون أنّ المراد بها أعماق النص القرآني، ومضامينه المتعددة التي يتوصّل إليها العقل الإنساني بالتدبّر والتفكّر، وهي مضامين سيّالة متجددة ومتدفّقة لا ينضب معينها، وهذه هي ميزة القرآن وسرّ إعجازه، وهذه النظرية ترتكز على ركيزتين أساسيتين:

الركيزة الأولى: أنّ النصّ القرآني يتّسم بالإحكام والإتقان، والشمولية والعمق، والمرونة والحيوية، بما لا يتوفّر في أيّ نصّ آخر، والمعاني القرآنية في تدفّقٍ دائمٍ وتوالدٍ مستمرّ، وهذا أمرٌ طبيعيّ، لأنّه نصّ إلهي يمثّل الرسالة الخاتمة، ومن الطبيعي أنّه "كلّما ارتفع مستوى المعرفة لدى المتكلّم، وازداد علمه وثقافته، ارتفعت معاني كلامه، وكثرت مدلولات ألفاظه. فالباحثون في تفسير القوانين ونصوص الاتفاقيات، يعتمدون مبدأً قطعياً، وهو أنّ واضعي القوانين وكاتبي الاتفاقيات، بلغوا من الخبرة والثقافة حدّاً يمكّن المفسّرين من أن يتعمّقوا في معاني كلماتهم"([3]). وعليه، فالكلام الإلهي، بما أنّه صادرٌ عن العليم الخبير الذي {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:98]، فهو كنـزٌ لا ينفد، ونبعٌ لا ينقطع، ونورٌ لا يخبو، وللقارئ أو المستمع لكلام الله أن يتدبّر ويتفكّر فيه ما وسعه، باذلاً الجهد في اكتشاف أعماقه، وتلمّس أبعاده، ومع ذلك، فلن يبلغ الغاية: (بحرٌ لا يدرك قعره).

الركيزة الثانية: إنّ الاستلهام من هدي القرآن، والاغتراف من معينه، والتعرّف إلى مضامينه، يتفاوت تبعاً لتفاوت أفهام النّاس واختلاف مداركهم وأوعيتهم[4]، فكلّ يغترف حسب طاقته، ويستقي مقدار ما يسع إناؤه، قال تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد:17]، وكلّما تدبّر الإنسان في النصّ القرآني، استزاد واستفاد أكثر، وانفتحت أمامه آفاقٌ جديدة، وكلّما قرأه قراءةً واعيةً في ضوء المعطيات الواقعية، وفي ضوء الخبرات الإنسانية المتراكمة، فإنّه سوف يشعر بغزارة المعاني وتدفّقها، فإنّ معطيات الواقع ومستجدّاته، تفتح فضاءات جديدة أمام النصّ، لجهة تكشّف معانيه ومضامينه ومقاصده. وبعبارةٍ جامعةٍ: إنّ هناك علاقةً وطيدةً بين النصّ والواقع، وكما أنّ المعرفة بالنصّ تضيء الواقع وتوجّهه، فإنّ المعرفة بالواقع بدورها تفتح مغلقات النص وتظهر مكنوناته، ما يسمح بالاستزادة المستمرة من معينه وهديه.

وفي ضوء ذلك، يتّضح:

أولاً: أنّ تقادم الزمان، وما يرافقه من تطوّر العلوم وتراكم الخبرات، له دورٌ كبيرٌ في إبراز مكنونات النصّ القرآني، وتحويل باطنه إلى ظاهر، وهذا معنى ما ورد عن ابن عباس، أنّ "القرآن يفسّره الزمان"، أو ما ورد في الروايات عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السّلام)، من أنّ القرآن حيٌّ لا يموت، وإنّه يجري كما يجري الليل والنّهار، ففي الخبر عن الإمام الصادق(ع): "إنّ القرآن حيّ لم يمت، وإنّه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما يجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا"[5].

وفي الحديث عن أبي جعفر(ع): "إنّ القرآن حيٌّ لا يموت، والآية حيّة لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في قومٍ ماتوا ماتت الآية، لمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين"[6].

ثانياً: أنّ البطون هي امتداد لعالم الظاهر وانعكاس له، وليست من سنخ الحقائق الأجنبية والبعيدة عن اللفظ والغريبة عن ظاهره، وإن كان يُرمز إليها بطريقة ما، فليس للكلمة معانٍ باطنية متعددة بعيدة عن المعنى اللغوي، وإنّما هو معنى واحد ذو أعماق متعددة وإيحاءات متنوّعة، ولا سبيل إليها إلا من خلال الظاهر، وأمّا تجاوز الظاهر في محاولة التعرّف إلى البطون، فإنّه يشكّل انحرافاً وخروجاً على قواعد قراءة النصّ، ما قد يوقع صاحبه في متاهات الباطنية وشطحاتهم التأويلية التي لا ضابط لها، بل هي أقرب إلى الأوهام والتخيّلات. إنّ فهم العلاقة بين الباطن والظاهر، هو ضابط الإيقاع الذي يحول دون تسلل الأفكار الباطنية التي يسعى أصحابها إلى التفلت من ظاهر الشريعة وأطرها، تحت غطاء مقولة شرعية، هي مقولة ابتناء القرآن على ثنائية الظاهر والباطن.

باختصار: إنّ الظاهر هو جسر العبور إلى الباطن، وعليه سوف يغدو واضحاً أنّ الروايات المتقدمة هي برمتها ليست من روايات الباطن في شيء، لأنّها تذكر معاني غريبة عن الظهور ولا مجال لاعتبارها من أعماق النص القرآني، الأمر الذي يمنعنا من درجها تحت عنوان البطون.

دور التأويل في معرفة البطون

وتجدر الإشارة أخيراً إلى أنّ رفضنا الأخذ بما أسميناه "الروايات التأويلية"، لا يعني رفضنا الكلي لمبدأ التأويل، كلا، فنحن نأخذ بالمبدأ المذكور ضمن تفسير وشروط خاصة، أوضحناها في محل آخر[7]، وإنّ الأعماق القرآنية المشار إليها إنما نستطيع بلوغها من خلال التأويل، فكما أنّ لتقدم الزمان وتطوّر المعارف الإنسانية دوراً أساسياً في تكشّف بطون النصّ القرآني وأعماقه، فإنّ التدبّر، أو قل التأويل، يلعب هو الآخر دوراً أساسياً في بلوغ هذه الأعماق وتظهيرها فضلاً عن اكتشاف أعماق جديدة. إذاً، هنا يأتي دور التأويل ـ بمعناه اللّغويّ ـ كجهد تفسيري يحاول تفسير الآية بمآلاتها المتجدّدة، ومن هنا نفهم ما جاء في بعض الروايات، من أنّ (بطنه تأويله)، كما أنّ (ظهره تنـزيله)([8])، وهكذا نفهم اعتبار بعض العلماء التأويلَ أحد الأقوال في تفسير البطون([9]). إنّنا نفهم ذلك، على الرغم من أنّ التأويل في حقيقته ليس بطناً، وإنّما هو أداة اكتشاف واستنباط. التأويل هو الاجتهاد في فهم النصّ واستنطاقه وبلوغ أعماقه.

قد يقال: إنّ ثمة عائقاً يقف حجرة عثرة أمام فكرة التأويل والتدبر في فهم النص القرآني، بل وأمام فكرة البطون، وهو أنّ ثمة نصاً وارداً عن رسول الله (ص) ينهى عن التعمق في الدين، بما يظهر منه أنّ التعمق يبعد الإنسان عن معرفة الحقيقة، وهو مذموم في النصوص الدينية.

ولكنّه يقال: التعمّق المذموم في قراءة النص الديني هو إمّا بمعنى إعمال الرأي بطريقة مبالغ فيها، بما يؤدي إلى تجاوز ضوابط قراءة النصوص، لنصبح أمام اجتهاد في مقابل النص، بدل أن نكون أمام اجتهاد في فهم النص، وهذا وجه مذموم من وجوه التعمق. وإمّا بمعنى التعامل معه بطريقة عقلية هندسية تتجاوز الظاهر وتقترب من التأويل وليِّ عنق النص، طلباً لما يسمى البواطن والأسرار، ولمزيد من التفصيل في قضية التعمق وما هو مذموم وما هو ممدوح منه يمكن مراجعة الملحق رقم (2).

الروايات المعارضة للكتاب

  1. طرح ما خالف الكتاب ومستنده
  2. ضرورة عرض التراث الخبري برمته على الكتاب
  3. مناقشة الاتجاه الرافض للعرض على الكتاب
  4. أنحاء مخالفة الكتاب
  5. نماذج من المخالفة الروحيّة للكتاب

لا يخفى على من سرّح النظر في التراث الخبري برمته، ومنه التراث الوارد في التفسير، أنّ ثمّة صنفاً من الأخبار يتعارض مع كتاب الله تعالى بنحو من أنحاء المعارضة، فكيف نتعامل مع هذا الصنف؟

إنّ هذا البحث - كما لا يخفى - مطروحٌ في علم الأصول بإسهاب وتفصيل، وفي هذه الدراسة فإننا نقارب القضيّة بطريقة من خلال التركيز على بعض النقاط الأساسية الضرورية والنافعة في العلمين معاً ( علم التفسير وعلم الأصول )، ويبقى تفصيل الكلام في بعض الجوانب موكولاً إلى البحث الأصولي.

  1. ضرورة طرح ما خالف الكتاب ومستنده

إنّ الأخبار المنافية للكتاب لا مجال لحجيتها، بل لا بدّ من رفضها، وذلك:

أولاً: من المعلوم أن القرآن الكريم هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيكون المرجع الأساس في بناء التصورات والمفاهيم والأحكام الشرعية، ومعلوم أنّ النبي (ص) مأمور بأن يشرح الكتاب ويبيّنه للناس، كما أنّ الأئمة من أهل البيت (ع) هم عدل الكتاب وما افترقوا ولن يفترقوا عنه أبداً، كما جاء في نصّ حديث الثقلين، وملازمتهم للقرآن (ع) وعدم افتراقهم عنه يعني أنّهم ما كانوا ليتكلموا بما خالف الكتاب.

وبعبارة أخرى: إنّ طرح ما خالف الكتاب هو من الأمور البديهية التي لا ريب فيها، باعتبار أنّ مخالفة النبي (ص) لما جاء في الكتاب لا تُعقل ثبوتاً (في غير النسخ) لأنّها تعني التناقض الداخلي في مدرسة الوحي، وهي غير مقبولة إثباتاً، لأنّ القرآن قطعي السند، وهو سند النبوة المعجز والذي تكفل الله بحفظه، فلا مفرّ من أن يكون الخطأ في الخبر أو المخبر.

ثانياً: إنّ هذا الأمر قد نصّت عليه الروايات الموثوق بصدورها، حيث إنها قد أكدت على لزوم طرح ما خالف الكتاب، وإليك بعض تلك الأخبار:

منها: معتبرة أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "كل شيء مردود إلى كتاب الله والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب لله فهو زخرف"[10].

ومنها: عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وغَيْرِه عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: "خَطَبَ النَّبِيُّ (ص) بِمِنًى، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّه فَأَنَا قُلْتُه ومَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّه فَلَمْ أَقُلْه"[11].

ومنها: خبر السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): إنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وعَلَى كُلِّ صَوَابٍ نُوراً فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّه فَخُذُوه ومَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّه فَدَعُوه"[12].

ومنها: خبر عبد الله بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به؟ قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإلا فالذي جاءكم به أولى به "[13].

  1. ضرورة عرض التراث الخبري برمته على الكتاب

عرفت أنّ مشهور فقهاء الإمامية ذهبوا إلى ضرورة طرح الخبر المعارض للقرآن الكريم، كما ذهبوا أيضاً إلى أنّه عند تعارض الأخبار فيما بينها فلا بدّ من عرض الخبرين المتعارضين على الكتاب، ليكون هو الميزان في القبول والرد، فيؤخذ بما وافقه ويطرح ما عارضه، وذلك استناداً إلى أخبار العرض على الكتاب.

إلا أنّ ثمّة مسلكاً آخر أشرنا إليه وإلى مستنده في المحور الثاني، وهو الأقرب إلى الصواب، ويتلخص هذا المسلك بضرورة عرض كلّ التراث الخبري غير المقطوع بصدوره على القرآن الكريم، حتى لو لم تكن الأخبار منافية للكتاب، ولا متعارضة فيما بينها، وهذا المسلك قد تبناه بعض الفقهاء المعاصرين، ورأى أنّه لا يكفي الاعتبار السندي في حجية الخبر، بل يشترط في حجيّة الخبر أيضاً شرط آخر، وليس هو عدم منافاة مضمونه للكتاب فحسب، بل موافقته له وانسجامه معه، فالتحقق من صحة المضمون يكون بإحراز موافقته لما في القرآن، وعليه، فلا يمكن للفقيه أن يعتمد على الخبر قبل عرضه على القرآن الكريم والتثبت من انسجامه معه، ولا يمكن حصول الوثوق بالخبر إلا بذلك.

  1. مناقشة الاتجاه الرافض للعرض على الكتاب

هذا ما عليه الحال لدى علماء الأصول الشيعة، ولكن في المقابل، ثمة اتجاه في أصول الفقه السني يرفض مبدأ العرض على الكتاب من أصله.

  • من أقوال الرافضين للعرض

 قال ابن عبد البر: "قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث، يعني ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته وإن خالف كتاب الله فلم أقل وإنما أنا موافق كتاب الله وبه هداني الله". وهذه الألفاظ لا تصح عنه صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه. وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل العلم وقالوا نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء ونعتمد على ذلك قالوا فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه مخالف لكتاب الله لأنا لم نجد في كتاب الله إلا يقبل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما وافق كتاب الله بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به والأمر بطاعته ويحذر المخالفة عن أمره جملة على كل حال"[14].

وقال الشوكاني: " وقد عارض حديث العرض قوم فقالوا: وعرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله فخالفه، لأنا وجدنا في كتاب الله { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر: 7]، ووجدنا فيه { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ووجدنا فيه { من يطع الرسول فقد أطاع الله  } [النساء: 80]"[15].

"قال الأوزاعي الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب، قال ابن عبد البر: إنها تقضي عليه وتبين المراد منه.  وقال يحيى بن أبي كثير: السنة قاضية على الكتاب. والحاصل ان ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الاحكام ضرورية دينية ولا يخالف في ذلك الا من لاحظ له في دين الاسلام"[16]

وقد حكى زكريا الساجي، عن يحيى بن معين أنه قال :هذا حديث وضعته الزنادقة"[17].

وقال الإسنوي في شرح المنهاج: " "قال الشافعي: لا يجب عرض خبر الواحد على الكتاب، وقال عيسى بن أبان: يجب"[18].

وقال الزركشي: "وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن فقال الشافعي في الرسالة ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع وضعته الزنادقة"[19].

وقال البيهقي: " والحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل لا يصح وهو ينعكس على نفسه بالبطلان فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن"[20].

  • أدلة الرافضين لعرض الخبر على الكتاب

ويمكن تلخيص أدلة هذا الرأي بوجهين:

الوجه الأول: المناقشة من جهة عدم ثبوت الخبر الآمر بالعرض على الكتاب. إما لأنّ الخبر موضوع، أو لأنّ الرواية بذلك لا تصح كما تقدم عن ابن عبد البر.

ويلاحظ عليه:

أولاً: الخبر الآمر بعرض الأخبار على الكتاب بنظرنا صحيح، وقد ورد في الروايات الصحيحة عن أهل البيت (ع). ورميه بالوضع لا وجه له. بل قد يوجد ما يعضده حتى في مصادر السنة، ففي المعجم الكبير للطبراني بسنده عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إنّ رحى الإسلام دائرة، قال: فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: أعرضوا حديثي على الكتاب فما وافقه فهو مني وأنا قلته"[21]. وعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وسألت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وإنه سيفشوا عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فاقرأوا كتاب الله واعتبروه فما وافق كتاب الله فأنا قلته وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله"[22].

وفي سنن الدارمي بسنده عن أبي هريرة قال: "كان إذا حُدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، فكان ابن عباس إذا حدث قال: إذا سمعتموني أحدث عن رسول الله (ص) فلم تجدوه في كتاب الله أو حسنا عند الناس فاعلموا أني قد كذبت عليه"[23].

وهكذا فإنّ المعلوم من سيرة السيدة عائشة أنها كانت ترد الأخبار المخالفة لكتاب الله تعالى، وعلى سبيل المثال: فقد نقل إليها أنّ عمر بن الخطّاب قد تمسك بما روي عن رسول الله (ص): "أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه"[24]، لينهى الناس عن بكاء موتاهم، فقالت: يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّ الله يعذب المؤمن ببكاء أحد، ولكن قال: إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن: { ولا تزر وازرة وزر أخرى} [فاطر: 18]"[25]، على اعتبار أنّه إذا كان الأحياء قد أخطأوا بالبكاء على الميت فما ذنب الميت، حتى يؤخذ بجريرتهم ويحاسب على ذنبهم؟!.

والظاهر أن المفسر الشهير أبا بكر الجصاص ( 370 هـ) قد عمل بالخبر الآمر بالعرض على الكتاب[26]. وكذلك فإنّ الشيخ محمد عبده، هو من أنصار هذا الرأي بحسب ما يظهر من بعض كلماته[27]

ثانياً: إنه حتى لو لم يصح، فالعرض أمر طبيعي ولا مفر منه، وذلك منعاً للتنافي في مدرسة الوحي. فالنبي (ص) لا يعقل أن يصدر عنه ما يخالف القرآن، وبعبارة أخرى: مع علمنا بأن في الأخبار موضوعات، وأنّ فيها أخطاء واشتباهات نتيجة النقل بالمعنى والأخطاء البشرية، فمن المعقول عند اشتباه الأمر أن يوضع من قبل الشريعة ميزان للتشخيص وهو إرجاع ما حصل فيه الاشتباه إلى ما هو متيقن الصدور عن المشرع الحقيقي.

الوجه الثاني: إنّ حديث العرض على الكتاب هو من جملة الأحاديث، فيشملها عموم ما دل على عرض الأحاديث على الكتاب، وعند عرض هذا الحديث نجده مخالفاً للكتاب، قال الشوكاني: " وقد عارض حديث العرض قوم، فقالوا وعرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله فخالفه، لأنا وجدنا في كتاب الله { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر: 7]، ووجدنا فيه { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ووجدنا فيه { من يطع الرسول فقد أطاع الله  } [النساء: 80]"[28].

ويرده:

أولاً: إنّ حديث العرض لا ينافي الآيات المباركة الدالة على حجية قول النبي (ص) ولزوم اتباعه منافاة مطلقة، لأنه لا ينفي حجية السنة بقول مطلق وإنما يفصّل في الأمر، فيكون أخص من الآيات، فهو يقول إن ما ورد من السنة على صنفين: ما كان موافقاً للكتاب وهذا يؤخذ به، وما كان معارضاً للكتاب وهذا لا يؤخذ به، وعليه يكون مقيداً لإطلاقها، فيبتني الأمر على جواز تخصيص السنة بالكتاب، وحيث تقولون بالتخصيص فلا مفر من الأخذ به.

ثانياً: إنّ حديث العرض لا نظر له إلى السنة الواقعية، وإنما إلى السنة المحكية، وبيان ذلك أنّ السنة الواقعية لا يجب عرضها على الكتاب، وذلك لأنه لا يعقل معارضتها له، بسبب أنّ عصمته (ص) تمنع أن يصدر عنه ما يخالف كلام ربه، وأما السنة المحكية بالخبر، فعرضها على الكتاب لا ينافي الكتاب كما زعموا، لأنّ الآيات الآمرة باتباع النبي (ص) لا تشمل ما كان فيه معارضة للكتاب، فالآيات قاصرة عن الشمول للخبر المخالف لها، وهل يعقل أن تدعو مدرسة الوحي إلى إلغاء نفسها، بأن تقول الآية: ما يصدر عن النبي (ص) - ولو لم يكن في موقع النسخ - حجة حتى لو كان الصادر عنه مؤدياً إلى إلغاء العمل بالقرآن! إنّ الآيات القرآنية بأمرها المفترض بالأخذ بالخبر المبطل لها إنما ادعو إلى إلغاء نفسها وتبطل أساس حجيتها، وهو القرآن الكريم.

  1. أنحاء مخالفة الكتاب

بعد أن اتضح أنّ الخبر المعارض للكتاب لا بدّ من ردّه يقع التساؤل عن المقصود بمخالفة الكتاب؟

والجواب: إنّ مباينة الأخبار ( إذا استثنينا منها ما هو أخص مطلقاً والتي سنعقد لها محوراً خاصاً ) التي تُعزى إلى النبي (ص) أو الأئمة من أهل البيت (ع) ومنافتها مع ما في الكتاب على نحوين:

الأول: المباينة المباشرة لأحكام القرآن التفصيليّة، بحيث يحلل الخبر ما حرمه القرآن، أو يحرم ما أحلّه، وهذا الصنف مما لا ريب في عدم حجيته ولزوم طرحه، وهو القدر المتيقن للأخبار الآمرة بطرح ما عارض الكتاب. ونحوه ما كان مبايناً على نحو العموم من وجه، فلا شك عندها في وجوب طرح الخبر في مادة الاجتماع.

الثاني: المباينة مع روح القرآن الكريم، ومع المبادئ العامة التي أرساها، والمقاصد العليا التي جاء بها، وهذا الاتجاه في تفسير المباينة تبناه بعض الأعلام، يقول السيد الشهيد: " أنه لا يبعد أن يكون المراد من طرح ما خالف الكتاب الكريم، أو ما ليس عليه شاهد منه، طرح ما يخالف الروح العامة للقرآن الكريم، وما لا تكون نظائره وأشباهه موجودة فيه. ويكون المعنى حينئذ أن الدليل الظني إذا لم يكن منسجماً مع طبيعة تشريعات القرآن ومزاج أحكامه العام لم يكن حجة. وليس المراد المخالفة والموافقة المضمونية الحدية مع آياته. فمثلًا لو وردت رواية في ذم طائفة من الناس وبيان خستهم في الخلق أو أنهم قسم من الجن، قلنا أنّ هذا مخالف مع الكتاب الصريح في وحدة البشرية جنساً وحسباً ومساواتهم في الإنسانية ومسئولياتها مهما اختلفت أصنافهم وألوانهم. وأما مجيء رواية تدل على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلًا فهي ليست مخالفة مع القرآن الكريم وما فيه من الحث على التوجه إلى اللَّه والتقرب منه عند كل مناسبة وفي كل زمان ومكان. وهذا يعني أن الدلالة الظنية المتضمنة للأحكام الفرعية فيما إذا لم تكن مخالفة لأصل الدلالة القرآنية الواضحة تكون بشكل عام موافقة مع الكتاب وروح تشريعاته العامة، خصوصاً إذا ثبتت حجيتها بالكتاب نفسه"[29].

 وقال السيد السيستاني: "إنّ المقصود بالتوافق مع كتاب الله الموافقة الروحيّة، وليس الموافقة من حيث المؤدى فحسب، أي إنّ مضمون الخبر كما لا يؤخذ به إذا عارض المعارف المسلمة في الإسلام مما ورد في الكتاب والسنة، كأن يكون هادماً لما بناه الإسلام أو بانياً لما هدمه أو محرماً لما أحله أو محللاً لما حرمه، كذلك لا يؤخذ به إذا كان معارضاً لروح القرآن والسنة القطعية ولو في مستوى التناسب والاستئناس"[30].

 ويشهد لهذا الاتجاه:

أولاً: إنّ نظر بعض الأخبار الآمرة بطرح ما خالف الكتاب إلى هذا النوع من المخالفة والمباينة، كما في خبر السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): إنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وعَلَى كُلِّ صَوَابٍ نُوراً فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّه فَخُذُوه ومَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّه فَدَعُوه"[31]، وذلك أنّه (ص) وبعد أن أخبرنا عن وجود حقيقة نوارنية في القرآن، وهي الروح التي تحكمه، أمر بعرض الأخبار عليه من خلال هذه الحقيقة النورانية. وفي خبر عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: وحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ أَنَّه حَضَرَ ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ يَرْوِيه مَنْ نَثِقُ بِه ومِنْهُمْ مَنْ لَا نَثِقُ بِه قَال:َ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ لَه شَاهِداً مِنْ كِتَابِ اللَّه أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّه (ص) وإِلَّا فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِه أَوْلَى بِه"[32]، "فإن التعبير بالشاهد الَّذي يكون بحسب ظاهره أعم من الموافق بالمعنى الحرفي، مع عدم الاقتصار على شاهد واحد خيرُ قرينة على أنّ المراد وجود الأمثال والنّظائر لا الموافقة الحدية"[33].

والمتأمل في سيرتهم (ع) يلاحظ أنهم اعتمدوا الموافقة الروحية في تدعيم ما يقولونه، عندما كانوا يسألون عن مصدر كلامهم في القرآن، ففي أَبِي الْجَارُودِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَاسْأَلُونِي مِنْ كِتَابِ اللَّه، ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ حَدِيثِه: إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص نَهَى عَنِ الْقِيلِ والْقَالِ وفَسَادِ الْمَالِ وكَثْرَةِ السُّؤَالِ، فَقِيلَ لَه: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّه، أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّه؟ قَالَ إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ : * ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) * ( 1 ) وقَالَ * ( ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِياماً ) * ( 2 ) وقَالَ * ( لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } []"[34].

ثانياً: "إن هذا المعنى هو مقتضى طبيعة الوضع العام للأئمة المعصومين عليهم السلام ودورهم في مقام بيان الأحكام[35]، الأمر الَّذي كان واضحاً لدى المتشرعة ورواة هذه الأحاديث أنفسهم والَّذي على أساسه أمروا بالتفقه في الدين والاطلاع على تفاصيله وجزئياته التي لا يمكن معرفتها من القرآن الكريم، مما يشكل قرينة متصلة بهذه الأحاديث تصرفها إلى إرادة هذا المعنى، وقد جاء هذا المعنى في رواية الحسن بن الجهم عن العبد الصالح: "قَال: إذَا جَاءكَ الحَدِيثَانِ المُختَلَفَانِ فَقسهُمَا عَلى كِتَابِ اللَّه ِ وأحَادِيثِنا فَإن أشبَهَهَا فَهُوَ حَقّ وإن لَم يُشبِههَا فَهُوَ بَاطِلٌ"،  وهذه الرواية وإن كانت واردة في فرض التعارض، إلَّا أنها بحسب سياقها تشير إلى نفس القاعدة المؤكد عليها في مجموع أخبار الباب"[36].

ثالثاً: ويؤيده أيضاً أنّ من البعيد نظر الأحاديث الآمرة بترك المخالف للكتاب إلى المخالفة المباشرة للأحكام الجزئية الواردة في القرآن الكريم، لأن هذه المخالفة - مضافاً إلى ندرتها، بسبب أنّ الواضع[37] الذي يريد الكذب ليس من الغباء إلى هذه الدرجة، ليحرم أمراً أحلّه القرآن أو بالعكس - لا تحتاج إلى كل هذه التأكيدات منهم (ع)، إذ غالباً ما يتم التنبه لها، فلا تنطلي على الناس. بخلاف المخالفة مع روح القرآن العامة، فهذه قد لا يتنبه لها كل الناس.

رابعاً: إنّ هذا الاتجاه يجنبنا اللجوء إلى التأويل الذي وقع فيه أصحاب الاتجاه الأول، حيث إنهم وفي تعاملهم مع أخبار العرض على الكتاب للأخذ بما وافقه، قد وقعوا في مشكلة، وهي أننا لا نجد في آحاد الآيات القرآنية المبيّنة لتفاصيل الأحكام ما يوافق أو يكون شاهداً لما ورد عنهم، ومن هنا أوّلوا الموافقة بعدم المخالفة. ونحن بغنى عن ذلك التأويل، لأن الموافقة يراد بها الموافقة الروحية والانسجام مع مفاهيم القرآن وتعاليمه.

  1. نماذج من المخالفة الروحيّة للكتاب

ولمخالفة الكتاب أمثلة متعددة ذكر العلماء العديد منها في ثنايا كتبهم وكلماتهم، وفيما يلي نذكر بعض النماذج عن المخالفة الروحيّة:

النموذج الأول: هو الروايات الناهية عن التزوج ببعض الأقوام، كالأكراد، بحجة أنّهم "قوم من الجن كشف عنهم الغطاء"[38]، أو الخوز "لأنّ لهم عرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء"[39]، أو الزنج "لأنّهم خلق مشوه"[40]، وهذه الروايات لا يمكن حملها على القضية الخارجية، بسبب إباء التعليلات الواردة فيها[41]، أو القرائن التي اشتملت عليها[42] عن هذا الحمل، وبناءً عليه، لا بدّ من ردّها لا لكونها تعارض القرآن الكريم بشكل مباشر، لعدم وجود آية في القرآن الكريم تنفي وتكذب ما تضمنته الأحبار صراحة، وإنما لأنّها تعارض الأجواء القرآنية والروح التي تحكم آيات الكتاب والتي تنص على تكريم الإنسان، وترفض امتهان أحد لأصله أو عرقه أو لونه، وترفض الطبقية والعنصرية والعصبية، وتأبى تفضيل الناس على أسس لا علاقة لها باختيارهم، وبكلمة أخرى: هي "مخالفة للمفاهيم الإسلامية الثابتة بالكتاب والسنة القطعية المنطلقة من قاعدة احترام الإنسان في خصوصياته الوجودية، لا سيّما الأشياء التي لا تكون اختياريّة كالقوميّة واللون والعرق"[43]، فعندما نرجع إلى الكتاب نجد أنّ الله سبحانه قد كرّم بني آدم ولم يستثن أحداً، فقال: {لقد كرمنا بني آدم}[الإسراء: 70]، والحديث عن كون قوم من الناس هم خلق مشوه أو أنهم لهم عرقاً يدعوهم إلى عدم الوفاء، هو أمر ينافي التكريم. وقد جعل القرآن أيضاً أساس التفاضل بين البشر في التقوى والعمل، وليس في العرق أو اللون، قال تعالى: {إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات13]، وهكذا نجد النبي (ص) في موضوع الزواج لم يأخذ بنظر الاعتبار إلا الدين والخلق، فقال (ص) فيما روي عنه: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودِينَه فَزَوِّجُوه * ( إِلَّا تَفْعَلُوه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسادٌ كَبِيرٌ )"[44]، كما أنّه (ص) من الناحية العمليّة قد حطّم الطبقيّة الجاهلية في أمر الزواج، عندما زوّج جويبر، وكان رجلاً دميماً قبيحاً، من الذلفاء وهي امراة جميلة ذات حسب ونسب، وقال: "يا جويبر، إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً.."[45]، والأمر عينه فعله (ص) مع المقداد بن الأسود، فقد زوجه من ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب[46]، ضارباً الفوارق الطبقيّة عرض الحائط.

ومن خلال ما تقدم اتضح أنه لا مجال للدفاع عما تضمنته هذه الروايات، من إنّها ليست بصدد النهي التحريمي عن الزواج منهم، وإنّما هي في بيان كراهة ذلك، أو أنّها في مقام الإرشاد إلى ترك الزواج بهؤلاء لما يترتب عيه من آثار وضعية وسلبيات اجتماعية، والوجه في عدم صحة ذلك، هو أنّ النهي عن الزواج قد علل بتعليلات منافية لمفاهيم الكتاب والسنة.   

النموذج الثاني: الروايات التي تتحدث عن شكل آدم (ع) طولاً وعرضاً وحجماً، وتعطيه وصفاً أسطورياً خيالياً، من قبيل ما رواه الطبري عن عطاء بن أبي رباح، قال: "لما أهبط الله عز وجل آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله تعالى في دعائها وفي صلاتها، فخفضه إلى الأرض، فلما فَقَدَ ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله عز وجل في دعائه وفى صلاته، فوُجِّه إلى مكة، فصار موضع قدمه قرية، وخطوته مفازة، حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله تعالى الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة حتى بعث الله تعالى إبراهيم الخليل عليه السلام فبناه، فذلك قوله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} [الحج: 26]"[47].

وقريب من هذا الوصف لآدم (ع) مروي في صحيحَي البخاري ومسلم، بالإسناد إلى أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاَ، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يُحيّونَك، فإنِّها تحيتك وتحيّة ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكلّ من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد، حتى الآن"[48].

وفي بعض الروايات المروية في مصادر الشيعة أنّ طوله بلغ سبعين ذراعاً، فقد روى الكليني في روضة الكافي بإسناده عن مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع كَمْ كَانَ طُولُ آدَمَ (ع) حِينَ هُبِطَ بِه إِلَى الأَرْضِ؟ وكَمْ كَانَ طُولُ حَوَّاءَ؟ قَالَ: وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع أَنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ وزَوْجَتَه حَوَّاءَ (ع) إِلَى الأَرْضِ كَانَتْ رِجْلَاه بِثَنِيَّةِ الصَّفَا، ورَأْسُه دُونَ أُفُقِ السَّمَاءِ، وأَنَّه شَكَا إِلَى اللَّه مَا يُصِيبُه مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِلَى جَبْرَئِيلَ (ع) أَنَّ آدَمَ قَدْ شَكَا مَا يُصِيبُه مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَأغْمِزْه غَمْزَةً وصَيِّرْ طُولَه سَبْعِينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِه واغْمِزْ حَوَّاءَ غَمْزَةً فَيَصِيرَ طُولُهَا خَمْسَةً وثَلَاثِينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِهَا[49].

إنّ هذه النصوص وأمثالها مرفوضة لأكثر من سبب:

أولاً: منافاتها لما جاء في القرآن الكريم، فإنّه يؤكد على خلق الإنسان في أحسن تقويم، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4]، وأنه صوّر بني آدم فأحسن صورهم، { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } [غافر: 64]، وما تضمنه الخبر عن طول آدم هو شيء فظيع ولا يدلّ على قوام حسن ولا على صورة مقبولة. إنّه لو كان طول آدم ستين ذراعاً أو سبعين، ( يقرب من خمسين متراً)، فهذا يعني أنه ما كان لتظلّه شجرة ولا يأويه كهف أو مسكن، فيكون خلقه كذلك عناءً كبيراً له، فأين "صوّركم فأحسن صوركم"؟!، والغريب أنّ الرواية التي رواها الكليني تؤكد أنّ طوله في بادئ الأمر كان أكثر من ذلك بكثير، حيث "كَانَتْ رِجْلَاه بِثَنِيَّةِ الصَّفَا، ورَأْسُه دُونَ أُفُقِ السَّمَاءِ، وأَنَّه شَكَا إِلَى اللَّه مَا يُصِيبُه مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِلَى جَبْرَئِيلَ (ع) أَنَّ آدَمَ قَدْ شَكَا مَا يُصِيبُه مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، فَأغْمِزْه غَمْزَةً وصَيِّرْ طُولَه سَبْعِينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِه واغْمِزْ حَوَّاءَ غَمْزَةً فَيَصِيرَ طُولُهَا خَمْسَةً وثَلَاثِينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِهَا"، والسؤال أين الحكمة في هذا الخلق بحيث يضطر الله إلى أمر جبريل بإجراء عملية خاصة "غمزة" تصيّره سبعين ذراعاً !! ألم يكن الله عالماً بأنّ هذه النسخة من الخلق لا تلائم الخليفة ولا تساعده ليدبر أموره بسهوله ويعيش حياته بهناء على الأرض؟!

إن قلت: إنّ القرآن حدثنا عن قوم عاد وأنه زادهم بسطة في الجسم، قال تعالى على لسان هود: {واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69]، وذكر المفسرون أخباراً عن طول قوم عاد. وهكذا فقد حدثنا القرآن الكريم عن القوم الجبارين، فقال تعالى: { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ  قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } [ المائدة 21 - 22]، وما ورد في كتب التفسير عن الجبارين يدل صراحة على كونهم عمالقة غير عاديين.

قلت: أما قوم عادٍ فإنّ الآية لا تشير إلى حجم هذه البسطة في الخلق التي زادهم الله تعالى بها، ويكفي في صدق "البسطة في الخلق" أن يكون في أجسادهم زيادة لا بأس بها تميزهم عن غيرهم، كما متعارف في بعض الشعوب أو الأشخاص الذين يملكون قواماً أطول وبنية أصلب من غيرهم، مما نراه رأي العين، ومما يشهد لذلك أنّ القرآن الكريم قد تكلّم عن مساكنهم وأشار إلى أنّها كانت بمرأى من الناس في زمان رسول الله (ص)، قال تعالى: { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [العنكبوت: 38]، وتلك المساكن هي على ما يذكر في الأحقاف، وملاحظتها تدلّ على أنهم كانوا مثلنا أو قريبين منا في القوام. وبصرف النظر عن مكان الأحقاف، فإنّ الآية تتحدث مع المخاطبين بالقرآن وتذكر أنّهم قد رأوا مساكنهم، فلو كانت غير طبيعية لذُكِر ذلك في كتب التاريخ والحديث، وأما الأخبار الواردة في وصفهم، فهي مما لا يوثق به[50].

وأما القوم الجبارون، فلم تزد الآية على وصفهم بالجبارين، وهو وصف لا دلالة له على وجود أحجام غير مألوفة لأجسامهم، لأنّ الجبار "هو الذي يجبر الناس على ما يريد"[51]، وهذا قد يكون لقوة بنيته، وأما ما روي بشأنهم في الأخبار فهو أمر غير قابل للتصديق، فقد روي[52] أن الرجل من هؤلاء العمالقة، قد وضع من قوم موسى (ع) الذين أمروا بالدخول إلى الأرض المقدسة اثني عشراً رجلاً في كمّه، مع فاكهة العنب التي كان يجتنيها من كرمه، والتي كانت الحبة الواحدة منها تكفي رجلاً[53]. إلى غير ذلك من غرائب المرويات الواردة في بيان حجم أجسام هؤلاء[54]، والتي صرح ابن كثير برفض بعضها وأنه يخجل من ذكرها، قال: "وقد ذكر كثيرٌ من المفسرين ههنا أخباراً من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين وأن منهم عوج بن عنق بنت آدم - عليه السلام - وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع تحرير الحساب، وهذا شئ يستحي من ذكره"[55].

 ولذا قال المحقق التستري (رحمه الله) معلقاً على الأخبار المتقدمة: "إنّ الله الحكيم الذي أحسن كل شيء خلقه والرحمن الذي ما ترى في خلقه من تفاوت ولا ترى من فطور، ووفى كل دابة وطير مصالحه ووقاه مفاسده كيف يخلق خليفته في أرضه - الذي أكرمه بسجود ملائكته- ناقصاً كما قال في هذا الخبر - خبر الكليني - مع أنّه بعد غمزه وصيرورته سبعين ذراعاً بذراعه - ولا بد أنّ كل ذراع منه مقدار أذرع منا- كان المحذور باقياً، لأنّه كان لا يكنه من الشمس بناء"[56].

ثانياً: إنّ هذا المضمون مناف للمعطيات والكشوفات المختلفة التي أظهرها علم الحفريات، وهي كشوفات تظهر بوضوح أنّ قوام البشر الآدميين منذ مئات الآف السنين لم يتغيّر بشكل لافت عما هو شكلنا الحالي. وقد تضمن الخبر أيضاً أنّ الخلق لم يزالوا في تناقص مستمر لجهة بنيتهم الجسديّة إلى يومنا هذا، وهذا ما يكذبه الواقع والعلم، لا أقل من عدم حصول تناقص منذ آلاف السنين، والمفروض أن يستمر التناقص بعد رسول الله (ص)، وهذا ما يكذّبه الواقع التاريخي. وعليه، فلا يعتنى بالمقولات التي تحفل بها ذاكرة بعض الشعوب وهي تتحدث عن وجود العمالقة في الأزمنة الغابرة، لأنها قصص أسطورية، ولم نجد في علم الحفريات ولا في المصادر الموثوقة ما يشهد لها. 

ثالثاً: وتضمن خبر أبي هريرة فقرة أخرى، هي مثار جدل كبير، وهي قوله "خلق الله آدم على صورته"، ولا يمكن الأخذ بها على ظاهرها لمنافاتها للقرآن الكريم، الذي يؤكد أنه تعالى { ليس كمثله شيء} [الشورى: 11]، ويرجح أن هذه الفقرة مبتورة من سياقها، كالكثير من الأحاديث التي فصلت من سياقها، وفصل هذا الحديث عن سياقه أوجب فهماً عقدياً خاطئاً، وقدّم حجة للقائلين بأنّ الله تعالى جسم على هيئة آدم. ولدى وضع الحديث في سياقه، ندرك أنه في مقام بيان أمر آخر، كما يوضح ذلك الإمام علي بن موسى الرضا (ع) إذ يقول فيما روي عنه: "إنّ الرسول مرّ برجلين يتسابان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال (ص): يا عبد الله لا تقلْ هذا، فإنّ الله خلق آدم على صورته"[57].

رابعاً: إنّ مصدر كثير من هذه الأخبار هو مسلمة أهل الكتاب، فيرجح أنها تسربت من الثقافة الإسرائيلية، فرواية الكليني تنتهي إلى مقاتل بن سليمان، وهو ناهيك عن كونه كذاباً[58] ممن أخذ في تفسيره عن الإسرائيليات، قال ابن حبان: "كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان شبهياً يُشَبِّهُ الرب بالمخلوقين"[59]. وأبو هريرة أيضاً قد التقى بكعب الأحبار في الشام، وتحادث معه، ثم عرض ما حدّثه به على ابن سلام ( الحبر المعروف ) في المدينة، يقول في خبر مفصل: " .. فلقيت عبد الله بن سلام فقلت له: لو رأيتني خرجت إلى الطور، فلقيت كعباً، فمكثت أنا وهو يوماً أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثني عن التوراة"[60].

ومما يشهد لكون المضمون مستقى من خارج الثقافة الإسلاميّة، أنّ تشابه ما رواه أبو هريرة مع ما هو موجود في التوارة، جاء في سفر التكوين: " ثم قال الله : لنصنع الإنسان على صورتنا ، كمثالنا ، فيتسلط على سمك البحر ، وعلى طير السماء ، وعلى الأرض ، وعلى كل زاحف يزحف عليها . 27 فخلق الله الإنسان على صورته . على صورة الله خلقه . ذكرا وأنثى خلقهم . 28 وباركهم الله قائلا لهم : أثمروا وتكاثروا واملأوا الأرض وأخضعوها . وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يتحرك على الأرض"[61].وقد اعترف ابن كثير بوجود إسرائيليات في أخبار العمالقة كما أسلفنا.

نكتفي بهذين النموذجين للأخبار المنافية لروح القرآن، وثمة نماذج أخرى، وقد تناولنا في العديد من الدراسات بعضاً من تلك النماذج، من قبيل " أحاديث الطينة"، أو الأحاديث التي تتحدث عن كفر ابن الزنا أو أنه لا يدخل الجنة، أو غير ذلك من الأحاديث.

من كتاب: حاكمبة القرآن (دراسة تأصيلية حول علاقة السنة بالكتاب ودورها في تفسيره)

 


[1]  الخصال، ص396.

[2] إنّ ابتناء القرآن على ثنائية الباطن والظاهر لا أصل له في القرآن الكريم، وإنما هو واردٌ في السنَّة الشريفة، من خلال ما روي عن النبيّ(ص) من طرق الفريقين، وهي رواياتٌ مستفيضةٌ ومتضافرة. فمن طرق السنَّة، ورد حديث الباطن والظاهر في عدّة مصادر، انظر: ابن حبان (ت 354هـ)، صحيح ابن حبان، مؤسسة الرسالة، ط2، 1993م، ج1، ص276؛ والغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (ت 505هـ)، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، لا.ط، 1982م، ج1؛ ص99؛ والسيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق، سعيد المندوب، دار الفكر، بيروت، ط1، 1996م، ج2، ص486،، وأمّا من طرق الشيعة، فقد ورد الحديث عن رسول الله(ص) الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص559.  وعن أمير المؤمنين(ع) انظر: الكاشاني، محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني (ت 1091هـ)، تفسير الصافي، مؤسسة الهادي، قم ـ إيران، ط2، 1416هـ، ج1، ص31. وعن الإمام الكاظم(ع) الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص374. وبعض الأسانيد المتقدّمة معتبرة، ولذا فالأجدى ـ بدل محاولة التشكيك في سند هذه الأحاديث ـ تركيز الاهتمام على محاولة فهمها ومعرفة مضمونها، ومن ثمّ محاولة توظيفها والاستفادة منها على أكثر من صعيد، ومنها قابليّة هذا النصّ على التجدّد أو مواكبة المستجدَّات.

 

([3]) انظر: الصدر، السيد موسى، أبجدية الحوار "محاضرات وأبحاث"، إعداد: حسين شرف الدين، مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، بيروت ـ لبنان، ط2، 1997م، ص88.

[4] انظر: المنتظري، الشيخ حسين علي، نهاية الأصول، تقريراً لبحوث السيد حسين البروجردي، مصدر سابق، ص65. وربما كان البروجردي من أوائل القائلين بهذه النظرية.

[5] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج35، ص404.

[6] م.ن، ج35، ص403.

[7] راجع كتاب أصول الاجتهاد الكلامي، ص

([8]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج89، ص97.

([9]) الرضي، محمد بن الحسين الموسوي، المجازات النبوية، مصدر سابق، ص51.

[10] المحاسن، ج 1، ص 221، والكافي، ج 1، ص 69،

[11] الكافي، ج 1، ص 69.

[12] الكافي، ج 1، ص 69. وعنه وسائل الشيعة ج 27 ص 110، الحديث 9 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي، ونحوه روايات أخرى.

[13] الكافي، ج1 ص69.

[14] جامع بيان العلم وفضله، ج 2، ص 191.

[15] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ص 33

[16] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ص 33

 [17] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ص 33

[18] نهاية السول في شرح منهاج الوصول إلى الأصول، ج 2، ص، 708.

[19] البحر المحيط في أصول الفقه، ج 3، ص 237.

[20] دلائل النبوة، ج 1، ص 27.

[21] المعجم الكبير، ج 2، ص 97، قال الهيثمي: " وفيه يزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث "، مجمع الزوائد، ج 1، ص 170.

[22] المعجم الكبير، ج 12، ص 244. قال الهيثمي: " وفيه أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه وهو منكر الحديث "، مجمع الزوائد، ج 1، ص 170.

[23] سنن الدارمي، ج 1، ص 146.

[24] صحيح البخاري، ج 2، ص 85.

[25] صحيح ممنسمسلم، ج 3، ص 43.

[26] أحكام القرآن، ج 1، ص 629، وج 3، ص 38،

[27] يقول الشيخ أو ريا: " ولما عرض رحمه الله ( يقصد الشيخ عبده ) لعلم الحديث في اللائحة التي وضعها لإصلاح التعليم ، وما يجب اتباعه، قال : " فن الحديث على شرط أن يؤخذ مفسرا للقرآن مبينا له، مع اطراح ما يخالف نصه، من الأحاديث الضعيفة ، والاجتهاد لإرجاع الأحاديث الصحيحة إليه إن كان ظاهرها يوهم المخالفة"، أضواء على السنة المحمدية، ص 391.

[28] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ص 33

[29] بحوث في علم الأصول، ج 7، ص 334.

[30] قاعدة لا ضرر للسيد السيستاني ص213.

[31] الكافي، ج 1، ص 69. وعنه وسائل الشيعة ج 27 ص 110، الحديث 9 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي، ونحوه روايات أخرى.

[32] الكافي، ج 1، ص 69.

[33] بحوث في علم الأصول، ج 7، ص 334.

[34] الكافي، ج 1، ص 60، وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 231.

[35] فهم (ع) في موقع المبيّن للكتاب، وقد كانوا يستفيدون من روح القرآن الكريم، في بيان تفاصيل الشريقة، أو غيرها، فدورهم دور من يستقي من معين القرآن ويستلهم معارفه ويقدم من خلال ذلك معالجات تفصيلية لمشكلات الأمة على الصعيد التشريعي والعقدي والأخلاقي.

[36] بحوث في علم الأصول، ج 7، ص 334.

[37] باعتبار أن أحد مناشىء المعارضة مع الكتاب هي الوضع.

[38] الكافي، ج 5، ص 352، وعنه وسائل الشيعة الحديث 1 الباب 32 من مقدمات النكاح.

[39] علل الشرائع، ج 2، ص 393.

[40] الكافي، ج 5، ص 352.

[41] لاحظ قوله (ع) عن الخوز:"لأنّ لهم عرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء"، ولاحظ قوله عن الزنج "لأنّهم خلق مشوه".

[42] لاحظ الحديث عن العرق، أو الخلق.

[43] كتاب النكاح تقريراً لبحث السيد فضل الله، ج1، ص125.

[44] الكافي، ج 5، ص 347، وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 394.

[45] الخبر رواه الكليني في الكافي عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ع إِذِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْه رَجُلٌ فَأَذِنَ لَه فَدَخَلَ عَلَيْه فَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِه أَبُو جَعْفَرٍ ع وأَدْنَاه وسَائَلَه فَقَالَ الرَّجُلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي خَطَبْتُ إِلَى مَوْلَاكَ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ابْنَتَه فُلَانَةَ فَرَدَّنِي ورَغِبَ عَنِّي وازْدَرَأَنِي لِدَمَامَتِي وحَاجَتِي وغُرْبَتِي وقَدْ دَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ غَضَاضَةٌ هَجْمَةٌ غُضَّ لَهَا قَلْبِي تَمَنَّيْتُ عِنْدَهَا الْمَوْتَ ( 3 ) فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع اذْهَبْ فَأَنْتَ رَسُولِي إِلَيْه وقُلْ لَه يَقُولُ لَكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع زَوِّجْ مُنْجِحَ بْنَ رَبَاحٍ مَوْلَايَ ابْنَتَكَ فُلَانَةَ ولَا تَرُدَّه قَالَ أَبُو حَمْزَةَ

فَوَثَبَ الرَّجُلُ فَرِحاً مُسْرِعاً بِرِسَالَةِ أَبِي جَعْفَرٍ ع فَلَمَّا أَنْ تَوَارَى الرَّجُلُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ رَجُلاً كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ يُقَالُ لَه جُوَيْبِرٌ أَتَى رَسُولَ اللَّه ص مُنْتَجِعاً لِلإِسْلَامِ ( 1 ) فَأَسْلَمَ وحَسُنَ إِسْلَامُه وكَانَ رَجُلاً قَصِيراً دَمِيماً مُحْتَاجاً عَارِياً وكَانَ مِنْ قِبَاحِ السُّودَانِ فَضَمَّه رَسُولُ اللَّه ص لِحَالِ غُرْبَتِه وعَرَاه وكَانَ يُجْرِي عَلَيْه طَعَامَه صَاعاً مِنْ تَمْرٍ بِالصَّاعِ الأَوَّلِ وكَسَاه شَمْلَتَيْنِ وأَمَرَه أَنْ يَلْزَمَ الْمَسْجِدَ ويَرْقُدَ فِيه بِاللَّيْلِ فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه حَتَّى كَثُرَ الْغُرَبَاءُ مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي الإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ بِالْمَدِينَةِ وضَاقَ بِهِمُ الْمَسْجِدُ فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِلَى نَبِيِّه ص أَنْ طَهِّرْ مَسْجِدَكَ وأَخْرِجْ مِنَ الْمَسْجِدِ مَنْ يَرْقُدُ فِيه بِاللَّيْلِ ومُرْ بِسَدِّ أَبْوَابِ مَنْ كَانَ لَه فِي مَسْجِدِكَ بَابٌ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ع ومَسْكَنَ فَاطِمَةَ ع ولَا يَمُرَّنَّ فِيه جُنُبٌ ولَا يَرْقُدْ فِيه غَرِيبٌ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه ص بِسَدِّ أَبْوَابِهِمْ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ع وأَقَرَّ مَسْكَنَ فَاطِمَةَ ع عَلَى حَالِه قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ لِلْمُسْلِمِينَ سَقِيفَةٌ فَعُمِلَتْ لَهُمْ وهِيَ الصُّفَّةُ ثُمَّ أَمَرَ الْغُرَبَاءَ والْمَسَاكِينَ أَنْ يَظَلُّوا فِيهَا نَهَارَهُمْ ولَيْلَهُمْ فَنَزَلُوهَا واجْتَمَعُوا فِيهَا فَكَانَ رَسُولُ اللَّه ص يَتَعَاهَدُهُمْ بِالْبُرِّ والتَّمْرِ والشَّعِيرِ والزَّبِيبِ إِذَا كَانَ عِنْدَه وكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَاهَدُونَهُمْ ويَرِقُّونَ عَلَيْهِمْ لِرِقَّةِ رَسُولِ اللَّه ص ويَصْرِفُونَ صَدَقَاتِهِمْ إِلَيْهِمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه ص نَظَرَ إِلَى جُوَيْبِرٍ ذَاتَ يَوْمٍ بِرَحْمَةٍ مِنْه لَه ورِقَّةٍ عَلَيْه فَقَالَ لَه يَا جُوَيْبِرُ لَوْ تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً فَعَفَفْتَ بِهَا فَرْجَكَ وأَعَانَتْكَ عَلَى دُنْيَاكَ وآخِرَتِكَ فَقَالَ لَه جُوَيْبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّه بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي مَنْ يَرْغَبُ فِيَّ فَوَاللَّه مَا مِنْ حَسَبٍ ولَا نَسَبٍ ولَا مَالٍ ولَا جَمَالٍ فَأَيَّةُ امْرَأَةٍ تَرْغَبُ فِيَّ فَقَالَ لَه رَسُولُ اللَّه ص يَا جُوَيْبِرُ إِنَّ اللَّه قَدْ وَضَعَ بِالإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَرِيفاً وشَرَّفَ بِالإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَضِيعاً وأَعَزَّ بِالإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَلِيلاً وأَذْهَبَ بِالإِسْلَامِ مَا كَانَ مِنْ نَخْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وتَفَاخُرِهَا بِعَشَائِرِهَا وبَاسِقِ أَنْسَابِهَا ( 2 ) فَالنَّاسُ الْيَوْمَ كُلُّهُمْ أَبْيَضُهُمْ وأَسْوَدُهُمْ وقُرَشِيُّهُمْ وعَرَبِيُّهُمْ وعَجَمِيُّهُمْ مِنْ آدَمَ وإِنَّ آدَمَ خَلَقَه اللَّه مِنْ طِينٍ وإِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَعُهُمْ لَه وأَتْقَاهُمْ ومَا أَعْلَمُ يَا جُوَيْبِرُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَضْلاً إِلَّا لِمَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّه مِنْكَ وأَطْوَعَ ثُمَّ قَالَ لَه انْطَلِقْ يَا جُوَيْبِرُ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ فَإِنَّه مِنْ أَشْرَفِ بَنِي بَيَاضَةَ حَسَباً فِيهِمْ فَقُلْ لَه إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّه إِلَيْكَ وهُوَ يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ، قَالَ فَانْطَلَقَ جُوَيْبِرٌ بِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّه ص إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وهُوَ فِي مَنْزِلِه وجَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِه عِنْدَه فَاسْتَأْذَنَ فَأُعْلِمَ فَأَذِنَ لَه فَدَخَلَ وسَلَّمَ عَلَيْه ثُمَّ قَالَ يَا زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّه إِلَيْكَ فِي حَاجَةٍ لِي فَأَبُوحُ بِهَا أَمْ أُسِرُّهَا إِلَيْكَ فَقَالَ لَه زِيَادٌ بَلْ بُحْ ( 3 ) بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ شَرَفٌ لِي وفَخْرٌ فَقَالَ لَه جُوَيْبِرٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ فَقَالَ لَه زِيَادٌ أرَسُولُ اللَّه أَرْسَلَكَ إِلَيَّ بِهَذَا فَقَالَ لَه نَعَمْ مَا كُنْتُ لأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص فَقَالَ لَه زِيَادٌ إِنَّا لَا نُزَوِّجُ فَتَيَاتِنَا إِلَّا أَكْفَاءَنَا مِنَ الأَنْصَارِ فَانْصَرِفْ يَا جُوَيْبِرُ حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللَّه ص فَأُخْبِرَه بِعُذْرِي فَانْصَرَفَ جُوَيْبِرٌ وهُوَ يَقُولُ واللَّه مَا بِهَذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ ولَا بِهَذَا ظَهَرَتْ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ ص فَسَمِعَتْ مَقَالَتَه الذَّلْفَاءُ بِنْتُ زِيَادٍ وهِيَ فِي خِدْرِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا ادْخُلْ إِلَيَّ فَدَخَلَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَه مَا هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُه مِنْكَ تُحَاوِرُ بِه جُوَيْبِراً فَقَالَ لَهَا ذَكَرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّه ص أَرْسَلَه وقَالَ يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّه ص زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ فَقَالَتْ لَه واللَّه مَا كَانَ جُوَيْبِرٌ لِيَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّه ص بِحَضْرَتِه فَابْعَثِ الآنَ رَسُولاً يَرُدُّ عَلَيْكَ جُوَيْبِراً فَبَعَثَ زِيَادٌ رَسُولاً فَلَحِقَ جُوَيْبِراً فَقَالَ لَه زِيَادٌ يَا جُوَيْبِرُ مَرْحَباً بِكَ اطْمَئِنَّ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ ثُمَّ انْطَلَقَ زِيَادٌ إِلَى رَسُولِ اللَّه ص فَقَالَ لَه بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي إِنَّ جُوَيْبِراً أَتَانِي بِرِسَالَتِكَ وقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ فَلَمْ أَلِنْ لَه بِالْقَوْلِ ورَأَيْتُ لِقَاءَكَ ونَحْنُ لَا نَتَزَوَّجُ إِلَّا أَكْفَاءَنَا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ لَه رَسُولُ اللَّه ص يَا زِيَادُ - جُوَيْبِرٌ مُؤْمِنٌ والْمُؤْمِنُ كُفْوٌ لِلْمُؤْمِنَةِ والْمُسْلِمُ كُفْوٌ لِلْمُسْلِمَةِ فَزَوِّجْه يَا زِيَادُ ولَا تَرْغَبْ عَنْه قَالَ فَرَجَعَ زِيَادٌ إِلَى مَنْزِلِه ودَخَلَ عَلَى ابْنَتِه فَقَالَ لَهَا مَا سَمِعَه مِنْ رَسُولِ اللَّه ص فَقَالَتْ لَه إِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَ رَسُولَ اللَّه ص كَفَرْتَ فَزَوِّجْ جُوَيْبِراً فَخَرَجَ زِيَادٌ فَأَخَذَ بِيَدِ جُوَيْبِرٍ ثُمَّ أَخْرَجَه إِلَى قَوْمِه فَزَوَّجَه عَلَى سُنَّةِ اللَّه وسُنَّةِ رَسُولِه ص وضَمِنَ صَدَاقَه قَالَ فَجَهَّزَهَا زِيَادٌ وهَيَّؤُوهَا ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَى جُوَيْبِرٍ فَقَالُوا لَه ألَكَ مَنْزِلٌ فَنَسُوقَهَا إِلَيْكَ فَقَالَ واللَّه مَا لِي مِنْ مَنْزِلٍ قَالَ فَهَيَّؤُوهَا وهَيَّؤُوا لَهَا مَنْزِلاً وهَيَّؤُوا فِيه فِرَاشاً ومَتَاعاً وكَسَوْا جُوَيْبِراً ثَوْبَيْنِ وأُدْخِلَتِ الذَّلْفَاءُ فِي بَيْتِهَا وأُدْخِلَ جُوَيْبِرٌ عَلَيْهَا مُعَتِّماً، فَلَمَّا رَآهَا نَظَرَ إِلَى بَيْتٍ ومَتَاعٍ ورِيحٍ طَيِّبَةٍ قَامَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَلَمْ يَزَلْ تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وسَاجِداً حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَمَّا سَمِعَ النِّدَاءَ خَرَجَ وخَرَجَتْ زَوْجَتُه إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأَتْ وصَلَّتِ الصُّبْحَ فَسُئِلَتْ هَلْ مَسَّكِ فَقَالَتْ مَا زَالَ تَالِياً لِلْقُرْآنِ ورَاكِعاً وسَاجِداً حَتَّى سَمِعَ النِّدَاءَ فَخَرَجَ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وأَخْفَوْا ذَلِكَ مِنْ زِيَادٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُوهَا فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّه ص فَقَالَ لَه بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّه أَمَرْتَنِي بِتَزْوِيجِ جُوَيْبِرٍ ولَا واللَّه مَا كَانَ مِنْ مَنَاكِحِنَا، ولَكِنْ طَاعَتُكَ أَوْجَبَتْ عَلَيَّ تَزْوِيجَه فَقَالَ لَه النَّبِيُّ ص فَمَا الَّذِي أَنْكَرْتُمْ مِنْه قَالَ إِنَّا هَيَّأْنَا لَه بَيْتاً ومَتَاعاً وأُدْخِلَتِ ابْنَتِيَ الْبَيْتَ وأُدْخِلَ مَعَهَا مُعَتِّماً فَمَا كَلَّمَهَا ولَا نَظَرَ إِلَيْهَا ولَا دَنَا مِنْهَا بَلْ قَامَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَلَمْ يَزَلْ تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وسَاجِداً حَتَّى سَمِعَ النِّدَاءَ فَخَرَجَ ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ ومِثْلَ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ ولَمْ يَدْنُ مِنْهَا ولَمْ يُكَلِّمْهَا إِلَى أَنْ جِئْتُكَ ومَا نَرَاه يُرِيدُ النِّسَاءَ فَانْظُرْ فِي أَمْرِنَا فَانْصَرَفَ زِيَادٌ وبَعَثَ رَسُولُ اللَّه ص إِلَى جُوَيْبِرٍ فَقَالَ لَه أمَا تَقْرَبُ النِّسَاءَ فَقَالَ لَه جُوَيْبِرٌ أومَا أَنَا بِفَحْلٍ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّه إِنِّي لَشَبِقٌ نَهِمٌ إِلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ لَه رَسُولُ اللَّه (ص): قَدْ خُبِّرْتُ بِخِلَافِ مَا وَصَفْتَ بِه نَفْسَكَ قَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ هَيَّؤُوا لَكَ بَيْتاً وفِرَاشاً ومَتَاعاً وأُدْخِلَتْ عَلَيْكَ فَتَاةٌ حَسْنَاءُ عَطِرَةٌ وأَتَيْتَ مُعَتِّماً فَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا ولَمْ تُكَلِّمْهَا ولَمْ تَدْنُ مِنْهَا فَمَا دَهَاكَ إِذَنْ؟ فَقَالَ لَه جُوَيْبِرٌ يَا رَسُولَ اللَّه دَخَلْتُ بَيْتاً وَاسِعاً ورَأَيْتُ فِرَاشاً ومَتَاعاً وفَتَاةً حَسْنَاءَ عَطِرَةً وذَكَرْتُ حَالِيَ الَّتِي كُنْتُ عَلَيْهَا وغُرْبَتِي وحَاجَتِي ووَضِيعَتِي وكِسْوَتِي مَعَ الْغُرَبَاءِ والْمَسَاكِينِ فَأَحْبَبْتُ إِذْ أَوْلَانِي اللَّه ذَلِكَ أَنْ أَشْكُرَه عَلَى مَا أَعْطَانِي وأَتَقَرَّبُ إِلَيْه بِحَقِيقَةِ الشُّكْرِ فَنَهَضْتُ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ فَلَمْ أَزَلْ فِي صَلَاتِي تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وسَاجِداً أَشْكُرُ اللَّه حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَخَرَجْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ أَنْ أَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ولَيَالِيَهَا ورَأَيْتُ ذَلِكَ فِي جَنْبِ مَا أَعْطَانِي اللَّه يَسِيراً ولَكِنِّي سَأُرْضِيهَا وأُرْضِيهِمُ اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللَّه فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّه ص إِلَى زِيَادٍ فَأَتَاه فَأَعْلَمَه مَا قَالَ جُوَيْبِرٌ فَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ قَالَ ووَفَى لَهَا جُوَيْبِرٌ بِمَا قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص خَرَجَ فِي غَزْوَةٍ لَه ومَعَه جُوَيْبِرٌ فَاسْتُشْهِدَ رَحِمَه اللَّه تَعَالَى فَمَا كَانَ فِي الأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقُ مِنْهَا بَعْدَ جُوَيْبِرٍ"، الكافي، ج 5، ص 339 - 343، وسائل الشيعة الحديث 1الباب 45 من مقدمات النكاح.

[46] في الحبر عن هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع أَنَّ رَسُولَ اللَّه ص زَوَّجَ الْمِقْدَادَ بْنَ أَسْوَدَ - ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا زَوَّجَهَا الْمِقْدَادَ لِتَتَّضِعَ الْمَنَاكِحُ ولِيَتَأَسَّوْا بِرَسُولِ اللَّه ص ولِتَعْلَمُوا أَنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ وكَانَ الزُّبَيْرُ أَخَا عَبْدِ اللَّه وأَبِي طَالِبٍ لأَبِيهِمَا وأُمِّهِمَا"، الكافي، ج 5، ص 344.

[47] تاريخ الطبري، ج 1، ص 82، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 1، ص 760. وفي خبر آخر عن قتادة قال: وضع الله تعالى البيت مع آدم فكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض فكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعا فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم فشكا ذلك إلى الله، فقال الله: يا آدم إني أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي وتصلى عنده كما يصلى عند عرش فانطلق إليه آدم عليه السلام فخرج فمد له في خطوه فكان بين كل خطوة مفازة فلم تزل تلك المفاوز بعد ذلك فأتى آدم عليه السلام البيت فطاف به ومن بعده الأنبياء"، تاريخ الطبري، ج 1، ص 82، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 1، ص 760.

[48] صحيح البخاري، ج 7، ص 125، وصحيح مسلم، ج 8، ص 148.

[49] الكافي، ج 8، ص 233. والرواية ضعيفة السند بمقاتل بن سليمان، كما سيأتي.

[50] قال الشيخ الطوسي: "قال الزجاج والرماني : كان أقصرهم طوله سبعين ذراعا وأطولهم مئة ذراع . وقال قوم : كان أقصرهم اثني عشر ذراعا . وقال أبو جعفر ( ع ): كانوا كأنهم النخل الطوال ، وكان الرجل منهم ينحت الجبل بيده فيهدم منه قطعة "، التبيان، ج 4، ص 445. وقوله: "قال أبو جعفر (ع)"، لا يعلم أنّ المراد به الإمام الباقر (ع)، كما سنذكر في الملحق رقم (1). وإن جاء عقيبه إشارة (ع)، وكذلك نسبه من جاء بعده إلى الباقر (ع)، انظر: جوامع الجامع، ج 1، ص 668، ولا سيما أنه لو كان ثمة رواية عنه (ع) بذلك فلمَ لم تذكر في مصادر الحديث والتفسير؟!، على أن المناسب أن يقول روي عن أبي جعفر (ع)، أو المروي عنه أو نظائر ذلك، إلا إذا كان جازماً بصدوره عنه.  

[51] تفسير جوامع الجامع، ج 1، ص 488.

[52] قال الطبري: " حدثني عبد الكريم بن الهيثم ، قال : ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : ثنا سفيان ، قال : قال أبو سعيد ، قال عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين ، قال : فسار موسى بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة ، وهي أريحاء . فبعث إليهم اثني عشر عينا ، من كل سبط منهم عينا ، ليأتوه بخبر القوم . قال : فدخلوا المدينة ، فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجثثهم وعظمهم ، فدخلوا حائطا لبعضهم ، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه ، فجعل يجتني الثمار وينظر إلى آثارهم وتتبعهم ، فكلما أصاب واحدا منهم أخذه ، فجعله في كمه مع الفاكهة . وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه ، فقال الملك : قد رأيتم شأننا وأمرنا ، اذهبوا فأخبروا صاحبكم قال : فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم "، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 6، ص 238. قال ابن كثير تعليقاً على هذا الخبر: "وفي الإسناد نظر"، تفسير القرآن العظيم، ج 2، ص 40

[53] ففي رواية أخرى للطبري: "حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قال : هي مدينة الجبارين ، لما نزل بها موسى وقومه ، بعث منهم اثني عشر رجلا ، وهم النقباء الذين ذكر نعتهم ليأتوه بخبرهم . فساروا ، فلقيهم رجل من الجبارين ، فجعلهم في كسائه ، فحملهم حتى أتى بهم المدينة ، ونادى في قومه ، فاجتمعوا إليه ، فقالوا : من أنتم ؟ فقالوا: نحن قوم موسى ، بعثنا إليكم لنأتيه بخبركم ، فأعطوهم حبة من عنب بوقر الرجل ، فقالوا لهم : اذهبوا إلى موسى وقومه ، فقولوا لهم : اقدروا قدر فاكهتهم فلما أتوهم ، قالوا لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون "، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 6، ص 242.

[54] قال الشيخ الطوسي: "قال مجاهد: كانت فاكهتهم لا يقدر على حمل عنقود لهم خمسة رجال بالخشب . ويدخل في قشر رمانة خمسة رجال . وإن موسى كان طوله عشرة أذرع وله عصا طولها مثل ذلك ونزا من الأرض مثل ذلك ، فبلغ كعب عوج بن عوق فقتله . وقيل كان سريره مئة ذراع"، التبيان، ج 3، ص 485.

[55] تفسير القرآن العظيم، ج 2، ص 40.

[56] الأخبار الدخيلة، ج1، ص 238.

[57]عيون أخبار الرضا (ع) ج2 ص110.

[58] قال العلامة: "مقاتل بن سليمان ، من أصحاب الباقر ( عليه السلام ) ، بتري ، قاله الشيخ الطوسي رحمه الله والكشي ، وقال البرقي: إنه عامي"، انظر: خلاصة الأقوال، ص 410. وفي كتب السنة اتهم الرجل بكونه كذاباً، فقد روى العقيلي عن وكيع قال: "مقاتل بن سليمان كذاب"، ضعفاء العقيلي، ج 4، ص 239، وذكره ابن حبان في المجروحين، فقال :" مقاتل بن سليمان الخراساني : مولى الأزد ، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة، وبها مات بعد خروج الهاشمية، كنيته أبو الحسن ، كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان شبهياً يشبه الرب بالمخلوقين، وكان يَكْذِبُ مع ذلك في الحديث . أخبرنا عمرو بن محمد قال : حدثنا محمد بن حبال قال : حدثنا عمر بن عبد الغفار: سمعت سفيان بن عيينة وذكر عنده مقاتل بن سليمان فقال : كنت أتيته سرا فقلت له : إن الناس يزعمون أنك لم تسمع من الضحاك فقال . لقد كان يغلق على وعليه باب واحد . سمعت إبراهيم بن محمد بن يوسف قال . سمعت الخضر بن حيان. سمعت يحيى بن نصر بن حاجب: سمعت أبا حنيفة يقول : يا أبا يوسف احذر صنفين من خراسان الجهمية والمقاتلية"، المجروحين، 3، ص 14. وقد روى الخطيب البغدادي أنّ مقاتل بن سليمان قال للمهدي العباسي: "إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس؟!" فقال له المهدي: "لا حاجة لي فيها"، تاريخ بغداد، ج 13، ص 168.

[59] المجروحين، 3، ص 14.

[60] السنن الكبرى، ج 1، ص 540.

[61] الكتاب المقدس، ص 4.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon